إزاحة مرتقبة للمنشآت الصناعية خارج بغداد.. هل ستتنفس العاصمة بعد عقود من الاختناق؟
انفوبلس/ تقارير
بعد عقود من التلوث وخنق العاصمة بالأدخنة والمخلفات السائلة والصلبة، قررت أمانة بغداد مؤخراً نقل جميع المنشآت الصناعية إلى خارج حدود المدينة، وطرحت رؤية لتحقيق ذلك بالتعاون مع وزارة الصناعة، كما حددت جدولا زمنيا لإنهاء ذلك، فما تفاصيل هذه الخطوة؟ وهل ستتحرر بغداد من المصافي النفطية كذلك؟ ماذا عن مصفى الدورة؟ إليك كل ما تريد معرفته عن هذا الموضوع، مع بيان أسباب عدّ القرار غير مدروس رغم أهميته الكبيرة.
قرار أمانة بغداد
لفهم الموضوع، لابد من العودة إلى تصريح مدير العلاقات والإعلام في أمانة بغداد محمد الربيعي الذي أدلاه يوم السبت الماضي وأكد فيه وجود إرادة حكومية لترحيل الأنشطة الصناعية خارج العاصمة، فيما رجح أن يكون عام 2026، موعداً لإنجاز هذا الملف.
وقال الربيعي بحسب الوكالة الرسمية، إن "خطة نقل المصانع واجهت تحديات كبيرة في الحكومات السابقة، وبعض المصانع يعود تاريخ إنشائها إلى خمسينيات القرن الماضي، بل إن عددها ازداد مع الوقت منذ ذلك الحين".
وأضاف، إن "بعض هذه المصانع تتنوع ما بين التي هي ذات إنتاجية كبيرة أو هي عبارة عن معامل صغيرة وورش حرفية، وجميعها يفترض أن ترحل إلى مناطق خارج المدينة وفقاً للخطة الخمسية التي وضعتها وزارة التخطيط عام 2012".
وتابع الربيعي، إن "هناك مدنا صناعية موجودة في النهروان وأبي غريب صادقت عليها الهيئة الوطنية للاستثمار وهيئة استثمار المحافظة، والآن الإرادة الحكومية أعادت طرح هذه الفكرة أو لأن بغداد توسعت ويجب ترحيل كل الأنشطة الصناعية".
ولفت إلى، أن "المصانع ومن بينها بعض المنشآت كمصفى الدورة ستُرحَّل وستقوم وزارة الصناعة بموازاة ذلك ببناء مواقع جديدة لتلك المصانع فضلا عن المدن الصناعية الجديدة ونتوقع الانتهاء من هذا الملف والتحديات الموجودة حاليا عام 2026، وسنبدأ من الآن بنقل هذه المصانع والورش الحرفية ونحتاج إلى عامين لإنهاء الأمر".
أسباب نقل المنشآت الصناعية خارج بغداد
وبهذا الصدد، يقول مستشار رئيس الوزراء، مظهر محمد صالح، إنه “من وجهة نظري الشخصية هذا الأمر معمول به في غالبية المدن الكبرى في العالم لأسباب تتعلق بالتلوث وتغير أنماط الصناعات وضعف الموقع الجغرافي على التوسع، لاسيما وأن الورش القديمة أصبحت داخل الأحياء السكنية بسبب التوسع الحضري والعمراني وما تسبب بمشكلات بيئية وحضرية".
ويضيف صالح، “ما أراه شخصيا أن فكرة نقل الورش والمصانع من داخل العاصمة إلى أطرافها ينبغي أن يتم حسب متطلبات التصميم الأساسي للعاصمة، وأن تتم عملية الانتقال بتوافر بديل عصري ملائم يحمي مصالح أصحاب العلاقة مثل توفير مناطق صناعية متكاملة البنية التحتية مجهزة بالطرق والاتصالات وشبكات المياه والمجاري والكهرباء ونشاطات خدمية مصاحبة، صحية وأمنية وغيرها”.
مستشار رئيس الوزراء ينبه لأمر "هام"
يواصل مستشار رئيس الوزراء إبداء رأيه بهذه الخطوة، ويشدد في ذات الوقت على أن “لا تتسبب عملية النقل إلى المناطق الصناعية الجديدة التي ستكون في محيط العاصمة، بأعباء وتكاليف كبيرة يتحملها أصحاب المشاريع الصناعية وورش العمل التي ستخضع للانتقال إلا باتفاقات مرضية، وإذا كانت الأبنية التي تستغلها الورش أو المشاريع الحالية ذات طابع تاريخي فينبغي الحفاظ عليها”.
