العراق يهدر 4 ملايين طن طعام في وقت سوء التغذية يقتل 760 شخصا سنويًا!.. انفوبلس تفصّل إحصائيات دولية
انفوبلس/ تقرير
يُصنَّف العراق ضمن البلدان الأكثر هدراً للطعام، ويرتبط ذلك بطبيعة العادات والتقاليد الاجتماعية، حيث تمثل بقايا الطعام نحو 43% من إجمالي النفايات في البلاد، في وقت سوء التغذية يقتل 760 شخصاً في العراق الذي يهدر 4 ملايين طن طعام من إجمالي 11 مليون طن من النفايات سنويا، ويسلط تقرير شبكة "انفوبلس"، الضوء على ما كشفته مجلة ceoworld الأمريكية وإحصائيات أخرى.
العراق يشغل المركز الأول عربياً والسادس عالمياً بأكثر الدول التي تهدر أكبر قدر من الغذاء لعام 2023
مجلة ceoworld الأمريكية كشفت في تقرير اطلعت عليه "انفوبلس"، أن العراق شغل المركز الأول عربياً والسادس عالمياً من إجمالي 196 دولة، بأكثر الدول التي تهدر أكبر قدر من الغذاء لعام 2023.
وذكرت المجلة، أن هدر الطعام يُعد مشكلة عالمية لها آثار سلبية على البيئة والمجتمعات واقتصاديات البلدان، ووفقًا لتقرير مؤشر هدر الغذاء الصادر عن برنامج الأمم المتحدة للبيئة، يتم هدر ما يقرب من 931 مليون طن من الطعام كل عام، وهو ما يمثل 8 إلى 10 بالمائة من انبعاثات الكربون العالمية المرتبطة بالأغذية غير المستهلكة.
وأضاف التقرير، أن "مؤشر هدر الطعام كشف أيضًا أن حوالي 17 بالمائة من إنتاج الغذاء العالمي يتم إهداره، حيث تكون الأُسر مسؤولة عن 61 بالمائة من هذا الهدر الغذائي، تليها الخدمات الغذائية بنسبة 26 بالمائة، وصناعة البيع بالتجزئة بنسبة 13 بالمائة".
وبحسب التقرير، فإن نصيب الفرد من هدر الطعام المنزلي هو نفسه في الدول ذات الدخل المتوسط الأدنى، والدول ذات الدخل المتوسط الأعلى، والدول ذات الدخل المرتفع.
أكثر من 300 غرام (أكثر من ربع كيلو طعام) يقوم كل فرد عراقي برميه يومياً في النفايات
وجاءت نيجيريا بالمركز الأول عالمياً، تليها روسيا، ثم اليونان، البحرين، مالطا، بينما جاء العراق في المركز السادس من إجمالي 196 دولة، حيث بلغ نصيب الفرد العراقي من بقايا الطعام 120 كغم سنوياً، أي أكثر من 300 غرام (أكثر من ربع كيلو طعام) يقوم كل فرد عراقي برميه يوميا، بينما بلغت بقايا الطعام المهدرة سنوياً 4.7 ملايين طن من إجمالي 11 مليون طن من النفايات في العراق، فيما تذيّلت القائمة سلوفينيا ورومانيا بأقل الدول التي تهدر الطعام.
ووفق تقرير المجلة الأمريكية، جاء العراق بالمركز الأول عربياً، تليه السعودية، ثم لبنان، اليمن، سوريا، الكويت، قطر، الأردن، مصر، الجزائر، تونس، وأخيراً ليبيا.
سوء التغذية يقتل 760 شخصا سنويًا في العراق بواقع 1.77 شخص لكل 100 ألف نسمة سنويًا
وفي ذات الوقت، وفي إحصائية منفصلة، جاء العراق في المرتبة 110 عالميًا من أصل 193 دولة بنسبة الوفيات الناجمة عن سوء التغذية، وبلغت نسبة وفيات العراق من سوء التغذية بواقع 1.77 شخص لكل 100 ألف نسمة سنويًا، وهذا يعني أن أكثر من 760 شخصا يقتله "سوء التغذية" في العراق سنويًا، في مفارقة "مثيرة".
هدر الطعام
يصف الكاتب علي فاهم، حالة الهدر في البلاد بقوله، يبدو كأن العراق بلد المتناقضات الدراماتيكية بين ما يملكه من ثروات هائلة اكتنزت في يد طبقة معينة استأثرت بها، وفقر كبير يعصف بشعبه.
ويعزو فاهم أسباب تزايد الهدر إلى طبيعة الفرد العراقي، التي يُضاف إليها الضغوط الاجتماعية والموروث الشعبي، إذ تتسم الشخصية العراقية وسلوكها المجتمعي بالبداوة، حسب تعبيره.
ويلفت فاهم إلى أن الطعام أصبح يُقدّم في صحون كبيرة جدا تزيد على الحاجة، ثم يُرمى باقي الطعام من دون أي فائدة. ويضيف، أن هذه التقاليد الاجتماعية أسَّست ظواهر سلوكية غير منضبطة لا يمكن التخلص من تبعاتها بسهولة، مشددا على ضرورة نشر الوعي المجتمعي والثقافي بإطلاق برامج حقيقية لمواجهة السلبيات المتراكمة، وذلك بتظافر جهود الجهات الحكومية ومنظمات المجتمع المدني.
آثار اقتصادية
ويحذّر الخبراء من تداعيات اقتصادية كبيرة على العراق جراء كميات الطعام المهدرة، وما تتطلبه من جهود كبيرة للتخلص منها أو تدويرها، وفي هذا الصدد، يقول الخبير الاقتصادي عبد الرحمن المشهداني إن هدر الطعام يعد جزءا من سلوكيات المجتمع العراقي تحت مسمى إكرام الضيف، وذلك بطبخ كميات طعام أكبر من حاجة الأُسرة بشكل مستمر ويومي، تحسبا لقدوم ضيوف غير متوقعين أو من دون موعد سابق.
