خطوات حكومية لتحويل النفايات إلى كهرباء.. انفوبلس تفصّل المشروع الأول في العراق

انفوبلس/ تقرير
من المؤمل تنفيذ أول محطة لتوليد الكهرباء من النفايات في العراق خلال 6 أشهر المقبلة، بحسب ما أعلنت أمانة بغداد اليوم الأربعاء 12 فبراير/شباط (2025)، في خطوة من شأنها دعم جهود بغداد لخفض الانبعاثات والإسهام في حل أزمة الطاقة بالعاصمة، فما تفاصيل المشروع؟ وأين سيقع؟
يبدو أن قضية النفايات في العراق، خصوصاً مدينة بغداد، باتت واحدة من المشكلات التي يعانيها أهالي العاصمة، لا سيما أن ما تطرحه بغداد وحدها يعادل نصف ما يطرحه العراق بأجمعه، مما جعل مناطق بأكملها من بغداد مكبّاً لآلاف الأطنان من النفايات التي يتم طمرها بطرق غير نظامية تُسبب أضراراً بيئية وصحية.
*لأول مرة في العراق
أعلنت أمانة بغداد، اليوم الأربعاء 12 فبراير/شباط (2025)، إطلاق أول مشروع لتحويل النفايات إلى كهرباء في العراق خلال الـ6 أشهر المقبلة، مؤكدة أن المشروع سيحوّل كل 3 آلاف طن من النفايات إلى 45 ميغاواط/ساعة من الكهرباء.
وكشف مدير العلاقات والإعلام في أمانة بغداد، محمد الربيعي، في تصريحات اطّلعت عليها شبكة "انفوبلس"، أن "إدارة النفايات ومشروع حرق 3000 طن من النفايات أُحيلَت إلى شركة صينية، ووُقِّع عقد مع إحدى الشركات الكبرى المختصة في هذا المجال، التي ستُنشئ معملًا لحرق النفايات في منطقة النهروان".
ويُعدّ مشروع تحويل النفايات إلى كهرباء في العراق الأول من نوعه في البلاد، بحسب ما قاله مدير العلاقات والإعلام في أمانة بغداد، ويأتي ضمن خطط الحكومة للتحول نحو الطاقة النظيفة وتقليل الاعتماد على الوقود الأحفوري.
وقال الربيعي، إن "مشروع تحويل النفايات إلى كهرباء في العراق يتضمن تجهيز موقعين لهذا الغرض، الأول في النهروان والثاني في أبوغريب". مبينا، "ستُحرَق 3 آلاف طن من النفايات في كل موقع، وتُحوَّل إلى طاقة كهربائية بقدرة 45 ميغاواط في الساعة لكل منهما".
وبيّنَ الربيعي، إن "المشروع سيقوم على تحويل 3 آلاف طن من النفايات إلى كهرباء بقدرة 45 ميغاواط/ساعة، وستتولى هيئة استثمار بغداد متابعة تنفيذ العمل، بعد حصول المقاول أو الشركة على شهادة استثمار وإتمام التعاقد من قبل أمانة بغداد ووزارة الكهرباء وهيئة الاستثمار ووزارة البيئة تحت رعاية رئيس الوزراء، محمد شياع السوداني".
وشدد مدير العلاقات والإعلام في أمانة بغداد على، أن "الشركة المنفّذة لأول محطة لتوليد الكهرباء من النفايات في العراق تمتلك القدرة والإمكانات اللازمة لإتمام المشروع خلال الـ6 أشهر المقبلة، ليكون أول مشروع نوعه في البلاد، ومن ثم سيُعمَل على إحالة 6 آلاف طن أخرى من النفايات إلى شركة أخرى في موقع آخر".
وفي هذا السياق، أوضحت خولة محمد، إحدى ساكنات حي تونس، أنها تواجه مشكلة تراكم النفايات بسبب تأخر آليات أمانة بغداد والشركات الاستثمارية في رفعها، حيث يتم رفع النفايات كل خمسة أيام أو أسبوع، ما يسبب تراكمها على الأرصفة. وأضافت أن سكان المنطقة يضطرون لدفع 10 آلاف دينار شهرياً للشركات لرفع النفايات من أمام منازلهم، بسبب تأخر آليات الأمانة. كما شددت على أن تكدس النفايات يزيد من انتشار الأمراض عن طريق الحشرات، خاصة بالقرب من المدارس.
أما مصطفى محمد من منطقة الشعب، فقد أكد أن سبب تراكم النفايات يعود إلى عدم انتظام قدوم آليات الجهات المختصة لرفعها، ما دفع البعض إلى رمي النفايات في أماكن غير مخصصة لها. وأضاف، إن هناك مقاومة من بعض المواطنين لدفع الجباية، ما يزيد من تفاقم المشكلة. ندى علوان، من منطقة الأعظمية، أكدت أنها تعاني من تكدس النفايات في الشارع أمام منزلها، الذي يقع بالقرب من ثانوية كلية بغداد للبنين، مشيرة إلى أن الآليات المخصصة تأتي في أوقات غير منتظمة وتتأخر في معظم الأحيان. وطالبت بضرورة ايجاد حلول دائمة لهذه المشكلة.
