جدل وتحقيق وغضب.. قصة ما حصل بين مدير الرواتب في الشرطة الاتحادية والمهندس بشير خالد

انفوبلس/ تقرير
تتصدر قضية وفاة المهندس العراقي بشير خالد سريرياً الاهتمام في العراق لليوم الرابع على التوالي، وسط اتهامات متكررة لأفراد من الشرطة بتعذيبه داخل مركز أمني في العاصمة بغداد عقب مشاجرة مع مدير الرواتب والأمور المالية في قيادة قوات الشرطة الاتحادية، ويسلط تقرير شبكة "انفوبلس"، الضوء على القصة الكاملة للحادثة المؤلمة.
أثارت الحادثة غضب نشطاء وصحافيين في العراق، الذين اعتبروا أن ما تعرّض له المهندس بشير ليس استثناءً، بل يمثل نمطاً متكرّراً لما يتعرض له العديد من المحتجزين داخل مراكز الشرطة وغرف التحقيق الأمنية.
*بداية القصة
بحسب مصادر أمنية تحدثت يوم الأربعاء الماضي لشبكة "انفوبلس"، فإن مشاجرة وقعت بين مهندس عراقي (يسكن في حي حطين شرقي بغداد) والضابط في الشرطة الاتحادية اللواء عباس علي التميمي، وإلقاء القوات الأمنية القبض على المهندس وإيداعه الحجز، ليُعلن بعد ذلك موت المهندس سريرياً إثر تعرضه للضرب.
وذكرت المصادر الأمنية، أن مشاجرة وقعت بين مهندس يدعى بشير خالد وبين ضابط برتبة لواء في الشرطة الاتحادية في "حي حطين" بالعاصمة بغداد، وبحسب أهالي المنطقة فقد "تم إلقاء القبض على المهندس وضربه وتعذيبه، ونقله إلى مركز الشرطة"، مشيرين الى أن "المهندس تم نقله بعد ذلك إلى المستشفى، إثر تعرضه إلى ضربه خلف الرأس أدت إلى فقدانه الوعي".
وإعلان وفاته سريرياً، أثار موجة غضب وجدلاً واسعاً على مواقع التواصل الاجتماعي وفي الأوساط الحقوقية في العراق، وسط مطالبات بفتح تحقيق شفاف في الحادثة. واستناداً إلى التقرير الطبي الصادر عن مستشفى اليرموك ببغداد، وشهادات ذوي الضحية، فإنه دخل مركز الشرطة معافى، لكنه خرج منه ميتاً سرسرياً.
ومع بدء تداول المعلومات، حاولت المصادر الأمنية ودوائر الإعلام الأمنية "إخفاء والتستر على الحادثة" ومنع الحديث بها، قبل أن تعمل وسائل الإعلام المهنية ومن بينها "انفوبلس"، على تسليط الضوء على الحادثة وملاحقتها للتوصل الى الحقيقة، ليتبين أن الشخص المهندس دخل بمشاجرة مع ضابط برتبة لواء في الشرطة الاتحادية ونجله، قبل أن تعتقله دوريات النجدة.
وتوصل فريق انفوبلس أيضا الى مقطع فيديو يثبت أن الضحية كان سليماً بالكامل وهو داخل مركز الشرطة ويطالب بالاتصال بأهله، وبعد ذلك انتشرت صور للشخص وهو ميت سريريا في إحدى مستشفيات بغداد وتجرى له عملية التنفس الاصطناعي بالأجهزة، ما يثبت أن ما تعرض له الشخص من تعذيب وضربة قوية على الرأس حصلت في داخل مركز الشرطة.
كما أثارت هذه الحادثة أيضاً غضب نشطاء وصحافيين في العراق، الذين اعتبروا أن ما تعرّض له بشير ليس استثناءً، بل يمثل نمطاً متكرّراً لما يتعرض له العديد من المحتجزين داخل مراكز الشرطة وغرف التحقيق. وأشار بعضهم إلى أن ما جرى هو انعكاس لمئات الحالات المماثلة، توفي عدد منها سابقاً تحت وطأة التعذيب. كما وجّه ناشطون انتقادات لاذعة لما وصفوه بـ"السلطوية الأمنية" التي يمارسها بعض رجال الأمن والضباط بحق المدنيين.
وبعدها، تناقلت وسائل التواصل الاجتماعي مناشدة منسوبة لذوي المهندس بشير خالد، موجهة إلى رئيس الوزراء محمد شياع السوداني ووزير الداخلية عبد الأمير الشمري.
