أهوار العراق تموت عطشاً.. والجفاف يقتل 95% من مساحاتها
انفوبلس/..
أصبح الجفاف في العراق يشكل خطرًا حقيقيًا وملموسًا على مستويات عديدة ترتبط بحياة الناس وعيشهم ومدنهم، إذ فقدت أهوار العراق والتي تسمى "جنة عدن" مياهها مؤخرًا، في حين تقف الحكومة عاجزة عن إيجاد الحلول لهذه الأزمة مع تعنت كل من تركيا وإيران بعدم زيادة الإطلاقات المائية تجاه الأراضي العراقية.
نزح العديد من العراقيين الذين يسكنون في مناطق أهوار جنوب العراق
وعلى صعيد الأشهر الماضية ومنذ العام 2021 تحديدًا، قطعت كل من تركيا وإيران معظم التدفقات المائية نحو العراق، الأمر الذي تسبّب بجفاف اجتاح أغلب البحيرات والأنهر، مما أجبر الحكومة عن تشكيل لجان لبحث هذه الأزمة مع دول المنبع لكن دون فائدة.
وتعرضت مناطق الأهوار في جنوبي العراق على وجه الخصوص إلى موجة جفاف غير مسبوقة جراء الأزمة المائية التي تضرب البلاد، مسببة هجرات جديدة طالت المواطنين الذين يسكنون بالقرى المحاذية للأهوار، فضلاً عن تسجيل خسائر كبيرة تعرضت لها الحيوانات والمزروعات.
كوارث بيئية
أزمة المياه في العراق وخصوصًا في الأهوار لها آثار سلبية على واقع الأحياء مثل الزواحف والطيور الأسماك وحتى النباتات في عموم البلاد، بحسب الخبير البيئي في منظمة الأهور، جاسم الأسدي.
وبحسب الأسدي، فإنّ العراق معرض لتغيير جغرافي على خلفية زحف أهالي الأهوار صوب المدن بحثًا عن المياه بعد فقدان الحياة في مناطقهم، فضلًا عن تسبب الجفاف بكوارث بيئية وزيادة كبيرة في نسب الملوثات المتوقعة.
ويقول الأسدي إنّ "نسب المياه في عموم أهوار العراق لا تزيد الآن عن الـ 12%، مما يعني أن المساحات المغمورة بالمياه أصبحت لا تتجاوز الـ 700 كم فقط في جميع المحافظات".
وأهوار الحويزة هي الأكثر تضررًا من الجفاف في العراق، فيما تأتي أهوار المحافظات الوسطى (هور الحمار الغربي والشرقي) في المركز الثاني، بينما كان ترتيب البحيرات القريبة من الأهوار على صعيد المتضررين هي (بحيرة أم النعاج في هور الحويزة، والبحيرة البغدادية في المناطق الوسطى)، ووفقًا للمعلومات التي حصل "انفوبلس" عليها.
ويشير الأسدي إلى أنّ "الجفاف سيكون له أضرار كبيرة على مستوى وجود الأهوار على لائحة التراث العالمي، كون عملية دخول العراق ضمن منظمة اليونسكو كان مبنيًا على أساس وجود التنوع الأحيائي والحيواني في الأهوار".
وفي تموز/ يوليو من العام 2016، وافقت منظمة اليونسكو على إدراج أهوار العراق على لائحة التراث العالمي واعتبارها محمية طبيعية، لكنّ الأزمة المائية الاخيرة في البلاد الآن قد تفتح الباب أمام اليونسكو لاتخاذ قرارات نحو رفع الأهوار من اللائحة العالمية لما تعانيه بسبب الجفاف التي اجتاحها خلال العام 2022.
واضطر العراق، نهاية العام 2021، إلى تقليص المساحات الزراعية للموسم الشتوي المقبل في العام الجاري، إلى النصف بعد تفاقم أزمة المياه في العراق.
الموت يتصدر المشهد
في ذي قار، اجتاح الجفاف في الأهوار 95% منها، أما المياه المتبقية أصبحت صفراء اللوان وبدرجات ملوحة وصلت إلى أرقام مرتفعة جدًا، بحسب الباحث في شؤون الأهور، علي الأهواري.
