العصيان والعنف يتكرران داخل دور المشردات والأسباب تبدو صادمة.. لماذا يطالبن بالعودة إلى سجن الأحداث؟
ماذا يحدث بالضبط؟
العصيان والعنف يتكرران داخل دور المشردات والأسباب تبدو صادمة.. لماذا يطالبن بالعودة إلى سجن الأحداث؟
انفوبلس/..
في ثاني حادثة خلال شهرين، وقع عصيان داخل أحد دور المشردات في العاصمة بغداد، لتفتح هاتين الحادثتين الباب أمام تساؤلات عدة حول أسباب تكرار هذا العصيان؟ ولماذا يطالبن المشردات بالعودة إلى سجون الأحداث؟ لذا سنستعرض تفاصيل الموضوع في هذا التقرير.
*الحادثة الأخيرة
يوم أمس، أقدمت مجموعة من الفتيات المشردات على افتعال أعمال شغب وتكسير للزجاج داخل دار الإناث المشردات، في منطقة صليخ ضمن العاصمة بغداد.
وقال مصدر أمني، بأن "5 فتيات بأعمار مختلفة، هن من افتعلن الشغب، بسبب مطالبتهن بإعادتهن إلى سجن الأحداث".
وأوضح المصدر، أن "حماية الدار تدخلت وعزلت الفتيات، وسيطرت على الوضع"، لافتاً إلى أن "الخسائر كانت تكسير زجاج وشاشات تلفاز، من دون أي إصابات تذكر".
*حادثة مماثلة
وقبل أقل من شهر، وتحديداً في أواخر حزيران الماضي، وثق مقطع فيديو عددا من الفتيات الغاضبات ينظمن عصياناً داخل دار الأيتام والمشردات في منطقة الصليخ ببغداد.
وأظهر الفيديو قيام مجموعة فتيات بتكسير الأبواب وسقف المبنى المتواجدات بداخلة باستخدام عصا طويلة وسط حالة من الهرج والصراخ.
فيما شوهدت علامات الرعب على البعض الآخر فيحاولن الاختباء في أماكن بعيدة حتى لا يصيبهن مكروه نتيجة العنف المستخدم.
*العمل تبرر
في السياق، عزا مصدر في وزارة العمل والشؤون الاجتماعية اسباب حدوث العصيان بأنه "كان بتحريض من قبل عدد محدود من النزيلات اللاتي تم استقدامهن من سجن الاحداث".
وأجرى وزير العمل أحمد الأسدي زيارة الى دار تأهيل الاناث في الصليخ. وقال الأسدي خلال الزيارة إن "مهمة الوزارة هي ايجاد بيئة آمنة لكل النزلاء في الدور الايوائية والعمل على تطوير الخدمات وتوفير المستلزمات الضرورية لإعادة دمج المستفيدين بالمجتمع مرة أخرى".
وأضاف، إن "الزيارة جاءت للاطلاع على اوضاع الدار والاستماع مباشرةً لاحتياجات النزيلات وشكاواهن إن وجدت، مشيرا الى انه أجرى جولة داخل الدار للاطلاع على سريان الخدمات ونقل صورة للرأي العام عما تقوم به الحكومة من مهام وما تقدمه وزارة العمل وهيئة رعاية ذوي الاعاقة والاحتياجات الخاصة من خدمات".
وتابع، إنه "التقى بالنزيلات وتحدث معهن عن احتياجاتهن وتوفير كل اللازم لهن،فكل ما متوفر في الدار هو محل رضا جميع النزيلات وواجبنا تطوير الخدمات المقدمة لهن"، لافتاً إلى أن "الوزارة ستقوم بإعداد دورات عديدة للنزيلات لتزويدهن بمهارات وحرف تؤهلهن للانخراط مرة اخرى في المجتمع".
واوضح الأسدي، إن "مهمته ايجاد بيئة آمنة لهؤلاء النزيلات والاستمرار بالعمل من اجل دمجهن بالمجتمع، كما نعتبر كل النزلاء في الدور الايوائية مسؤوليتنا القانونية والاخلاقية، وواحدة من مهامنا هو زرع الثقة مرة اخرى في نفوس هؤلاء الفتيات اللواتي تعرضن لظروف اجتماعية خاصة".
وشدد على القول، إن "الدولة مهمتها رعاية كل ابنائها وهؤلاء هم جزء من المجتمع ومهمتنا رعايتهن وتوفير كل احتياجاتهن، مبيناً إن كل فتاة في الدار دخلت بأمر قاض وهناك متابعة لكل الحالات الفردية للنزلاء والحالة العامة لسلوكياتهن، وكذلك نعمل بالاتفاق مع عدد من المعامل والمصانع لتشغيل الفتيات لتكون لديهن انتاجية وثقة اكثر بانفسهن، فضلاً عن توفير كل احتياجات الدور الايوائية ورفع المستويات الاجتماعية والمعيشية والثقافية لجميع النزلاء فيها".
*رواية
يقول شاهد عيان من داخل الدار، رفض الكشف عن اسمه، ان ما يحدث داخل المشردات من اعمال عنف وعصيان ومطالبات بالعودة الى سجن الاحداث تعود لجملة أسباب، منها: "منعهن مشاهدة التلفاز او ممارسة الرسم او الموسيقى او الرياضة، كما يتم منعهم من الخروج الى الحديقة".
وأضاف، ان "المشردات هاربات من واقع مرير وبيئات معقدة بالتالي يجب احتواؤهن في هذا المكان وتوفير الرعاية اللازمة لهن من خلال مؤسسة دار المشردات".
وتابع: "اما ممارسة المنع والضغوطات النفسية فهذا ينتج اعمال عنف وردود سلبية".
