الذكرى السنوية العاشرة لاستشهاد "مصطفى العذاري".. عراقيون يعلقون: أبطال لا ينساهم التاريخ

انفوبلس/ تقرير
يستذكر العراقيون اليوم 20 مايو/أيار، الذكرى السنوية العاشرة لاستشهاد المقاتل البطل "مصطفى العذاري" الذي تم أسره بعد إصابته ثم أُعدم شنقاً من قبل تنظيم داعش الإرهابي وترك جثته معلقة على أحد الجسور وسط الفلوجة بمحافظة الانبار، في مشهد سيظل خالداً لدى جميع العراقيين و"وصمة عار" للمنفذين والمشتركين.
ملحمة تحرير أرض العراق من دنس أعتى عصابات إجرامية عرفتها البشرية، شكلت مفصلاً مصيرياً في تاريخ بطولات ومواقف هذه الأرض التي شاءت لها الأقدار أن تكون ساتراً أمامياً للدفاع عن العالم بعد أن كانت عصابات الشر السوداء تسعى للزحف الى كل بلد لاغتصاب الأرض وقتل السلام، غير أن أبطال هذا الوطن أبَوا أن يغمض لهم جفن إلّا بردِّ تلك العصابات على أعقابها مدحورة مهزومة.
الذكرى السنوية لاستشهاد "مصطفى العذاري"
تمر على العراقيين، اليوم الثلاثاء 20 مايو/أيار 2025، الذكرى السنوية العاشرة لاستشهاد "مصطفى العذاري" في محافظة الانبار، ويسلط تقرير شبكة "انفوبلس"، على اللحظات الأخيرة للشهيد، وكذلك أبرز المعلقين في ذكرى استشهاده.
والعذاري، من مواليد 1986، وهو منتسب في فوج مغاوير عمليات بغداد، تعرض لإصابة بليغة في قدمه اليسرى خلال إحدى معارك تحرير الفلوجة في أيار/ مايو 2015، ورفض إخلاءه من قبل زملائه مصرّاً على مواصلة مواجهة التنظيم الارهابي عندما اضطر فوجَهُ إلى التراجع، وبقي على تواصل مع زملائه عبر الهاتف قبل أن ينقطع الاتصال به بعدما تم أسره.
وفيما بعد، قام عناصر تنظيم "داعش" الإرهابي بأسره ووضعه في سيارة والطواف به في شوارع المدينة قبل إعدامه شنقاً وترك جثته معلقة على أحد الجسور وسط الفلوجة، في مشهد سيظل خالداً لدى جميع العراقيين و"وصمة عار" للمنفذين والمشتركين.
وقال شقيق الشهيد رائد ناصر عام 2015، إن الشهيد مصطفى من مواليد 1986 أعزب منسوب الى فوج مغاوير عمليات بغداد تعرض في يوم الرابع عشر من الشهر مايو/ آيار الى إصابة بليغة في قدمه اليسرى ورفض إخلاءه من قبل زملائه، قائلا لهم "دعوني أريد أن اصطاد الدواعش رغم نزفه وإحساسه بأن عظمه قد تهشم"، كما وصف الحالة شقيقه رائد الذي سارع الى الاتصال بالجهات الأمنية والتوجه فوراً الى منطقة الكرمة والاتصال بأخيه الذي حدد مكان اختبائه في إحدى الحفر بمنطقة الروفة ضمن قاطع الكرمة، وقد حصل على وعد بتحريره.
رغم أنه كان يتواصل مع أهله عن طريق الرسائل خوفاً من سماع صوت الهاتف الذي جعله صامتاً في داخل الحفرة ذكر آخر كلمة قبل أن ينفد شحن الهاتف: "سلمولي على أمي وأبي وإخواني وأخواتي (وابروني الذمة)، سأثأر للشهداء وأنهض من حفرتي وأفرغ كل ما امتلك من رصاص في صدور الجبناء، لأحقق أمنيتي الشهادة".
