المشاريع المتلكئة في بغداد تعود للواجهة.. توجيه حكومي صارم ومهلة نهائية لإنهاء التعثر بعد 15 عاما

مشاريع بغداد بين التعثر والحسم
انفوبلس/..
لا يزال ملف المشاريع المتلكئة في العاصمة بغداد، يمثل تحديًا كبيرًا يواجه التنمية المستدامة في المدينة، مشاريع حيوية في قطاعات متعددة كالمجاري، السكن، والصحة، والتعليم، تم تأجيلها أو توقف تنفيذها لفترات طويلة، مما أسهم في تراكم الخسائر التي تُقدر بمليارات الدولارات.
وفي خطوة جادة لمعالجة هذا الواقع، استقبل رئيس مجلس الوزراء محمد شياع السوداني، محافظ بغداد ورئيس مجلس المحافظة، حيث ناقشوا الإجراءات والسبل لتسريع وتيرة تنفيذ المشاريع المتعثرة.
ورغم انخفاض عدد المشاريع المتلكئة في بغداد، إلا أن التأخير المستمر في بعض القطاعات الحيوية يظل يهدد جودة الحياة في العاصمة، ويثير تساؤلات حول فعالية الإجراءات الحكومية في معالجة هذه القضايا.
في هذا التقرير، تستعرض انفوبلس أبرز المشاريع المتلكئة في بغداد، والأسباب الرئيسية وراء تأخر إنجازها، مع تسليط الضوء على الجهود الحالية للإسراع بتنفيذها وتلبية احتياجات المواطنين.
السوداني يؤكد على تسريع التنفيذ
رئيس الوزراء يؤكد على ضرورة تكثيف الجهود والعمل بروح الفريق الواحد لضمان تحقيق نتائج ملموسة يشعر بها المواطنون على أرض الواقع
وفي إطار الجهود الحكومية الرامية إلى معالجة التحديات التنموية في العاصمة بغداد، عقد رئيس مجلس الوزراء، السيد محمد شياع السوداني، اجتماعًا مع محافظ بغداد، عبد المطلب علي العلوي، ورئيس مجلس المحافظة، عمار فرحان الحمداني، لمناقشة سبل تسريع تنفيذ المشاريع الحيوية في مناطق أطراف العاصمة وتحسين مستوى الخدمات المقدمة للمواطنين.
وخلال اللقاء، شدد السوداني على أهمية التزام الحكومة المحلية بمسؤولياتها تجاه المشاريع المتأخرة، ولا سيما مشاريع البنية التحتية الأساسية، مثل مشاريع المجاري في سبع البور، وأبو غريب، وناحية الوحدة، والنهروان، بالإضافة إلى تطوير المدن الجديدة، وتأهيل مداخل العاصمة، وإنجاز المستشفيات والمدارس وفق الجداول الزمنية المحددة.
وأكد رئيس الوزراء على ضرورة تكثيف الجهود والعمل بروح الفريق الواحد لضمان تحقيق نتائج ملموسة يشعر بها المواطنون على أرض الواقع، مشيرًا إلى أن الإنجاز الفعلي لهذه المشاريع سيعزز ثقة المواطنين في أداء الحكومة وقدرتها على تنفيذ تعهداتها.
انخفاض المشاريع المتلكئة
عدد المشاريع المتلكئة في بغداد يبلغ (75) مشروعا انخفضت إلى ان وصلت إلى (23) مشروعا والآن تم تحريك (5) مشاريع لتصبح (18) مشروعا متلكأ
وكان محافظ بغداد عبد المطلب العلوي، قد أعلن في وقت سابق، عن انخفاض عدد المشاريع المتلكئة في العاصمة بغداد.
وقال العلوي خلال ترؤسه اجتماعاً موسعاً "نسعى وبجدية لحسم ملف المشاريع المتلكئة حيث تم عقد اجتماع مع الجهات المعنية بخصوص تلك المشاريع وبعضها توقف منذ العام 2011 والعام 2012 وضمن القرار (347)".
وبين، إن "عدد هذه المشاريع يبلغ (75) مشروعا انخفضت إلى ان وصلت إلى (23) مشروعا والآن تم تحريك (5) مشاريع لتصبح (18) مشروعا متلكأ".
