سياسة جديدة للإنترنت في العراق.. هل سيكون المواطن "مُجبراً" على خدمة شركة محددة وما قصة المناطق الخمس؟
انفوبلس/ تقرير
يُثار في العراق خلال الآونة الأخيرة، الجدل حول السياسة الجديدة التي ستتبعها وزارة الاتصالات في التقسيم الجغرافي للبلاد لتقديم خدمة (الواي فاي) وحصرها بشركات وتأثيرها على اقتصاد العراق الإلكتروني، في وقت أكد فيه خبراء ومختصون، أنها تعزز الاحتكار ومخالفة للقانون.
وأقرّت هيئة الرأي في وزارة الاتصالات بجلستها الـ 131 التي عُقدت مؤخراً سياسة جديدة لتقديم خدمة الإنترنت عبر (الواي فاي) تتمثل بتقسيم المساحة الجغرافية للبلاد إلى مناطق محددة ويتم تقديم الخدمة في كل منها من قبل شركة أو اتحاد من الشركات الفائزة بالمواصفات التي سيتم الإعلان عنها قريباً.
وعزَت وزارة الاتصالات، قرار تقسيم العراق لخمس مناطق جغرافية لكسر الاحتكار وتحسين الخدمة، قائلةً في بيان، "ماضون باتجاه كسر احتكار سوق الإنترنت الذي تسيطر عليه شركة واحدة بنسبة تزيد على 80 % من السوق".
وفي هذا الشأن، يقول الخبير المالي والمصرفي مصطفى حنتوش، إن وزارة الاتصالات كان لديها في البرنامج الحكومي وعود كثيرة منها إقامة الشركة الوطنية للهاتف النقال وإكمال المشاريع الحكومية كالكابل الضوئي والوطني، لكن حالياً هذه المشاريع أُلغيت منها لأنها ذهبت الى اتجاهات أخرى، علما أن المشروع الخاص بشبكة الاتصالات الوطنية لا يوجد له تخصيص في الموازنة العامة وهذا يعني توقفه خلال السنوات الثلاث القادمة".
ويضيف، "إنها ذهبت للتعاقد مع إيلون ماسك بشأن الإنترنت الفضائي حيث إن هذا الإنترنت يُبث عبر الأقمار الصناعية الى بوابات النفاذ ثم يرجع عبر الأقمار الصناعية والى أشخاص وبيوت وبالتالي لا يوجد أحد يعمل أو يوزع، فقط مليار دولار ونصف تذهب لإيلون ماسك وهذا ضد الأعمال والاقتصاد ونحن بحاجة إلى عمل".
*سياسة وزارة الاتصالات الجديدة بشأن الإنترنت
ويتابع، إن "سياسة وزارة الاتصالات التي تريد بها تقسيم المساحة الجغرافية للبلاد إلى 5 مناطق فإنها مخالفة لقانون الشركات رقم 21 لسنة 1997 والمعدل بسنة 2014 والذي يتيح للشركات العمل في جميع أنحاء العراق بدون تمييز باستثناء إقليم كردستان".
ولفت الى أن هذه الخطوة تؤدي بالنهاية إلى خدمة سيئة جداً لأسباب عديدة، منها إلغاء المنافسة بين الشركات من خلال تقسيم العراق إلى مناطق ومنح رخصة كل منطقة بشكل حصري لشركة واحدة، كذلك عملية جبر للمواطن". كما يردف الخبير، إن "الشركة التي تعمل بدون منافسة لن تشعر بالضغط لتحسين الخدمة كونها الوحيدة المسيطرة في تلك المنطقة ولن تعير أي انتباه إلى جودة الخدمة".
ويكشف الخبير، إن "هناك 34 شركة ممنوحة لها إجازة استثمارية من قبل وزارة الاتصالات"، متسائلا، "لماذا يتم حصر الأمر بـ 5 شركات ولدينا 34 شركة؟.. أعتقد أن هذه العملية مُحاباة لشركات معينة على حساب المواطن".
ويلفت الى أنه "كان يتأمل بإكمال مشاريع عديدة منها الكيبل الضوئي والوطني ليصبح للعراق شركة موحدة ذات جودة عالية، كذلك أمن سيبراني وتجارة إلكترونية حقيقة، لكن حصل العكس بعد وزارة الاتصالات بالابتعاد عن هذه المشاريع"، مبينا أن "العراق مقبل على عدة استحقاقات وأهمها ميناء الفاو والذي يحتاج شركة رصينة لإدارة التجارة العالمية بين العراق والدول الأخرى وأسعار البورصة، وهنا تكمن المشكلة على اعتبار أن الدولة العراقية ماضية بالميناء".
وتساءل حنتوش، "لماذا يتم إيقاف مشاريع الإنترنت الحكومية والتعاقد مع شركات أخرى على حساب شركات الاتصالات"، موضحاً أن "محاربة قطاع الإنترنت من وزارة الاتصالات في الوضع الحالي لا يصب بالجنبة الاقتصادية".
