إحصائيات صحة بابل تشعل الجدل.. انفوبلس تتقصى عن مدى تطور انتشار الإيدز في العراق خلال السنوات الماضية
انفوبلس/ تقرير
يتنامى الحديث داخل أروقة وزارة الصحة والمجتمع العراقي منذ مطلع العام الحالي 2024، عن "تفشي إصابات الإيدز" في عدة محافظات عراقية وآخرها ما حصل في محافظة بابل والإحصائيات التي ظهرت، وتقدم شبكة "انفوبلس" في هذا التقرير نظرة شاملة عن "حالة الإيدز" في العراق ومدى تصاعد انتشاره خلال العقد الماضي.
ومن المعروف أن المرض ينتقل عن طريق الاتصال الجنسي وبين الشواذ، كذلك عن طريق الوشم في حال عدم وجود أدوات صحية، بالإضافة إلى الانتقال عن طريق الدم الملوث.
منذ مطلع العام الحالي، تظهر بيانات ومعلومات عن "تفشي إصابات الإيدز" في عدة محافظات عراقية، بدأ الامر في محافظة ذي قار عندما تم الإعلان عن تسجيل 200 إصابة وأن هذه الإصابات مصدرها "السياحة في أذربيجان"، لتتبعها محافظات أخرى.
واستمر الحديث عن إصابات الإيدز في ذي قار، قبل أن ينتقل الحديث مؤخرًا عن تفشي الإصابات في محافظة بابل، وتناقلت وسائل الإعلام قبل أيام معلومات عن تسجيل 160 إصابة بالإيدز في محافظة بابل، هذا الأمر دفع دائرة صحة بابل لإصدار بيان توضيحي قالت فيه إن عدد الإصابات المسجلة منذ بداية 2024 هي 27 حالة فقط.
وقال مدير عام دائرة صحة بابل الدكتور حيدر البيرماني، إن الأرقام التي تداولتها بعض مواقع التواصل الاجتماعي مبالغ فيها كثيرا، مطالباً وسائل الإعلام بتوخي الدقة والحصول على المعلومات من مصادرها الرسمية.
ودعا المصابين لمراجعة مركز العوز المناعي في مستشفى الإمام الصادق (عليه السلام) التعليمي لتوفر الأدوية والعلاجات اللازمة للمرض لتلقي العلاج.
في ظل فوضى الأرقام هذه، لابد من تفصيل لنوع هذه الأرقام وطبيعتها ومداها الزمني لمعرفة ما إذا كان هناك تفشياً للإيدز في المحافظات العراقية، وتقدم "انفوبلس" في هذا التقرير نظرة شاملة عن "حالة الإيدز" في العراق ومدى تصاعد انتشاره خلال العقد الماضي.
*تحليل رقمي لحجم التفشي
الإعلان بوجود 160 إصابة في محافظة بابل بالإيدز، ليس رقمًا خاطئًا، فكانت صحة بابل قد أعلنت في وقت سابق أن عدد الإصابات بالإيدز في المحافظة يبلغ 125 إصابة، وهذه هي الإصابات المسجلة الإجمالي طوال السنوات الماضية، حيث إن الإيدز مرض لا يشفى، فكل من أُصيب منذ سنوات بالإيدز ولايزال على قيد الحياة يعتبر مصابا، وإذا ما تمت إضافة الـ27 إصابة في العام الحالي، سيكون المجموع 152 إصابة بالفعل بالإيدز موجودة في بابل، و200 إصابة موجودة في ذي قار أيضا منذ سنوات بالإضافة الى الإصابات الجديدة، وليست الإصابات الجديدة تبلغ 200 إصابة في ذي قار.
وبالعودة الى بابل، فإن تسجيل 27 إصابة خلال 4 أشهر، هذا يعني أن معدل الإصابات يبلغ 6.7 إصابة بالإيدز كل شهر، وخلال سنة من المحتمل أن يكون مجموع إصابات الإيدز في بابل يبلغ 80 إصابة.