رائد الذي لم ينَم لحظةً منذ إصابة أخيه اتصل بكل مَن يعرفه ومن خلال علاقاته تم التهيؤ لاقتحام المنطقة بالتنسيق مع الحشد الشعبي والقوات الأمنية بعد مرور ثلاثة أيام على انقطاع الاتصال بالجندي مصطفى ناصر، لكن الصدمة الكبرى كانت بعد أن اتصل به أحد أصدقائه قائلا له: "(البقاء لله وإنا لله وإنا إليه راجعون) أرسلت لك صوراً اطلع عليها وافتخر بأخيك الشهيد البطل مصطفى العذاري".
رائد – كما يروي - لم يصدق ما قاله صديقه وبقي متمسكاً بأمل بسيط لا يتعدى 1% بأن شقيقه ما زال على قيد الحياة، ولكن اضطر الى أن يخبر أهله بعد أن تأكد من أن صور الإعدام الذي نُفذ بحق أخيه مصطفى في مدينة الفلوجة صحيحة.
ووقتها فإن الحسرة رُسمت على وجه أخيه الآخر حيدر الذي أكد أن الشهيد مصطفى قال خلال آخر اتصال الذي صادف خلال ذكرى استشهاد الإمام موسى الكاظم (ع)، "ادعوا لي بأن أقتل أكبر عدد ممكن من الدواعش الذين يسيرون من أمامي، مؤكدا أنه فقد الكثير من الدم وأن أُمنيته بـ"الشهادة" ستتحقق.
الحفرة التي اتخذها الشهيد مصطفى مكاناً لاقتناص "الدواعش" مغطاة بقطعة حديد فيها منفذ لا يتجاوز 5 سم ليتنفس منه، الأمر الذي ضاعف من معاناته، إضافة الى صموده لمدة ثلاثة أيام دون أن يشرب قطرة ماء أو يتناول قطعة طعام، بحسب ما ذكر والده حينها.
وقال والد الشهيد الذي أجهش بالبكاء وبدَت عليه ملامح الألم حزناً على فقدان ولده بعد أن سحب نفساً من سيجارته: "آخر مرة قبل التحاق الشهيد قلتُ له: "بوية مصطفى دير بالك على نفسك وعلى جماعتك احذروا من عدوكم"، أجابه: "أُريد أن استشهد وهاي أمنيتي". وأكمل الحاج ناصر وقتها: "إن الشهادة أعلى درجات الكرامة والتضحية فهنيئاً للشهيد مصطفى جنان الخلد".
واليوم الثلاثاء، ذكرت هيئة الحشد الشعبي في بيان اليوم، إنه "في مشهدٍ مؤلم لن يُمحى من ذاكرة العراقيين، ارتقى البطل مصطفى العذاري شهيدًا في العشرين من أيار عام 2015، بعد أن أُسر على يد تنظيم داعش الإرهابي، وعلّق جثمانه الطاهر على أحد أعمدة الكهرباء في مدينة الفلوجة. مشهدٌ صادمٌ هزّ وجدان الأمة، وأشعل نار الغضب في قلوب العراقيين كافة".
بينما قال رئيس جماعة علماء العراق خالد الملا في تغريدة تابعتها شبكة "انفوبلس" اليوم الثلاثاء، "كي لا ننسى أبناءَ العراق الَّذين ضحوا بأنفسهم من أجل العراق، الشهيد السيد الصابر مصطفى العذاري (رحمه الله) الذي جُرح في معركة تحرير الفلوجة ولم ينسحب من المعركة ثم أُسر من قبل عصابات داعش الإرهابية بعد ذلك أُعدم وعُلق على أحد جسورها ومن باب حسن العهد من الإيمان نستذكرُ ونذكرُ بهذا السيد الصابر الوفيّ وبقية الشهداء الأبطال الذي يجبُ أن تُخلدَ أسماؤهم في ذاكرة الأجيال مخافة أن يُزورَ التأريخ".
والعام الماضي، تداول رواد وسائل التواصل الاجتماعي، أنباءً عن تواجد قاتل الشهيد المغدور مصطفى العذاري، والمطلوب للقضاء بتهمة الإرهاب رافع مشحن الجميلي، في القنصلية العراقية بمدينة اسطنبول التركية، وبضيافة القنصل محمد سلمان الجنابي، الأمر الذي أكدت لجنة العلاقات الخارجية النيابية.
