سدَّت 40% من حاجة العراق للبيض وإنتاج "لافت" من الذرة الصفراء.. زراعة كربلاء تسجل نجاحات "كبرى" وهذه معطياتها في عام 2023
انفوبلس/ تقرير
لا تزال محافظة كربلاء المقدسة، تحقق إنجازات "باهرة" في مجال الزراعة والثروة الحيوانية، حيث حققت إنتاجاً بلغ (770) مليون بيضة غطّى احتياج المحافظة، وسد حوالي 40% من حاجة العراق الفعلية، ويسلط تقرير شبكة "انفوبلس"، الضوء على ما تحقق في العام الماضي 2023 في المحافظة.
العام الماضي 2023 يعتبر عام ازدهار اقتصادي في مجال الثروة الحيوانية بمحافظة كربلاء
اعتبرت مديرية زراعة محافظة كربلاء المقدسة أن العام الماضي (2023) يعتبر عام ازدهار اقتصادي في مجال الثروة الحيوانية، مشيرة الى أنها حققت إنتاجاً بلغ (770) مليون بيضة غطى احتياج المحافظة، وسد حوالي (40) بالمئة من حاجة العراق الفعلية.
محافظة كربلاء المقدسة حققت الاكتفاء الذاتي من إنتاج بيض المائدة، وأصبح يغطي تقريبا (30 ــ 40) بالمئة من حاجة العراق الفعلية.
*عام مزدهر
وتقول رئيس قسم خدمات الثروة الحيوانية في المديرية الدكتورة عامرة عامر الحافظ، إن "العام الماضي (2023) يعتبر عام ازدهار اقتصادي بالنسبة لمشاريع الثروة الحيوانية، ولو تتبعنا مشاريع الدواجن فسنجدها حققت طفرة نوعية خلال العامين الماضيين، وخاصة في مشاريع الشعبة الصحراوية التي تضم أربعة مشاريع عملاقة من بين عشرة مشاريع لإنتاج بيض المائدة، وهي؛ مشروع صحارى لإنتاج الدجاج من أمهات بيض المائدة ويحتوي على مفقس خاص، ومشروع سما كربلاء لتسمين فروج اللحم، ومشروع سما الريف لتربية الاجداد ويحتوي على مجزرة خاصة وهو المشروع الذي يُعد الوحيد في العراق في الوقت الحالي، ومشروع بوادي لتربية أمهات فروج اللحم ووصلت نسبة إنجازه بين (45 ــ 65) بالمئة من المخطط له، وأنتجت خلال العام (2021) مائة وخمسة ملايين بيضة، وفي (2022) حصلت طفرة عبر إنتاج (240) مليون بيضة مائدة، وجاءت الطفرة النوعية الأبرز في العام الماضي بزيادة بلغت (30) بالمئة عن المتحقق في العام الذي سبقه، حيث سجل إنتاج (770) مليون بيضة مائدة، بالرغم من عدم دخول كل الحقول في إحصائيات الإنتاج وتعتبر محافظة كربلاء المقدسة قد حققت الاكتفاء الذاتي من إنتاج بيض المائدة، وأصبح يغطي تقريبا (30 ــ 40) بالمئة من حاجة العراق الفعلية".
وبحسب وزارة الزراعة، فإن العراق يحتاج سنويا الى 4 مليار بيضة لتغطية الاستهلاك المحلي، وإنتاج العراق حاليا يتجاوز المليارين بيضة سنوياً.
*مشاريع الدواجن
وتضيف، إن" كربلاء المقدسة تتوفر بها حوالي (200) مشروع من الدجاج اللحم، وبسبب حركة العرض والطلب في السوق وعوامل أخرى نستطيع القول إن (50 ــ 60) مشروع عامل وفاعل شهريا في كربلاء المقدسة لأن الحقول تحتاج الى عمليات تنظيف وتعقيم بشكل كامل تحتاج الى أكثر من شهر لإنجازها لذلك يتم تربية (3 ــ 4) وجبات سنويا في الحقول من فروج اللحم، وتتوفر لدينا تقريبا (12) مليونا و(500) الف دجاجة تسمين لاحمة، وسوّقت خلال العام الماضي (19) ألف و(700) طن الى الأسواق المحلية، وهذه النسبة لا تعتبر نهائية كون شركة التسمين سما كربلاء لم تحصل على إجازة ممارسة المهنة حسب ضوابط الوزارة، لذلك لا نسجل كامل الأعداد المُنتَجة، وستزداد الأعداد بإكمال عملية الحصول على الإجازة، خصوصا وأن المجزرة الخاصة بالمشروع المستوردة من مناشئ عالمية وتعمل بتقنية حديثة ومكونة من ثلاث خطوط انتاجية طاقة الخط الواحد (34) ألف دجاجة وتنتج (16 ــ 19) ألف دجاجة بالساعة، وأُدخلت حيز العمل وتجزر بحدود (80 ــ 90) بالمئة من المنتج، وخُصص خط لإنتاج الأطعمة المتنوعة المقطعة التي تُصنع من الدجاج وتُقدَّم في المطاعم بنكهات عالمية من الكنتاكي".