وإذا ما تمت مقارنة هذا الرقم من الإصابات، بعدد الإصابات المكتشفة سنويا في العراق، فإن معدل إصابات الإيدز المكتشفة سنوياً في العراق خلال السنوات القليلة الماضية في تصاعد مستمر، لكن كمعدل يبلغ 400 إصابة سنويًا في عموم العراق.
عكس هذا المعدل البالغ 400 إصابة سنويًا في العراق، مقارنةً بـ80 إصابة خلال عام في بابل وحدها، يشير الى معدل مقلق قد يعكس فعليًا مدى انتشار الإيدز ربما خلال العام 2024 أو أن يكون "عام الإيدز في العراق"، بسبب تواتر البيانات والمؤشرات والأرقام عن وجود حركة تفشٍ من نوع ما للإيدز في المحافظات العراقية منذ مطلع العام الحالي.
وفي صورة أوضح، فإن بابل سجلت 27 إصابة خلال 4 أشهر منذ بدء العام الحالي، بينما سجلت في عام 2022 بالكامل، 19 إصابة فقط.
وفي نظرة على معدل الإصابات في الإيدز بالعراق، فإنه في 2010 كانت 10 إصابات، ارتفعت تدريجيًا حتى وصلت بين 2013 و2015 معدل إصابات سنوي يتراوح بين 20 و29 إصابة سنويًا، ثم عاد المعدل ليرتفع في 2016 ويتم تسجيل 55 إصابة، وفي 2017 تم تسجيل 96 إصابة، وفي 2018 تم تسجيل 124 إصابة، وفي 2019 تم تسجيل 157 إصابة، أما في 2020 تم تسجيل 200 إصابة بعموم العراق، وفي 2021 بلغت الإصابات 329 إصابة، وفي 2022 بلغت الإصابات في عموم العراق 430 إصابة.
ويظهر أن عدد الإصابات بالإيدز في العراق، ارتفع 21 ضعفًا خلال عقد واحد، أي خلال السنوات العشر الماضية بين 2012 و2022، ما يعني أن تصاعد الحديث عن تفشي الإيدز في المحافظات العراقية منذ مطلع العام الحالي، يرتبط بمدى مراقبة الأرقام وتصاعدها، فتسجيل بابل 27 إصابة في 4 أشهر، بعد أن سجلت خلال عام 2022 بالكامل فقط 19 إصابة، هو رقم يستوجب الانتباه والريبة.
لكن المتحدث باسم وزارة الصحة سيف البدر قال، إن "العراق يسجل أقل من خمس إصابات لكل مئة ألف وهي أرقام قليلة"، مبينا أن "هذا لا يعني أننا نقلل من خطر الإيدز حيث نحرص على التعامل مع كل حالة مصابة بجدية لمعرفة سبب الإصابة وعلاجها كون الإصابة بالإيدز وفق عدة أسباب".
وبين البدر، إن "ما يُتداول بأن العراق سجل هذا العام أكثر من ألفي إصابة غير صحيح"، موضحا أن "تلك الأرقام سجلت لـ 40 عاما وأن إحصائية هذا العام ستُعلن في بداية العام المقبل لمجموع الإصابات في بابل وباقي المحافظات".
وتابع، إن "الأرقام المسجلة في العراق هي الأقل في العالم والمنطقة، لكن إيضاح الأرقام لا يعني الاستهانة بالإصابات المسجلة"، مستدركا بالقول "منظمة الصحة العالمية أكدت أن العراق كان ولازال ضمن مناطق التوطُّن المنخفض لمرض العوز المناعي".
ودعا البدر جميع المصابين الذين يعلمون إصابتهم بالمرض إلى "عدم التخوف والمراجعة للمراكز الاختصاص الحكومية لغرض علاجهم والاستمرار بالحياة بشكل طبيعي"، مؤكدا أنه "لا يوجد أي حجر لهم أو أي تخوف من الناحية الأمنية فالأمر طبيعي جدا وعلى المواطنين التعاون معنا لعلاجهم (المصابين بالإيدز) لغرض حمايتهم وحماية الشركاء معهم".
