انهيار تربوي في ذي قار.. 90% من المديرين طالبوا بإعفاءات جماعية ورئاسة البرلمان تتدخل

انفوبلس/ تقارير
استقالات بالجملة، وشكاوى واحتجاجات ضد قائد الشرطة، العملية التربوية في ذي قار على شفا الانهيار، 90% من مديري المدارس طالبوا بإعفاءات جماعية، والتوتر الأمني بلغ أوجها، البرلمان يتدخل بقرارات وتوصيات عاجلة، فماذا حدث؟ انفوبلس وتقرير جديد عن آخر مستجدات تظاهرات التربويين في ذي قار.
شرارة البداية
شهدت محافظة ذي قار منذ أمس الأول الثلاثاء توتراً أمنياً خلال تظاهرة نظمها عدد من الكوادر التربوية أمام مبنى مديرية التربية، احتجاجاً على ما وصفوه بـ "تهميش حقوقهم وسوء الإدارة" وسرعان ما تحولت التظاهرة إلى مشهد من العنف بعد أن تدخلت قوات مكافحة الشغب لتفريق المحتجين ما أسفر عن وقوع إصابات واعتقالات في صفوف المشاركين.
وأفاد مصدر بأن القوات الأمنية واجهت المتظاهرين بالعصي والغاز المسيل للدموع حال اقترابهم من مبنى المديرية، مما تسبب بإصابة 27 تربوياً بكدمات وجروح متفاوتة، فيما تم اعتقال نحو 35 آخرين واقتيادهم إلى مراكز احتجاز قريبة ومن ثم تم الافراج عنهم.
ووصف في حينها اتحاد الأدباء والكتاب في ذي قار ما جرى بـ"الاعتداء السافر والبربري"، مؤكداً في بيان له أن ما حدث يمثّل "انتكاسة كبيرة، في القيم الديمقراطية، وجرح كبير ومؤلم في قلب العراق ووصمة سوداء في جبين الحكومة".
وطالب الاتحاد وفق البيان، الحكومتين المركزية والمحلية ومجلس النواب ومجلس المحافظة بـ"التدخل السريع والعاجل لمحاسبة المعتدين وردّ الاعتبار لهذه الفئة العظيمة".
أما رئيس لجنة التربية والتعليم في مجلس المحافظة، أحمد فرحان، أكد في تصريح سابق رفض المساس بالكوادر التربوية، قائلاً: "من حق التربويين التعبير عن مطالبهم، هذا الحق مكفول دستورياً، ولا يجوز التضييق عليهم بأي شكل من الأشكال".
وقد أدانت نقابة المعلمين في ذي قار ما وصفته بـ"الاستخدام المفرط للقوة"، مطالبة بفتح تحقيق عاجل ومحاسبة المسؤولين عن هذا التصرف "غير المبرر".
استقالات جماعية
منذ بدء تظاهرات وإضراب التربويين الأحد الماضي، تشهد محافظة ذي قار تصاعداً حاداً في التوتر داخل القطاع التربوي بعد موجة من الاستقالات الجماعية والاحتجاجات، أعقبت حادثة اعتداء وُصفت بأنها "تمس كرامة الكوادر التعليمية والإدارية".
عشرات الطلبات، بعضها تم الإعلان عنه عبر مواقع التواصل الاجتماعي وأخرى وصلت رسمياً إلى مجلس المحافظة، يطلب فيها مديرو ومعاونو المدارس إعفاءهم من مناصبهم احتجاجاً على ما وصفوه بـ"الانتهاك لحقوقهم وكرامتهم".
البداية جاءت من قضاء الفهود، حيث أكد حيدر طعمة مدير قسم التربية في القضاء، أنه "تقدم بطلب رسمي لإعفائه من منصبه"، مشيراً إلى أن "نحو 90% من مدراء المدارس في القضاء، وعددها 75 مدرسة بادروا أيضاً بطلبات إعفاء جماعية".
احتجاجات ضد قائد الشرطة وشكاوى
وفي تطور جديد للأزمة المتصاعدة داخل القطاع التربوي في محافظة ذي قار، نظم قرابة 300 مدير ومديرة مدرسة وقفة احتجاجية أمام مبنى نقابة المعلمين وسط المحافظة اليوم الخميس للمطالبة بإقالة قائد شرطة ذي قار وتعديل سلّم الرواتب بما يضمن العدالة والكرامة للكادر التربوي.
وقال علي الحمداني، مدير أحد المدارس، "هناك تقديم طلب إعفاء جماعي على خلفية هذه الاعتداءات أمام مديرية التربية التي شهدت إصابة واعتقال العشرات من المعلمين والمعلمات".
وفي سياق متصل، ذكر رئيس مجلس محافظة ذي قار، عزت الناشي، أنه استلم عدداً من الطلبات من مديري ومعاوني مدارس تقع في جنوب وشرق الناصرية، لاسيما في أقضية "الجبايش" و"الفهود" و"كرمة بني سعيد"، جميعها تتضمن طلبات بالإعفاء من المناصب، لافتاً إلى أنهم "في مجلس المحافظة نستنكر بشدة الاعتداء الذي تسبب في هذا التصعيد، لكن البتّ في هذه الطلبات يبقى من صلاحية مديرية التربية، وهي من تقرر القبول أو الرفض".