وأشار العلوي إلى أن "هذا الملف سيكون بنداً ثابتاً على اجتماعات الهيئة التنسيقية العليا بين المحافظات، حيث تطرح المحافظات هذه المشاريع وأسباب التلكؤ والإجراءات المتخذة لتحريكها او إنهاء هذه الملفات".
وعلى الرغم من تبني الحكومات المتعاقبة في العراق شعار إنهاء المشاريع المتلكئة، إلا أن هذا الملف ما يزال مفتوحا ولم يحسم لغاية اللحظة، حيث تقدر الخسائر التي تكبدها العراق جراء المشاريع المتلكئة فقط دون الوهمية أكثر من 16 مليار دولار بحسب الأرقام الصادرة عن وزارة التخطيط العراقية.
رئيس الوزراء العراقي محمد شياع السوداني الذي أمضت حكومته أكثر من عامين، تبنى إنهاء التلكؤ في المشاريع عبر العديد من الخطوات، ومنها تخصيص المبالغ ضمن الموازنات لبعض المشاريع المتلكئة وإلغاء البعض الآخر، وحسم ما تبقى عبر الشراكة مع القطاع الخاص.
عدد المشاريع المتلكئة
لجنة الخدمات والإعمار النيابية، أحصت عدد المشاريع المتلكئة في العراق، وأكدت أن عددها يزيد عن 1600 مشروع في بغداد والمحافظات باستثناء إقليم كردستان.
نائب رئيس اللجنة باقر الساعدي قال في تصريح تابعته "انفوبلس"، إن "عدد المشاريع المتلكئة في بغداد والمحافظات بلغ أكثر من 1600 مشروع"، مشيراً إلى أن "هذه المشاريع تلكأ تنفيذها خلال الحكومات السابقة"، مبينا أن "نسب الإنجاز تبلغ فيها من 30 - 35% فقط، ومتوقف العمل فيها منذ عهد حكومة نوري المالكي".
وكشف الساعدي عن "إنجاز الحكومة الحالية قرابة 366 مشروعا من بين المشاريع المتعطلة خلال العام الماضي 2023"، ولفت إلى أن "العمل ما يزال يجري في 55 % من باقي المشاريع ومن المؤمل إكمال العديد منها خلال شهر نيسان المقبل".
مشاريع متلكئة منذ 15 عام
لجنة الخدمات والإعمار البرلمانية، أكدت في وقت سابق، وجود نية ورغبة حقيقية لدى حكومة السواني لمعالجة مشكلة المشاريع المتلكئة على عكس ما كانت تعلنه الحكومات السابقة، مشددا على أن الفساد في مؤسسات الدولة يعد السبب الأبرز وراء تأخر تنفيذ المشاريع وتوقفها.
وقال عضو لجنة الخدمات والإعمار محما خليل في حديث صحفي، في آذار 2024، إن "عددا كبيرا من المشاريع التي بدأ العمل فيها منذ نحو 15 عاما لم تنجز لغاية اليوم"، ولفت إلى أن "عدد المشاريع المتلكئة في العاصمة بغداد يقدر بـ 630 مشروعا موزعة في قطاعات مختلفة كالصحة والمياه والطرق والتربية والرياضة وغيرها".
وأضاف: إن "الأسباب الأساسية وراء تلكؤ المشاريع هي عدم رصانة الشركات التي أحيلت لها المشاريع، والمقاولات الثانوية التي تجري في إحالة المشاريع، والأهم من ذلك هو الفساد المالي والإداري المستشري في مؤسسات الدولة".
جدّية التحرك نحو المعالجة
ولفت عضو لجنة الخدمات والإعمار أن "الحكومة العراقية برئاسة السوداني أظهرت جدية في التحرك نحو معالجة المشاريع المتلكئة عكس ما كانت تعلنه الحكومات السابقة"، مبينا أن "اللجنة البرلمانية تراقب عمل الحكومة في هذا الجانب وصولا إلى إنهاء هذا الملف بشكل نهائي خلال العامين الحالي والمقبل".
وأشار خليل إلى أن "حكومة السوداني ألزمت نفسها بإكمال جميع المشاريع المتوقفة سابقا، وأن اللجنة ستتحرك لدعمها في هذا المجال".
وبحسب مصادر مطلعة، فقد بلغ عدد مشاريع امانة بغداد في مجال الخدمات (٤٩) مشروعا، أُنجز منها (١٦) مشروعا.
