"الفايز" في العراق.. أرقام "مدهشة" لحجم الأموال المتداولة وانفوبلس تتقصى: مَن يلجأ إليه؟ وما أبرز الجرائم المترتبة على المديونين؟
انفوبلس/ تقارير
تعرف عليه العراقيون منذ التسعينيات وما زال يفتك بالمجتمع، خطير جدا لا يسلم منه أحد إلا ما ندَر، كانت آخر الجرائم المترتبة عليه مقتل سيدة في منزلها بمحافظة ميسان. الرِّبا أو ما يُعرف بـ"الفايز" في العراق والمخاوف من التفشي. ما هو بالضبط؟ وماذا يحلّ بالمتورطين به؟ إليك أرقام مدهشة عن حجم الأموال المتداولة فيه.
*أين ينتشر "الفايز"؟
ينتشر التعامل بالرِّبا أو ما يسمى شعبياً الدَّين بـ"الفايز" في المجتمع العراقي، حتى أصبحت ظاهرة تمارس بشكل كبير في الأوساط الشعبية، فضلاً عن المؤسسات المصرفية الحكومية وغير الحكومية.
ويضطر المواطنون أحياناً إلى الاقتراض ممن يمتلكون الأموال وفق ما يسمى بـ"الفايز"، على أن يتم تسديد الأموال على دفعات بفائدة عالية، لكنها سرعان ما تتحول إلى أزمة لعجزهم عن سدادها، فيتضاعف المبلغ عليهم.
*خسائر باهظة
(الفايز) أصبح وسيلة اقتراض تثقل كاهل المواطن، وهو يتعرض للحيف الكبير جرّاء اللجوء لهذا الاقتراض، والذي من خلاله يتعرض المقترض لخسائر باهظة، خصوصاً المقترض بالدولار، وفق ما يؤكده الخبير الاقتصادي عمر الحلبوسي.
وأوضح الحلبوسي، أن "المقترض بالدولار يتحمل ثلاث خسائر، الأولى فائدة (الفايز)، وهي كبيرة جداً تُحسب كفائدة على المبلغ، مع هامش مالي تحسُّباً لتقلّب سعر الصرف".
أما الخسارة الثانية فهي، وفق الحلبوسي "الفائدة التأخيرية التي تتضاعف كلما تأخر المقترض بالسداد، والتي تزيد عن حجم الفائدة مرتين، الأولى فائدة التأخير، والثانية زيادة سعر الصرف"، مضيفاً أن "الخسارة الثالثة هي فرق سعر صرف الدولار الذي يتصاعد بشكل متسارع، مما يزيد من حجم خسائر المقترض".
ويؤكد، أن "هذا يجعل المقترض يتعرض للإعسار في السداد، والذي يترتب عليه فوائد كبيرة، مما يعني مزيداً من الخسائر التي سيبقى المقترض حبيسها في ظل تقلّبات سعر الصرف التي تزيد من تراكم خسائر مقترض الدولار بـ(الفايز)".
*ما الذي يُجبر الشخص على اللجوء الى الفايز؟
من جهته يشير أحد المواطنين إلى أن "البعض يلجأ إلى الاقتراض مضطرا بسبب الحاجة إلى الأموال لظروف طارئة، كأن يكون لديه مريض بصدد إجراء عملية له وما شابه ذلك، رغم علمه بأنه حرام شرعاً".
ويضيف المواطن، أن "بعض المواطنين يقترضون بالدولار، نتيجة لتذبذب أسعار الصرف وصعوده المستمر، فهو يساهم في تفاقم صعوبة سداد الديون".
*الفايز بالقانون العراقي
وتنص المادة 465 من قانون العقوبات العراقي رقم 111 لسنة 1969 بالحبس وبغرامة مالية، أو بإحدى هاتين العقوبتين، مَن أقرض آخر نقوداً بفائدة ظاهرة أو خفية تزيد عن الحد الأقصى المقرر للفوائد الممكن الاتفاق عليها قانوناً، وفق الخبيرَين القانونيَّين، علي التميمي، وحيدر الصوفي.
ويضيف القانونيان، "تكون العقوبة السجن المؤقت من 5 إلى 10 سنوات، إذا ارتكب المُقرِض جريمة مماثلة للجريمة الأولى خلال 3 سنوات من تاريخ صيرورة الحكم الأول نهائياً، وتكون العقوبة حسب شدة الجريمة وجشع المُقرِض والشروط".
*جرائم وصراعات عشائرية
من جهته يقول حيدر الصوفي، "في قانون أصول المحاكمات الجزائية، إذا بادر المقترض إلى الإخبار عن المقرض، فإنه يُعفى من العقوبة وتبقى العقوبة على المقرض، إلا أن المقترض دائماً ما يكون في حاجة إلى اقتراض المال، ويستغله المقرض بالربا، لذلك لا يذهب المقترض إلى القضاء للإخبار عن المقرض".
ويتفق الصوفي والتميمي، على أن "عمليات الربا تتفشى في الأسواق العراقية بعيداً عن متناول القضاء والشرطة، لأنها تتم بكتمان وسرّية بين المقترضين، ما يتطلب جهداً استخبارياً لمكافحة هذه الجرائم السرّية التي تخالف أحكام الشريعة الإسلامية، وكذلك يتطلب أيضاً زيادة الوعي عن هذه الجرائم، كونها غير معروفة وما يترتب عليها من عقوبات قانونية".