القضية لم تتوقف عند التربويين، بل طالت أيضاً أعضاء مجلس المحافظة، إذ أعلن عضو مجلس محافظة ذي قار سلام جبار الفياض ونائب رئيس لجنة التربية فيه، عن تقدّمه بشكوى رسمية ضد قائد شرطة المحافظة اللواء نجاح العابدي، بسبب تعرضه للاعتقال والاعتداء من قبل القوات الأمنية أثناء حضوره إلى التظاهرة لأداء دوره الرقابي، مبيناً أن اعتقاله "كان من دون صدور مذكرة قبض".
وأضاف الفياض أن "هذا التصرف غير مبرر، ويخالف القوانين النافذة"، مشيراً إلى أنه "الآن بصدد عرض القضية على مجلس النواب، الذي يأمل أن يتخذ موقفاً واضحاً بشأن الاعتداءات، سواء التي طالت الكوادر التربوية أو ممثلي الشعب أنفسهم، أما استقالات المديرين فهي برأيي رد فعل طبيعي ناتج على ما حصل"، بحسب تعبيره.
وأوضح أن "هذه الخطوة جاءت كرد فعل تربوي على ما تعرضت له كوادرنا من إساءة واعتداء".
انهيار تربوي
إلى ذلك، أفاد مصدر مطلع في ذي قار، اليوم الخميس، بحدوث "انهيار في العملية التربوية" بالمحافظة، عقب تقديم أكثر من 500 مدير مدرسة استقالاتهم من مناصبهم.
وأوضح المصدر، أن الخطوة جاءت احتجاجاً على "إهانة زملائهم من قبل الأجهزة الأمنية"، وعدم اتخاذ إجراءات بحق "المسيئين" من عناصر تلك الأجهزة خلال التظاهرات الأخيرة، التي شهدتها المحافظة للمطالبة بتحسين رواتب الكوادر التربوية.
وأضاف المصدر، أن "مديرين آخرين أبدوا عدم رغبتهم بتولي المناصب التربوية بدلاً عن المستقيلين"، ما ينذر بأزمة تربوية حادة في المحافظة.
تواقيع نيابية لإقالة قائد الشرطة
بالمقابل، قدّم عدد من أعضاء مجلس النواب، اليوم الخميس، طلباً إلى رئاسة المجلس، لإدراج توصية "عاجلة" ضمن جلسة مجلس النواب لهذا اليوم، لإقالة قائد شرطة محافظة ذي قار.
وجاء في نصّ الطلب الذي تلقت "انفوبلس" نسخة منه، إنه "نظراً لما صدر من تجاوزات صريحة من قبل قائد شرطة ذي قار تجاه الهيئات التعليمية والتربوية في المحافظة تمثلت بالإساءة الواضحة للمؤسسة التربوية وخرقاً لحرمة المعلم وهيبته، نرجو إدراج توصية عاجلة ضمن جدول أعمال جلسة اليوم تتضمن المطالبة بإقالة قائد شرطة المحافظة نتيجة تجاوزه على المعلمين والتربويين".
ووقع الطلب المقدم إلى رئاسة البرلمان، 54 نائباً، وصدر عن مكتب النائب فلاح الهلالي.
قرارات البرلمان
في النهاية، دعا النائب الأول لرئيس مجلس النواب محسن المندلاوي، اليوم الخميس، البرلمان لتبني مقترحات تنصف التربويين وتدعم العملية التعليمية.
وذكر المكتب الإعلامي للنائب الأول لرئيس مجلس النواب في بيان ورد لشبكة انفوبلس، أن" النائب الأول لرئيس مجلس النواب محسن المندلاوي ترأس الجلسة الخاصة لمناقشة مطالب التربويين خلال جلسة اليوم سبقتها مبادرة من مجموعة من أعضائه لتقديم مقترح تعديل قانون حماية المعلمين والمدرسين والمشرفين والمرشدين رقم (8) لسنة 2018 رافقها تشكيل لجنة استشارية للمساهمة في أعداد مقترح القانون بموجب الأمر بالأمر الديواني رقم (200) في 14/1/2025".
وأكد المندلاوي بحسب البيان، على أهم فقرات مقترح القانون المذكور، والذي تم إحالته الى لجنتي التربية والقانونية بتاريخ 2/2/2025، تتمثل بتشكيل لجنة عليا للإسكان التربوي مع لجان فرعية في المحافظات، تتولى المباشرة بتخصيص وتمليك قطع أراضي سكنية للتربويين".
وأضاف، أن" هذا يمثل انتقال من النصوص التشريعية إلى واقع عملي ملموس، بعد عجز النصوص التشريعية السابقة، ويعد أقل واجب تقدمه السلطة التشريعية تجاه مربي الأجيال (الأسرة التربوية)".
وتابع، "نجزم بأنَّ رعاية الأسرة التربوية الابوية لأبنائنا الطلبة ستكون حاضرة في هذه الأيام التي تشهد نهاية العام الدراسي، بالرغم من أحقية مطالبهم".
ودعا المندلاوي، "لجان المجلس وأعضائه الى أولوية تبني كل مقترحات القوانين التي تنصف التربويين وتخدم العملية التربوية".
وطالب "الحكومة الاتحادية الى الإسراع بالبت في التشريعات ذات الالتزامات المالية للمضي بالإجراءات التشريعية".