ونقلت وسائل إعلام محلية عن ذوي المهندس، قولهم، إن "ابنهم دخل في مشاجرة مع لواء في الشرطة الاتحادية في إحدى مناطق بغداد، ثم أجرى اللواء اتصالاً تسبب باعتقال المهندس من قبل الشرطة وتعرضه للضرب والتعذيب على يد أفراد منها وسط الشارع، وبعدها جرى نقله إلى مركز شرطة حطين في بغداد لإكمال التعذيب.. وعندما فقد الوعي وبدأ ينزف نقلوه إلى مستشفى اليرموك، وتوفيه سريرياً هناك".
وفي سياق متصل، استنكرت نقابة المهندسين العراقية، الأربعاء 2 نيسان/ ابريل 2025، تعرض المهندس بشير خالد، للضرب في العاصمة بغداد على خلفية مشاجرة مع ضابط في الشرطة الاتحادية، معبّرةً في بيان عن، "رفضها واستنكارها بأشد العبارات لهذا العمل الإجرامي".
وطالبت النقابة، رئيس الوزراء محمد شياع السوداني، ووزير الداخلية عبد الأمير الشمري، بـ"التدخل الفوري لفتح تحقيق مستقل ونزيه، يكشف عن جميع ملابسات الحادث، ويُقدم الجناة إلى العدالة دون أي تسامح أو تهاون". ولفتت النقابة إلى أن "السكوت عن هذه الجريمة لن يكون سوى وصمة عار في جبين العدالة، وسيتحول إلى تشجيع ضمني لمزيد من الاعتداءات والانتهاكات بحق الأبرياء".
من جهته، قال الناشط أيهم رشاد، إن "ما حدث مع المهندس بشير خالد ما هو إلا مثال لما يحدث في السجون والمعتقلات ومراكز الاحتجاز في مديريات الشرطة والجيش وغيرها من الصنوف الأمنية"، مؤكداً أننا "كنا وما زلنا نتحدث عن التعذيب الوحشي، والاستخدام التعسفي للسلطة ضد المدنيين، ومن المفترض أن يجري الإعلان عن نتائج التحقيقات، وعزل ومعاقبة المتسببين مهما كانت رتبهم العسكرية أو انتماءاتهم الحزبية".
فيما استنكر الباحث في الشان السياسي عباس العرداوي "العمل الإجرامي الذي تعرض له المهندس بشير خالد والذي أدى إلى تدهور حالته الصحية نتيجة التعذيب الوحشي"، مطالبا "الحكومة بفتح التحقيق".
وأضاف في تدوينة له تابعتها "انفوبلس، "
1- مواطن يفقد حياته بسبب ضابط في الشرطة الاتحادية.
2- مواطن يتم هدم هيكل مبنى قيد الإنشاء لأنه لم يدفع للشرطة الاتحادية.
3- مواطن يتم منعه من إشغال أرضه ما لم يُرضِ آمر الفوج بالشرطة الاتحادية.
4- مطاردة الشرطة الاتحادية لأصحاب التكتك.
5- منع دخول مواد البناء من قبل الشرطة الاتحادية إلا بعد التنسيق مع معرّف بالشرطة الاتحادية.
وتابع، "للأسف هذه عيّنة من الأخبار التي يتم تداولها لتصرفات الجيش الأزرق الذي كان يؤرق الدواعش في سواتر العز والذي أعطى خيرة القادة والضباط والمنتسبين ليستقر به هذه الحال على يد قيادة يشوبها الشبهات وتحيطها الأزمات للأسف"، معربا عن أمله "من رئيس الوزراء التدخل الشخصي بهذا الموضوع وتغيير هرم القيادة بقيادة صالحة ممن شاركت في تحرير الأرض وتطوير الجهاز من الضباط الكفوئين".
وبعدها، أعلنت وزارة الداخلية، عن توجيه وزيرها بتشكيل لجنة تحقيقية بشأن واقعة الاعتداء على المهندس بشير خالد، مؤكدة في بيان يوم الأربعاء، أن "الوزير وجّه بأن تقدم اللجنة تقريرها بأسرع وقت أمام أنظاره، مع إدراج جميع الإجراءات القانونية التي اتُخذت خلال وبعد هذا الحادث".
