المياحي مارس التعتيم والنائب سجاد سالم افتتح المبنى.. ما لا تعرفه عن "فاجعة الكوت" (وثائق)

انفوبلس/ تقرير
في ظل تداعيات "فاجعة الكوت" التي هزت الرأي العام العراقي، تتصاعد الاتهامات الموجهة إلى محافظ واسط، محمد المياحي، بـ"ممارسة التعتيم" على الحقائق المحيطة بالحادثة. يأتي ذلك في الوقت الذي تشير فيه المعلومات إلى أن النائب سجاد سالم كان قد افتتح المبنى الذي حدثت فيه الفاجعة، مما يزيد من الضغوط لإجراء تحقيق شفاف ومحاسبة كل المقصرين.
وفي هذا التقرير تكشف شبكة "انفوبلس"، تفاصيل وخفايا جديدة يجهلها الكثيرون حول هذه المأساة، وتلقي بظلالها على الأداء الرسمي والمتابعة للمشاريع في المحافظة.
تفاصيل الحريق
استفاقت مدينة الكوت، صباح اليوم الخميس مركز محافظة واسط، على حادثة صادمة أسفرت عن عشرات الضحايا والمفقودين، إذ اندلع حريق داخل مجمع تجاري افتتح حديثًا وحوصر الضحايا داخل المبنى الذي لا يتضمن أي مخارج طوارئ، فيما فشلت محاولات إنقاذ أشخاص لجأوا إلى السطح.
النيران استمرت ساعات طويلة حتى التهمت المبنى بالكامل، وسط تعتيم "شديد" من قبل المحافظ محمد جميل المياحي والسلطات المعنية في المحافظة، بحسب ما كشفته وثائق وشهادات حصل عليها شبكة "انفوبلس".
بحلول صباح اليوم الخميس 17 تموز/ يوليو 2025، وفي تمام الساعة الـ11، أعلنت السلطات الأمنية، "السيطرة على حريق" هايبر ماركت "الكورنيش" قرب شارع قيادة الشرطة وسط المدينة، بعد نحو 14 ساعة من اندلاعه.
إذ ذكر مصدر في مديرية الدفاع المدني، إن "فرق الدفاع المدني تمكنت من إخماد حادث الحريق في الهايبر ماركت بمدينة الكوت بالكامل" وأضاف أن "الفرق باشرت إجراءات البحث عن المفقودين داخل المبنى التجاري".
الحادث وقع في بحدود الساعة التاسعة من مساء الأربعاء، داخل المبنى المكون من 5 طوابق، وسرعان ما انتشرت النيران ووجد عشرات الأشخاص أنفسهم محاصرين داخل المبنى، بحسب شهود عيان ومقاطع مصورة اطلع عليها "انفوبلس".
ومع غياب مخارج الطوارئ ومنظومات مكافحة الحريق، تجمع معظم من كان في المبنى بالطابق الرابع حيث يقع مطعم، والخامس حيث المقهى. في الأثناء، كانت نداءات الاستغاثة قد بدأت تصل إلى الجهات المعنية، بينها دعوات إلى إنقاذ عاملين وأشخاص لجأوا إلى سطح المبنى، وسط تعتيم "مشدد" من قبل المحافظ محمد جميل المياحي.
*المياحي يمارس التعتيم
وصدرت أولى تعليقات المياحي على الحادث ضمن مجموعة محادثة تضم صحفيين وشخصيات من المحافظة، اطلع عليها "انفوبلس"، وفيها أكّد أنّ فرق الدفاع المدني استطاعت "إنقاذ الجميع"، وأنّ الحادث "لم يخلف خسائر بشرية"، وهو ما أكّده مدير الصحة جبار الياسري أيضًا.
واستمر المياحي بإصدار تأكيدات على أنّ الحادث "تحت السيطرة"، وإنكار وقوع ضحايا حتى مع ظهور القوائم الأولية بعد ساعات من الحادثة، فيما قال مصدر في الدفاع المدني إنّ "توجيهات مشددة صدرت في الأثناء تمنع أي إعلان للحصيلة أو تقديرات للخسائر".
ولم تنجح فرق الدفاع المدني في إنقاذ اللاجئين إلى سطح المبنى، إذ أعاقت مولدات كهربائية جهود الإنقاذ ما أسفر عن وفاة عدد غير قليل من الأشخاص، بينما كانت النار تلتهم المحاصرين في الداخل.
وبحسب 3 مصادر مستقلة فأنّ المبنى التجاري، هو مبنى مطعم زرزور سابقًا، وأنّ عمليات تعديل جرت على المبنى لتحويله إلى "هايبر ماركت"، لكنها لم تراع شروط السلامة والأمان، أي أنّ المبنى كان خاليًا من مخارج الطوارئ، كما أنّ التصميم ساهم في تفاقم كارثة الحريق.
تقدر حصيلة الضحايا الأولية بأكثر من 120 شخصاً بينهم عشرات حالات الوفاة، مع مفقودين كثر، إذ أنّ الحادث أدى إلى تفحم الكثير من الجثث، بحسب أكّده مسؤول في دائرة الصحة في واسط.
