تُمنح لمتنفذين وتؤثر على حركة الملاحة الجوية.. ملف المجمعات السكنية قرب مطار بغداد يعود للواجهة

انفوبلس/ تقرير
في ظل أزمة السكن في العاصمة بغداد، توجهت الحكومة نحو إنشاء مجمعات سكنية في بادئ الأمر بأطراف بغداد، إلا أنها سرعان ما تحولت لمشاريع استثمارية وتجارية، ودخلت أطراف متنفذة على هذا الخط لتستحوذ على مساحات شاسعة وخصوصا قرب مطار بغداد الدولي، فما هي التطورات والتحركات الجديدة في هذا الملف؟
لطالما كانت أزمة السكن المشكلة الأساسية لجميع العراقيين، نتيجة لغلاء أسعار العقارات خاصة في العاصمة بغداد، حيث بلغ سعر المتر الواحد ببعض المدن أكثر من سبعة ملايين دينار (5000 دولار) وهذا ما دفع الحكومات المتعاقبة للبحث عن حلول لهذه المعضلة.
*تحركات جدية
في تطور جديد، كشف عضو مجلس النواب زهير الفتلاوي، عن تحرك سلطة الطيران المدني لإيقاف منح رخص تشييد المجمعات السكنية في المناطق القريبة من مطار بغداد الدولي، فيما أكد أن هذه المجمعات جاءت بنتائج عكسية لحل أزمة السكن في العراق.
وقال الفتلاوي، إن "هذه المجمعات تمنح طوابق كاملة لشخصيات متنفذة ومسؤولين من أجل عدم اتخاذ إجراءات قانونية ضدها". مشيرا إلى أن "هذه المجمعات تسببت في التأثير على حركة الملاحة الجوية لمطار بغداد".
وتابع، إن "هيئة الاستثمار متهمة بمنح إجازات استثمار لا تتوافق مع الضوابط ودون موافقة مطار بغداد الدولي ولا تتطابق مع المواصفات"، لافتا الى أن "عملية إزالة هذه المجمعات خطوة بالاتجاه الصحيح بحسب المواد (487 و493) من قانون العقوبات التي تصل عقوبتها الى الحبس والغرامة على المخالفين".
وأضاف، إن "أسعار الشقق في هذه المجمعات وصلت إلى أرقام خيالية تتراوح من 100 ألف دولار 500 ألف دولار"، مستدركا بالقول: "تدخلات المتنفذين والأحزاب حالت دون إيجاد الحلول لهذا الملف الشائك وإنهاء الاستيلاء على أراضي مطار بغداد الدولي".
ولفت إلى أن "المجمعات السكنية القريبة من المطار تؤثر على هبوط الطائرات الاضطرارية وهذا ما يضع ساكني هذه المجمعات في دائرة الخطر"، مبينا أن "هذه المشاريع خالفت الضوابط بارتفاعها المؤثر على حركة الملاحة الجوية".
وأردف: "أغلب هذه المجمعات شيدت بمخططات وخرائط مخالف للضوابط وللعديد من القوانين المحلية والدولية"، مؤكدا أن "هذه المجمعات جاءت بنتائج عكسية لحل أزمة السكن المتفاقمة في العراق".
وأعلنت وزارة الإعمار والإسكان والبلديات العامة، في 8 كانون الثاني/يناير الجاري، عزمها الإعلان عن ست مدن سكنية جديدة في العاصمة بغداد والمحافظات خلال الأسبوع المقبل.
ويحتاج العراق إلى أكثر من مليوني وحدة سكنية لإنهاء أزمة السكن، بحسب وزارة التخطيط.
ومن المقرر أن يُعقد اجتماع اللجنة العلمية لمنتدى المدن الذكية في 25 شباط/ فبراير المقبل، من قبل اتحاد الغرف التجارية العراقية وغرفة التجارة الدولية في العراق، حيث سيتناول المنتدى مجموعة من المحاور الرئيسية، من بينها أهمية التحول الرقمي في تطوير المدن، والفرص الاستثمارية المتاحة في هذا المجال، وأفضل الممارسات العالمية لإقامة مدن تتسم بالكفاءة والذكاء.