* الإصابات الحقيقية أكثر بكثير
من جانبه، أوضح رئيس لجنة الصحة والبيئة النيابية النائب ماجد شنكالي أن الإصابات الحقيقية بمرض الإيدز في العراق أكثر بكثير مما أعلن عنه. وقال إن العراق ضمن الإصابات الأقل في العالم، إذ إن عدد سكانه 42 مليوناً وأن عدد الإصابات المسجلة بمرض الإيدز هي 2000 إصابة، ولذلك تُعد هذه النسبة قليلة جداً مقارنة بالنسب العالمية.
وبيّن، أن "هذا الرقم يشمل أعداد المسجلين فقط بينما عدد غير المسجلين أكثر من هذا الرقم بكثير، فمرض الإيدز ينظر إليه مجتمعياً على أنه وصمة عار، لذلك علينا أن نرجع في العراق إلى الفحص الإجباري لكل من يعود من السفر لأن غالبية الحالات التي تسجل من مسافرين عائدين للبلاد".
*العُرف الاجتماعي
وأشار شنكالي إلى أن أعراض المرض غير معروفة للعراقيين ونحتاج إلى توعية بها، لافتاً إلى أن فحص الإيدز متاح في المختبرات الحكومية والأهلية، إلا أن المصابين حتى ولو أُثبتت إصابتهم لا يسجلون لدى الجهات الحكومية لتلقي العلاج خوفاً من العُرف الاجتماعي.
وشدد على ضرورة أن تكون هناك إلزامية في الفحوصات كما كان معمولاً به زمن النظام السابق ويجب أن نلجأ إلى الوقاية لأن غالبية الإصابات المسجلة من المسافرين خارج العراق، فأسباب انتقال المرض واضحة.
وعن سبب حدوث إصابات بين الأطفال، شرح شنكالي أنها جاءت نتيجة انتقال المرض من الآباء إلى الأبناء أو عن طريق نقل الدم، فهناك فترة لا يُشخَّص المرض خلالها. كما خلص شنكالي إلى أن مرض الإيدز أصبح مرضاً منتشراً بصورة كبيرة وأن العُرف الاجتماعي يمنع المرضى من الاعتراف بإصابتهم، مشيراً إلى أن الأدوية لمعالجة المرض متوافرة وأن المرضى المسجلين يتسلمون أدوية وهناك متابعة لهم.
*متى سجل العراق أول إصابة؟
الحديث هنا يدور عن تعاقد وزارة الصحة العراقية في ثمانينيات القرن الماضي مع شركة "ماريو" الفرنسية لتوريد الدواءين فاكتر 8 وفاكتر 9، اللذين يعملان على تخثر الدم لمرضى الهيموفيليا.
وفي العام 1986 دخلت مجموعة من مرضى الهيموفيليا إلى مستشفيات بغداد لتلقي العلاج الفرنسي الذي استوردته وزارة الصحة من شركة ماريو المنتجة لهذه الأمصال، لكن سرعان ما تحولت إصاباتهم إلى مرض نقص المناعة المكتسب (الإيدز)، فبدأوا يموتون الواحد تلو الآخر.
واتضح فيما بعد أن الشحنة التي أرسلتها الشركة الفرنسية كانت محملة بدم ملوث بفيروس الإيدز، فسجل العراق في العام نفسه أول إصابة بهذا المرض، في وقت لم يكن يمتلك حينها أي برنامج خاص بعلاج هذا المرض، فتفشت العدوى بين المرضى الذين نقل إليهم الدم الملوث.
وبحسب مسؤولين عراقيين، فإن الأمصال التي صدّرتها هذه الشركة أصابت 286 شخصا بالإيدز، قامت الحكومة العراقية حينها بالتعتيم عليهم عبر حجزهم في مستشفى التويثة جنوب شرقي بغداد، لأكثر من 10 أعوام ومنعت زيارتهم، فمنهم من توفي نتيجة المرض ومنهم من انتحر وآخرون أُصيبوا بالذهان.
