إنشاء صفحة وهمية في مواقع التواصل يُعتبر تزويرا والقانون يعاقب عليها بـ 15 عاما.. انفوبلس تكشف عن جدل قانوني كبير
انفوبلس/ تقرير
يُثار في العراق بالآونة الأخيرة، جدل قانوني حول اعتبار إنشاء صفحة وهمية على مواقع التواصل الاجتماعي، تزويراً تصل عقوبته الى السجن 15 عاماً، وفق أحكام مادتين من قانون العقوبات العراقي، ويسلط تقرير شبكة "انفوبلس" الضوء على قرار قضاء محكمة التمييز وتداعياته.
إنشاء صفحة وهمية في مواقع التواصل يعتبر تزويرا والقانون يعاقب عليها بـ 15 عاما.
ويقول الخبير القانوني أمير الدعمي، إن "قانون عقوبة إنشاء صفحة وهمية على مواقع التواصل الاجتماعي، هو ما استقر عليه قضاء محكمة التمييز، والذي جعل من إنشائها بمثابة تزوير محرَّر واستعماله وفق أحكام المادة (298 / 292)، والذي قد تصل عقوبته الى السجن (15) سنة، على اعتبار أن الصفحة الرسمية على الفيس بوك أو وسائل التواصل الاجتماعية الأخرى تعتبر محرراً شخصياً يعبّر فيها عن آراء الشخص نفسه".
ويبين، إن "انتشار هذه الآفة الإلكترونية من قبل بعض ضعاف النفوس لاستخدامها بأساليب شيطانية، تكمن بالابتزاز والإساءة للآخرين بأسماء وهمية، قد تصل الى التهديد والقتل في ظل غياب قانون للجريمة الإلكترونية".
وكثيرا ما نجد أن هناك صفحات وهمية على مواقع التواصل الاجتماعي المختلفة، تحمل أسماء وصور لأشخاص لا يمتلكونها، ولم يصدر منهم موافقة على إنشائها من الأساس، ويتم استغلالها في نشر معلومات ونسبها لهؤلاء الذين تم استغلال بياناتهم دون الرجوع إليهم، وعادة ما يكون الفنانون، والمشاهير، ورجال السياسة هم الأكثر عرضة لمثل تلك الوقائع، بحسب مراقبين.
أما القاضي كاظم عبد جاسم الزيدي، فقد يقول، "لقد عاش الإنسان منذ القدم و حتى يومنا هذا وهو يعاني من مشكلة الجريمة، فهي ظاهرة إنسانية اجتماعية خطيرة تفشّت في كل العصور وتصدّت لها كل الشرائع والتشريعات لمكافحتها وتخليص البشرية منها. ومع تطور التكنولوجيا تطورت وسائلها وأساليبها، ومع أن حرية الفكر والرأي وانتقال الأفكار، واحدة من النِّعم التي أنعم الله بها على الإنسان وبها امتازَ على الكثير من المخلوقات، وأن حرية النشر والإعلام حرية أساسية ذات قيمة كبيرة ويُعد تطبيقها ضمانة أساسية لاحترام الحقوق والحريات الأخرى، وعند ممارسة حرية الرأي والتعبير يجب عدم المساس بحريات الآخرين لأن كل إنسان له ما للآخرين، فإذا ما حدث هذا المساس يكون هناك تجاوزاً في استعمال حرية الرأي ويكون هنا مجال التجريم. ومع التطور في مجال استخدام التقنيات الحديثة وظهور مواقع التواصل الاجتماعي باعتبارها مواقع للتواصل مع الأصدقاء والأهل وتبادل المعلومات إلا أن البعض من ضعاف النفوس استغل هذه المواقع في ارتكاب جرائم التشهير والسب والقذف وارتكاب مختلف الجرائم من خلال إنشاء مواقع بأسماء وهمية، الهدف منها ارتكاب مثل تلك الجرائم".
