تفوق مساحته "هايد بارك" في لندن.. كل ما تريد معرفته عن مشروع "غابات بغداد المستدامة"؟

انفوبلس/ تقرير
تفوق مساحته "هايد بارك" في العاصمة البريطانية لندن، وسيوفر أكثر من ثمانين ألف فرصة عمل في مختلف التخصصات الهندسية والبناء إضافة الى الزراعة، كما ويشمل إنشاء مناطق ترفيهية وخدمات سياحية، مما يجعله وجهة مهمة للسكان والسياح على حد سواء، فما الذي تعرفه عن مشروع "غابات بغداد المستدامة"، الذي سيتم تنفيذه على أرض معسكر الرشيد جنوبي العاصمة بغداد؟
ووفقاً لمسؤولين حكوميين، يأتي مشروع غابات بغداد المستدامة كجزء من رؤية أوسع لتعزيز الاستدامة البيئية والاقتصادية في العراق، ومن المقرر أن يشمل المشروع إنشاء مناطق ترفيهية وخدمات سياحية، مما يجعله وجهة مهمة للسكان والسياح على حد سواء، كما سيسهم المشروع في تحسين جودة الحياة في العاصمة بغداد، وتوفير بيئة صحية ومستدامة للأجيال القادمة.
*انطلاق الاعمال
وفي الخامس والعشرين من شهر شباط/ فبراير الماضي 2025، أعلنت شركة "إمكانات" المنفذة لمشروع "غابات بغداد المستدامة"، عن انطلاق الأعمال بشكل رسمي في المشروع، مشددة على اعتماد أعلى المعايير التخطيطية والتنفيذية.
وقالت الشركة في بيان، إنه "في إطار رؤيتها الاستراتيجية الرامية إلى تطوير مشاريع عمرانية مستدامة تعزز المساحات الخضراء في العاصمة، انطلقت رسمياً الاعمال في مشروع غابات بغداد المستدامة الذي يمثل خطوة نوعية نحو تحقيق بيئة متوازنة ومستدامة، تعكس الطموح في إنشاء مساحات طبيعية ذات قيمة جمالية وبيئية عالية".
حجر الأساس تم وضعه للمشروع في 7 كانون الأول 2024، ليكون بداية لمرحلة التخطيط والتحضير، حيث حرصت الشركة – بحسب البيان - خلال هذه المدة على استكمال جميع المتطلبات الهندسية والإدارية لضمان التنفيذ وفق أعلى المعايير المعتمدة، وشملت هذه الأعمال، تصميم المخططات المبدئية، واستحصال الموافقات الحكومية اللازمة، بالإضافة إلى تثبيت الحدود وأعمال المساحة، وذلك بالتنسيق مع الجهات ذات العلاقة لضمان التكامل بين الرؤية التخطيطية للمشروع ومتطلبات التنمية الحضرية في بغداد.
وفي 22 شباط 2025، بدأ العمل الفعلي في الاماكن المتاحة داخل المشروع – وفق البيان - اعتماداً على أحدث التقنيات الهندسية والتخطيطية لتحقيق رؤية المشروع بكفاءة عالية ومنذ انطلاق العمليات، تم تخصيص عدد كبير من الآليات لتعمل في الموقع، من اجل إنجاز الأعمال التمهيدية وفق الجدول الزمني المحدد.
ويهدف المشروع (بقيمة تقدر بـ2,5 مليار دولار) إلى تقديم نموذج متكامل للبيئة الحضرية المستدامة، حيث يجمع بين المساحات الخضراء الشاسعة والتصميم العصري، ليشكل متنفساً طبيعياً يواكب التطورات العمرانية في العاصمة، وتعتمد الشركة في تنفيذ المشروع على معايير الاستدامة البيئية، من خلال استخدام تقنيات الري الحديثة، وزراعة أنواع متنوعة من الأشجار والنباتات المقاومة للمناخ، إلى جانب تصميم ممرات ومسارات ترفيهية، ومناطق مخصصة للأنشطة المجتمعية، بما يعزز من جودة الحياة في بغداد ويخلق بيئة صديقة للإنسان والطبيعة، بحسب بيان الشركة.
وأكدت شركة إمكانات أن "مشروع غابات بغداد المستدامة يعكس التزامها بتقديم حلول عمرانية حديثة، تستند إلى التخطيط الدقيق والتنفيذ الفعّال، بما يسهم في تحقيق رؤية متكاملة للتنمية الحضرية المستدامة، ويضع العاصمة على مسار التوسع البيئي المتوازن".
لكن يوم الأربعاء 5 آذار/ مارس 2025، أعلنت أمانة بغداد انطلاق المرحلة الأولى من الأعمال التنفيذية لمشروع "غابات بغداد المستدامة"، الذي سيتم تنفيذه على أرض معسكر الرشيد، ليكون أكبر غابة حضرية في العراق بمساحة 12 مليون متر مربع، تضم أكثر من مليون شجرة معمرة.