*تربية العجول والأبقار
أما بشأن مشاريع تربية العجول والأبقار فتُبين الحافظ، إنها "شبه معدومة وقليلة لأن تربية الأبقار والجاموس تعتبر مشاريع فردية، ولدى مديرية زراعة كربلاء المقدسة أربعة مشاريع تضم (90) بقرة، لأن مشاريع تربية العجول لم تتلقَّ الدعم الحكومي الكافي، كون وزارة الزراعة تعتبر الآن بحثية إرشادية وليست إنتاجية، والدعم هو ما يحتاجه المربّي والفلاح ونستطيع القول إنه الآن شبه مفقود، فما قُدِّم في العام الماضي لهم كانت مادة الذرة الصفراء، بينما يحتاج المربّي الى الشعير والنخالة، وبعد أن أصبحت تربية العجول غير مجدية ماديا، صارت الأيدي العاملة في هذا المجال شحيحة كونها تحولت الى البحث عن الوظائف او المهن في المدن، وطالبت المديرية بتوفير معامل لإنتاج الألبان ومشتقاتها، وهناك منظمات قدمت الدعم لمربي الجاموس مثل منظمتي (WFP) و(الفاو ) التي استمرت لمدة عام ونصف وكانت من أنجح التجارب، وأدخلت مادة (المولاس) الناتجة من التكرير الثانوي في عملية صناعة السكر وساعدت المربّين الذين اختارتهم الوزارة للتجربة والدراسة وعددهم يصل الى (70) مربّي من كل شعبة، واستفاد منها بحدود (700) مربي، كما جهزوا بالحلابات وأجهزة البسترة، وأشركنا ملاكاتنا في دورات بمحافظتي نينوى وأربيل لوجود التجربة هناك، وانتقلت الآن الى محافظات ذي قار والبصرة وميسان، وكانت تجربة ناجحة أسهمت في زيادة كميات الحليب ودسوميّته ونسبة القيمر المستخرج منه، وارتفعت المناعة لدى الحيوانات وقلت الأمراض".
خطط عام 2024
وعن خطط العام الجاري تؤكد، إن" المديرية تعمل على إكمال معاملة لتصديق البذور والتجهيزات الزراعية وبالتعاون مع شركة ما بين النهرين لتجهيز جميع مربّي الثروة الحيوانية بما فيها الأسماك والمجترات والخيول والدواجن البياض والامهات والاجداد، بمادة الذرة الصفراء وبسعر مدعوم مقداره (435) ألفاً للطن الواحد، وهناك عشرة مشاريع حقول نأمل دخولها في العام الجاري لنتجاوز الاكتفاء الذاتي في جميع المنتجات بمحافظة كربلاء بعد أن حققنا منذ عامين الاكتفاء الذاتي في الدجاج البيّاض وفروج اللحم".
*محصول الذرة الصفراء
وأكدت مديرية زراعة كربلاء مؤخراً، انتهاء موسم جني وتسويق محصول الذرة الصفراء، فيما أشارت الى تسويق (1198 طناً) من المحصول الى معمل الذرة الصفراء. ويقول مدير زراعة كربلاء المقدسة محمد الطيار، إن "العام الماضي، شهد تقديم خدمات عديدة لمزارعي الذرة الصفراء باتت ملامحها واضحة خلال عمليه الحصاد الكاملةً للمساحة المزروعة للمحصول والبالغة (4220 دونما)"، موضحاً "ما أثمره هذا الحصاد من خلال تسويق (1198 طنا) من الذرة الصفراء الى معمل الذرة الصفراء".
ويضيف، إن "الخطة الزراعية التي نُفذت العام الماضي بالاعتماد على الآبار وتقنيات الرَّي الحديثة بلغت (4220 دونما) وهي نسبة كبيرة مقارنة بالعام الماضي الذي اقتصر على زراعة (920 دونما) فقط".
واستطاعت محافظة كربلاء المقدسة من خلال المبادرة الزراعية وعدد من الشركات الاستثمارية من إقامة عدد من مشاريع بيض المائدة وفروج اللحم عن طريق التربية بنظام الأقفاص أن تُحقق نجاحا كبيرا ساهمت بسد جزء كبير من حاجة السوق المحلية من بيض المائدة ولحوم الدواجن.
