الفصل التعسفي في القطاع الخاص.. وزارة العمل "مقصرة" وهكذا يتعامل القانون العراقي معه

انفوبلس/ تقرير
تشهد عمليات الطرد التعسفي للعمال في القطاع الخاص العراقي خلال الفترة الماضية، تزايداً ملحوظاً من دون تبليغ مسبق أو خلال فترة لا تمكّنهم من إيجاد بديل مناسب في وقت قريب، لكن القانون العراقي يحمي العامل من الفصل التعسفي ويمنحه الحق في التعويض والمطالبة بمستحقاته، ويسلط تقرير شبكة "انفوبلس" الضوء على كل ما تريد معرفته عن هذه الظاهرة.
وزارة العمل والشؤون الاجتماعية مخولة بالإشراف على تطبيق القانون من خلال لجان التفتيش في الوزارات، التي يتوجب أن ترصد المخالفات. ولكنها لا تقوم بذلك إلا إذا قدم العامل شكوى؛ وهي مسألة شائكة بحد ذاتها بسبب قلة معرفة العمال بحقوقهم.
ما هو الفصل التعسفي؟
ظاهرة الطرد التعسفي هي مصطلح مرادف للفصل التعسفي، ويشير إلى إنهاء صاحب العمل لعقد عمل العامل دون وجود سبب قانوني أو مشروع يستدعي ذلك. يعتبر هذا الإجراء مخالفاً لقوانين العمل التي تهدف إلى حماية حقوق العامل وضمان استقراره الوظيفي.
والسمة الأساسية للطرد التعسفي هي عدم وجود مبرر قانوني مقبول لإنهاء عقد العمل. قد تكون الأسباب المقدمة من قبل صاحب العمل غير حقيقية، أو غير كافية بموجب القانون، أو حتى تمييزية، وكما ان الطرد التعسفي ينتهك أيضا حقوق العامل في الاستقرار الوظيفي وفي الحصول على مستحقاته وتعويضات عن الضرر الذي لحق به نتيجة هذا الإنهاء غير القانوني.
ومن الآثار السلبية على العامل، هي فقدان مصدر الدخل، وكذلك صعوبة الحصول على عمل جديد، بالإضافة الى تدهور الوضع المالي والاجتماعي والنفسي، الشعور بالظلم والإحباط، كما تساهم ظاهرة الطرد التعسفي في خلق بيئة عمل غير مستقرة، وزيادة معدلات البطالة، وتفاقم المشاكل الاجتماعية، بحسب حديث خبراء اقتصاديين تحدثوا لشبكة "انفوبلس".
ويضيفون، إن من أسباب لجوء أصحاب العمل إلى الطرد التعسفي (غير قانونية)، هي يلجأ بعض أصحاب العمل إلى الطرد التعسفي لتجنب دفع مستحقات نهاية الخدمة أو غيرها من الالتزامات المالية تجاه العامل، وكذلك خلافات شخصية بين صاحب العمل أو المدير والعامل، لا تتعلق بأداء العامل أو مصلحة العمل، إضافة الى أن الطرد قد يكون مبنياً على أسباب تمييزية تتعلق بعرق العامل، دينه، جنسه، رأيه السياسي، أو أي خصائص شخصية أخرى غير مرتبطة بكفاءته أو أدائه.
ومن الأسباب أيضا – بحسب الخبراء - مطالبته بحقوقه القانونية، أو رفضه العمل في ظروف غير آمنة أو غير قانونية، أو إبلاغه عن مخالفات في مكان العمل، وكذلك قد يحاول بعض أصحاب العمل إيجاد ذرائع واهية لإنهاء عقد العمل لتجنب الالتزام بشروط العقد أو قانون العمل.
عمار كاظم، أحد المتضررين، يبلغ من العمر 26 عاماً، وهو خريج الجامعة التكنولوجية ببغداد، عمل كمهندس برمجة في شركة لتقديم خدمات الهاتف النقال، أبلغ مؤخراً بإنهاء خدماته، ونتيجة ذلك منع من دخول فرع الشركة في بغداد، ولم يسمح له بسماع أسباب فصله عن العمل ما دفعه للاستعانة بمحامٍ لتقديم شكوى.
ويضيف، "أعمل في الشركة منذ عامين ولم يتم منحي نسخة عن عقد العمل في العام الثاني بدعوى أن المستشار القانوني غير مخول من صاحب الشركة بمنحي نسخة عنه، وكذلك لديَّ راتبان متأخران بذمة الشركة ولم تدفعهما بعد تسريحي".
ويتابع "قدمتُ شكوى أمام محكمة العمل في بغداد وأنكرت الشركة بعد استدعاء ممثل عنها وحضور محاميها أن تكون قد جددت عقدي بعد العام الأول، في تحايل واضح منها، ما عقد الأمر وجعلها في موقف قانوني أقوى لأنني أيضاً لم أمنح باج (بطاقة عمل) منذ انتهاء صلاحية الأخير قبل عام لأثبتَ أنني مستمر بالعمل ولم أتركه منذُ تاريخ انتهاء عقد السنة الأولى، وحينما طلبت مني المحكمة شهوداً امتنع زملائي عن الحضور أمام القاضي خشية تعرضهم للطرد أيضاً".