وبينما يحتشد المئات من الأهالي قرب قسم الطب العدلي في مستشفى الزهراء في الكوت لمعرفة مصير أبنائهم وذويهم عائلاتهم، طلبت دائرة الصحة من أقرباء المفقودين إجراء فحوصات DNA، لتحديد هويات الضحايا ممن تفحمت جثثهم.
صباحًا، أصدر المحافظ المياحي بيان نعي، وأعلن الحداد لثلاثة أيام في المحافظة، وذكر أنّ "عدد الضحايا وصل إلى 50 شخصًا"، فيما تعهد بمحاسبة المسؤولين بشكل مباشر وغير مباشر عن الحادث. قال المياحي: "هذه الحادثة التي لا تخلوا من ملابسات وسنُعلن للرأي العام خلال 48 ساعة نتائج التحقيق الاولية، كما أقمنا دعاوى قضائية على صاحب البناية وصاحب المول وكل من له علاقة بذلك".
ووصف مصدر أمني في شرطة المحافظة الحريق بـ"الكبير جداً"، مشيراً إلى أن الضحايا أكثر بكثير من الرقم المعلن، مبيّناً أنّ "أسباب الحريق لا تزال مجهولة حتى اللحظة، وقد تمّت السيطرة عليه من قبل فرق الدفاع المدني".
وتعد هذه الحادثة أكبر فاجعة حرائق تشهدها العراق منذ عام 2023، حيث اندلع حريق في إحدى صالات الأفراح بمحافظة نينوى، ما أسفر عن استشهاد أكثر من 100 شخصا وإصابة نحو 150 آخرين، وخلصت نتائج التحقيق آنذاك إلى وجود تقصير في إجراءات السلامة المتبعة.
لجنة تحقيق.. والحصيلة ترتفع
فيما أعلنت وزارة الداخلية، تشكيل لجنة عليا للتحقيق بحادثة مركز "هايبر ماركت" الكوت، والوقوف على الأسباب الحقيقية التي أدت إلى اندلاع الحريق، وتوعدت بـ "عدم التهاون في محاسبة أي جهة"، كما قالت إن الحريق أودى بحياة 61 مواطنًا بريئًا، بينهم 14 جثة متفحمة، معربة عن تعاطفها مع ذوي الضحايا.
رئيس مجلس الوزراء محمد شياع السوداني بدوره، أعلن إرسال فريق طبي متكامل لتقديم الخدمات وإسعاف المصابين، مؤكدًا "فتح تحقيق فوري في الحادثة لكشف التقصير"، كما قدم التعازي لذوي الضحايا معربًا عن تضامنه معهم.
ماذا نعرف على "الهايبر ماركت"؟
ولم تمض سوى أيام منذ افتتاح مبنى "الهايبر ماركت"، بحسب ما أعلنته الجهة المالكة عبر وسائل التواصل الاجتماعي، وهو يتكون من 5 طوابق، ويقع قرب المفتاح في شارع قيادة شرطة واسط وسط الكوت.
◾️ الطابق الأول: مجمع للمواد الغذائية والبقالة.
◾️ الطابق الثاني: متجر كوزمتك وأغذية أطفال ومستحضرات تجميل ومستلزمات أخرى.
◾️ الطابق الثالث: أدوات منزلية وأجهزة كهربائية ومستلزمات المطبخ.
◾️ الطابق الرابع: مطعم فخم بديكور مميز.
◾️ الطابق الخامس: مقهى حديث.
فيما كشفت معلومات جديدة أن البناية المحترقة في مدينة الكوت، التي تسببت بفاجعة هزت العراقيين وأودت بحياة العشرات، والتي تضم "الهايبر ماركت" ومطعم "زرزور"، تتبع للنائب سجاد سالم. وأُثيرت أيضاً تساؤلات جدية حول إنشائها "بطرق غير قانونية ومخالفة للسلامة"، وهو ما يضعها في صلب التحقيقات الجارية حول أسباب هذه الكارثة المأساوية.
وتظهر صور ومقاطع فيديو جانبًا من افتتاح المبنى في وقت سابق، من قبل النائب سجاد سالم نفسه، مما يزيد من الضغوط المطالبة بتحقيق شفاف ومحاسبة كل المقصرين.
الجوانب القانونية
في أعقاب فاجعة احتراق مول الكوت، تبرز العديد من الجوانب القانونية التي تستدعي التحقيق والتدقيق، لا سيما مع وجود تساؤلات حول أسباب الحريق والمسؤوليات المترتبة عليه. يقدم الباحث القانوني علي التميمي تحليلاً شاملاً للنقاط القانونية الأساسية التي يجب مراعاتها في هذا الملف، مستندًا إلى القانون العراقي والمبادئ القضائية.
يشدد التميمي خلال حديثه لشبكة "انفوبلس"، على ضرورة الاستعانة بالخبراء في مجال التحقيق بالحرائق. حيث يرى أنه يجب على الجهات التحقيقية رفع مخلفات الحريق والرواسب وفحصها في مديرية الأدلة الجنائية لتحديد الأسباب الحقيقية وراء اندلاعه، خاصةً في ظل الحديث عن احتراق جهاز تكييف كسبب مبدئي.