وتحدث الأهواري، قائلًا إنّ "هناك أعدادًا كبيرة من الجاموس، في أهوار المحافظة نفقت بسبب قلة الماء وكثرة وحولته، الأمر الذي أسفر بدوره عن تراجع نسب عيش هذا النوع من الحيوانات في هذه المنطقة".
وبشأن الثروة السمكية، أشار الباحث العراقي إلى أن "الأسماك في أهوار الجبايش تعد أكبر (علوة) لتصدير الأسماك لجميع المحافظات في العراق والتي كانت تسمى ميناء الجبايش وتصدر آلاف الأطنان من الأسماك، مستدركًا "لكنها اليوم أصبحت مهجورة ولا تصدر إلا الأعداد القليلة".
في اليوم الواحد كان تصدير السمك يصل إلى حوالي 200 طن من مختلف الأنواع، وفقًا لحديث الأهواري، والذي أكد أنّ "الأهوار اصبحت تصدر الآن أرقامًا لا تتجاوز الـ 40 طنًا من الأسماك".
وحذر من "انهيار الأهوار وجفافها بشكل كامل في حال عدم وجود حلول حكومية سريعة تعالج هذا الملف"، لافتًا إلى أنّ "بقاء الحال كما هو سيجبر منظمة اليونسكو على سحب أهوار العراق من لائحة التراث العالمي".
واجتاح التصحر 39% من الأراضي العراقية، وفقًا لتقديرات وأرقام حكومية تحدثت عنها الجهات المختصة، فيما أصبحت الملوحة تهدّد التربة في المناطق الزراعية بنسبة تجاوزت الـ 54%.
وأطلق ناشطون عراقيون وفنانون حملة لحثّ الحكومة على مساعدة أهالي الأهوار، والإسراع بإيجاد الحلول السريعة للأزمة التي باتت تشكل خطرًا كبيرًا على حياة الآلاف من المواطنين الحيوانات في المنطقة التي كانت تسمى "جنة عدن".
أهوار ميسان تعاني
الأزمة المائية في العراق هي الأقسى منذ 100 عام كون أن فصل الشتاء الماضي كان جافًا والأمر الذي تزامن مع قلة الإطلاقات المائية من قبل تركيا وإيران، بحسب الخبير المائي والبيئي، أحمد صالح.
ويقول صالح إنّ "أهوار ميسان خسرت المياه بنسبة 100%، والآن لا وجود لقطرة ماء في أهوار وبحيرات المحافظة، حيث أنّ الماء لم يصل حتى للقرى المجاورة منذ أسابيع".
والإطلاقات المائية من قبل الحكومة لا تكفي سوى للاستخدام الشخصي في منازل المدينة، وفقًا لصالح الذي أشار إلى أنّ "الأوضاع المائية في العراق عمومًا تنذر بخطر كبير وقد تكون هناك أزمة حقيقة خلال الفترة الماضية".
وتظاهر المئات من محافظة ميسان، على مدار الأسابيع القليلة الماضية، للمطالبة بتوفير حصة مائية للأهوار التي تعرضت للجفاف بشكل كامل، مع قلة التخصيصات المائية الخاصة بالمدن، فيما حذر المواطنون من دخول المحافظة بمرحلة الجفاف التام.
وتحتوي محافظة ميسان على 15 مسطحًا مائيًا من الأهوار، وهي كالآتي:
-هور الميمونة
-هور أم البقر
-هور السعدية
-هور الحويزة (مشترك مع البصرة)
-الأهوار الوسطى (مشترك مع ذي قار والبصرة)
-هور السنية
-هور عودة
-هور السودة
-هور العظيم
-هور أم نعاج
-هور الترابة
-هور المالح
-هور الصحين
-هور أبي كلام
-وهور الجكة
كل هذه المسطحات المائية فقدت أسباب مواصلة العيش، ولم تعد الحياة صالحة فيها لا للبشر ولا للحيوانات، حيث يتسابق "عرب الأهوار" الذين كتب عنهم العديد من المستشرقين إلى مغادرة أرضهم التي يقول العراقيون إنّ الحضارة بدأت منها.