بينما يؤكد المهندس عادل فرحان الذي عمَل في أحد الحقول النفطية بمحافظة البصرة، إن "الشركة سرحتني من عملي بعد غيابي ليوم واحد رغم تقديمي لتقرير طبي يثبت أن وضعي الصحي لم يسمح لي بالعمل، ولدي عقد عمل نافذ فيه بندٌ يسمح للشركة بإنهاء خدماتي في حال الغياب ولو ليوم واحد ورغم إنه لم يكن منطقياً قبلت على مضض لصعوبة إيجادي عملاً بالراتب الذي تم تقديمه لي".
ويضيف، "قدمتُ شكوى بعد طردي وأرفقت التقرير الطبي وفيه طلب إجازة ليوم واحد وفقاً لأحكام المادة 81 من قانون العمل التي تمنحني حق طلب إجازة لأسباب مرضية، وجاء ممثل الشركة وأبرز العقد أمام القاضي ولم يحمني القانون العراقي رغم عدم منطقية الشرط، لأن قانون العمل أقوى من العقد".
ويتابع فرحان أن غالبية أقرانه في الشركات النفطية يعانون من الشروط التعسفية نفسها، حسب وصفه، وأيضاً فإن حقوقهم تضيع بظروف عمل قاسية وساعات عمل تزيد عن الـ10 ساعات رغم أن قانون العمل اشترط ألا تزيد عن الثمانية، وللأسف نادراً ما تزور الفرق التفتيشية تلك المواقع ولا يسمع للعامل صوت".
وتقول وزارة العمل إنها تعترف بعقد العمل التحريري والاتفاق الشفهي وإنهاؤهما يتطلب موافقة وزيرها حصراً بموجب قانون العمل ولا يمكن أن يتم بشكل مباشر من صاحب العمل. ويوضح المتحدث باسم الوزارة نجم العقابي أن "من يُطرد بشكل تعسفي بإمكانه تقديم ما يثبت أنه مارس هذا العمل ورفع شكواه، وفي حال تأكدت مظلوميته فإن بإمكانه طلب تعويض (مكافأة نهاية خدمة) وفقاً للمادة 45 من القانون عن أجر أسبوعين من الأجر الشامل عن كل سنة من سنوات الخدمة ويصدرُ القرار من لجنة إنهاء الخدمة المشكلة من الوزارة أو القضاء".
ويضيف أن "قانون العمل يمنع أصحاب العمل من تسريح العاملين دون الحصول على موافقة تحريرية من وزير العمل ويلزم صاحب العمل بإنذار العامل قبل فترة 30 يوماً من إنهاء عقده شرط أن تكون هنالك أسباب قانونية ولا يكون الإنهاء تعسفياً".
وفي حال لم تتوافر الشروط القانونية تطبق على صاحب العمل المادة 52 من القانون وفيها يعاقب بالحبس مدة لا تقل عن ثلاثة أشهر ولا تزيد على سنة أو يتم دفع غرامة مالية. ويقول المتحدث باسم وزارة العمل إن "فرق الوزارة التفتيشية تقوم بأعمالها وتنفذ زيارات مفاجئة لمواقع العمل وخصصت خطوطاً لتلقي الشكاوى".
ويؤكد رئيس الاتحاد العام لنقابات العمال ستار دنبوس، أن "العامل الذي يطرد بشكل تعسفي من عمله، عليه بموجب قانون العمل اللجوء إلى اتحادنا، ويتم توكيل محامٍ من قبلنا بالمجان ولا نحمل العامل أي تكاليف وينظر بقضيته أمام محكمة العمل، ومن ليس لديه عقد أو لديه مستحقاتٍ متأخرة عليه أن يجلب شاهدين اثنين يؤكدان أنه يعمل في المكان الذي يقول إنه طرد منه وأن لديه مستحقات وقانون العمل يكفل ذلك".
ماذا يقول القانون العراقي؟
وفي هذا الإطار، يقول قاضي محكمة العمل في رئاسة محكمة استئناف الرصافة هاشم الخفاجي، إن "المشرع العراقي عند إعداد وصياغة قانون العمل الجديد رقم 37 لسنة 2015 حرص على المبادئ التي نص عليها الدستور من أن العمل هو حق لكل مواطن قادر عليه وتعمل الدولة على توفيره على أساس تكافؤ الفرص دونما أي نوع من التمييز".
ويلفت إلى أن "قانون العمل الجديد قد أورد نصوصا لتحديد ساعات العمل والعمر القانوني والحدود الدنيا للأجور لضمان عدم استغلال العامل من قبل صاحب العمل، حيث ان الحد الأدنى لسن العمل هو (15) عاما، وان السن لقانوني للتقاعد هو (60) سنة، وان القانون في المادة 62/أولا قد حدد اجر العامل بموجب عقد عمل يبرم بين الطرفين ويتم الاتفاق عليه بين العامل وصاحب العمل وحسب مؤهلاته وخبرته وشهادة العمل الحاصل عليها، على ان لا يقل عن (350000) الف دينار.
