القضاء الهولندي يفتح ملف "مجزرة الحويجة 2015" من جديد بعد ضغط كبير.. بعض ضربات التحالف الدولي ترقى إلى جرائم حرب
انفوبلس/ تقرير
لا يزال يطارد الحكوميةَ الهولندية منذ سنوات، شبحُ مشاركتها في التحالف العسكري الغربي الذي غزا العراق عام 2003، فبعد اعترافها بمسؤوليتها عن أخطاء عسكرية قادت إلى قتل عشرات العراقيين في مدينتي الموصل والحويجة عام 2015، تواجه الحكومة الهولندية دعاوى قضائية واستحقاقات التعويضات المالية للضحايا، والتي قد تصل لعشرات الملايين من الدولارات.
القضاء الهولندي يفتح ملف "مجزرة الحويجة 2015" من جديد بعد ضغط الضحايا العراقيين
أمرت محكمة محلية الحكومة الهولندية، أمس الأربعاء، بتقديم مزيد من الوثائق في قضية مدنية رفعها أكثر من 20 ضحية لضربة جوية هولندية ضد ما يقال إنه مصنع قنابل لتنظيم "داعش" في شمال العراق عام 2015.
وقال محامو ضحايا الضربة، التي أودت بحياة حوالي 70 شخصا، إن القصف انتهك قوانين الحرب لأنه لم يأخذ جيدا في الاعتبار احتمال سقوط ضحايا من المدنيين.
وقالت المحكمة الجزائية في لاهاي في حكم ابتدائي، إنها بحاجة إلى مزيد من المعلومات من الدولة عن الظروف التي جعلت ما يسمى "بحامل البطاقة الحمراء"، وهو الشخص المسؤول عن اتخاذ القرار النهائي بشأن الضربة، يتوصل لذلك القرار.
لكن الحكومة الهولندية قالت، إن هذه الوثائق سرية. وقالت المحكمة الجزئية إن محكمة أخرى ستقيم هذا الادعاء.
وقال محامو الدولة في جلسات بأكتوبر الماضي، إن الجيش الهولندي حدد المنطقة على أنها مجمع صناعي ولم يتوقع وجود مدنيين بأعداد كبيرة. وذكروا أن هولندا تصرفت بموجب قوانين الحرب.
في المقابل، قالت محامية تمثل 25 من ضحايا ضربة جوية هولندية على ما زُعم أنه مصنع قنابل تابع لتنظيم الدولة الإسلامية في شمال العراق عام 2015 أودت بحياة نحو 70 شخصا، أمام محكمة في هولندا، إن "التفجير كان غير قانوني".
ورفع الضحايا، الذين سافر عدد قليل منهم من العراق إلى المحكمة في لاهاي، دعوى مدنية في هولندا على أمل الحصول على تعويضات عن الإجراء غير القانوني.
وقالت المحامية ليزبيث ديغفيلد، إن الحكومة الهولندية لم تأخذ في الاعتبار بالشكل المناسب احتمال سقوط ضحايا من المدنيين خلال ضربة جوية على مصنع قنابل يشتبه أنه تابع لتنظيم الدولة الإسلامية في الحويجة بالقرب من مدينة كركوك في عام 2015.
وقالت ديغفيلد، "لم تراعِ الدولة التمييز بين مصنع القنابل وبين المدنيين والأهداف المدنية". قائلة، إن "الدولة كان عليها أن تعلم أن الكثيرين، ومعظمهم من اللاجئين، يعيشون ويعملون في المنطقة".
وعلى الرغم من أن الحكومة الهولندية قد بررت سقوط هذا العدد الكبير من الضحايا العراقيين بأنه يعود إلى الكمية الكبيرة من القنابل التي كانت في العمل، فإن المحامية الهولندية ليزبيث زيخفيلد -التي تتولى ملف تعويضات ضحايا مدينة الحويجة- تحمّل القوات العسكرية الهولندية المسؤولية، لأنها لم تحسب بدقة الآثار التي يمكن أن يتركها تفجير معمل للقنابل يقع على مقربة من حي يسكنه مدنيون.
كما كشفت المحامية في حديث لصحيفة "إن آر سي" الهولندية، إن هناك إشارات تقول إن القوات الجوية الهولندية الأميركية المشتركة كانت تعرف أن ضربتها للمعمل ستؤدي إلى خسائر بشرية بين المدنيين الذين يعيشون على مسافات قريبة من المعمل.
وأضافت المحامية، إن الاستطلاعات المخابراتية لهذه القوات كانت على علم بالحركة الليلية للمدنيين التي يشهدها محيط المعمل في المساء، وأن هؤلاء المدنيين لم يكونوا يعرفون طبيعة نشاطاته، على خلاف ما ادعته هذه القوات بأن المنطقة كانت مهجورة تماما في المساء إلا من عناصر تنظيم "داعش" الإرهابي.
ويؤكد العراقيون الذين قدموا طلب التعويض في هولندا أن الحكومة العراقية تقف وراء مطلبهم، وأنها سلمتهم المستلزمات القانونية اللازمة التي تعينهم على متابعة قضيتهم في هولندا.