المشاريع المتلكئة
مشروع مجاري ناحية سبع البور، الذي يُعد من المشاريع المهمة والحيوية، أبصر النور بعد سلسلة اجتماعات وتوجيهات بدأت مطلع شهر تشرين الثاني من عام 2022 في اول اجتماع عقد برئاسة رئيس مجلس الوزراء، حيث أصدر السوداني توجيهات بأن تكون الأولوية لمشاريع المجاري الاستراتيجية.
ويتألف من أربع محطات رفع مشتركة (مياه أمطار، صرف صحي) وبطاقة تصريف 44 مترا مكعبا في اليوم، وتشرف على المشروع، ملاكات مديرية مجاري محافظة بغداد وبتنفيذ شركة (العزة) تتألف الشبكة من 142 ألف متر طول بالنسبة للصرف الصحي و 126 ألف متر طول لتصريف مياه الأمطار، ومياه الأمطار سيتم ضخها إلى المبازل ومياه الصرف الصحي سيتم ضخها إلى وحدة المعالجة المركزية.
مشاريع استراتيجية للصرف الصحي
ولدى محافظة بغداد، 5 مشاريع استراتيجية للبنية التحتية تتعلق بالصرف الصحي تتضمن مشاريع (مجاري أبي غريب، وسبع البور، والنهروان، والراشدية، والوحدة) والحكومة حددتها كأولوية حالية.
وبحسب النائب الفني لمحافظ بغداد هاني عبد الله، فإن "المباشرة بهذه المشاريع ابتدأت اعتباراً من شهر آذار الماضي وصولاً لتموز حيث انطلق مشروعا مجاري أبي غريب وسبع البور وركزنا على مناطق بأطراف بغداد تعاني من نقص الخدمات.
وتابع، إن "مشروع أبي غريب يخدم 139 ألف نسمة وسبع البور 136 ألفاً، فيما يخدم مشروع ناحية النهروان 400 ألف نسمة كونها ذات كثافة سكانية ونأمل إنجاز جميع المشاريع خلال 3 سنوات لننطلق بعدها بمشاريع أخرى في تلك المناطق تتضمن الإكساء والتبليط والطرق كمرحلة ثانية".
المدن الجديدة
تُعد مدينتا "علي الوردي" و"الجواهري" من أبرز المشاريع السكنية الجديدة في بغداد، واللتين تهدفان إلى تخفيف الضغط السكاني عن العاصمة وتوفير وحدات سكنية حديثة.
مدينة "علي الوردي" تقع في منطقة النهروان جنوب بغداد، وتُقام على مساحة 24,542 دونمًا، وتضم 103,299 وحدة سكنية أفقية و15,000 وحدة سكنية عمودية، ليصل مجموع الوحدات إلى 118,299 وحدة سكنية. تم تصنيف الوحدات إلى أربع فئات لتلبية احتياجات مختلف شرائح المجتمع، مع تخصيص نسبة 35% لذوي الدخل الواطئ بمساحة 200 متر مربع للوحدة.
أما مدينة "الجواهري"، فتقع في منطقة أبي غريب غرب بغداد، وتُنفَّذ على مساحة 7,121 دونمًا، وتشمل إنشاء 30,000 وحدة سكنية متنوعة، و10,000 قطعة أرض سكنية مخدومة، بالإضافة إلى مرافق خدمية ومراكز تجارية وحوالي 70 مدرسة. تُراعى في تصميم المدينة معايير البيئة والحداثة، مع التركيز على مفهوم المدن الذكية.
بالرغم من الأهداف الطموحة لهاتين المدينتين، إلا أن العمل بهما شهد تأخيرات ملحوظة، ففي مدينة "الجواهري"، أعلنت وزارة الإعمار والإسكان والبلديات العامة في سبتمبر 2024 عن قرب المباشرة بإنشاء أول مجموعة من الدور السكنية، مشيرة إلى أن الأعمال الحالية تتضمن التسوية والحفر والدفن والحدل، مع بناء 60 قاعة لمبيت العاملين.
أما مدينة "علي الوردي"، فقد تم توقيع عقد إنشائها في أبريل 2024، مع الإشارة إلى أن إنجازها بالكامل قد يستغرق من 6 إلى 7 سنوات نظرًا لحجم المشروع الكبير.
