العمالة غير المرخصة.. سوق الاثيوبيات يرتفع وانفوبلس تتقصى: التسعيرة وفق جنسية العاملات وهكذا تتم آلية الدخول

انفوبلس/ تقارير
في ظل التحديات الاقتصادية، وغياب الضبط الحكومي الفعّال، تتزايد أعداد العمال الأجانب غير المرخصين في العراق بصورة مقلقة، ما يشكّل ضغطاً كبيراً على سوق العمل ويهدد بخلق أزمة مزدوجة: بطالة داخلية من جهة، وتسرّب أمني واجتماعي من جهة أخرى. وبين غياب التشريعات الرادعة والتواطؤ في بعض مفاصل الدولة، بات العراق ساحة مفتوحة للعمالة الأجنبية العشوائية.
ظاهرة اتسعت منذ نحو عقدين
بمتابعة دقيقة من شبكة انفوبلس، فإن هذه الظاهرة بدأت بالاتساع منذ عام (2006)، مع تدفق جنسياتٍ متعددةٍ إلى البلاد عبر منافذ غير قانونيَّة، لتجد لنفسها مكانا في ميادين العمل دون رقابةٍ واضحة، لا سيما في المقاهي والمنازل، حيث تشغل هذه العمالة بأجورٍ متدنية جدا، ما يضعف تنافسيَّة العامل العراقيِّ وبفاقم نسب البطالة في صفوف الشباب.
وبحسب مراقبين، فإن العمالة الأجنبية غير المرخصة في العراق لم تعد مجرد مخالفة قانونية، بل تحوّلت إلى تهديد اقتصادي واجتماعي حقيقي، يستنزف فرص العمل، ويقوّض استقرار الدولة.
وبهذا الصدد، أكدت مصادر مطلعة، أنَّ بعض الشركات والمكاتب الخاصَّة تُسعّر العمالة الأجنبيَّة بحسب الجنسيَّة، في تجاوزٍ صارخٍ على المعايير القانونيَّة والإنسانيَّة، وسط غيابٍ رقابيٍّ يُتيح استمرار هذه الممارسات.
تسعير العاملات وفق الجنسية!
ويرى خبراء أنَّ مواجهة هذه الظاهرة تتطلّب إعادة تنظيم سوق العمل، وتشديد الإجراءات الرقابيَّة، وتفعيل القوانين المتعلّقة بتصاريح الإقامة والعمل، فضلًا عن إطلاق حملات توعيةٍ تستهدف أصحاب الأعمال والمواطنين بشأن مخاطر تشغيل عمالةٍ غير نظاميَّةٍ على الاقتصاد والأمن المجتمعيِّ.
وتُشير إفادات المواطنين إلى أنَّ بعض الشركات، تُسوِّق العاملات الأجنبيات وفق جنسياتهنَّ، إذ تتراوح أسعار استقدام العاملة بين (3100 – 4500) دولار، بحسب الدولة التي تنتمي إليها.
وتُفرض مبالغ أعلى على العاملات الإثيوبيات، نتيجة قلّة أعدادهنَّ في السوق العراقيَّة مقارنةً بجنسياتٍ أخرى مثل الأوغنديَّة أو البنغلاديشيَّة، ما يفتح الباب أمام تسليع العمالة المنزليَّة وضعف الضوابط القانونيَّة في التعامل مع هذا الملفِّ.
جردة بالأعداد
وفي هذا الإطار، قال عضو لجنة العمل النيابيَّة، النائب حسين عرب، إنَّ "أعداد العمالة الرسميَّة لا تتجاوز (100) ألفٍ، في حين تتراوح أعداد العمالة غير المرخّصة بين (400 أو 500) ألفٍ إلى (700) ألف".
وأضاف عرب في حديث له تابعته شبكة انفوبلس، أنَّ "طرق دخول هذه العمالة غير المرخّصة تتمّ عبر وسائل ملتوية، كانتْ سابقًا عن طريق الشركات الاستثماريَّة، أمّا الآن فأصبحتْ تتمّ عبر إقليم كردستان العراق أو من خلال أنواعٍ مختلفةٍ من الفيز، منها الاضطراريَّة والسياحيَّة وغيرها".
وتابع، أنَّ "هناك تحايلًا على القانون من قبل بعض المستفيدين الذين ينتفعون من هذه الظاهرة على حساب الاقتصاد، فضلًا عن تحويل أموالٍ كبيرةٍ جدًّا من قبل هذه العمالة إلى خارج البلاد".