وينفي هؤلاء صحة ما قيل عن تورط الأهالي القريبين من مكان الانفجار بنشاطات تنظيم "داعش"، و"إلا لما ساعدتهم الحكومة العراقية التي حققت في الأعوام الأخيرة في صلة أهالي المنطقة مع داعش"، فطلب التعويضات الذي وصل إلى وزارة الدفاع الهولندية جاء مباغتاً للحكومة هناك التي كانت تريد أن تدرس على مهل استراتيجيتها في التعامل مع القضية، بعد أن شكلت لجنة لدراسة موضوع التعويضات، وكيف يمكن التوصل إلى صيغة مرضية لجميع الأطراف.
يطالب وحده بتعويضات
وتتولى المحامية ليزبيث زيخفيلد نفسها ملف قضية العراقي "باسم راززو" الذي دمرت غارة هولندية منزله في الموصل عام 2015 وقتلت زوجته وابنته وأخاه وابن عمه، وتسببت في حرمانه من عمله.
يذكر أن الحكومة الهولندية قد أقرّت سابقاً بمسؤوليتها عن قصف بيت العراقي، وذلك بناءً على معلومات مخابراتية "مضللة" عن وجود قائد كبير لتنظيم "داعش" الارهابي في البيت.
وكشف تقرير لوزارة الدفاع الأميركية نشرته جريدة نيويورك تايمز الأميركية عام 2017 أن ضربة بيت راززو تمت بسبب شكوك بإيوائه قادة من تنظيم "داعش"، وأنه على رغم أن الطائرات المسيرة الأميركية لم ترصد نقل أسلحة من البيت أو لا فإنها لاحظت خلو المنزل من النساء والأطفال، والذي رجح كفة تحوله إلى منزل لتنظيم "داعش".
وكان باسم راززو د رفض مبلغ 15 ألف دولار عُرضت عليه كبادرة حُسن نيّة من القوات الأميركية، فيما يطالب الحكومة الهولندية بمبلغ مليوني دولار تعويضا عن خسائره المعنوية والمادية.
وقدّم 52 عراقيا من أهالي مدينة الحويجة سابقاً طلب تعويضات رسمي لوزارة الدفاع الهولندية، وتسبب ذلك في جدل سياسي حاد بالبلاد عن قيمة التعويضات التي يمكن أن تدفعها الحكومة الهولندية للمتضررين الأحياء أو أُسر الضحايا، وهناك سؤال ملح يتردد في أروقة السياسة الهولندية "ما ثمن حياة العراقي المقتول..؟".
كما يخشى البعض أن فتح باب التعويضات عن "أخطاء" حصلت أثناء المشاركة العسكرية الهولندية في العراق منذ عام 2003 سيقود إلى قضايا مشابهة، خاصة أن القوات العسكرية الهولندية كان لها دور مهم في التحالف الغربي آنذاك، وتمركزت قواتها البرية لسنوات في محيط مدينة السماوة جنوبي العراق.
وبعد انسحاب القوات الهولندية البرية من العراق، ساعدت القوات الجوية الهولندية التحالف الغربي في عملياته بالعراق.
وكانت القوات الجوية الهولندية قد أعلنت أنها قصفت معملا لإنتاج القنابل تابعا لتنظيم "داعش" الارهابي في الحي الصناعي القريب من مدينة الحويجة، بيد أن انفجار المعمل أدى لتدمير المنطقة القريبة منه واستشهاد عشرات المدنيين (يرجح أنهم وصلوا إلى 70 شهيداً)، وأضعافهم من الجرحى.
وكان ذلك الهجوم واحداً من نحو 34 ألف ضربة جوية نفذها التحالف الدولي بقيادة الولايات المتحدة على العراق وسوريا بعضها ترتقي الى جرائم حرب، بحسب دراسة أجراها باحثون من منظمة "الغد" العراقية غير الحكومية، ومنظمة "باكس" للسلام، وجامعة "أوتريخت".
وأجرى الباحثون، مقابلات مع 119 ضحية و40 شخصية رئيسية في المجتمع على غرار رئيس بلدية الحويجة من أجل وضع خريطة لتأثير الهجوم.
ويقدر الباحثون أن الهجوم أسفر عن استشهاد 85 مدنيا وإصابة المئات بجروح خطرة. وقد تم الإبلاغ عن أضرار لحقت بـ 1200 شركة ومتجر وستة آلاف مسكن.
ونهاية العام 2020، تعهدت بتقديم 4 ملايين يورو لإعادة الإعمار، لكن بحسب الدراسة، لم يترجم هذا الالتزام حتى الآن، بعد 9 سنوات من الهجوم، بعمليات إعادة بناء فعلية.
ووجه العديد من العراقيين في العام 2019 انتقادات حادة إلى الممثلة الخاصة للأمين العام للأمم المتحدة في العراق جينين هينيس بلاسخارت وطالبوا بإقالتها من المنظمة الأممية، مُتهمين إياها بقتل عراقيين أبرياء خلال الغارة الجوية التي استهدفت الحويجة، وهي نفس الفترة التي شغلت فيها منصب وزيرة للدفاع الهولندية.
وسلّطت صحيفة "التلغراف" الهولندية في تقرير سابق الضوء على هذه الانتقادات، وكتبت: "العراقيون يضيقون ذرعا بجينين بلاسخارت"، مشيرة إلى أن "البترول لديها أكثر أهمية من دماء العراقيين"، وانتقدت "إنكارها مقتل مدنيين في قصف الحويجة رغم علمها بذلك من قبل عندما كانت على رأس وزارة الدفاع".