أمراض "فتاكة" تسيطر على قرية في ذي قار والسبب القصف الأمريكي عام 2003.. ماذا يقول سكانها؟
انفوبلس/ تقرير
منذ العام 2004 ولغاية الآن تظهر أمراض "فتاكة" على سكان قرية آل ملال الواقعة شمالي محافظة ذي قار التي لا يتجاوز عدد سكانها 600 نسمة، وتحصد أرواح المواطنين وفي مقدمتها الضمور العقلي والشلل الرباعي والسرطان بأنواعه، الأمر الذي أثار الذعر بين الأهالي، ويسلط تقرير شبكة "انفوبلس"، الضوء على حديث سكان القرية والمختصين.
يرجح بعض المختصين أن هذه الأمراض ناتجة عن تأثيرات جينية، بينما يُصرّ أهالي القرية على أنها نتاج القصف الأمريكي الذي تعرضت له المنطقة بعد الاحتلال عام 2003، حيث استهدفت عربات عسكرية بالقرب من القرية، مما أدى إلى تلوث التربة والمياه، إذ لم تكن هذه الأمراض مألوفة لديهم قبل عشرات السنين من الآباء والأجداد، ولم تظهر هذه الأمراض إلا بعد العام 2004.
*حديث سكان القرية
تقول نغم قاسم (28 عاما)، بأنها أُصيبت بـ"ورم في الدماغ لم أعرف طبيعته وأُجريت عملية جراحية لإزالته وبعدها بدأ بصري يضعف وفكي السفلي يميل نحو الجانب الأيمن، وهذه الحالات ظهرت لدي منذ العام 2004".
وتضيف، "لم أستطع ممارسة حياتي بشكل طبيعي، وأنا أستعين بأحد أبناء أخي أو زوجته لقضاء احتياجاتي، فهذا المرض أثر علي بشكل كبير، ولم أسمع من والدي أن أحدا من أقاربنا أو معارفنا أُصيب بمثل هذه الأمراض".
وكانت وزارة الصحة قد أعلنت في 31 تشرين الأول أكتوبر 2022، أن أكثر من 30 ألف مصاب بالسرطان يتلقون العلاج حاليا في البلاد، والذي يُعد أحد مسببات الوفيات العشر الأولى في العراق، وكذلك في الشرق الأوسط، مبينة أن السرطان هو مشكلة عالمية متصاعدة، حيث إن نسب الإصابة به في العراق دون 80 حالة لكل 100 ألف عراقي في العام الواحد، وأن الحالات المسجلة في البلاد هي ضمن المعدل العالمي.
أما حيدر فالح (17 عاما)، فيشرح بالقول، "أُصبت بمرض الكساح منذ عمر الأربع سنوات، ثم أُصيبت به شقيقتي أيضا"، مضيفا، "اضطرتنا هذه الإعاقة إلى ترك الدراسة رغم أننا كنا في المرحلة النهائية من الدراسة الابتدائية، لكن بسبب تنمر الأطفال علينا والإساءة لنا اضطررنا إلى ترك الدراسة".
ويُعرف الكساح بأنه حالة نقص في فيتامين (دي) يسبّب تليّناً وضعفا في العظام، ونقصا في الكالسيوم والفوسفات، ينتج عنه صعوبة في الحفاظ على المستويات المناسبة للكالسيوم والفوسفور بالعظام، منتهياً بالإصابة بالكساح.
وقد ثبت أن إضافة فيتامين (دي) أو الكالسيوم إلى النظام الغذائي يصحح مشكلات العظام المرتبطة بالكساح بوجه عام، أما عندما تكون الإصابة بالكساح ناتجة عن مشكلة طبية أخرى كامنة، فقد يحتاج العلاج إلى أدوية إضافية أو طريقة علاج أخرى، وكذلك الحال مع الاضطرابات الوراثية النادرة المرتبطة بمستويات الفوسفور المنخفضة، وهو المكون المعدني الآخر في العظام.
*السبب القصف الأمريكي
بدوره يقول صادق عاشور، أحد وجهاء قرية آل ملال، "لديَّ طفلان مصابان بضمور عقلي، هذه القرية التي يبلغ نفوسها 600 نسمة ظهرت فيها إعاقات مختلفة الأنواع والأشكال، وكانت أولى الإصابات في نهايات العام 2004، ونرى أن هذه الإصابات ظهرت بعد الاحتلال الأمريكي عندما قاموا بقصف العربات العسكرية التي كانت على مسافة قريبة من قرية آل ملال".
ويلفت عاشور، إلى أن "الأهالي قاموا في حينها بتقطيع تلك العربات للاستفادة من حديدها كسقوف لحضائر الحيوانات وأيضا لصناعة المناجل، فلم نمتلك وعياً بأضرار التعامل مع المواد التي تعرضت للقصف".
ويؤكد، أن "أبرز الإصابات التي ظهرت هي الشلل الرباعي والضمور العقلي والأمراض السرطانية والعمى، ولدينا حاليا 40 مصابا، والحديث حول أسباب الإصابات هي الجينات الوراثية وزواج الأقارب لا نراه مقنعاً لأن هذه الأمراض لم تظهر لدى الآباء والأجداد".
وقد أعلنت محافظة ذي قار في السنوات الماضية عن وجود العديد من المخلفات الملوثة إشعاعيا في مناطق مختلفة من المحافظة وتم جمعها ووضعها في محجر مؤقت يقع جنوب المحافظة بمنطقة صحراوية.
*مختصون يخالفون الرواية
من جهته، يصرح مدير عام حماية وتحسين البيئة في الجنوب محسن عزيز، أن "دائرة البيئة في ذي قار أجرت عملية فحص للتربة والمياه بعد سحب عدة نماذج في الفترة السابقة ولم يثبت أن هناك تلوثا إشعاعيا في القرية".