*خسارة العراق أكثر من 8 ملايين دولار يومياً
ويتحدث المشهداني عن كميات هدر ليست بالقليلة، الأمر الذي يتسبب في خسائر كبيرة، لا سيما أن العراق يستورد جميع المواد الغذائية بمبالغ ضخمة في ظل أزمة ارتفاع أسعار الغذاء عالميا، معلقاً "لو تم حساب كمية الطعام المهدرة يوميا بالعراق (20 ألف طن) بقيمة الحبوب التي يصل سعر الطن الواحد منها إلى 400 دولار، فهذا يعني خسارة العراق أكثر من 8 ملايين دولار يوميا عدا الخسائر الأخرى".
وبناءً على ما تقدم، يرى المشهداني ضرورة تعزيز الثقافة المجتمعية وتضمين المناهج المدرسية كيفية التعامل مع الغذاء الذي أصبح من السلع النادرة، وذلك بهدف ديمومة الحياة وصيانة حقوق الأجيال القادمة، لافتا إلى أن المناسبات الدينية والزيارات المليونية بالبلاد تسهم سنويا في هدر الأطنان من بقايا الطعام الفائض الذي يرمى في النفايات، وفق قوله.
*عواقب بيئية
ولا تقتصر مشكلة هدر الطعام على الخسائر المادية، بل تنذر بعواقب بيئية خطيرة تهدد الصحة العامة، إذ اعتبر الخبير البيئي أحمد صالح نعمة أن ارتفاع معدلات نفايات الطعام المهدر في العراق تُعد من السلوكيات الخاطئة ومن مظاهر التشوه البصري في المدن، لاسيما أن البنى التحتية للبلديات ليست كافية لاستيعاب هذه الكميات الكبيرة من الطعام المهدر والنفايات المنزلية.
وقد يؤدي تحلل هذه النفايات -نتيجة ارتفاع درجات الحرارة والرطوبة- إلى انبعاث غاز الميثان وبعض السموم، إضافة إلى انتشار أنواع البكتريا الضارة في البيئة العراقية، حسب ما يحذّر نعمة.
ولا يقف الأمر عند ذلك، إذ إن رمي بقايا الطعام بمجاري الأنهار يؤدي لزيادة تلوث المياه والإضرار بالتنوع البيولوجي من ناحية البكتريا الحميدة، وبيوض الأسماك والكائنات الحية الأخرى، وبرر نعمة انتشار كثير من الأمراض -لا سيما التنفسية والصدرية والجلدية- بسبب النفايات وما ينتج عنها، داعيا إلى الحفاظ على البيئة من خلال تدوير هذه النفايات وتحويلها إلى مادة الكومبوست التي تدخل في التسميد الزراعي ورفد التربة بالعناصر الغذائية المفيدة.
"صفر نفايات"
ومع تفاقم المشكلة، كشفت الجهات الحكومية المختصة عن مشروع طموح للتخلص من النفايات، ويقول مدير عام الشؤون الفنية في وزارة البيئة عيسى الفياض إن النفايات تعد مشكلة حقيقية تعانيها محافظات العراق بصورة عامة، وبغداد على وجه الخصوص، بسبب كمياتها الكبيرة والطرق التقليدية في إدارتها.
وأشار إلى أن العاصمة بغداد تطمر نحو 10 آلاف طن من النفايات يوميا، مبينا أن الحاجة لمعالجة هذه النفايات تتطلب تنفيذ مشروع "صفر نفايات" الصديق للبيئة، مرجحا تحقيق مردود اقتصادي جيّد من خلال المشروع، فضلا عن توفيره كثيرا من فرص العمل.
ويوضح الفياض، أن المشروع المرتقب في طور إعداد دراسة الجدوى لمعرفة المعلومات المطلوبة كافة لتنفيذه من حيث كمية النفايات ونوعها وموقع تنفيذ المشروع والجهة المنفذة ونوع الآليات المستخدمة وعدد الأيدي العاملة وغيرها.
ويرى الفياض، أن المشروع المرتقب حلقة مهمة ضمن استراتيجية العراق لمكافحة التغيّر المناخي لتقليل الانبعاثات السلبية، مثل غازات الاحتباس الحراري وملوثات الهواء، مشيرا إلى استمرار المشاورات مع البنك الدولي لغرض الاستفادة من الخبرات والتمويل الدولي لضمان نجاح المشروع.
وصنّفت دراسة أعدّتها منظمتا Welthungerhilfe و Worldwide Concern الألمانيتين في يوليو 2023 العراق من الدول المعتدلة في مؤشر الجوع. حيث احتل المرتبة 66 بحصوله على 13.7 نقطة من أصل 212 دولة.
وبحسب الدراسة فإن العراق انخفض فيه مؤشر الجوع بعد أن وصل في عام 2000 إلى 23.8 نقطة لينخفض في عام 2008 إلى 20.8 نقطة، ومن ثم انخفض عام 2014 إلى 16.6 نقطة، وإلى 13.7 نقطة في عام 2022.
وكانت منظمة الأغذية والزراعة وبرنامج الأغذية العالمي في العراق وجهت النداء لكل من حكومة العراق وحكومة إقليم كردستان، لتشجيع التعاون ما بين سلاسل التوريد الهادف إلى تقليل هدر الأغذية خلال مراحل الإنتاج والمعالجة والخزن. بالإضافة إلى دعم تغيير السلوكيات من أجل إحداث نقلة نوعية والتقليل من هدر الأغذية لدى المستهلكين.