نتائج التحقيق
أمس الجمعة، أعلنت وزارة الداخلية، نتائج التحقيق بالمشاجرة بين مدير رواتب الشرطة الاتحادية والمهندس بشير خالد، إذ ذكرت الوزارة في بيان، "نعرض عليكم نتائج اللجنة التحقيقية المشكّلة لمعرفة ملابسات المشاجرة والحادث الذي حصل بين مدير الرواتب والأمور المالية في قيادة قوات الشرطة الاتحادية والمواطن (بشير خالد لطيف) يوم الأحد الموافق 30/3/2025 فقد تبين قيام المواطن المذكور وفي ساعة متأخرة من الليل بالحضور إلى الباب الرئيس لمجمع الأيادي السكني في منطقة العامرية ببغداد وبعد منعه من الدخول قام بالتسلل من السياج القريب لباب المبنى الذي يسكن فيه مدير الرواتب والأمور المالية في قيادة قوات الشرطة الاتحادية، والتوجه إلى باب شقة مدير الرواتب لأسباب سيتم التوصل إليها لاحقا".
وعند وصوله حدثت مشاجرة بينهما شارك فيها ابن مدير الرواتب أيضاً، بعدها حضرت دوريات النجدة التي تم استدعاؤها وقامت بنقل المواطن الى مركز شرطة حطين وتوقيفه بالموقف الخاص بالمركز، بحسب البيان، الذي زعم أن "المواطن كان في حالة هستيرية، وبالتالي حصلت مشاجرة بينه وبين عدد من الموقوفين تعرض خلالها للضرب المبرح من قبل الموقوفين، وعلى إثرها جرى نقله الى المستشفى لتدهور حالته الصحية".
وأوضحت، أنه "بعد التحقيق بالحادث وبناءً على ما تقدم قررت اللجنة المعنية بالتحقيق في ملابسات الحادث تشكيل مجلس تحقيقي بحق مدير الرواتب والأمور المالية وولده الذي يعمل بصفة شرطي لاستغلالهما نفوذهما الوظيفي، وتشكيل مجلس تحقيقي آخر بحق ضابط التحقيق، لعدم اتخاذه الإجراءات الأصولية في تسجيل شكوى متقابلة للمتهم الموقوف، فضلاً عن تشكيل مجلس تحقيقي بحق كادر الموقف المركزي المتمثل بوجبة الخفر التي كانت متواجدة أثناء وقوع المشاجرة وعدم السيطرة على الموقوفين داخل القاعة أثناء وقوع الضرب المبرح على المتهم".
وبينت، أن "اللجنة أوصت بتحويل القضية بالكامل الى مديرية مكافحة إجرام بغداد/ الكرخ للغموض الحاصل بالحادث بهدف التعمق فيه والوصول الى النتائج النهائية في جميع ملابساته".
*سخرية من النتائج
تفاعل آلاف العراقيين، بسخرية وغضب وتكذيب واسع مع بيان وزارة الداخلية المتعلق بحادثة تعذيب مهندس "حتى الموت"، بعد دخوله بمشاجرة مع ضابط في الشرطة الاتحادية.
وطالب المواطنون وزارة الداخلية عبر آلاف التعليقات التي كُتبت على الحساب الرسمي لوزارة الداخلية في فيسبوك، بعرض التسجيل المصور للمشاجرة التي وقعت بين السجناء وبين الضحية لإثبات صدق ادعاء وزارة الداخلية خصوصا وأن مراكز الشرطة والسجون مليئة بالكاميرات.
وكتب آلاف العراقيين تعليقات تسخر من بيان الداخلية وتبريرها، وتكذب ادعاءها وتوضيحها حول الحادثة، فيما تفاعل حوالي 5 آلاف شخص مع البيان بـ"أضحكني".
وكتب أحد الأشخاص تعليقا على البيان: "اني مصدكك بس شوف الوراي"، وكتب اخر: "يعني المساجين محققين وياه!"، وجاء تعليقات أخرى من قبيل: "انوب كاتبين اتقوا الله وكونوا مع الصادقين.. چا لو تكونون مع الكاذبين شتكتبون والله مهزلة"، "ما معقولة تشوفون الشعب بهالغباء اليصدگ هيج تقرير اكو مشكلة بعقله"، "شيلوها للاية القرآنية خزيتونة كدام خلق الله لا ذمة ولاضمير".
الى ذلك، كشف عضو مجلس النواب العراقي، حسين عرب، عن معلومات خطيرة تتعلق بملابسات اعتقال وتعذيب وقتل المهندس بشير الخالد. وقال عرب، في لقاء متلفز إن "المهندس بشير الخالد تم اعتقاله قبل يومين، بعكس ما ورد في بيان وزارة الداخلية، واقتادته قوة من اللواء الاتحادي تضم مجموعة ضباط من مجمع الأيادي في العامرية إلى مركز شرطة حطين".