ويضيف، "صدر قرار من القضاء العراقي باعتبار جريمة إنشاء مواقع وهمية باعتبارها من جرائم التزوير، حيث قضت محكمة استئناف محكمة المثنى بصفتها التمييزية بقرارها المرقم 57/ ت ج/ 2019 في 31 /3 /2019 حيث قضت محكمة جنح الخضر بحق مدان وفقا لأحكام المادة 363 من قانون العقوبات العراقي رقم 111 لسنة 1969 المعدل وحكمت عليه بغرامة خمسمائة ألف دينار حيث جاء في القرار التمييزي (لدى التدقيق والمداولة وُجِد أن الطعن التمييزي مقدم ضمن المدة القانونية قرر قبوله شكلا ولدى عطف النظر على القرار المميز وُجد أنه غير صحيح ومخالف للقانون لأن محكمة الجنح ومن قبلها محكمة التحقيق قد أخطأتا في التكييف القانوني السليم لفعل المتهم، ذلك أن المتهم المذكور قد اعترف صراحة في أدوار التحقيق كافة والمحاكمة بإنشاء صفحة وهمية على مواقع التواصل الاجتماعي باسم المشتكي ووضع صورة المشتكي الشخصية على تلك الصفحة واستخدمها للإساءة الى الآخرين نكايةً بشقيق المشتكي لوجود خلافات شخصية معه وبذلك انتحل اسم المشتكي وبياناته وهذا الفعل يشكل صورة من صور التزوير وبما أن المادة 286 من قانون العقوبات العراقي رقم 111 لسنة 1969 المعدل قد عرّفت التزوير بأنه تغيير الحقيقة بقصد الغش في سند او وثيقة او بأي محرَّر آخر بإحدى الطرق المادية او المعنوية التي بيّنها القانون تغييرا من شأنه إحداث ضرر بالمصلحة العامة او بشخص من الأشخاص وبذلك تكون كلمة (أي محرر آخر) الواردة في النص أعلاه يمكن أن تدخل تحت مفهومها المحررات غير الورقية كالمحررات الإلكترونية ومنها صفحات التواصل الاجتماعي التي لا يمكن فتحها أو استخدامها إلا بالإجابة عن بعض البيانات".
ويتابع، "ما يعزز هذا الاتجاه ويسنده ما ورد في المادة (1/عاشرا) من قانون التوقيع الالكتروني والمعاملات الالكترونية رقم (78) لسنة 2012 وقد عرّفت المستندات الالكترونية بأنها المحررات والوثائق التي تنشأ او تبرمج او تخزن او ترسل او تستقبل بوسائل إلكترونية بما في ذلك تبادل البيانات، وعلى هذا الأساس لابد من مواكبة التطورات الحاصلة في مجال تكنولوجيا المعلومات والاتصالات وأنشطة الإنترنت بما ينسجم والتطورات القانونية في الحوادث الالكترونية وتطويع النص القانوني التقليدي بما يتلاءم مع تلك الحوادث، وحيث إن المتهم لم يقُم بتحريف الصفحة الشخصية الحقيقية للمشتكي وإنما اصطنع صفحة جديدة له غير حقيقية ونسبها للمشتكي بقصد الإضرار به وبذلك يكون فعله ينطبق واحكام المادة (292) من قانون العقوبات رقم 111 لسنة 1969 المعدل وبما أن المتهم أيضا قد استخدم ذلك التطبيق فقد ارتكب فعلا آخر وهو الاستعمال وفق أحكام المادة (298) من قانون العقوبات وبدلالة المادة (292) من ذات القانون باعتبارها جرائم ناتجة عن أفعال مرتبطة ببعضها ارتباطا يجمع بينها غرض واحد وفق احكام المادة (132) من قانون أصول المحاكمات الجزائية رقم 23 لسنة 1971 المعدل عليه".