وكانت سلطة الطيران المدني قد خاطبت، في نيسان/أبريل 2024، هيئة الاستثمار الوطنية من أجل الحد من هذه المجمعات على اعتبار أن بعضها مخالف للضوابط، خاصة تلك التي شُيّدت بالقرب من مطار بغداد الدولي والتي قد تتسبب بمشاكل عديدة وتعيق حركة الإقلاع والهبوط من مدارج المطار، إلا أن الشركات المتنفذة لم تصغِ لتلك المخاطبات واستمرت بإكمال بناء المدن السكنية.
وعن هذا الأمر، يقول مصدر حكومي إن "الكتب التي وردت لهيئة الاستثمار الوطنية من سلطة الطيران المدني نصّت على وقف أعمال البناء، أو تخفيض عدد الطوابق، إلا أن أعمال البناء استمرت دون توقف أو التزام بالتعليمات الحكومية".
ويضيف، "قامت هذه الشركات بإعطاء طوابق بأكملها لشخصيات متنفذة من أجل التدخل ووقف الكتب الصادرة من سلطة الطيران المدني ضدها، كما أن هيئة الاستثمار هي الأخرى منحت إجازات استثمار مخالفة للضوابط والشروط ودون تدقيق أو رجوع لإدارة مطار بغداد".
وبحسب متابعة “انفوبلس”، فإن أغلب المجمعات تشترط دفع الراغب بالحصول على وحدة سكنية في هذه المجمعات، دفعة مالية مقدمة عند تقديمه طلب الشراء وعادة ما تتراوح بين 20 – 25 ألف دولار، وبعد ثلاثة أشهر عليه تسديد الدفعة الثانية بنفس المبلغ، وعند استلام الشقة يُسلّم الشخص الدفعة الثالثة، وبعد ذلك يستمر بدفع أقساط شهرية تستمر على مدى 15 عاماً، بحسب سعر الشقة.
يشار إلى أن العراق يفتقر لقوانين تنظم بيع وشراء وإيجار العقارات، على عكس دول المنطقة التي تنظم هذه العملية بقانون، وتحدد سعر الارتفاع سنويا، كما تضمن حقوق طرفي العقد في الإيجارات، وتحدد القيمة وفق ما تراه الدولة متوازيا مع طبيعة الأجور والوضع الاقتصادي العام.
وكان الجهاز المركزي للإحصاء، قد أعلن مطلع 2024، أنه من المتوقع أن يبلغ عدد سكان العاصمة بغداد تسعة ملايين نسمة، يعيشون بمساحة إجمالية تبلغ 4555 كيلومترا مربعا، فيما بين أن الكثافة السكانية تبلغ نحو 2000 شخص لكل كيلومتر مربع واحد.
يشار إلى أن المواد 487 – 493 من قانون العقوبات عاقبت بالحبس والغرامات على التجاوز على الممتلكات والأموال العامة، كما عاقبت فقرات أخرى ضمن القانون بالغرامات وحجز وغلق على المتجاوزين، سواء كان التجاوز على هيئة مجمعات سكنية أو منازل منفردة، بحسب الخبير القانوني علي التميمي.
إلى ذلك، يوضح عضو مجلس النواب عارف الحمامي، أن "الفوضى التي حصلت في عهد الحكومة السابقة أباحت كل المحظورات، وإلا من غير المعقول أن يتم بناء شقق سكنية بالقرب من مطار دولي".
ويشير إلى أن "السيطرة فُقدت بشكل تام على هذا الملف، وحصلت مخالفات قانونية واضحة من حيث مواقع هذه المجمعات السكنية أو شروط تنفيذها وغير ذلك من الأمور الفنية".
بدوره، يؤكد خبير الطيران فارس الجواري، أن “هناك مادة قانونية يطلق عليها بالارتفاق الجوي وهو مشرع ومفروض دوليا حسب قانون منظمة الطيران المدني العالمية (إيكو) ومصادق ومعمول بموجبه حسب قانون سلطة الطيران المدني العراقي 148 لسنة 1974 في المواد 22-27 منه".