ولفت إلى أنَّ "مجلس النوّاب شرَّع قانون التقاعد والضمان وأضاف فيه موادَّ تخصّ العمالة الأجنبيَّة وآليات دخولها، ووضع قيودًا حقيقيَّة، لكنَّ التحايل ما زال قائمًا من قبل بعض المتنفذين وبعض الشركات الاستثماريَّة، وكلُّ ذلك يُؤدّي إلى خسائر كبيرةٍ للاقتصاد العراقيِّ".
آلية دخول أولئك العاملين
وأشار المقدم في وزارة الداخلية إلى أنَّ الجهات المختصَّة في وزارة الداخليَّة تحرص على تطبيق هذه النصوص بدقة، لضمان احترام سيادة القانون وتنظيم سوق العمل".
وأوضح أنَّ "دخول العمالة غير المرخّصة يتمّ غالبًا عن طريق المنافذ الحدوديَّة أو المطارات، إذ يدخل العامل بصفة زائرٍ شخصيٍّ أو يحمل إقامةً مؤقتةً (لشهرٍ أو سنة)، ثم يخالف شروط هذه الإقامة بالبقاء والعمل بصورةٍ غير قانونيَّة".
وأضاف أنَّ "العقوبات تطول العامل وربّ العمل معًا، إذ يلتزم الكفيل قانونيًّا بضمان عدم مخالفة المكفول لأحكام الإقامة، ويُعدّ مسؤولًا عن أيِّ تجاوز".
وشدَّد المقدّم علاء على أنَّ وزارة الداخليَّة تواصل حملاتها لملاحقة العمالة الأجنبيَّة غير المرخّصة، مشيرًا إلى أنَّ "مفارز مديريَّة شؤون الإقامة تُنفّذ حملاتٍ مستمرَّةً في بغداد وباقي المحافظات، للتحرّي والقبض على المخالفين، بالتنسيق مع باقي تشكيلات وزارة الداخليَّة".
الجدير بالذكر أن أغلب هؤلاء العمال قدموا من دول مثل بنغلادش، الهند، نيبال، باكستان، وإثيوبيا، مستفيدين من ثغرات قانونية ومكاتب استقدام غير مرخصة تعمل في الظل، تحت مظلة التواطؤ أو الإهمال.
لماذا يفضل أرباب العمل العراقيون العمالة الأجنبية غير المرخصة؟
السبب الرئيسي هو الكلفة. فالعامل الأجنبي، غير المسجل قانونيًا، لا يطالب بتأمينات أو ضمان اجتماعي أو إجازات أو حتى ساعات عمل محددة. كما يقبل بأجور منخفضة جدًا مقارنة بالعامل العراقي.
تقول سيدة أعمال من أربيل (رفضت الكشف عن اسمها):العامل البنغالي يشتغل من الفجر للمغرب، وما يعترض. يدبر كل شغل البيت أو المطعم، وما يطلب أكثر من 250 دولار بالشهر. من وين أجيب عراقي يقبل بهيج شروط؟"
هذه المعادلة أغرت مئات الشركات الصغيرة والمتوسطة وحتى بعض المستثمرين في القطاعات الزراعية والإنشائية والخدمية، فأصبح استقدام العمالة الأجنبية غير المرخصة خيارًا مربحًا اقتصاديًا، حتى وإن كان محفوفًا بالمخاطر القانونية والإنسانية.
ماذا عن العامل العراقي؟ وأين هو من كل هذا؟
الواقع يقول إن العامل العراقي هو المتضرر الأكبر. ففي بلد يعاني من بطالة تتجاوز نسبتها 15% رسميًا (وتصل إلى أكثر من 30% في بعض المحافظات الجنوبية)، تشكل العمالة الأجنبية غير المرخصة منافسًا خطيرًا يزاحم اليد العاملة المحلية، ويؤدي إلى تدهور الأجور وشروط التوظيف.
يقول "حسين نوري"، عامل بناء من بغداد: أشتغل يوم ويومين وأقعد أسبوع. كل صاحب مشروع يروح يجيب له بنغالي أو نيبالي يشتغل من الصبح للمغرب بنص السعر. بعد شنو يبقى النا؟"
هكذا، بدأت تنشأ فجوة اجتماعية، تُغذي شعورًا متزايدًا بالظلم والتهميش في أوساط الطبقة العاملة العراقية، وخصوصًا بين الشباب الذين يشعرون أن وطنهم لم يعد يوفر لهم حتى حق العمل في أرضه.
الأثر الأمني والاجتماعي: تهديد صامت
المشكلة ليست اقتصادية فقط، فالوجود الواسع وغير المنضبط للعمالة الأجنبية غير المرخصة بدأ يطرح أسئلة أمنية حساسة.