ويردف، "ما موجود هو تشوهات خلقية نتيجة زواج الأقارب وسيتم توجيه دائرة البيئة من جديد لإجراء عملية فحص آخر شامل على المستوى الكيمياوي والإشعاعي لغرض الوقوف على الواقع البيئي الحقيقي".
وكان مدير مركز الوقاية من الإشعاع في وزارة البيئة صباح الحسيني، قد أكد في تصريح صحفي أن الوزارة أعلنت في وقت سابق عن خلو محافظتي البصرة وميسان من الإشعاع، كما وسنعلن عن خلو محافظة ذي قار من التلوث الإشعاعي خلال الأيام المقبلة.
وكانت الوكالة الدولية للطاقة الذرية قد أعلنت في شهر نيسان أبريل 2023، أن العراق يحرز تقدما في تحسين خدمات مكافحة السرطان، وينفذ توصية البعثة الاستعراضية المتكاملة لبرنامج العمل من أجل علاج السرطان.
* أبرز الأمراض التي يعانيها العراقيون بسبب الغزو الأميركي
أدى الاجتياح الأميركي للعراق قبل أكثر من 20 عاما، إلى تردي الأوضاع الصحية وانتشار الكثير من الأمراض والأوبئة التي لا يزال يعاني منها العراقيون، خاصة ما يتعلق بالأورام السرطانية والتشوهات الجنينية، بحسب تقارير دولية، التي أكدت أن التدهور الصحي منذ غزو عام 2003 تسبب بتفشي العديد من الأوبئة مثل الحمى النزفية والسل والأمراض القلبية والسرطانية وغيرها من الأمراض الفتاكة التي فاقمت معاناة الشعب العراقي.
ويؤكد المختص بالصحة العامة الدكتور زياد حازم وجود الكثير من الأمراض الانتقالية وغير الانتقالية التي تفشت في عموم البلاد منذ الغزو الأميركي، مشيرا إلى ازدياد ملحوظ في الأمراض السرطانية المرتبطة بالملوثات البيئية والأطعمة المسرطنة.
ويستدل حازم على ذلك من خلال زيادة أعداد الأطباء والمستشفيات والأجهزة ذات الصلة بالأمراض السرطانية والأورام بصورة عامة والتي أسهمت بشكل كبير في التشخيص المبكر واكتشاف الارتفاع الكبير في عدد الإصابات.
وفيما يتعلق بالتشوهات الجنينية، شهد العراق ازديادا ملحوظا في نسبتها عقب عام 2003، إذ يرجح حازم أن تكون أسبابها مرتبطة بالغزو الأميركي وما صاحبه من استخدام بعض الأسلحة المحرمة، خاصة في الفلوجة (غربي البلاد) والبصرة ومدن جنوبية أخرى.
ويعرب المختص بالصحة العامة، عن أسفه الشديد لعودة ظهور بعض الأمراض الخطيرة، بعد أن نجح العراق في القضاء عليها قبل الغزو، ومن أبرزها الملاريا والكوليرا وشلل الأطفال، حيث يرجع ذلك للدمار الذي طال القطاع الصحي عقب الغزو، مستدركا بالقول إن القطاع الصحي العراقي يشهد في الفترة الأخيرة تحسنا ملحوظا.
كما تسبب التلوث الجوي في العراق بسبب العمليات العسكرية إلى زيادة الأمراض التنفسية، كما انتشرت الأمراض القلبية المرتبطة بالأزمات، حيث تزايدت أمراض تصلب الشرايين والذبحة القلبية واحتشاء العضلة القلبية التي باتت تنتشر في أعمار أصغر من المألوف؛ وذلك لعوامل نفسية مرتبطة بكثرة الحروب والصراعات، فضلا عن تناول الأطعمة غير الصحية الغنية بالدهون، كما يوضح حازم.
ويقول الطبيب الاختصاصي في الأورام السرطانية خلدون النجفي، إن "العراق بعد عام 2003 وما تلاه من معارك وأحداث تحوَّل إلى حقل تجارب لمختلف الأسلحة والمتفجرات انعكست سلباً على واقعه الصحي، ما جعله بيئة حاضنة للأوبئة والأمراض القاتلة".
ويضيف، إن "أغلب الأمراض التي انتشرت في العراق مؤخراً، هي أمراض مستجدَّة عابرة للقارات، لم تكن معروفة لدى العراقيين قبل عام 2003، بالإضافة إلى بعض الأمراض المنبعثة التي تم القضاء عليها في سنوات الحصار الأمريكي إبان فترة التسعينيات، وانتشرت بشكل وبائي يهدد حياة العراقيين".
وأشار إلى أن "أبرز هذه الأمراض مرض الحمى النزفية والإيدز والسرطان والتشوهات الولادية والطاعون والسل والجدري والجرب والكوليرا، فضلاً عن الأمراض المنتشرة بين الماشية والأغنام"، لافتاً إلى أن "معظم هذه الأمراض أمراض فتاكة وقاتلة، لكن بشكل بطيء".
ومن جهته أكد الخبير في الطب العسكري محمد الصجري، أن "40% من الأمراض التي انتشرت حديثاً في العراق ترجع إلى استخدام أحيائها الدقيقة في إنتاج الأسلحة والمتفجرات"، لافتاً إلى أنه "خلال الحرب العراقية-الأمريكية عام 2003، أطلقت القوات الأمريكية أكثر من 300 ألف قذيفة يورانيوم، سقطت في مناطق مختلفة من العراق، فضلاً عن معركتي الفلوجة الأولى والثانية في عام 2004".