وأضاف: "اعتدى عليه داخل مركز شرطة حطين محققون معروفون، حيث تعرض للتنكيل والإهانة والضرب"، مشيراً إلى أنه "بعدها تم نقله إلى سجن التسفيرات، حيث تسلمه عميد شرطة قام بإبلاغ بعض السجناء بقتله عمداً"، داعيا رئيس الوزراء محمد شياع السوداني ووزير الداخلية إلى التدخل، قائلاً: "هذا دم شهيد، نقيب في الشرطة الاتحادية، قُتل أمام أعين الضباط، ولم يتحرك أحد لإنقاذه".
وتساءل عرب عن دور القيادات الأمنية قائلاً: "قائد شرطة الكرخ ومدير مركز حطين، ما دوركما؟ هل يُعقل أن يُنقل مشتبه به وسط مجموعة ضباط مسلحين؟ ولماذا لم يُحتجز في مركز الشرطة ليوم أو يومين؟ ولماذا رفض مركز حي جعافر استقباله؟ أليس بسبب الكدمات والإصابات الظاهرة عليه؟".
وطالب بالكشف عن "كاميرات المراقبة التي وثقت عملية نقله من مجمع الأيادي إلى مركز شرطة حطين، بإشراف قائد عمليات بغداد وجهاز الأمن الوطني والاستخبارات".
وختم عرب حديثه متسائلاً: "لماذا لم يتدخل المسؤولون عندما ظهرت على الشاب آثار تعذيب واضحة في كاميرات السجن التي يتابعها قائد الشرطة ومدير التسفيرات؟"، لافتا إلى أنه "بعد اتصال بين قائد الشرطة وأحد الضباط، ما أدى إلى إنزال الشاب إلى سجن التسفيرات حيث قُتل عمداً على يد سجناء داخل السجن في الكرخ".
وطالبت النائبة عن محافظة ذي قار نيسان الزاير، السبت، مجلس النواب باستضافة وزير الداخلية وقائد شرطة بغداد الكرخ لبيان أسباب التعسف والانتهاكات المتكررة في السجون ومراكز التوقيف، وذلك خلال زيارتها للمهندس بشير خالد الذي يرقد في العناية المركزة بمستشفى الكرخ عقب اعتقاله إثر مشاجرة مع لواء في الشرطة الاتحادية، موضحة أن التحقيقات الأولية تظهر تواطؤاً من بعض الضباط لإلحاق الضرر بالمعتقل.
وبعدها، أعلن النائب الأول لرئيس مجلس النواب محسن المندلاوي، اليوم السبت، تشكيل لجنة تحقيقية لتقصي الحقائق بشأن حادث الاعتداء الذي تعرض له المهندس بشير خالد لطيف. وقال المندلاوي في بيان، إنه "تم تشكيل لجنة تحقيقية لتقصي الحقائق بشأن حادث الاعتداء المؤسف الذي تعرض له المهندس بشير خالد لطيف، بعد توقيفه من قبل جهات أمنية، ووقوع انتهاكات بحقه خلال احتجازه".
وأكد المندلاوي - حسب البيان- أن "السلطة التشريعية، ممثلة بمجلس النواب، لن تقف مكتوفة الأيدي أمام أي تجاوز على المواطنين أو إساءة استغلال السلطة من قبل بعض العاملين في مؤسسات الدولة"، مشددًا على، أن "مجلس النواب سيظل صوت الشعب وسلطته التي تراقب وتحاسب من ينحرف عن المسار القانوني والأخلاقي".
وأضاف، أن "ما حدث للمهندس بشير لطيف هو مؤشر خطير على وجود ثغرات تتطلب المعالجة العاجلة، فالدولة لا تُبنى على استقواء أفراد بمناصبهم، بل تُبنى على العدالة والمحاسبة وسيادة القانون، فالفرد العراقي فوق كل اعتبار، وكل من يتولى مسؤولية في مؤسسات الدولة هو في خدمة المواطن لا العكس".
وأوضح المندلاوي، أن "اللجنة التحقيقية ستعمل على جمع الأدلة والاستماع إلى الأطراف ذات العلاقة وتقديم تقرير مفصل إلى رئاسة مجلس النواب خلال فترة زمنية محددة؛ بهدف اتخاذ الإجراءات التشريعية والرقابية اللازمة بحق كل من يثبت تورطه في التجاوزات".