في غياب قاعدة بيانات واضحة، أو رقابة فعلية على حركة هؤلاء الأفراد، يصبح من الصعب معرفة من يدخل البلاد، ومن يخرج، ومن يبقى فيها بشكل غير قانوني.
وقد سُجلت في السنوات الأخيرة حالات متعددة من الجرائم التي تورط بها بعض أفراد هذه العمالة، مثل السرقة، الاحتيال، والاعتداءات.
كما ظهرت بعض السلوكيات الدخيلة على المجتمع العراقي، خاصة في مناطق تجمع العمالة الأجنبية، ما تسبب بقلق اجتماعي وسخط شعبي في بعض الأحياء.
ما موقف الدولة؟ وأين أجهزتها من كل هذا؟
رغم الجهود المعلنة، لم تحقق الحكومة العراقية تقدمًا حقيقيًا في ضبط هذه الظاهرة.
وزارة العمل أعلنت مرارًا أنها تشن حملات تفتيش على المكاتب غير المرخصة، وتغلق بعضها. لكن تلك الحملات موسمية ومحدودة، وغالبًا ما تتوقف بفعل الضغوط السياسية أو غياب التنسيق مع وزارة الداخلية والأمن الوطني.
من جانبها، تعترف وزارة الداخلية بأن هناك صعوبة في ملاحقة المتسللين إلى سوق العمل، خاصة في المحافظات التي تفتقر إلى بيانات موحدة أو أنظمة متابعة إلكترونية.
وفي حديث خاص مع مصدر في الوزارة، قال: "نحن بحاجة إلى قانون موحد ومركزي ينظم العمالة الأجنبية، مع وجود جهاز رقابي خاص، وإلا فستبقى الفوضى مسيطرة على هذا الملف".
ماذا يقول القانون العراقي؟
وبـحسب القانون العراقيِّ نصَّت المادَّة (41) من قانون الإقامة رقم (76 لـسنة 2017) على: "يُـعاقب بالحبس لمدَّةٍ لا تزيد على سـنةٍ وبغرامةٍ لا تـقلّ عن (100) ألف دينارٍ كُـلُّ من خالف أحكام قانون الإقامة الأجنبيَّة بالتستّر أو تشغيل أجنبي يعمل دون ترخيص".
في هذا الصدد أكّد المقدّم علاء من مديريَّة شؤون الإقامة في وزارة الداخليَّة، أنَّ تشغيل أجنبيٍّ يعمل من دون ترخيصٍ أو التستّر عليه يُعدّ مخالفةً صريحةً لقانون إقامة الأجانب، ويُعرِّض جميع الأطراف- العامل وصاحب العمل والكفيل- إلى عقوباتٍ ماليَّةٍ وإداريَّةٍ وقانونيَّةٍ مشدَّدة.
في ذات السياق، قال المستشار القانونيُّ سعد البخاتي: إنَّ تشغيل العمالة الأجنبيَّة من دون الحصول على إجازة عملٍ يُعدّ مخالفةً قانونيَّةً صريحةً.
وذكر البخاتي في تصريح صحفي تابعته شبكة انفوبلس،أنَّ القانون يُنظّم عمل الأجانب من خلال إجراءاتٍ تبدأ بالحصول على إجازة عملٍ من وزارة العمل والشؤون الاجتماعيَّة قبل المباشرة بأيِّ نشاطٍ وظيفيٍّ.
وأوضح، أنَّ هذه الإجازة تُمنح بعد تقديم طلبٍ رسميٍّ إلى دائرة التشغيل بقسم الأجانب، إلى جانب توفير ضماناتٍ تتعلّق بتشغيل نسبةٍ من العمالة العراقيَّة، فضلًا عن تقديم مستمسكاتٍ تشمل جوازات السفر وشهادات الخبرة في حال توفرها، مبيِّنًا أنَّ الهدف من هذه الشروط هو ضبط سوق العمل وتقليل نسب البطالة بين المواطنين وضمان حقوق العمّال الأجانب وفق إطارٍ قانونيٍّ منظّم.
في النهاية، العمالة الأجنبية غير المرخصة في العراق ليست قضية ثانوية، بل أزمة حقيقية تنخر في جسد الدولة من نواحٍ متعددة: اقتصادية، اجتماعية، وأمنية. وبين القوانين الغائبة، والرقابة المرتخية، والمصالح الاقتصادية قصيرة النظر، يبقى العامل العراقي هو الخاسر الأكبر، فيما تتحول ساحات العمل إلى فوضى غير محسوبة العواقب.