ويؤكد التميمي على أهمية الاطلاع على حالة أجهزة الإطفاء وقناني الغاز ومدى صلاحيتها في المول، وذلك بالرجوع إلى قانون الدفاع المدني رقم 44 لسنة 2013، والمواد 29 و30 و31 إلى 35 منه. ويشير إلى أن هذا القانون أوجب الحصول على الموافقات من مديرية الدفاع المدني قبل إنشاء الأبنية، وإرسال التقارير السنوية، وعدم منح إجازة البناء إلا بعد الحصول على هذه الموافقات. كما ينص القانون على تدريس تعليمات الدفاع المدني في المؤسسات التعليمية.
للوصول إلى صورة واضحة للحادث، يرى التميمي أن الاستماع إلى شهود الحادث أمر بالغ الأهمية. يجب معرفة ما إذا تم استخدام أجهزة الإطفاء ومخارج الطوارئ بشكل فعال، وهل كانت الكهرباء عاملًا في انتشار الحريق، بالإضافة إلى التحقق من وجود مواد قابلة للاشتعال مثل البنزين أو الكاز بالقرب من موقع الحريق، مما قد يكون قد ساهم في توسع نطاقه.
ويستعرض التميمي العقوبات المنصوص عليها في قانون العقوبات العراقي. ففي حال ثبوت التعمد في إحداث الحريق الذي أدى إلى وفاة أشخاص، فإن المواد 342 و343 من القانون تعاقب بالإعدام. أما إذا كان الحادث غير متعمد ولكن ناتج عن إهمال أدى إلى وفاة، فإن العقوبة تكون السجن لمدة 10 سنوات.
ويحدد التميمي المسؤولية الجنائية لصاحب البناية، إضافة إلى المسؤولية عن التعويض المدني وفقًا للمادة 35 من قانون الدفاع المدني العراقي. هذا يعني أن صاحب المول قد يواجه تبعات قانونية مزدوجة، جنائية ومدنية، في حال ثبوت الإدانة.
أما بالنسبة لمسؤولية المحافظ، يؤكد التميمي أن التحقيق هو من سيحددها، خاصة فيما يتعلق بالرقابة والعلم والتفتيش على هذه المولات. ويشير إلى أن مسؤولية القادة والمسؤولين يمكن أن تكون حاضرة وفقًا للقوانين العراقية، ومنها المواد 47 و48 و50 من قانون العقوبات العراقي. فواجب المحافظ، كما يوضح التميمي، يحتم عليه العلم والاطلاع، وهو مبدأ قضائي دولي وعربي وعراقي سارٍ على الجرائم المدنية والعسكرية على حد سواء.
يختتم الباحث القانوني علي التميمي تحليله بالقول: "ولا حول ولا قوة الا بالله العلي العظيم"، مؤكداً على عمق المأساة وضرورة إحقاق الحق.
تاريخ من الفواجع المتكررة
تشير الأرقام الصادمة إلى نمط مقلق من الإهمال وغياب الإجراءات الوقائية:
2016 - حريق مستشفى اليرموك: وفاة 11 طفلاً رضيعًا و29 امرأة. أعقبتها بيانات استنكار ومطالبات بالمحاسبة وتشديد إجراءات السلامة والأمان.
2021 - حريق مستشفى الناصرية: وفاة 60 شخصًا وأكثر من 100 جريح. تكررت نفس البيانات والمطالبات بمحاسبة المسؤولين وتشديد الإجراءات.
2023 - حريق قاعة زفاف الحمدانية (قرقوش): وفاة أكثر من 107 أشخاص وجرح العشرات. مرة أخرى، تصدرت بيانات الاستنكار والمطالبات بالمحاسبة وضرورة تشديد إجراءات السلامة والأمان المشهد.
2025 - حريق الكوت: أكثر من 70 حالة وفاة وعشرات الجرحى. وما تزال البيانات والمطالبات نفسها تتوالى.
"كم نحتاج مزيدًا من الحوادث؟"
يتساءل الخبير الاقتصادي منار العبيدي بمرارة: "كم نحتاج مزيدًا من الحوادث لنحاسب المسؤولين ونعتمد أساليب سلامة وأمان صارمة بعيدة عن المحسوبيات والرشاوي؟" هذا التساؤل يعكس إحباطًا شعبيًا متزايدًا من غياب الإجراءات الجذرية التي تضع حداً لهذه الكوارث المتكررة.
والخلاصة، إن تكرار هذه المآسي بنفس السيناريو، من الحريق إلى بيانات الاستنكار ثم النسيان، يشير إلى خلل هيكلي في تطبيق معايير السلامة وتغليب المصالح الشخصية على أرواح المواطنين. فهل ستكون فاجعة الكوت نقطة تحول تدفع باتجاه محاسبة حقيقية وتطبيق صارم لإجراءات السلامة، أم أنها ستضاف إلى سجل الكوارث التي لم يتعلم منها العراق بعد؟