وينوه إلى أن "هذا القانون يشير صراحة على تعليمات تشييد البنايات في الحدود القريبة من المطارات حيث هناك مساحات حول حرم المطار تعتبر محظورة وفق هذا القانون، لأنها تتعارض مع المتطلبات التشغيلية للمطار في استقباله وترحيله للطائرات وهي أساسية بل خط أحمر في عدم التجاوز على عمليات الطيران داخل المطار".
ويكمل الجواري، "هناك حالات هبوط اضطراري تحصل لبعض الطائرات بسبب عارض فني أو غيره، ويستوجب حينئذ أن تكون هناك فضاءات شاسعة حول المطارات تسمح بالهبوط الاضطراري دون وقوع خطر على الساكنين قرب المطار، فضلا عن أن هناك أجهزة اتصالات لاسلكية خاصة بالمراقبين الجويين لتأمين التواصل مع الطيارين في الطائرات الهابطة أو التي تقلع دون أن يكون هناك تشويش أو عائق يمنع التواصل مع تلك الطائرات".
ويلفت إلى "وجود مشاريع خارج ضوابط قانون الارتفاق الجوي وفيها مخالفة صريحة وعمليات منع أو إزالة تلك البنايات ستكون خطوة باتجاه تصحيح مسار عمل المطارات".
وأطلق رئيس الوزراء محمد شياع السوداني، في تموز يوليو 2024، الأعمال التنفيذية في الطريق المؤدي إلى مدينة (علي الوردي) السكنية الجديدة، ووفقا لبيان للمكتب الإعلامي لرئيس الوزراء فإن "الأعمال التنفيذية للطريق تمتد من أطراف بغداد إلى مدينة علي الوردي السكنية الجديدة في ناحية النهروان جنوب شرق بغداد، ويتضمن العمل إنشاءَ طريق رابط للمدينة الجديدة، بمسار يحقق أفضل المتطلبات التصميمية، ويؤمن انسيابية المرور للمدينة الجديدة من خلال ربطه بالطرق الرئيسية والحلقية".
وتنتشر المجمعات السكنية داخل العاصمة، بالتحديد في مناطق: العلاوي (أمام متنزه الزوراء)، والبياع، وشارع مطار المثنى، والسيدية، والكاظمية، وحي العدل، وسريع محمد القاسم، حيث تباع شققها بأسعار باهظة تتراوح في المتوسط بين 100 ألف دولار و400 ألف دولار.
وفي العام الماضي، وبحسب مؤشر "ميرسر" الخاص بأفضل وأسوأ مدن العالم للعيش، والذي جمع 231 مدينة، فإن بغداد جاءت بالمركز الأخير كأسوأ مدينة للعيش، بالتقاسم مع العاصمة السورية دمشق.
ويشهد العراق ارتفاعا كبيرا في نفوسه، حيث تخطت 45 مليون نسمة، بحسب التعداد السكاني الذي أُجري في 20 و21 نوفمبر 2024.
وكانت الخبيرة الاقتصادية سلام سميسم أكدت مؤخرا أن "الزيادة غير المحسوبة أو غير المدروسة في السكان، تؤدي الى عملية تكالب على الموارد، وبالتالي فإن الفجوة الحاصلة بين زيادة حجم السكان وقلة الموارد ستكون كبيرة، وكلما كبرت هذه الفجوة زادت الصراعات داخل المجتمع وليس التنافس على الوظائف فقط، وفي النتيجة ستستمر الفوضى التي يعيشها مجتمعنا".
وفي ظل ذلك، تبقى الحاجة ملحّة لتأهيل شبكة الطرق العامة في العراق، بالنظر لزيادة الحوادث المرورية وزيادة أعداد المركبات، إضافة إلى ضرورة تشييد طرق معبّدة وحديثة تكون متكاملة من حيث شروط السلامة لإيقاف تفاقم أعداد الضحايا سنويا في بغداد والمحافظات خاصة مع الشروع بالمدن السكنية الحديثة.