بمَ ستعوض الورش أو المنشآت المنقولة؟
ويوضح صالح، أن "نقل الورش القديمة من داخل العاصمة إلى خارجها هو أن تتحول المناطق المنقولة منها إلى مساحات خضراء مع معالم سياحية وعلى وفق معطيات التصميم الأساس قدر المستطاع".
يذكر أن بعض المصانع الكبيرة والمنشآت الصناعية في بغداد أصبحت مصدر تلوث للبيئة من بينها مصفى الدورة، لذلك قررت أمانة العاصمة نقلها، كما ستقوم وزارة الصناعة ببناء مواقع جديدة لتلك المصانع فضلا عن المدن الصناعية الجديدة.
"اتجاهات غير مدروسة"
بعد حديث صالح، تنوعت الآراء وانقسمت، إذ رأى الخبير الاقتصادي مصطفى حنتوش، أن أمانة بغداد بالواقع تذهب باتجاهات غير مدروسة، فعليها الإعلان عن فرص استثمارية لمدن صناعية خارج بغداد، بدلا من نقل المنشآت الموجودة حاليا، مع التأكيد على ضرورة توفير الخدمات والبنى التحتية والأمن للمدن الجديدة، بحسب قوله.
ونبه الخبير الاقتصادي، إلى أن “نقل المنشآت وخلق تجمعات صناعية خارج العاصمة سيؤثر على أرباب الأعمال والصناعيين، كونه سيؤدي إلى غلق مصانعهم وورشهم لفترة طويلة وربما يؤدي إلى خسارتهم لزبائنهم".
وأضاف، إنه “مع قرار نقل مصفى الدورة إلى خارج العاصمة بغداد، خصوصا وأن عملية تفكيك المصانع وإعادة نقلها وبنائها ما عادت بالموضوع المعقد كون هناك شركات مختصة تعمل على إنشاء مصاف ومصانع بتقنيات عالية الدقة”.
هل تنجح خطة تحويل العاصمة إلى مدينة مستدامة؟
في نيسان الماضي، أكد المستشار السياسي لرئيس الوزراء فادي الشمري، إقرار المخطط الإنمائي الشامل للعاصمة بغداد لعام 2040، ويخضع حاليًا للمصادقة النهائية.
وقال الشمري آنذاك في بيان ورد لشبكة انفوبلس، إن “المخطط يتضمن إطلاق مدن جديدة مثل مدينة الجواهري ومدينة علي الوردي، مع وجود مقترحات أخرى تحت الدراسة".
وأشار الى “الانتهاء من التخطيط لمشروع الطريق الحلقي الرابع وأن هناك توجيهات لوزارتي النفط والصناعة بنقل منشآتهما تدريجيًا خارج المدن".
وأضاف، إن مشروع “غابات بغداد المستدامة” في معسكر الرشيد، والذي يُعد أكبر متنزه ترفيهي في الشرق الأوسط، من المتوقع إطلاقه بعد العيد.
وأشار الشمري إلى “إعادة تصميم مدينة الرفيل لتشمل الأنشطة الإدارية والمالية والتجارية والترفيهية والسكنية، بالإضافة إلى المساحات الخضراء".
وأكد، “التحضير لمشروع إعادة تأهيل الطرق السريعة بمواصفات عالمية".
وبيّن، إن اللجان الفنية تعمل على إنهاء التصاميم لإنشاء “الداون تاون الجنوبي” للعاصمة.
وشدد على “أهمية إنشاء المساحات الخضراء وتحويل المساحات المفتوحة إلى حدائق ومتنزهات".
وختم مستشار رئيس الوزراء، إن “التطورات العمرانية والخدمية ستسهم في جعل بغداد عاصمة متطورة في السنوات القادمة، مع وجود مشاريع كبيرة واستراتيجية قيد الإعلان أو الدراسة”.
التقليل من مخاطر التلوث
يحذر العديد من المختصين، من تراكمات التلوث الحاصل في العراق، بالمقابل ليس هناك حلول حكومية واقعية لمعالجة تداعيات هذا التلوث.
كما أن المنشآت الصناعية والصحية والخدمية الحكومية والأهلية تصرف مخلفاتها في نهر دجلة أو تلقيها في أماكن ليست مواقع نظامية للطمر الصحي.
وبعد توجهات نقل المنشآت أو الورش والمصافي النفطية خارج بغداد، يرى المختصون أن هذه الخطوة ستسهم في تقليل التلوث بالعاصمة، لكنها في ذات الوقت تحتاج إلى دراسة مستفيضة كإعداد تصاميم خاصة أو طرح مبادرات استثمارية لتفادي تعطيل تلك المصانع.