*كربلاء.. تاريخ عريق في الزراعة والرّي
تذكر المصادر التأريخية أن مدينة كربلاء المقدسة كانت ومنذ زمن موغل في القِدَم، من بين أغنى مناطق العراق الزراعية نظراً لامتداد قراها الزراعية الغنية على طول ضفتيّ نهر الفرات القديم منذ نجاح سكانها الأوائل في استغلال مياهه الوفيرة لأغراض السقي المستدام.
كما أشارت المصادر نفسها الى أن الزراعة في كربلاء المسماة حينها بـ "مدينة النهرين" كانت تتفوق على الزراعة في نظيراتها المحيطة بالعاصمة "بابل" إبان حكم "حمورابي"، نظراً لكون الأنهار الرئيسية المارّة بهذه المدينة هي أكثر من أنهار العاصمة نفسها، فضلاً عن كثرة تشعبات هذه الأنهار ووفرة مياهها، مما جعل منها مصدراً لتموين العاصمة وغيرها من مدن البلاد، بأنواع الحبوب والخضروات والفواكه.
ومن بين معالم الازدهار الزراعي في كربلاء، أن فلاحيها كانوا يعملون في أراضيهم الزراعية وفق تقاليد وأساليب ألفوها وتوارثوها من عهود سابقة في مجالات حرث الأرض، وإنماء البذور، والطرق المختلفة لحصد المزروعات وجني الثمار ومن ثم تسويقها، حيث استخدموا في ذلك أدوات محلية الصنع، بالإضافة الى استعانتهم بحيوانات الحقول كالبقر في مراحل الزراعة المتتالية كالحراثة والإرواء، فيما كانت الحمير وسيلتهم الأساسية للنقل والدياسة، بالإضافة الى تربيتهم للدجاج ابتغاءً لفوائده المختلفة.
وكان للنساء في تلك الفترات دورهنّ البارز في مشاركة الرجال بكثير من الأعمال الزراعية إضافةً الى أعمالهن البيتية كالطبخ وتربية الاطفال والعناية بالحيوانات وحياكة الألبسة وخياطتها، فضلاً عن مهارتهنّ الملحوظة في صناعة بعض أدوات الزراعة والمتطلبات الأساسية للمسكن كالأثاث وغيره.
ومما أوردته صفحات التأريخ في وصف أرض بابل القديمة عموماً ومدينة كربلاء على وجه الخصوص، أنها كانت جنة الساميين وبهجة بلاد آسيا القديمة نظراً لخصوبة أرضها ووفرة مياهها التي كان من دلائلها وجود ثلاثة أنهار كبيرة فيها خلال العصور التي سبقت الاحتلال الساساني للعراق، وهي كل من نهر فيشون "فرات كربلاء"، ونهر جيحون "كتف سابور"، ونهر حدقال "نهر الملك" واللاتي جعلن هذه المنطقة خضراء زراعية الى درجة أن أولى الهجرات الامورية والأكدية والعبرية والآرامية وثم الهجرات العربية القادمة من بلاد الشام والجزيرة العربية عبر منطقة عين التمر، قد استوطنت على ضفاف هذه الأنهار الغنية.
كان العراق تاريخيًا موطنًا للمجتمعات القائمة على الزراعة بسبب تربته الخصبة الأسطورية. وعلى الرغم من هيمنة النفط على الاقتصاد العراقي في العصر الحديث، بقيت الزراعة تشكل ما يقرب من خُمس الناتج المحلي الإجمالي حتى العام 1995. لكن عقودًا من الحرب والعقوبات وسوء الإدارة الحكومية وتغير المناخ وزيادة ندرة المياه أهلكت الإنتاج الزراعي. واليوم، بات القطاع يمثل 5 بالمئة فقط من الناتج المحلي الإجمالي للبلاد.
وعلى الرغم من النكسات المتتالية، لا تزال الزراعة ثاني أكبر قطاع في الاقتصاد بعد صناعة النفط وتوظف ما يقرب من 20 بالمئة من القوى العاملة الوطنية. وعلى هذه الخلفية، ظهرت في السنوات الأخيرة بوادر تبعث على الأمل بالتعافي بين المزارعين، وتجلّت هذه النهضة في مدينة كربلاء الجنوبية فخلقت فرص عمل تشتد الحاجة إليها وأَحيَت نمط الحياة القديم.
ووفقًا للبنك الدولي، يمكن أن يؤدي تعافي الصناعة الزراعية في العراق إلى إنشاء ما يقرب من 24 ألف مؤسسة صغيرة وخلق 120 ألف فرصة عمل جديدة بحلول العام 2030. لكن دون هذه الأحلام الكبيرة تحديات تعترض تحقيقها. ومع ذلك، بالنسبة للسكان الذين دمرتهم عقود من الحرب وعدم الاستقرار، فإن تعافي القطاع الزراعي يوفر بصيص أمل يعد بمستقبل أفضل.