الحكومة تكتمت على هذه القضية آنذاك، وأعلنت عبر وسائل الإعلام خلو العراق من مرض الإيدز" في وقت كان البلد قد سجل أول إصابة بالمرض في تاريخه.
هذا الملف تسبب بفضيحة هزت أرجاء فرنسا وأطاحت برؤوس سياسية، من بينهم رئيس البرلمان الفرنسي وقتها لوران فابيوس، ووزيران سابقان أُدينوا سنة 1999 أمام محكمة العدل الجمهورية في باريس.
أما تونس وليبيا والمغرب والأردن والبرتغال واليونان والأرجنتين التي كانت قد استوردت هذه الأمصال، فقاضت الشركة وتحصلت على تعويضات مالية بمئات الآلاف من الدولارات. وأعلنت الشركة الفرنسية بعد دفع التعويضات للبلدان المتضررة إفلاسها، واشترتها أخرى تدعى سانوفي باستور.
لكن العراق، وبحسب مسؤولين، لم يرفع دعوى في ذلك الوقت، ولم يعلن كذلك أنه استورد أدوية من هذه الشركة وهي محملة بفيروس الإيدز، لكن بعد 2003 أُثيرت هذه القضية وأخذ رئيس جمعية الهلال الأحمر العراقي هذا الملف على عاتقه بموافقة الحكومة، وجمع توكيلات من المرضى الذين بقوا على قيد الحياة ومن ذوي المتضررين وذهب إلى باريس للتفاوض بشأن التعويضات، لكن دون جدوى.
ويُعرَف مرض الإيدز، أو التَنَقْصُم (نحت تناذر نقص المناعة المكتسبة)، أو السيدا، أو متلازمة نقص المناعة المكتسبة (بالإنجليزيّة: Acquired Immunodeficiency Syndrome، والمعروف اختصاراً (AIDS)، على أنّه مرض مُزمن يُمكن أن يُسبّب الوفاة، ناجم عن الإصابة بفيروس العوز المناعيّ البشريّ (بالإنجليزية: Human Immunodeficiency Virus)، والمعروف اختصاراً (HIV).
وفي الحقيقة، يُعد مرض الإيدز مرحلة مُتقدمة من الإصابة بفيروس العوز المناعيّ البشريّ، وفيها يحدث تلف في الجهاز المناعي للشخص، إذ يُمكن أن يتسبّب الفيروس بانخفاض أعداد كريّات الدم البيضاء (بالإنجليزية: White Blood Cells) وهي أحد خلايا جهاز المناعة، لِتصل إلى مرحلة تفقد قدرتها على محاربة الالتهابات الشديدة وبعض أنواع السرطانات.
وتجدر الإشارة إلى أنّ مُعظم الأشخاص المصابين بمرض الإيدز قد يعانون من مضاعفاتٍ خطيرة ويحتاجون إلى علاج طبيّ لتقليل احتمالية حدوث الوفاة، وبشكلٍ عام، إنّ كلّ حرف من كلمة الإيدز الإنجليزية (AIDS) يُمثل اختصارًا لكلمة مُعينة، ويمكن بيان كل منها فيما يأتي:
*المُكتسبة: (بالإنجليزيّة: Acquired)، يُشير هذا المصطلح إلى أنّ مرض الإيدز يُمكن أن ينتقل من شخصٍ مُصاب بفيروس العوز المناعيّ البشريّ للآخرين، ولا يُعتبر مرضًا وراثيًا.
*المناعة: (بالإنجليزيّة: -Immuno)، حيث يؤثر مرض الإيدز غالباً في خلايا الجهاز المناعي وأعضائه.
*نقص: (بالإنجليزيّة: Deficiency)، أي إنّ الجهاز المناعيّ لا يعمل بالطريقة الصحيحة، ممّا يُعرّضه لخطر الإصابة بأشكالٍ أخرى من العدوى وبعض أنواع السرطانات.
*متلازمة: (بالإنجليزيّة: Syndrome)، وهي مجموعة من الأعراض الشائعة والمُتعلقة بمرض معين.