بعد عامين من انطلاق الحملة.. هل نجح العراق في الحد من انتشار ظاهرة "المحتوى الهابط"؟

انفوبلس/ تقرير
قبل نحو عامين شنّت السلطات الأمنية حملة لتطويق ما وُصفت بـ"ظاهرة المحتوى الهابط" في العراق، من خلال إجراءات تضمنت توقيف شخصيات اشتهرت بنشر موضوعات قيل إنها "مسيئة"، وإصدار أحكام قضائية بحق الكثيرين منهم، ويسلط تقرير شبكة "انفوبلس"، الضوء على ما تحقق من نتائج خلال هذه المدة، وكذلك الخطوات المستقبلية.
وفي السنوات الأخيرة، شهدت مواقع التواصل الاجتماعي انتشار ظاهر "صناع المحتوى"، والبعض منهم اتجه نحو محتوى عُدَّ "هابطاً ولا أخلاقياً"، خاصة وأنه يتركز فقط على الإيحاءات الجنسية أو استعراض الفتيات وبعض الممارسات الأخرى، أو الحديث مع تعدد العلاقات والخوض بتفاصيلها الجنسية.
وكان تطبيق تيك توك، من أشهر التطبيقات التي ضمت هذا المحتوى، وفيه توجد فيديوهات لأطفال يمارسون أفعالا فيها إيحاءات أيضا، وأغب أصحاب الفيديوهات باتوا “مشاهير” نظرا لعدد المشاهدات الكبير الذي يحظون به.
*بداية الحملة
منذ بداية العام الماضي 2023، تشن وزارة الداخلية ومجلس القضاء الأعلى حملة لملاحقة من اتهمتهم بنشر "محتوى هابط" في وسائل التواصل الاجتماعي ووضعت هذه المواقع تحت رقابة لجنة أمنية خاصة جرى تشكيلها لرصد المحتويات الهابطة وملاحقة صانعيها، وعلى إثر ذلك صدرت مذكرات قبض وأحكام بالحبس بحق عدة أشخاص.
وكانت وزارة الداخلية العراقية أعلنت في شهر كانون الثاني/يناير من العام 2023، عن تشكيل لجنة متخصصة لمحاربة "المحتوى الهابط" الذي "يخالف الأخلاق والتقاليد" في مجتمع لا يزال محافظاً إلى حد كبير. كما أعلنت الوزارة أيضاً عن إطلاق منصة "بلّغ" في 10 كانون الثاني/يناير 2023، وهي "منصة إلكترونية خاصة بالإبلاغ عن المحتويات المنشورة على مواقع التواصل، وتتضمن إساءة للذوق العام وتحمل رسائل سلبية تخدش الحياء وتزعزع الاستقرار المجتمعي".
كما نشرت الوزارة على قناة "يوتيوب" مقطعاً مصوّراً، لأحد ضباط الدولة يشرح عن سبب إطلاق المنصّة، ويخاطب المواطنين/ات الذين لهم الدور الأكبر في التبليغ عن "المحتويات الهابطة والتي تُسيء للذوق العام، وتخالف العادات والتقاليد وتُسيء للمؤسسات العسكرية". واعتبر الضابط أنّ المحتوى "المنشور والذي سيُحارب لا يقل أهمية عن الجريمة المنظمة كونه يتسبّب بتخريب الأسرة العراقية"، بحسب تعبيره.
تعتمد وزارة الداخلية على نص المادة 403 من قانون العقوبات في العراق الصادر في العام 1969 والتي تنص على ما يلي: "يُعاقَب بالحبس مدّة لا تزيد على سنتين وبغرامة لا تقل على مائتي دينار أو بإحدى هاتين العقوبتين كل من صنع أو استورد أو صدر أو حاز أو أحرز أو نقل بقصد الاستغلال أو التوزيع كتاباً أو مطبوعات أو كتابات أخرى أو رسوماً أو صوراً أو أفلاماً أو رموزاً أو غير ذلك من الأشياء إذا كانت مخلة بالحياء أو الآداب العامة.
ويعاقب بالعقوبة ذاتها كل من أعلن عن شيء من ذلك أو عرضه على أنظار الجمهور أو باعه او أجّره أو عرضه للبيع أو الإيجار ولو في غير علانية. كل مَن وزَّعه أو سلّمه للتوزيع بأية وسيلة كانت، ويعتبر ظرفًا مشددًا إذا ارتكبت الجريمة بقصد إفساد الأخلاق".
في المقابل، أطلق مجلس القضاء الأعلى في الثامن من شباط / فبراير2023 حملة عُرفت بـ(مكافحة المحتوى الهابط) في وسائل التواصل الاجتماعي، لتؤكد تعاونها مع وزارة الداخلية التي كانت قد شكلت لجنة خاصة للغرض ذاته، وخصصت منصة الكترونية تحمل اسم (بلّغ) لاستقبال شكاوى المواطنين فيما يرونه مواد هابطة في وسائل التواصل الاجتماعي.
ومنذ ذلك الوقت، تواصل اللجنة متابعتها صفحات منصات التواصل الاجتماعي، كما تتلقى من المواطنين بلاغات يومية عن صانعي المحتوى الهابط وصفحاتهم، ليتم تنفيذ ملاحقتهم واعتقالهم، ومن ثم إحالتهم الى القضاء لإصدار الأحكام القانونية بحقهم.
