تاريخ ديوان الوقف السني وفساده.. ميزانيات "ضخمة" وسرقات لا تُحصى
انفوبلس/ تقرير
تقرر تأسيس ديوان الوقف السني بعد الغزو الأجنبي على العراق عام 2003، نظراً لإلغاء وزارة الأوقاف والشؤون الدينية، حيث شرع قانون تأسيس الديوان من أجل تنظيم الأوقاف الإسلامية وشؤونها وحددت مهامه وتقسيماته وتشكيلاته بناء على ما أقره مجلس النواب العراقي وصادق عليه مجلس الرئاسة واستناداً إلى قرار مجلس الحكم رقم (68) المؤرخ في 25 رجب 1424هـ/ 22 تشرين الأول 2003م.
وصدر القانون الذي ينص على تأسيس ديوان يعنى بأوقاف أهل السنة وشؤونه الإسلامية يسمى ديوان الوقف السني يرتبط بمجلس الوزراء ويتمتع بالشخصية المعنوية ويمثله رئيسه أو من يخوله.
*حقب الديوان
ودائرة ديوان الوقف السني الآن تشرف على جميع مساجد أهل السنة في العراق، وأول رئيس للديوان بعد الغزو الأمريكي للعراق، هو عدنان الدليمي وعين وفق قرار مجلس الحكم الانتقالي العراقي في 25 رجب 1424هـ/ 22 تشرين الأول 2003م والذي توفي عام 2017 في أربيل.
وفي شهر آب من عام 2005م عين أحمد عبد الغفور السامرائي في منصب رئيس ديوان الوقف السني في العراق وهو منصب بدرجة وزير، بدلا من الدليمي ثم سحبت يده من المنصب بعد عدة تهم فساد وجهت إليه في أواخر سنة 2013م، وعين بدلا منه الشيخ عبد اللطيف الهميم رئيسا للديوان اعتبارا من شهر حزيران 2015م حتى فبراير 2020م.
ثم عين سعد حميد كمبش عين رئيسا للديوان خلفا لعبد اللطيف الهميم في 20 شباط 2020، وفي 3 آذار سنة 2022، صدر أمر بتعيين عبد الخالق مدحت العزاوي خلَفاً لسعد كمبش، وإعادة سعد إلى منصبه السابق وكيلاً لديوان الوقف السني.
كما تسلم عثمان إبراهيم محمود الجحيشي منصب رئيس ديوان الوقف السني في 8 آب سنة 2022 خلفاً لعبد الخالق مدحت العزاوي.
ويشغل منصب رئيس الديوان حالياً مشعان الخزرجي، بقرار رسمي صدر يوم الأربعاء 7 كانون الاول 2022، بدلا من عبد الخالق العزاوي.
يشمل ديوان الوقف السني على المؤسسات والدوائر التالية: دائرة أوقاف بغداد، مركز البحوث والدراسات الإسلامية، كلية الإمام الأعظم، الدائرة القانونية، دوائر وملاحظات أوقاف المحافظات، دائرة الأضرحة والمقامات والمراقد الدينية العامة، الدائرة الإدارية والمالية، الدائرة الهندسية، دائرة التعليم الإسلامي، قسم إدارة صندوق الزكاة والصدقات، دائرة الاحتفالات والمناسبات الدينية، هيئة إدارة واستثمار أموال الوقف السني، دائرة المؤسسات الإسلامية والخيرية، دائرة المفتش العام، قسم شؤون الحج، دائرة التخطيط والمتابعة.
*ميزانيات ديوان الوقف السني
بحسب أعضاء مجلس النواب العراقي، فقد كانت ميزانية الوقف السني عام 2019 نحو (284 مليار دينار) كما بلغت في عام 2021 نحو 309 مليار دينار عراقي، فيما لم تكن هناك احصائيات دقيقة عن ميزانيات السنوات الأخرى.
*الوقف السني.. إمبراطوريةٌ للفساد
الفساد في ديوان الوقف السُنّي لا يقل عن المؤسسات الأخرى في الدولة العراقية، فللسُنَّة أيضاً لصوصهم الواضحون، ولهم طريقتهم في إفراغ خزينة الدولة وهدر أموالها على الولائم والهدايا ووسائل الإعلام من أجل الترويج وتلميع صورة الوقف والرؤساء.
