خطر يتجدد كل موسم.. الصيف العراقي لا يرحم المتهورين.. الأنهار تبتلع الأحلام والتحذيرات تفشل بإنقاذ الأرواح

انفوبلس/..
هرباً من قيظ الصيف، وأشعة الشمس الحارقة، التي لم يعد التيار الكهربائي قادراً على مجابهة الحرارة خاصة وأنه يعاني منذ سنوات في محافظات البلاد، لذا يتجه الشباب والصبيان، لممارسة هواية السباحة في الأنهار، والتغاضي عن مخاطر هذه الهواية.
وتُعد السباحة في الأنهر بالعراق من أخطر أنواع السباحة، كما هو الحال في بقية دول العالم، وذلك لأنها تُعرّض أصحابها إلى الكثير من المخاطر وإن لم يكن الغرق فالمشكلات الصحية الخطيرة جراء تعرضهم لضربة شمس قد تكون مميتة في مثل هكذا ظروف جوية، ما يدفع بالحكومات إلى منع هذه السباحة.
ويؤكد مختصون أن مياه الأنهر غير صالحة للسباحة فيها من الناحية البيئية، بسبب كثرة الملوّثات التي تصبّ في نهري دجلة والفرات وفروعهما عموماً، ومن هذه الملوّثات مياه المجاري، ومخلّفات المستشفيات، والمياه الآسنة، ومياه الأمطار، والمياه التي تأتي من الدور السكنية، ويُقدّر ما يُرمى يومياً في الأنهر من ملوّثات أكثر من 500 متر مكعب، إن لم يكن طناً.
*حوادث غرق
وتُسجَّل غالبية حوادث الغرق في نهري دجلة والفرات، إلى جانب الروافد الفرعية كنهر العظيم، وسد الموصل، وسد الكوت، وبحيرة الحبانية، والتي يقصدها الناس هرباً من حر الصيف.
ويؤكد مواطنون وقوع عشرات حالات الغرق منذ مطلع العام، معظمها سُجلت في الأنهار والمسطحات غير المؤمنة. وكشفت الشرطة النهرية بمحافظة نينوى عن انتشال جثة شاب عشريني غرق في نهر دجلة غرب مدينة الموصل، وتعد هذه الحادثة السابعة في محافظة نينوى خلال الشهرين الأخيرين. وغالباً ما يكون سبب الغرق السباحة في مناطق عميقة ذات تيار مائي قوي.
*حوادث غرق متكررة بمياه نهر الفرات
يفيد المتحدث باسم وزارة الداخلية، العميد مقداد ميري، بأن "الشرطة النهرية تواصل جهودها منذ مطلع الربيع، في تنفيذ خطة موسعة للحد من حوادث الغرق، تتضمن تكثيف الدوريات والزوارق في مواقع السباحة الشعبية، خصوصاً تلك التي تتكرر فيها الحوادث سنوياً. الشرطة النهرية انتشلت خلال الأشهر الماضية عشرات الجثث في مناطق متفرقة، معظمها لأطفال وشباب غرقوا في أماكن غير مخصصة للسباحة".
ويوضح، أن الوزارة وضعت خطة تشمل إجراءات متعددة، منها نشر لافتات تنبيهية في المناطق الخطرة، وتسيير دوريات خلال ذروة الحر، فضلاً عن إطلاق حملات توعية بالتعاون مع منظمات المجتمع المدني والسلطات المحلية، تستهدف الأهالي وتلاميذ المدارس، لرفع الوعي بمخاطر السباحة العشوائية وسبل الوقاية.
ويشدد ميري على أن التصدي للظاهرة يتطلب تعاوناً مجتمعياً حقيقياً، قائلاً: "المسؤولية لا تقع على الدولة وحدها، بل تستوجب وعياً جماعياً، ومشاركة فاعلة من الأسر في مراقبة أبنائهم وتحذيرهم من السباحة في المواقع الخطرة".
*خلل بنيوي
ويؤكد الباحث الاجتماعي مهند الحديثي، أن تصاعد حوادث الغرق بين الأطفال والشباب في العراق خلال فترات الحر يعكس خللاً بنيوياً متراكماً في منظومة الخدمات العامة، إلى جانب غياب الثقافة الوقائية.
ويوضح، أن الانقطاع المتكرر للكهرباء، وافتقار المدن والأرياف إلى مرافق ترفيهية آمنة، يدفع كثيرين إلى التوجه نحو الأنهار والمسطحات غير المؤمّنة، ما يعرّض حياتهم للخطر في ظل غياب الرقابة والوعي. يضيف أن "هذه الكوارث هي نتيجة بيئة منهكة ومهملة تفتقر إلى التوعية الفاعلة، والإشارات التحذيرية، والرقابة المنتظمة على تلك المسطحات التي تحولت إلى مصائد موت، لا سيما للأطفال الذين يُتركون دون إشراف في ظل انشغال الأهل بمشاغل الحياة".
ويشير الحديثي إلى أن جهود الشرطة النهرية في التعامل مع الحوادث وانتشال الجثث ضرورية، لكنها غير كافية، قائلاً: "نحن بحاجة إلى منظومة متكاملة تبدأ من المدارس وتنتهي بتخطيط عمراني يراعي الاحتياجات المجتمعية خلال الصيف. من دون معالجة شاملة تشمل البنية الخدماتية، والوعي الأسري، والتدخل الحكومي الفاعل، فإننا مقبلون على صيف دموي آخر تسجَّل فيه أرواح جديدة ضحايا لحرارة الجو وسوء الإدارة".
*عوامل تنامي الحالات
مدير إعلام صحة ديالى فارس العزاوي، أشار إلى "وجود 3 عوامل رئيسية في تنامي حالات الغرق على مستوى البلاد وديالى على وجه الخصوص وهي الإجهاد، ويمثل الطاقة المهدورة التي تقود الى ضعف التحكم بالحركات، يُضاف إليها سبب مهم وهو الشد العضلي، وتكمن خطورته في الذعر الذي يُصيب أي سبّاح وتقوده للغرق في أغلب الأحيان يرافقها الخوف والذعر من مواقف مفاجئة تحيط به تفقده السيطرة".
وبين، إن "مستوى الغرق في ديالى وبقية المحافظات مرتفع وربما بالفعل سيكون 2024 استثنائيًا في حالات الغرق قياساً بالسنوات الماضية".