وفي الخامس والعشرين من الشهر الماضي، خصصت أمانة بغداد 17 موقعاً لطمر النفايات بشكل مؤقت في مختلف مناطق العاصمة بغداد تنقل بعدها الى مواقع طمر نهائية في منطقتي النهروان والنباعي"، لافتة الى أن "الأمانة تعاقدت مع شركات محلية لنقل النفايات من مواقع الطمر في مختلف بلديات العاصمة الى مواقع الطمر النهائية".
*تحويل النفايات إلى طاقة نظيفة
يعتمد مشروع محطة تحويل النفايات إلى طاقة نظيفة في العراق على تقنية "الحرق التام"، ما يدعم خطط بغداد للتخلص من النفايات.
وكانت شبكة "انفوبلس"، قد حصلت في الخامس عشر من شهر كانون الثاني الماضي 2025، على التصاميم الأولية لمشروع إنشاء محطة لتحويل النفايات إلى طاقة نظيفة في منطقة النهروان جنوب بغداد، بقدرة 100 ميغاواط.
ووافق مجلس الوزراء العراقي الشهر الماضي، على قيام هيئة الاستثمار بمنح الاجازة الاستثمارية الخاصة بمشروع (معالجة النفايات وتوليد الطاقة الكهربائية) بمنطقة النهروان في محافظة بغداد.
وتعتمد المحطة على تقنية الحرق التام الشبكي عالي الكفاءة، بكفاءة لا تقل عن 30%، وبنسبة طمر لا تزيد على 5%، وبطاقة إنتاج من (90-100) ميغاواط، بالاعتماد على المحتوى الحراري للنفايات البلدية الصلبة، وبعمر تنفيذي يمتد لعامين، لصالح إحدى الشركات الصينية المتخصصة (شركة "شنغهاي" الصينية، بكلفة 497 مليون دولار)
وتستهدف أول محطة لتوليد الكهرباء من النفايات في العراق حرق 3 آلاف طن يوميًا من المخلّفات البلدية، وتحويلها الى طاقة كهربائية تصل للأكثر من 90 ميغاواط.
وكشف مدير بيئة بغداد، صادق حاتم عبود، في تصريحات سابقة، أن التقنية المستعملة في أول محطة لتوليد الكهرباء من النفايات في العراق، تعتمد على إجراء عملية حرق المخلّفات المتولدة في مدينة بغداد يوميًا، واستثمار الحرارة من جراء عملية الحرق لتسخين المياه في المراحل البخارية، وتوليد البخار الذي يقوم بدوره بتوجيه وتدوير التوربينات الخاصة بإنتاج الكهرباء.
وشدد على أنه تجري السيطرة على الانبعاثات الناتجة عن عملية الحرق من خلال توفير وسائل السيطرة المناسبة على الانبعاثات، لضمان مطابقتها للمحددات والمعايير الوطنية المعتمدة في هذا المجال.
وأشار إلى أن المحطة ستسهم في التخلص الآمن من النفايات وتوفير التكاليف المالية المصروفة على إدارة مواقع تجميع وطمر النفايات وعدم استعمال مساحات إضافية من الأراضي لهذا الغرض من جهة، وإنتاج الكهرباء وتقليل الانبعاثات الضارة من خلال السيطرة عليها باستعمال التقنيات المناسبة من جهة ثانية.
ويبدو أن العراق بات يبحث عن حلول عملية لتوفير الطاقة الكهربائية، بعدما تعذر توفيرها بصورة مستمرة من خلال الطرق التقليدية المتبعة عبر إنتاجها عبر محطات الكهرباء المعتمدة على الغاز الحر، الذي يعاني العراق عجزاً كبيراً في توفيره مما يضطره إلى استيراده من إيران بمبالغ كبيرة.
ويشير المتخصص في شؤون الطاقة كوفند شيرواني إلى أن النفايات التي ستعالج لإنتاج الطاقة الكهربائية على رغم قلتها فإنها أحد الحلول للقضاء على أزمة الكهرباء والنفايات في الوقت نفسه.
وقال شيرواني "يعاني العراق أزمة حادة بالطاقة الكهربائية، إذ يصل إنتاج العراق إلى 27 ألف ميغاواط في وقت يحتاج فيه إلى 45 ألف ميغاواط، مما يعني أن هناك نقصاً في إنتاج الطاقة الكهربائية بمقدار 18 ألف ميغاواط، وهذه نسبة كبيرة لم تتمكن وزارة الكهرباء من معالجتها".
وأضاف، إن أحد الحلول المتاحة لدى وزارة الكهرباء هو التوجه نحو الطاقة النظيفة، وكان هناك عقد مع شركة "توتال إنيرجي" الفرنسية وضمن عقد كبير في استثمار الغاز لإنتاج محطة كبيرة للطاقة الشمسية بطاقة 1000 ميغاواط في محافظة البصرة، ونحن في حاجة إلى أربعة أو خمسة مشاريع كبرى تتوزع في مناطق العراق لتغطية العجز في الطاقة الكهربائية.