ويؤكد أن "العمل يجب ان ينظم بعقد سواء كان العقد تحريريا أو شفويا حيث ألزم القانون أن ينظم العقد بثلاث نسخ وحسب المادة 37/أولا مع تضمنه شروطا محددة وبيانات بالحد الأدنى وحسب النصوص القانونية، اما بالنسبة للعقد الشفوي أجاز القانون أن يكون عقد العمل شفويا بين العامل وصاحب العمل بشرط ان ينتج اثاره القانونية وان يثبت العامل عقد العمل وطبيعة عمله بينه وبين صاحب العمل بالبينة الشخصية.
وبين القاضي هاشم الخفاجي أن "قانون العمل حرص على حماية العامل في حال التقاعد والضمان الاجتماعي، حيث ألزمت النصوص القانونية صاحب العمل ان يشمل عماله الذين يعملون في مشروعه بأحكام قانون التقاعد الضمان الاجتماعي للعمال، كما انه ملزم بتقديم البيانات السنوية عن عدد العمال وأسمائهم وتولدهم وعناوينهم الكاملة ومبالغ أجورهم ومبلغ الاشتراكات التي تستحق عليهم ومبلغ الاشتراك الذي يترتب على الجهة التي تستخدمهم".
وشدد الخفاجي على "ضرورة التنسيق بين القضاء ووزارة العمل والشؤون الاجتماعية كونها الجهة التنفيذية والرقابية لأحكام قانون العمل الجديد، ولان القضاء هو الجهة التي تفصل في دعاوى العمل التي يتم رفعها أمام قضاء العمل فأن أول إجراء تتخذه المحكمة هو مفاتحة وزارة العمل والشؤون الاجتماعية لتزويد المحكمة بالبيانات العمالية المتوفرة لديها عن العامل واشتغاله لدى المدعى عليه وطلب إرسال جدول بالخدمة والأجور في قاعدة بيانات العمال ليتم حسم الدعوى".
وفي ما يخص عمل الأجانب في العراق، يبين القاضي أن "القانون نظم عمل الأجانب في المواد 30 إلى 36, حيث تم الحظر على الإدارات وأصحاب العمل تشغيل أي عامل اجنبي ما لم يكن حاصلا على إجازة عمل صادرة من وزارة الداخلية مقابل رسم يحدد بتعليمات، كما تم حظر العامل الأجنبي من الالتحاق بأي عمل قبل الحصول على إجازة العمل".
وعن أبرز القضايا الواردة إلى المحاكم، يؤكد القاضي، "انتشار حالات الفصل التعسفي للعاملين في القطاع الخاص بسبب جهلهم لأحكام القانون التي تمنع أصحاب العمل من فصل العامل خلافا للنصوص والأحكام الواردة بقانون العمل العراقي"، لافتا إلى أن "أي فصل للعامل يجب ان يكون ضمن ضوابط المادة 43/أولا وثانيا، مع مراعاة الاستثناءات المنصوص عليها في المادة 45, وبخلاف ذلك يعتبر فصل العامل وإنهاء خدماته من قبل صاحب العمل فصلا تعسفيا وغير قانوني".
وعن آلية وطرق الشكوى، تابع الخفاجي أن "العامل يمكنه إثبات إنهاء خدماته خلافا لأحكام قانون العمل وتعسفيا وذلك بسلوكه بالطرق المنصوص عليها في المادة 46/أولا وهو ان يقدم العامل طعنا بأنهاء خدمته خلال 30 يوما من تاريخ تبلغه بأنهاء خدمته أمام قضاء العمل، ويعد متنازلا عن هذا الطعن إذا لم يقدمه خلال هذا المدة".
ويضيف أن "المحكمة إذا وجدت أن إنهاء خدمة العامل لم تستند إلى أحد الأسباب المنصوص عليها في القانون فعليها ان تقرر إعادة العامل الى عمله ودفع أجوره كاملة عن مدة انهاء العمل، وان تعذر إعادة العامل الى عمله فينهى عقد العمل من تاريخ صدور الحكم ودفع تعويض الى العامل يعادل ضعفي مكافأة الخدمة المنصوص عليها في المادة 45 من قانون العمل شرط ان يدفع صاحب العمل الى العامل مكافأة الخدمة من تاريخ إنهاء الخدمة وليس من تاريخ صدور قرار الحكم".
وختم حديثه بأن "قانون العمل الجديد لسنة 2015 جاء تأكيداً للمبادئ التي نص عليها الدستور من أن العمل حق لكل العراقيين بما يضمن لهم حياة كريمة"، لافتا إلى ان "الدولة تسعى الى توفير أوسع الضمانات الاجتماعية وإيجاد قانون ينظم العلاقة بين العمال وأصحاب العمل وفق أسس اقتصادية، ويركز على حماية حقوق الطرف الضعيف (العامل) في علاقة العمل ويعطي أهمية للتوازن بين الطرفين، كما يتناول بطلان عقود العمل التي تشمل أحداثا دون السن القانونية، مع فرض تعويضات عادلة وحماية اجتماعية".