وذكرت الأمانة في بيانها أن الشركة المنفذة باشرت أعمال إزالة الأنقاض واستبدال التربة، تمهيدًا لإنشاء تلال خضراء، شلالات، وممرات مائية تحاكي الطبيعة، مما يجعل المشروع رئة خضراء جديدة ووجهة سياحية لأهالي العاصمة.
وأضاف البيان أن هذا المشروع الذي يشكل نقلة نوعية في التنمية المستدامة أصبح واقعا على الارض بسبب إصرار حكومة الخدمات الحالية، على ان تكون كامل الأرض المخصصة للمنطقة (معسكر الرشيد) مساحة خضراء، حيث تمسكت بخطتها في تغيير استخدام الأرض من مشروع سكني إلى مسطحات خضراء، بهدف تحسين البيئة والتصدي لتحديات التغيير المناخي والتلوث.
ويضم المشروع 28 غابة متنوعة الأنشطة، تشمل غابة الثقافة والفنون، غابة الأطفال والترفيه، غابة السيدات، غابة التكنولوجيا والابتكار، غابة الرياضة واللياقة البدنية، إضافة إلى الجناح الوطني وقرية الغابة العالمية، كما يتضمن المشروع بحيرة اصطناعية عملاقة بمساحة 1.5 مليون متر مربع، تتخللها قنوات مائية، إلى جانب مرافق ترفيهية وثقافية مثل المسرح، المتحف، السينما، والمرافق الرياضية.
هذا وتتفوق غابات بغداد المستدامة على هايد بارك في لندن بحجم 4.5 أضعاف، وعلى سنترال بارك في نيويورك بحجم 3.5 أضعاف، وعلى بارك سامي عبد الرحمن في أربيل بحجم 6 أضعاف، وعلى متنزه الزوراء في بغداد بحجم 12 ضعفاً، كما أشار المخطط.
وبحسب حديث أمين بغداد عمار موسى كاظم، فإن المشروع يعد الحدث الاهم في تاريخ بغداد وسيحول ارض (معسكر الرشيد) الى لوحة فنية تنبض بالحياة وانموذجاً يحتذى به في مجال الاستدامة البيئية والمساحات الخضراء، لافتا الى ان "مناطق الغابات تضم 28 منطقة وظيفية مختلفة، وأكثر من مليون شجرة وبحيرات صناعية وميزات مائية".
يضم المشروع – كلام أمين بغداد - غابة السيدات (متنفس النساء) والذي يوفر خصوصية لامتناهية تضم أكثر من 50 نشاطاً رياضياً مختلفاً يوفر لهن فضاءً آمناً ومميزاً، ويحوي المشروع على غابة الاطفال الترفيهية لأكثر من 75نشاطا مختلفاً بما ينمي مغامرات الاستكشاف والتخييم والنشاط البدني، كما يضم أكثر من 120 نشاطا علمياً في غابة العلوم والتعليم ممثلا بالمدارس والجامعات والمكتبات.
ولفت إلى أن "المشروع يحوي ايضاً على غابة التكنولوجيا والابتكار لفعاليات صداقة البيئة والطاقة المتجددة ويضم أكثر من 55 نشاطاً للبرمجة والتصميم ونوادي حاضنات الاعمال"، مؤكدا أنه "يضم المشروع غابة الرياضة واللياقة البدنية التي تتضمن أكثر من 80نشاطا وغابة الصحة لأكثر من 60 نشاطاً لتحسين الصحة العامة".
ومضى بالقول: أنه "يضم قرية الغابة العالمية لتجمع الارث والثقافة والتراث المحلي لمحافظات العراق، ويضم مضمار للخيول ومحمية طبيعية لأنواع معينة من النباتات والحيوانات والطيور والزواحف"، مشيرا إلى أن "المشروع سيوفر أكثر من ثمانين الف فرصة عمل في مختلف التخصصات الهَنِدَسية والبِنِاء اضافة الى الزراعة التي من المخطط إنشاء مزارع كبيرة ومتنوعة".
وأوضح، أن "المشروع سيضم برامج تدريب وتأهيل للشباب العاطلين عن العمل، مما يجعلهَمَ مؤهلين للعمل في مختلف المجالات التي يوفرها المشروع "، مؤكداً أن "بغداد تشهد تنفيذ مشاريع عملاقة ضمن البرنامج الحكومي لرئيس مجلس الوزراء، التي ما ان تكتمل ستحقق نقلة نوعية في قطاعات الطرق والجسور والعمران والمساحات الخضراء".
ويسهم المشروع - بحسب مسؤولين وخبراء - في خلق بيئة أكثر استدامة من خلال زراعة أنواع مختلفة من الأشجار التي تساهم في امتصاص الغازات الدفيئة وتقليل الانبعاثات الكربونية، مما يساعد في تخفيف آثار التغير المناخي. وإلى جانب الفوائد البيئية، يهدف المشروع إلى توفير فضاءات ترفيهية وسياحية لسكان العاصمة، حيث يمكن أن يصبح وجهةً مثالية لقضاء الأوقات والاستجمام.