وفي يناير الماضي 2025، أُوقف ثلاثة من صانعي "المحتوى الهابط"، وهم: رزان محمد ورائد أبو حمزة ودرمان. كما أصدر القضاء العراقي حكماً بالسجن أربعة أشهر بحق المغني الشعبي وسام الساهر بتهمة نشر المحتوى الهابط.
أما خلال الشهر الحالي (فبراير/ شباط 2025)، أعلنت وزارة الداخلية، اعتقال اليوتيوبر محمد عمر محي، المعروف بلقب "بلانه"، وذلك بتهمة نشر المحتوى الهابط، بينما أصدرت محكمة جنح الكرخ حكما غيابيا على المدانة (تيسير العراقية) بالحبس الشديد لمدة سنة واحدة بتهمة المحتوى الهابط ايضاً. كما أصدر القضاء العراقي حكما بحبس المدان المدعو (حسن الباش) أربعة أشهر بتهمة المحتوى الهابط،
ماذا تقول الداخلية بعد عامين؟
أكد المتحدث باسم وزارة الداخلية العميد، مقداد ميري، أن لجنة متابعة المحتوى الهابط حدّت بشكل كبير من الظواهر السلبية في مواقع التواصل الاجتماعي. وقال ميري، إن "لجنة المحتوى الهابط التابعة للوزارة حققت إنجازات ملموسة في ضبط المحتوى السلبي على مواقع التواصل الاجتماعي"، وأضاف أن "غياب تشريع قانوني خاص بهذا الشأن لم يمنع اللجنة من أداء دورها بفعالية".
ورأى ميري أن "اللجنة تمكنت من معالجة العديد من الحالات التي توصف بالمخزية، وحدّت بشكل كبير من الظواهر السلبية، ولعبت مع القضاء دوراً كبيراً في الردع من خلال أحكام مناسبة وإجراءات عملية".
كما شدد على أن "الوزارة مستمرة في متابعة البلاغات واتخاذ الإجراءات اللازمة بالتعاون مع الجهات القضائية"، مشيراً إلى "أهمية تعزيز الوعي المجتمعي وتنظيم آليات التعامل مع منصات التواصل الاجتماعي للحفاظ على قيم المجتمع العراقي".
وأوضح، أن "الوزارة لا تفرض قيوداً إضافية على مستخدمي مواقع التواصل الاجتماعي، فتحديد هذه القيود من اختصاص القانون والقضاء"، ولفت إلى أن اللجنة "تتلقى البلاغات من المواطنين ونرفعها إلى الجهات القضائية المختصة، وهي التي تتخذ القرار المناسب بشأنها".
من جهته، أكد الباحث في الشأن المجتمعي، غالب العلياوي، ضرورة التعامل القانوني مع الظواهر السلبية في المجتمع بشكل عام ومنها ظاهرة المحتوى الهابط. وقال العلياوي، "لا شك أن المحتوى الهابط له أثر خطير على المجتمع وأن الحد منه عمل مهم، ونلاحظ تراجعاً واضحاً في النشر على صفحات التواصل، بعد حملة المراقبة والملاحقة التي تبنتها وزارة الداخلية".
وأردف: "نؤيد استمرار الحملة، على أن تكون هناك قوانين واضحة في التعامل مع الظاهرة والظواهر السلبية الأخرى في المجتمع"، مشدداً على أن "القوانين تضع حدوداً واضحة للظواهر السلبية وتفصلها عن غيرها، وتضع أحكاماً وعقوبات واضحة أيضاً، فضلا عن أنها تمنع استغلالها للضغط على حدود الحرية الشخصية، التي لا شك أنها يجب أن تكون أيضا ضمن حدود لا تؤثر على حريات الآخرين أو تتضمن إساءات أخلاقية".
ورأى الناشط المدني، مناف سعد، أن "الحملة نجحت بشكل واضح في الحد من نشر المحتوى الهابط وهذا يحسب لوزارة الداخلية، إلا أننا لا نخفي تأثيرها على الحريات الشخصية"، مشيراً إلى أن غياب القانون المنظم لذلك "قيد الصحافيين والمدونين بشكل واسع من النشر خشية من أن تحسب منشوراتهم على أنها محتوى هابط".
واعتبر سعد أن "مرور عامين على بدء الحملة ليس بالفترة القليلة"، وأكد أنه "لا يمكن استمرار الحملة بهذا الشكل، خاصة أن وزارة الداخلية ليست جهة قضائية بل مجرد جهة تنفيذية، ويجب أن يكون هناك عدم خلط بالصلاحيات في التعامل مع الظواهر السلبية وغيرها"، وشدّد على "ضرورة أن تكون جميع المعالجات المجتمعية ضمن حدود القانون".
وكان الصحافيون والمدونون العراقيون قد عبّروا خلال العامين الماضيين عن مخاوفهم من تضخم الحملة واتساعها واستخدام تهمة "المحتوى الهابط" بطريقة انتقائية من قبل أطراف السلطة لإسكات الأصوات الوطنية، سواءً على المستوى السياسي أو الصحافي أو غيرها من المستويات، بحجة الإساءة للآداب العامة.
ويؤكد مركز الإعلام الرقمي DMC، وصول مستخدمي مواقع التواصل الاجتماعي المختلفة في العراق إلى 31.95 مليون مستخدم، ما يعادل 69.4% من إجمالي عدد سكانه، في أحدث إحصائية. وفي تيك توك، أصبح العدد 31.95 مليون مستخدم هذا العام بزيادة كبيرة عن العام الماضي، الذي بلغ 23.88 مليون مستخدم.