ومن الوسائل الأخرى المتاحة لإنتاج الطاقة الكهربائية الاستفادة من النفايات من خلال حرق جزء منها في إنتاج الطاقة الكهربائية، وهذا ما بدأت تفكر فيه وزارة الكهرباء من خلال التعاقد مع إحدى الشركات الأجنبية لحرق جزء من النفايات بحسب شيرواني، الذي بيَّن أن الطاقة المنتجة غير كبيرة إلا أنه من الجيد الاستفادة من النفايات غير الجيدة في توليد الكهرباء.
*9 آلاف طن يومياً في بغداد
صرّح رئيس المركز الاستراتيجي لحقوق الانسان في العراق فاضل الغراوي مؤخراً، أن المواطن يساهم في أكثر من 2 كيلو غرام يوميا من النفايات لتصل نسبة النفايات اليومية الى 23 مليون طن يوميا مسببة تلوثا كبيرا في الهواء.
وقال الغراوي في بيان اطلعت عليه "شبكة "انفوبلس"، إن العراق والبحرين حلا في المركزين الثاني والرابع على التوالي في قائمة أعلى دول العالم تلوثا لعام 2023 وفقاً لدراسة أعدتها شركة IQ Air السويسرية المعنية بقضايا تنقية الهواء. وسجلت تشاد، تلوثا بنسبة 89.7 ميكروغرام في المتر المكعب وهي أعلى نسبة تلوث في العالم، وأكثر بـ17 مرة من توصيات نقاوة الهواء القياسية التي حددتها منظمة الصحة العالمية بـ2.5 جزيء في المتر المكعب.
وأضاف، إن العراق حلّ ثانيا بـ80.1 ميكروغرام، وباكستان ثالثة بـ70.9 ميكروغرام، والبحرين بـ66.6 ميكروغرام، وبنغلاديش بـ65.8 ميكروغرام.
وتظهر الدراسة ارتفاع معدلات التلوث في العراق بنحو الضعف خلال عام واحد، من 49.7 في عام 2021_2022 وفي عام 2020 _ 2021 كان العراق عاشرا في قائمة أعلى الدول تلوثا بـ39.6 ميكروغرام.
وبحسب تقرير الشركة، بلغ معدل تركيز الجزيئات الملوثة 43.8 ميكروغرام لكل متر مربع بالنسبة للعراق. فيما بلغ معدل تركيز الجزيئات الملوثة في الإمارات 43 ميكروغرام لكل متر مربع. ووفقا للتقرير، تفتخر أيسلندا بأن لديها أنظف هواء في العالم، من بين 100 دولة تم إدراجها بالجدول حيث يبلغ تركيز PM2.5 3.4 ميكروجرام لكل متر مكعب.
وأضاف الغراوي، إن أسباب تلوث الهواء في العراق عديدة اهمها كمية النفايات اليومية البالغة أكثر من 23 مليون طن يوميا وإلى انتشار محارق النفايات قرب المدن وعدم وجود الطمر الصحي البيئي وعمليات استخراج النفط وحرق الغاز، بالإضافة إلى انتشار المعامل وسط وقرب المدن مثل معامل الطابوق والاسمنت ومحارق المستشفيات.
وبحسب التقارير التي صدرت في العام 2023 فإن العراق ينتج أكثر من 20 مليون طن يومياً من النفايات، فيما تفرز أمانة بغداد لوحدها 9 آلاف طن يومياً، وتعد هذه الكميات ثروة هائلة تنتظر الاستثمار من خلال إعادة تدويرها لإنتاج مواد جديدة قابلة للاستعمال، وفي الوقت نفسه المحافظة على البيئة وتوفير فرص عمل للعاطلين.
وتتمثل المواد القابلة للتدوير في المعادن، مثل الحديد والألمنيوم والفولاذ والبلاستيك والزجاج والورق والكرتون المقوى وإطارات السيارات والمواد النسيجية، ويمكن أيضاً إعادة تدوير مياه الصرف الصحي.
كما أن المواد الإلكترونية قابلة لعملية التدوير، وبحسب الأمم المتحدة، فقد تم إلقاء 41 مليون طن من النفايات الإلكترونية عام 2014 في مكبات القمامة، وتم تدوير نحو سدس النفايات الإلكترونية بشكل صحيح عام 2014.
وبدأت الدول تلجأ إلى تدوير النفايات في ظل التطور الصناعي والتكنولوجي المتلاحق، لكن في العراق لا يزال الاعتماد على الطرق التقليدية للتخلص منها فقط دون الاستفادة منها.
وتغطي النفايات مساحات كبيرة في مختلف المحافظات العراقية مما يجعلها عرضة للحرق من قبل المواطنين للتخلّص منها ومن الروائح الكريهة المنبعثة منها، الأمر الذي يتسبّب في تصاعد الأبخرة السامة في تلك المناطق، وبالتالي في اختناقات بين السكان.
رغم أن العراق يُعد أكثر البلدان تعرضاً لخطر التلوث البيئي بسبب المخلفات الناتجة عن الحروب والنفايات المنتشرة في مراكز المدن والأقضية والنواحي وحتى في القرى والمناطق الريفية.