مئات الوثائق المسربة من ديوان الوقف السنّي تظهر أرقاماً هائلة لحجم الهدر في ميزانية الوقف على مدى السنوات الماضية، فمثلاً، عام 2016 صرف رئيس الديوان 220 مليون دينار على الهدايا، ومن ضمن تلك الهدايا ساعات رولكس أصلية.
إحدى طرق الفساد في الوقف السنّي هي تخصيص مبالغ كبيرة على ترميم مساجد لا وجود لها. ففي عام 2015، صرف الوقف من ميزانيته مبلغ 14 ملياراً و800 مليون دينار لترميم مساجد وهمية غير مدرجة في سجلات الدولة، وبالطريقة نفسها صرف الوقف مبلغ 500 مليون دينار لترميم بناية مجلس علماء العراق، ليتبين لاحقاً أن المجلس لا يمتلك بناية من الأساس، ولا علم له بصرف ذلك المبلغ.
جامع أم القرى في بغداد واحدٌ من أكثر المواقع التابعة للوقف السنّي استخداماً في سرقة ميزانية الوقف، ففي حين يُصرف مبلغ مقداره ملياران و250 مليون دينار لشراء مواد وترميم الجامع، لا يحدث أيٌّ من ذلك قط، ويعود الوقف ليصرف 600 مليون دينار لشراء وقود المولدات الكهربائية في الجامع، وصرف 750 مليون دينار لشراء مصابيح لجامع أم القرى.
منذ 2015 تعاقد الوقف السنّي مع عدد من الصحف والمواقع الإلكترونية، والقنوات الفضائية بمبلغ إجمالي قدره 4 مليار دينار، من أجل الترويج لنشاطات الوقف ورئيسه، وإحدى تلك القنوات هي قناة "الحدث" التي يملكها محمد الهميم نجل رئيس الديوان. هذه التعاقدات كانت جانباً آخر من الفساد الذي فضحته الوثائق، ولاسيما وأن الديوان يملك قناة تغطي نشاطاته، فضلاً عن أن هذه التعاقدات مخالفة للقانون وتعليمات الحكومة وتعليمات ديوان الوقف السنّي نفسه.
أحد أهم المصادر التي فضحت الفساد الكبير في ديوان الوقف السنّي هو المجمع الفقهي العراقي التابع للوقف نفسه، وكان ذلك عندما اختلس الوقف الأموال المخصصة للمجمع، حيث إن ميزانية هذا الأخير بلغت ملياري دينار، ولم يتسلم منها سوى 900 مليون دينار فقط عام 2015، و400 مليون دينار فقط عام 2016، وهذا ما دفع رئيس المجمع الفقهي عام 2017 إلى اتهام الوقف السنّي بإهدار المال العام، والتأكيد على وجود مئات الوثائق التي تثبت الفساد في الديوان.
عام 2017 أصدرت محكمة الجنح المختصة بقضايا النزاهة والجريمة الاقتصادية وغسيل الأموال حكماً بالسجن لمدة سنة واحدة بحق رئيس ديوان الوقف السنّي، بتهم تتعلق بالفساد وإهدار المال العام، لكن المحكمة أوقفت تنفيذ الحكم لمدة ثلاث سنوات لأن الهميم "رجل كبير في السن وموظف مستمر بالخدمة ولم يسبق الحكم عليه"، بحسب صحيفة السفير العربي.
23 ديسمبر 2020، قالت النائبة عالية نصيف ان الفساد المالي في الوقف السني بلغ مستوى خطراً، إلى درجة ان العجز المالي والتجاوز على ميزانية الوقف للعام 2020 بلغ 28 ملياراً و725 مليون دينار، وكل هذه الأموال تمت سرقتها بعدة طرق، من بينها شراء قطعة أرض صغيرة في الصحراء لا قيمة لها من (م.ي.ب) شقيق معاون رئيس هيئة استثمار الوقف (ع.ي.ب) بمبلغ 450 مليون دينار، وإصدار أمر من قبل رئيس ديوان الوقف بصرف مبلغ مليارين ونصف مليار دينار من رصيد أمانات أموال الوقف لتنظيف ثلاثة جوامع مغلقة لا يوجد فيها مصلين رغم اعتراض الرقابة المالية على الصرف، واختفاء خمسة مليارات دينار بحجة اعمار بيوت الله، وشراء خرائب لأنصاف هياكل غير مكتملة في الصحراء أيضا بمبلغ عشرين مليار دينار، وتأجير عقارات في بغداد (كرادة مريم/الحارثية) والبصرة خلافاً للضوابط، واستخدام أموال الوقف لتوزيع مساعدات بأسماء شخصيات سياسية لمجاملتهم وعمل دعاية انتخابية لهم، وفضيحة مساعدات كورونا، بالإضافة إلى الكثير من ملفات الفساد المعززة بالأدلة والوثائق.