وفي هذا السياق، يقول مدير التوعية البيئية في وزارة البيئة أنعم ثابت، إن "المشروع يهدف إلى تحقيق فوائد بيئية وصحية كبيرة، عبر إقامة غابات ستساهم في تلطيف الجو عن طريق امتصاص ثاني أكسيد الكربون وإطلاق الأوكسجين، مما يساعد في تقليل تأثير التغيرات المناخية وتحسين جودة الهواء في المدينة". وأضاف، أن "الأشجار المزروعة ستكون بمثابة مصدات طبيعية للعواصف الغبارية، مما يقلل من وصول الغبار إلى المناطق السكنية".
وأشار ثابت إلى أن "المشروع يعتمد على أساليب ري مستدامة، حيث سيتم استخدام مياه معالجة من الصرف الصحي بعد تنقيتها من المواد الضارة، مما يسهم في الحفاظ على الموارد المائية وتقليل الهدر، وبعض الأشجار المزروعة ستكون قادرة على تحمل الملوحة، مما يقلل من استهلاك المياه العذبة".
من جانبه، أكد خبير السياحة حاكم الشمري أن "المشروع سيكون له أثر إيجابي على السياحة والاقتصاد العراقي، كونه سيخلق أجواء نقية في المدينة ويوفر مناطق ترفيهية وجاذبة للسياح وموارد مالية كبيرة". وأضاف، أن "الغابات يمكن أن تتحول إلى وجهة سياحية مهمة، مما يسهم في خلق فرص عمل وزيادة الدخل القومي، إذ أن السياحة ستوفر مردودات مالية كبيرة، سواء من خلال إنشاء فنادق أو مطاعم أو مناطق ترفيهية، في تلك الغابات كما أن المشروع سيخلق فرص عمل جديدة، سواء في مجال التشغيل المباشر أو في القطاعات المرتبطة بالسياحة والخدمات".
بدوره، أكد الخبير الاقتصادي أحمد صدام أن "لمشروع سيسهم في جذب الاستثمارات الزراعية والسياحية، مما يعزز الاقتصاد المحلي، ويوفر نموذجا متكاملا للبيئة الحضرية المستدامة". وأضاف صدام، ان "هذا المشروع سيكون جاذباً للمشاريع الخضراء التي تراعي الجانب البيئي، كما سيسهم في تحسين البنية التحتية للمدينة وتعزيز الوعي البيئي لدى المواطنين، وهو يمثل خطوة مهمة نحو تحقيق التنمية المستدامة، خاصة وأنه يهدف إلى زراعة أكثر من مليون شجرة على مساحة تزيد عن 11 مليون متر مربع".
"يعد المشروع خطوة جريئة في مواجهة التصحر والتدهور البيئي الذي يعاني منه العراق، إذ أن الغابات المستدامة ستسهم في تحسين جودة الهواء وامتصاص الانبعاثات الكربونية، خاصة في ظل تزايد الانبعاثات الضارة الناتجة عن استخدام الوقود الأحفوري والمصانع غير المرخصة"، يقول الخبير البيئي أحمد صالح ويضيف أن "المشروع سيساعد في تقليل تأثير العواصف الغبارية التي تضرب العراق بشكل متكرر، ويمثل فرصة لتحويل التحديات البيئية لفرص تنموية حقيقية".
وبحسب لجنة الاستثمار والتنمية النيابية، فان هناك خطط لإنشاء مشروع غابات مستدامة في جانب الكرخ من بغداد، اذ قال رئيس اللجنة حسن الخفاجي، إن "مشروع غابات بغداد المستدامة في جانب الرصافة يُعدّ بمثابة رئة العاصمة، كونه مشروعاً استراتيجياً كبيراً يمتد على مساحة تزيد على 12 مليوناً و500 ألف متر مربع (أكثر من خمسة آلاف دونم)". وأضاف، "تمت إحالة المشروع إلى إحدى الشركات الرصينة"، مشيرا الى أن "هناك مشاريع مشابهة سيتم تنفيذها قريباً في جانب الكرخ، حيث توجد إمكانية لإقامة مشروع مماثل في منطقة التاجيات".
ويذكر أن بغداد يعبرها نهر دجلة لكنها تعاني مشكل ندرة المياه، ويعتبر العراق من أكثر دول منطقة الشرق الأوسط تعرضا لأزمات بيئية، وارتفع عدد النازحين العراقيين بسبب الجفاف إلى "12 ألفاً و212 عائلة (73 ألفاً و272 شخصاً) نازحةً بسبب الجفاف في عشر محافظات عراقية" في وسط وجنوب العراق، بحسب تقرير نشرته مؤخراً منظمة الهجرة الدولية.