مدونون ذكروا وقتها، أن "موظفي القنصلية العراقية في اسطنبول استغربوا من قيام القنصل العراقي محمد سلمان الجنابي باستقبال شخص محكوم غيابيا بالإعدام وهو أحد قيادات تنظيم داعش الارهابي وقاتل الشهيد مصطفى العذاري، الإرهابي رافع مشحن الجميلي والذي تجول داخل القنصلية لإكمال معاملة خاصة به بتاريخ 30 تموز/ يوليو 2024 وفي تمام الساعة الثانية بعد الظهر (وبالإمكان التحري من كاميرات المراقبة بشأن ذلك)".
ونقلوا عن مصادر، التأكيد على "وجود مجموعة خارج القنصلية (ترتدي زيّاً إرهابياً) خارج القنصلية مكونة من أربعة أشخاص يحملون جهاز اتصالات يتم التواصل به مع الإرهابي الجميلي داخل القنصلية"، مشيرين الى أن "القنصل في اسطنبول بعد كشف أمره قام بالتبرير لموظفي مكتبه، بأنه تلقى اتصالا من القائم بالأعمال العراقي السابق قي قطر محمد العيساوي طالبا منه مساعدة وإنجاز معاملة الإرهابي الجميلي".
ولفت المدونون إلى أن "كل المعلومات أعلاه لدى محطة جهاز المخابرات في اسطنبول"، موضحين أن "هذا القنصل تم تقديم اسمه ضمن قائمة السفراء الجدد الى مجلس الوزراء".
كذلك، طالبت عائلة مصطفى العذاري، رئيس الوزراء محمد شياع السوداني، بالقبض على رافع مشحن الجميلي، وهو أحد قادة التنظيم، عقب ورود أنباء تفيد بزيارته القنصلية العراقية في إسطنبول في تركيا. وقال شقيق العذاري في مقطع فيديو، "نحن عائلة الشهيد مصطفى العذاري، الذي استُشهد عن طريق تنفيذ حكم الإعدام في أحد جسور الفلوجة (في محافظة الأنبار الغربية)" مبينا أن "الجميع يعلم أن المسؤول المباشر على قضية أخي الشهيد العذاري، هو رافع مشحن الجميلي".
وأضاف، إن "المجرم الجميلي هرب إلى تركيا، غير أن مواقع التواصل الاجتماعي تداولت أخباراً عن المجرم رافع الجميلي وهو يراجع القنصلية العراقية في إسطنبول"، متسائلاً: "كيف استطاع هذا الشخص الدخول إلى القنصلية؟ ومن ساعده في هذا الأمر؟".
كذلك، طلبت والدة الراحل مصطفى العذاري من رئيس الوزراء "جلب المجرم في أي مكان من الأرض سواء كان في العراق أو تركيا أو أي دولة أخرى لغرض المحاكمة لينال جزاءه العادل. ابني الشهيد مصطفى لم أره ومثّلوا في جثته ولم أر جنازته إلى الآن".
وفي الختام، ستظل قصة استشهاد مصطفى العذاري في الأنبار واحدة من الأحداث المؤلمة التي تجسد وحشية تنظيم داعش الإرهابي والتضحيات الكبيرة التي قدمها العراقيون في مواجهة الإرهاب. كما ولا يزال اسم مصطفى العذاري يُذكر حتى اليوم كرمز من رموز البطولة العراقية.
وتعتبر هذه القصة تاريخية لأنها وثقت جريمة حقيقية ارتكبها تنظيم إرهابي بحق جندي عراقي أثناء معارك تحرير مدينة عراقية. كما أنها تعكس جزءًا مهمًا من تاريخ العراق الحديث في مواجهته للإرهاب والتضحيات التي قدمها أبناؤه في سبيل استعادة الأمن والاستقرار. هذه الأحداث موثقة في العديد من التقارير الإخبارية وشهادات الناجين من تلك الفترة.