جدل مجتمعي حول الخصوصية بين الزوجين والقضاء يحذر من سوء استعمالها
انفوبلس/..
لا يستطيع الإنسان العيش بعيدا عن الآخرين بحكم طبيعته الاجتماعية، لكن غرائز الإنسان ترفض ان يكون اجتماعياً بصورة دائمية، فهو يحتاج الى مجال خاص به يكون فيه بعيدا عن اعين الاخرين وهذه هي الخصوصية. ونتيجة للتطور السريع للحياة تطورت المشكلات والقضايا الاسرية ولعل ابرز هذه القضايا التي طرأت مؤخرا هي حق الخصوصية بين الزوجين الذي أصبح حقاً يحتج به الزوجان تجاه بعضهما. وهو أن يلتزم كلا الزوجين باحترام خصوصية بعضهما, فالزوجة تملك مجالاً خاصاً لا يستطيع الزوج إقحام نفسه فيه، والعكس صحيح.
ووفق هذا الحق ظهرت منطقتان متجاورتان لكنهما منعزلتان عن بعضيهما يختص الزوج بمنطقة وتختص الزوجة بالمنطقة الاخرى في داخل بيت الزوجية, ونهض البناء الاجتماعي الحديث على ذلك وتسببت هذه الاشكالية الدقيقة بخلافات زوجية تحولت من نزاع اسري الى أمهات الدعاوى المنظورة امام القضاء فكلاهما يحتج دفاعاً عن نفسه لتبرير موقفه انه يملك حق الخصوصية وعلى الزوج الاخر احترامها وعدم التدخل في حياته الخاصة.
وعن موضوع الخصوصية بين الزوجين وكيفية معالجتها من الناحية القانونية قال القاضي احمد جاسب الساعدي ان "الثقافات تختلف في بيان الحدود الفاصلة والمحددة لما يعتبر "خاصة" من مجتمع الى اخر"، لافتاً الى ان "الانظمة الدكتاتورية تعمل بشكل منتظم على التجاوز على حريات الافراد والجماعات وطرق هذا الحق بشكل فاضح على عكس الانظمة الديمقراطية التي توفر حماية ولو بشكل جزئي وليس مطلقا".
واشار القاضي الأول لمحكمة الأحوال الشخصية في بغداد الجديدة الى ان "مفهوم حق الخصوصية هو قدرة الأشخاص او اي جماعة على منع المعلومات المتعلقة بهم ان تصبح معروفة للآخرين إلا إذا كان الشخص اختار طوعاً ان يعلن عن تلك المعلومة"، مضيفاً ان "مفهوم مصطلح الخصوصية استخدم في العقود الأخيرة وتطور على نطاق واسع ليضمن الحق في السيطرة على البيانات الشخصية (سرية المعلومات)".
واشار الساعدي الى ان "حق الخصوصية أقرته المادة (17) من الدستور العراقي أولاً بنص عام غير محدد التفاصيل، اذ نصت على أن (لكل فرد الحق في الخصوصية الشخصية بما لا يتنافى مع حقوق الآخرين والآداب العامة)".
وزاد في الحديث "بالرجوع الى قانون الاحوال الشخصية العراقي رقم 188 لسنة 1959 النافذ باعتباره القانون المختص بتنظيم العلاقة بين الزوجين فإننا نجد ان هذا القانون لم ينص على هذا الحق صراحة ولكن ضمنيا"، منوهاً الى انه "يمكن الاستدلال عليه من خلال تحليل النصوص الحاكمة على وجود آثار لهذا الحق تتمثل في الخصوصية المالية للزوجين والخصوصية الدينية حيث أجاز قانون الاحوال الشخصية للمسلم الزواج من الكتابية (المسيحية او اليهودية ) ويفهم من ذلك ان القانون وفر الحماية لخصوصية المرأة في الحفاظ على دينها".
وشدد الساعدي على ان "حق الخصوصية التي حماها الدستور يجب ان لا يخالف الاداب العامة ولا يمس بحقوق الآخرين".
وعن ماهية الضرر من جراء استخدام حق الخصوصية أوضح الساعدي "يمكن تصور الضرر المتوقع جراء اساءة استخدام حق الخصوصية كالسرية التامة والغموض اذ لا يمكن تصور الحياة الزوجية المشتركة وهي محاطة بالسرية والغموض وعدم معرفة الزوج او الزوجة بتفاصيل حياة الشريك الاخر وكذلك مخالفة الاداب العامة والاخلاق من طرف من اطراف العلاقة الزوجية, وهذه نتيجة طبيعية للسرية في استعمال حق الخصوصية بين الزوجين".
واشار الساعدي الى انه "على الرغم من وجود حق الخصوصية بين الزوجين الا ان الامر لا يعني ان لأي من الزوجين الحرية المطلقة في ممارسته متجاهلاً شريكه في الحياة وانما هذا الحق مقيد بعدم الإضرار بالزوج الاخر سواء كان ضررا معنويا او ماديا, من خلال إساءة استعمال الحق و التعسف فيه و الخروج به عن الآداب العامة والغرض الأخلاقي".
وفي الوقت الذي بين الساعدي ان "أساس الرابطة الزوجية هي الحياة المشتركة وانعدام الفردانية بين الزوجين"، اكد على ان "سلطة الزوج ليست مطلقة تجاه زوجته لاسيما في ما يتعلق بالأمور المادية فلا يحق له التصرف بأموالها". مبيناً ان "الهدف من سلطة الزوج حسب مانصت عليه المادة 33 من قانون الاحوال الشخصية بانه (لا طاعة للزوج على زوجته في كل ما يخالف أحكام الشريعة)".