تُعزى أسباب التأخير في تنفيذ هذه المشاريع إلى عوامل متعددة، منها التعقيدات الإدارية، والتحديات المالية، والتخطيطية، بالإضافة إلى الحاجة إلى تنسيق متكامل بين الجهات المعنية لضمان تنفيذ المشاريع وفق الجداول الزمنية المحددة.
مداخل العاصمة
مداخل العاصمة بغداد، من المشاريع الحيوية التي تهدف إلى تحسين البنية التحتية وتسهيل حركة المرور، نالها أيضا مشاكل التلكؤ والتأخير في الإنجاز لغاية الان، وتُعزى أسباب تلكؤ بعض هذه المشاريع إلى وجود تعارضات وتجاوزات على الطرق، وقد دعت وزارة التخطيط الجهات المعنية إلى إزالة هذه التعارضات والتجاوزات للإسراع في إنجاز المشاريع المتبقية.
وهذا المداخل، هي: مدخل بغداد – واسط (بسماية)، ويتألف من ممرين للذهاب والإياب، وممرين خدميين إضافيين، بالإضافة إلى جزرات وسطية ومجسّرات لعبور المركبات، مما يساهم في تخفيف الازدحامات المرورية.
ومدخل بغداد – ديالى، وصلت نسبة الإنجاز في هذا المدخل إلى مراحل متقدمة، مع وجود انسيابية في حركة دخول وخروج المركبات من وإلى العاصمة، ومدخل بغداد – نينوى، حيث يواجه هذا المشروع بعض المشكلات الفنية التي أدت إلى تأخيره. ومع ذلك، أصدر رئيس الوزراء توجيهات لمعالجة هذه المشكلات، وتجري الأعمال حاليًا وفقًا للمخطط لها، مع وصول نسبة الإنجاز إلى 80% بحلول شباط الحالي 2025.
اما مدخل بغداد – الأنبار، فيستمر العمل في هذا المدخل بوتيرة عالية، ومن المتوقع إنجازه قبل نهاية عام 2025، ومدخل بغداد – بابل، الذي تتواصل الأعمال فيه مع توقعات بإكماله خلال العام الجاري.
المستشفيات
فيما يخص المستشفيات، عقدت لجنة الامر الديواني (٤٥)، المكلّفة بمعالجة مشاكل مشاريع المستشفيات المتلكئة، اجتماعا موسعا وخُصص الاجتماع لإيجاد الحلول والمعالجات للمستشفيات المتوقفة في العاصمة بغداد، وهي كل من مستشفى النعمان، والنهروان، والفضيلية والحرية والشعب.
وتلقت اللجنة توجيهات حكومية، بمواصلة عملها لحين انجاز ملفات هذه المستشفيات خلال اسبوع واحد فقط، مؤكدا وجوب اعادة النظر بالمكاتب الاستشارية ودوائر المهندس المقيم في هذه المشاريع، بما يسهم في تسريع وتيرة العمل، وضمان انجاز مثل هذه المستشفيات التي تمثل قيمة تنموية واقتصادية وخدمية مضافة.
المدارس
وشهد قطاع التعليم في بغداد تحديات كبيرة بسبب تأخر تنفيذ العديد من المشاريع المدرسية، مما أثر سلبًا على البيئة التعليمية في المدينة. خلال العقد الماضي، تم إنجاز 350 مدرسة فقط من أصل 1,023 مدرسة مخطط لها، ما يعادل 34% من المشاريع المستهدفة.
في خطوة لمعالجة هذا التأخير، أعلنت مديرية تربية الرصافة الثالثة عن قرب دخول 35 مدرسة جديدة إلى الخدمة، بينها 10 مدارس في مدينة الصدر، وذلك ضمن مشروع المدارس النموذجية المتفق عليه في الإطار العراقي-الصيني. كما أطلقت وزارة التربية مشروعًا لبناء مجمع مدرسي يضم 12 مدرسة في أطراف مناطق تربية الرصافة الثالثة، بهدف تحسين البنية التحتية التعليمية.
على الرغم من هذه الجهود، لا يزال التأخير في إنجاز المشاريع المدرسية يشكل تحديًا كبيرًا، مما يستدعي تكثيف الجهود والتنسيق بين الجهات المعنية لضمان توفير بيئة تعليمية مناسبة للطلاب في بغداد.