وأكد الشاهد، انه بعد اعمال العنف التي حدثت داخل الدار، عمدت إدارة دار المشردات إلى "لملمة الموضوع من خلال إعادة تأهيل الدار دون علم الجهات العليا".
*ماذا عن الطعام
ويقول هذا الشاهد، ان "هناك محسوبية في ملف الاطعام وفساد كبير بين الموظفين والمتعهدين، والوجبات الموجودة داخل الدار لا ترقى الى المستوى المطلوب"، مؤكداً أن "الاكل في الكثير من الأحيان يصل اكسباير خاصة فيما يتعلق بالأجبان والمعلبات".
*احداث لم تكن وليدة السنة
في 18 آب 2023، أفادت الشرطة العراقية، باندلاع أعمال عنف وشغب في دار خيّرية لإعادة تأهيل الإناث المشردات تشرف عليه الحكومة الاتحادية وذلك في العاصمة بغداد.
وقال مصدر في الشرطة، إن معلومات وردت إلى القوات الأمنية بوجود حادث أعمال شغب داخل دار تأهيل الاناث المشردات ضمن منطقة الصليخ في بغداد.
وأضاف، أنه، تم التوجه الى منطقة الحادث وتبين قيام بعض المشردات بتكسير الزجاج والأثاث وأعمال شغب داخل الدار، مشيرا إلى اعتقال 6 فتيات بأعمار مختلفة و نقلهن إلى أحد المراكز القريبة لاتخاذ إجراء أصولي بحقهن.
*قانون “قديم” لمجتمع متحول
يُعرِّف قانون الاحداث رقم 76 لسنة 1983، “المشرد” بأنه كل حدث لم يتجاوز الـ15 من العمر ويُعثر عليه من دون مرافقة ولي أمره وهو يتسول في الاماكن العامة، او يمارس متجولا مهنة مثل صبغ الأحذية او بيع السكائر، او اية مهنة اخرى تعرّضه للجنوح. كما اعتبر القانون الحدث “مشردا” اذا لم يكن له محل إقامة معين او اتخذ الأماكن العامة مأوى له ولم تكن له وسيلة مشروعة للعيش، او ترك منزل وليّه من دون عذر مشروع.
خبراء قانون، علماء اجتماع وباحثون، جهات رسمية معنية بقضايا المشردين، وجهوا انتقادات لاذعة لقانون المشردين الذي لم يخضع للتعديل منذ 28 عاما، رغم كل ما مر به العراق من حروب ونزاعات وتحولات اقتصادية واجتماعية خلال العقود الثلاثة الاخيرة.
الباحث الاجتماعي عبد الرزاق سليمان يؤشر حجم العجز الحكومي وما يسميه “غياب الإدراك الحقيقي” لأهمية تعديل قانون دار المشردين “الهزيل” الذي ورثناه من النظام السابق، في المقابل، يعرض سليمان الصورة الواسعة والمأساوية التي انتهى إليها ملف المشردين في العراق أواخر العام 2011.
سليمان يتحدث عن ثلاث حروب مدمرة خاضها العراق خلال العقود الثلاثة الماضية، تركت أولاها (حرب الخليج الاولى 1980 – 1988) مئات الآلاف من الأيتام والمشردين الذين قُتل آباؤهم في الحرب، ولم يحظوا برعاية كافية من أقاربهم او مؤسسات الدولة المنشغلة آنذاك بالحرب حيث “لا صوت يعلو فوق صوت المعركة”. فيما أودت الثانية (حرب الكويت 1990-1991 وما تبعها من انتفاضات في عدة مدن عراقية) بحياة مئات الآلاف من الجنود العراقيين، وأكثر من 300 الف مدني عراقي اعدمهم النظام السابق وفق ما قدرته المنظمات الدولية، وخلفت مئات الآلاف من اليتامى والمشردين الذين عاصروا مرحلة الانهيار الاقتصادي الكبير في العراق ما بين عامي 1991- 2003 جراء الحصار الاقتصادي الذي فرضته الأمم المتحدة وتسبب في دمار البنى التحتية للاقتصاد العراقي وانتشار الفقر بين أكثر من 90 % من شرائح الشعب العراقي.
ولا ينسى سليمان هنا أن يحتسب حجم الدمار الذي نتج عن حرب الخليج الثالثة التي غزت فيها الولايات المتحدة العراق عام 2003، وما تبعها من عمليات قتل وتشرد وتهجير طائفي وعرقي يُعد الأوسع في العالم منذ عام 1948.
إزاء كل هذا، يلخص الباحث ما يحويه ملف التشرد في العراق بأنه “مأساوي” لا يمكن حل تداعياته بقانون جامد مضى عليه قرابة الثلاثة عقود.
*أرقام متضاربة
تعترف وزارة التخطيط العراقية بأنها لا تمتلك حتى الآن، أية إحصائيات يمكن من خلالها معرفة العدد الحقيقي للمشردين. ويبرر الناطق باسم الوزارة عبد الزهرة الهنداوي غياب هذه الاحصائيات الى التأجيل المتكرر للإحصاء السكاني في العراق على خلفية الصراعات السياسية التي تحيط بملف الإحصاء.
الباحث الاجتماعي سلام الاعرجي يعتقد أن الغياب “غير المبرر” للإحصائيات المتعلقة بالمشردين تجعل من المستحيل حصر المشكلة واتخاذ خطوات لمعالجتها، ويشكك في جدية الحكومة العراقية بإيجاد حلول لظاهرة المشردين إذا كانت جادة فعلا في تصديق إن عدد المشردين لا يتجاوز بضع مئات.