بدوره، يقول يعرب المحمداوي، رئيس لجنة حل النزاعات العشائرية الأسبق، إن “ظاهرة الربا أثّرت سلبا على الواقع المجتمعي وخلقت صراعات عشائرية وفردية، وهذه الظاهرة استفحلت بصراحة، حيث بدأ المقاولون يقترضون أموالا بالفايز وأصبحت تحصل المشاكل، وقد سُجِّلت حالات قتل وتهجير ونزاعات كبيرة بسبب هذه الظاهرة".
*مقاولون أبطال القصص
الحكايات كثيرة حيال مَن وقعوا في فخ الربا، والمقاولون كانوا أبطال القصص بسبب ضعف السيولة المالية، ونتيجة ذلك تعسَّر عليهم سداد القروض الربوية وتراكمت ديونهم حتى وصل الحال ببعضهم إلى السجن.
وبهذا الصدد، يقول مراد الحلفي، رئيس اتحاد المقاولين في البصرة، إن “الجهات التعاقدية تتأخر في صرف مستحقات المقاول، لهذا يضطر إلى اقتراض الأموال بالفايز، وهذه الأموال فائدتها كبيرة جدا وشهرية تصل إلى 10 أو 15 بالمئة، وبالنتيجة هذه المبالغ ستتضخم بسبب الفوائد، وبذلك لا يستطيع المقاول سدادها، ما يترتب عليه بيع ممتلكاته ويخسر عمله وشركته، ولدينا مقاولون في السجون بسبب ما يسمى الفايز".
*جريمة ميسان
واليوم الأحد، أفاد مصدر أمني بمحافظة ميسان، أن امرأة قُتِلت بهجوم مسلح وسط المحافظة.
وقال المصدر، إن "شخصاً مسلحاً اقتحم منزلاً في شارع (عكش) وسط مدينة العمارة مركز المحافظة وقتل صاحبة المنزل ثم لاذ بالفرار إلى جهة مجهولة الهوية".
وبين المصدر، إن " التحقيقات الأولية تشير الى أن حادثة القتل سببها ديون بذمة القاتل للمجني عليها نتيجة أموال الربا (الفايز)"، لافتا إلى أنه "تم نقل الجثة للطب العدلي لإكمال الإجراءات القانونية لها ".
*حراك نيابي
بتواقيع وتأييد نحو ربع نواب البرلمان العراقي، أصبح على طاولة رئاسة مجلس النواب طلب بتشريع قانون "لمكافحة الربا"، في توجه يظهر إصرارًا برلمانيًا على "التضييق" على هذه الظاهرة التي أصبحت تمارس بشكل كبير في الاوساط المجتمعية فضلًا عن المؤسسات المصرفية الحكومية وغير الحكومية.
وأظهرت وثيقة اطلعت عليها شبكة انفوبلس، تقديم عضو لجنة الامن والدفاع النيابية، النائب علاء الحيدري طلبًا الى البرلمان لتشريع قانون مكافحة الربا، مشفوعًا بتواقيع 82 نائبًا، والذين يشكلون قرابة 25% من أعضاء مجلس النواب البالغين 329 نائبًا.
*حجم الاموال المتداولة
يؤكد مدير مفوضية حقوق الإنسان في ديالى صلاح مهدي، أن "ظاهرة الربا صارت سبباً رئيسياً للانتحار والطلاق والعنف الأسري والهروب خارج ديالى، خاصة وأن من بين الأشخاص البسطاء تتضاعف ديونهم إلى 200 و400 مليون دينار خلال فترة قياسية". لافتاً إلى أن "معظم من يمنحون القروض هم جهات متنفذة ويقومون بتحصين أنفسهم للتحايل على القانون كإجبار من يضطر للاقتراض منهم إلى رهن سند داره أو بطاقة راتبه للاستيلاء على البيوت والرواتب فيما بعد في حال تأخر المقترض بتسديد دينه".
ويضيف، "هذه الظاهرة باتت سبباً لتراكم الديون على مَن يتعامل بها بعدة أضعاف تصل إلى 400% من أصل المبلغ بمرور الوقت بحيث لا يستطيع المقترض تسديد ما عليه من ديون، ولهذا يضطر الكثيرون إلى رهن منازلهم وتُصدم زوجاتهم فيما بعد بطردهن مع أطفالهن إلى الشارع من قبل أصحاب الأموال نتيجة عدم قدرة أزواجهن على تسديد الديون".
بدوره يقول مدير شؤون عشائر ديالى الشيخ علي محمود العلي الربيعي، إن "البعض يقوم بمنح 100 دولار بقيمة 300 و400 ألف دينار على أن يتم تسديدها بالدينار وفقاً لسعر الورقة المتفق عليه بحجة أن الأمر ضمن الشرع ولا يخالف القانون".
أما الإحصائيات التقريبية لحجم الأموال المتداولة في "الفايز" فإنها تتضارب، حيث تشير بعضها إلى أنه بلغ 100 مليون دولار في عام 2022 وتتوقع وصوله إلى 200 مليون دولار خلال العام الحالي، في حين أشارت بعض الإحصائيات إلى أن حجم المُنفَق على الفايز يفوق هذه القيمة وربما يصل إلى مليارات الدولارات.