ويكشف، "لكل ما تقدم تقرر نقض القرارات الصادرة كافة في الدعوى وإعادة الدعوى الى محكمة التحقيق...) ونجد من القرار التمييزي قد اعتبر جريمة إنشاء الموقع الوهمي من جرائم التزوير المنصوص عليها في المادة 286 من قانون العقوبات العراقي رقم 111 لسنة 1969 المعدل وليس وفق احكام المادة 363 من قانون العقوبات والتي حددت عقوبتها بالحبس مدة لا تزيد على سنة وغرامة في حال استخدام وسائل الاتصالات السلكية واللاسلكية والتسبب بإحداث إزعاج للآخرين وهي لا تنطبق على جريمة إنشاء مواقع وهمية أو استخدام صور الغير بإنشاء تلك الصفحات ونسبتها لصاحب الصورة. واعتُبرت بموجب القرار التمييزي جريمة تزوير في محرر عادي وفقا لأحكام المادة (292) من قانون العقوبات و جريمة استعمال محرر مزور وفق احكام المادة (298) من قانون العقوبات".
إن جريمة التزوير من الجرائم المخلّة بالشرف وإن جريمة اصطناع موقع وهمي من الجرائم الالكترونية وإن التطور في مجال استخدام الانترنت ووسائل الاتصال الحديثة صاحبة ابتكار لطرق حديثة في الإجرام وإن النصوص القانونية المنصوص عليها في قانون العقوبات العراقي رقم 111 لسنة 1969 المعدل لم تعد تساير تلك الحالات ويجب تطويع النص القانوني وروح القانون. كما أن نص المادة 286 ذكرت وأي محرر آخر والمطلق يجري على إطلاقه كما أنها ضمن باب انتحال شخصية سيما وأن المتهم قد استخدم صورة المشتكي وانتحل شخصيته، ومع ازدياد حالات إنشاء المواقع الوهمية على مواقع التواصل الاجتماعي فإن الضرورة تقتضي التدخل التشريعي من قبل المُشرّع العراقي لتشريع قانون من قبل مجلس النواب العراقي يتضمن النص صراحةً على هذه الحالات وتشديد العقوبة لهذه الجرائم لما تُشكّله من خطورة وتهديد للمجتمع العراقي، وفق القاضي.
يُذكر أن وزارة الداخلية قد خصصت أرقام هواتف للإبلاغ عن حالات جرائم الابتزاز الالكتروني، موضحة أن "أي شخص يتعرض للتهديد عبر حساب مجهول أو ابتزاز من خلال صور او كلام معين، سواء أكان حساب المبتز رجل أو امرأة، وسواء أكان الحساب حقيقيا أو وهميا عليه الاتصال بالرقمين (533 او 131) أرقام جهاز الأمن الوطني الاتحادي والجرائم الالكترونية".
وبحسب الشرطة المجتمعية، فإن عقوبة الابتزاز الإلكتروني في قانون جرائم المعلوماتية، هي السجن لمدة سبعة أعوام لكل من يبتز أي شخص إلكترونيا او يهدده مع فرض غرامة مالية"، مبينة، أنها "تسعى الى تضمين القانون فقرة توليها رفع الدعوى القضائية عن الضحية".
وأثار قانون جرائم المعلوماتية في العراق جدلا واسعا عبر منصات التواصل الاجتماعي، وذلك بعد إنهاء مجلس النواب قراءته الأولى بطلب من الحكومة عام 2022، وانقسمت آراء العراقيين بين متخوف من إقراره، ومؤيد له لمراقبة محتوى النشر على الفضاء الإلكتروني.
وتأتي الخشية من إقرار القانون لما قد يترتب عليه من تكبيل حرية التعبير من خلال تضمينه حكماً بالحبس قد يطال صحفيين ومدونين يسعون إلى الكشف عن ملفات فساد وقضايا إنسانية ضد الحكومة والجهات القضائية.
وتثير بنود وفقرات مشروع قانون جرائم المعلوماتية التي وُصِفت بـ"الفضفاضة" جدلاً واسعا ورفضا شعبيا منذ إرساله من الحكومة العراقية إلى مجلس النواب ولغاية الآن، إذ حاول المجلس خلال الدورات السابقة تمرير المشروع، لكنه اصطدم بالرفض السياسي والشعبي، مما أدى إلى تعثر إقراره.
وعام 2021، اعتبرت منظمة "هيومن رايتس ووتش" (Human Rights Watch) عدم مضيّ مجلس النواب في عرض مسودة قانون جرائم المعلوماتية، انتصاراً لحرية التعبير الإلكترونية في العراق، بحسب البيان الحقوقي.