وفي اخر قضايا التي تخص فساد الديوان قالت اكدت رئيس لجنة السياحة والاثار النيابية سميعة محمد الغلاب، الأحد، عزمها تقديم ادلة تثبت وجود عمليات فساد مالي واداري في الية ادارة ديوان الوقف السني.
كما كشفت رئيس لجنة الاوقاف والشؤون الدينية النيابية محمد الصيهود، عن امتلاكها ملفات فساد "ضخمة" تتعلق بالوقف السني وبين ان "لدينا ملفات فساد ضخمة على الاشخاص المتصدين الذين يحاولون استلام الوقف السني".
*بعض قرارات هيئة النزاهة بخصوص ديوان الوقف السني
24-ديسمبر-2020، صدر حكم بالسجن 15 عامًا ضد رئيس ديوان الوقف السني الأسبق أحمد عبد الغفور السامرائي بعد إدانته بقضية فساد.
والحكم صدر على المتهم الهارب "عن جريمة شراء عقار بمبلغ ستة مليارات وسبعمئة وستة وستين مليون وخمسمائة وأربعة وعشرين ألف دينار، وتعمده الإضرار بأموال الجهة التي يعمل فيها خلافًا لأحكام قانون الاستملاك رقم 12 لسنة 1981.
14 كانون الثاني 2023، نفذ الفريق الساند للهيئة العليا لمكافحة الفساد، مذكرة القبض الصادرة بحق أحد المسؤولين السابقين في ديوان الوقف السني (لم تذكر اسمه)، جراء مخالفات في عقد شراء فندق ب(47) مليار دينارٍ.
08 كانون الأول 2022، كشفت هيئة النزاهة الاتحاديَّة، عن صدور أربعة أوامر قبض وتحرٍّ بحقِّ رئيسٍ أسبق لديوان الوقف السني؛ وذلك على خلفية الإضرار عمداً بمصالح الجهة التي يعمل فيها.
25 ايلول 2022، اعلنت هيئة النزاهة، صدور امر قبض وتوقيف بحق رئيس الوقف السني السابق.
وأظهرت وثيقة للنزاهة؛ ان "محكمة تحقيق الكرخ الثانية قررت إلقاء القبض على رئيس ديوان الوقف السني السابق سعد كمبش وعدد من الموظفين في الديوان على خلفية قضايا فساد مالي كبيرة"، مشيرة الى ان القضية متعلقة بشراء فندق رمادا في مدينة أربيل.
03 نيسان 2022، كشفت هيئة النزاهة الاتحاديَّة، عن صدور أوامر استقدام بحق عددٍ من المسؤولين في أحد دواوين الأوقاف، مُبيّنةً أنَّ الأوامر شملت رئيسين (سابق وأسبق) لأحد دواوين الأوقاف (الوقف السني) أحدهم لارتكابه عدداً من المُخالفات، تمثلت بإصداره أمراً ديوانياً بإيفاد مجموعةٍ من مُوظَّفي الديوان إلى السعوديَّـة عام 2016، ومنحهم مُخصَّصات الإيفاد خلافاً للضوابط، والأخر كانت عن موضوع استملاك العقارات الواقعة في قضاء الكرمة – منطقة الصبيحات في الأنبار في عام 2012، بمبلغ أعلى من المبلغ الحقيقيِّ، حيث تمَّ شراؤها بمبلغ (42,555,000,000) دينارٍ.
وسبق للهيئة أن أعلنت عن صدور أوامر استقدامٍ بحقِّ رئيس أحد دواوين الأوقاف وعددٍ من كبار المسؤولين في الديوان؛ لإحداثهم عمداً ضرراً بأموال ومصالح الجهة التي يعملون فيها، فضلا عن أمرٍ بمنع سفر المُتَّهمين وحجز أموالهم المنقولة وغير المنقولة.