كما يبين أن "هناك تخبطاً كبيراً في إدارة وزارة الاتصالات والوضع الحالي عملية تدمير للعمل"، منتقداً عقد شركات الهاتف النقال بالقول، "نصف مليار دولار إيجار معدات الدولة العراقية لـ 3 شركات وفي السنة الواحدة تحقق هذه الشركات من 10 الى 12 مليار دولار!".
بدوره، يقول خبير الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات في جامعة النهرين عمار العيثاوي إنَّ منهجية وزارة الاتصالات بتقسيم المناطق على شركات، لا توجد لها أي أساسيات أو مبدأ استندت عليه، من خلال تقسيم مناطق الكرخ والأنبار بشركة ومناطق الرصافة وديالى بشركة والمحافظات الشمالية بشركة واحدة والمحافظات الأخرى بشركات.
ويحذر العيثاوي من أن تؤدي هذه السياسة إلى ضرر بالنسبة للشركات العاملة في مجال الإنترنت، والتي بإمكانها أن تقيم دعوى قضائية على وزارة الاتصالات لما لحق بها من أضرار جراء سياستها الأخيرة التي تنوي تطبيقها، لأن الوزارة قامت بطرح المناقصة الخاصة بتراخيص عمل شركات الإنترنت اللاسلكي (wifi) بتقسيم البلاد إلى خمس مناطق جغرافية وكل منطقة تُعطى لشركة واحدة، وذلك يتناقض مع قانون 14 لسنة 2010 المادة 10 الفقرة ثالثاً الخاصة بالشركات التي تتعلق بحظر أي ممارسات أو اتفاقات تحريرية أو شفهية تشكل إخلالاً بالمنافسة ومنع الاحتكار أو الحد منها أو منعها، حيث تنص الفقرة على حظر تقاسم الأسواق على أساس المناطق الجغرافية أو كميات المبيعات أو المشتريات أو العملاء أو على أي أساس آخر يؤثر سلباً في المنافسة ومنع الاحتكار بين الشركات.
من جهته، يشخّص المختص بحوكمة وأمن وتكنلوجيا المعلومات علي أنور، أسباب ضعف الإنترنت في العراق، فيما حذر من إطلاق خدمة الانترنت عبر "الفضاء".
ويقول أنور، إن "الإنترنت أصبح حاجة وليس خيارا كما كان في بداية دخوله الى العراق"، مبينا أن "الإنترنت اليوم يؤثر على الدول حاله حال الماء والكهرباء". وأضاف، إن "وزارة الاتصالات ليس لديها قانون خاص بالإنترنت لغاية الآن بالرغم من إرسال القانون الى مجلس النواب من قبل الحكومة".
ويشير الى، أن "الحكومة تتحمل جزءاً من سوء خدمة الإنترنت كونها لا تضع الأولوية للقوانين الخاصة بملف الاتصالات وتشدد على ضرورة تشريعها". مشيرا إلى "عدم وجود قانون لتنظيم الاتصالات والمعلوماتية، بالإضافة الى غياب قوانين تنظيم البيانات".
ويوضح أنور، إن "عدم إدراك أهمية القوانين الخاصة بالاتصالات، يضعها في أسفل قائمة القوانين المطروحة في مجلس النواب"، لافتا الى أن "تأخير تشريع هكذا قوانين قد يتمثل بالجنبة المالية والأمن، والبنى التحتية الضعيفة والعشوائية في أبراج الاتصالات".
ويكشف، أن "هناك 23 شركة إنترنت مُسجلة فقط، والباقي غير رسميات والتي تصل الى ضعف الشركات الرسمية"، مبينا أن "الشركات غير الرسمية أثرت على جودة الإنترنت في العراق".
ويتابع أنور، أن "هناك غياباً للسياسيات والخطط لدى وزارة الاتصالات مما أثر على ملف الإنترنت بشكل سلبي"، مشيرا الى أن "لجوء الوزارة الى خدمة الانترنت عبر الفضاء لا يعتبر حلاً لضعف الخدمة، كونه لا يضاهي الكابل الضوئي وأسعاره باهظة".
ويكمل المختص بحوكمة وأمن وتكنلوجيا المعلومات، أن "خدمة الإنترنت عبر الفضاء تخدم المناطق النائية أكثر من غيرها"، مضيفا أن "دول العالم لم تتجه نحو إنترنت الفضاء وذلك لاحتوائه على جنبة أمنية، إذ لا يمكن السيطرة على الإنترنت ولا نعرف إلى أين تذهب تلك البيانات".
ويختتم بالقول، إن "أسعار الانترنت في العراق تُقدر بحوالي ضعفين الى ثلاثة أضعاف دول الجوار"، عازياً السبب الى "وزارة الاتصالات، كونها تفرض رسوما هي الأغلى بالعالم بحجة تغطية الرواتب"، فيما استغرب من "رُخص الأسعار في إقليم كردستان بالرغم من وجودها ضمن حدود الدولة ذاتها".
إلى ذلك، يؤكد مستشار الأمن السيبراني والحوسبة السحابية عمار حنون، أن من حق المشترك بخدمة الإنترنت إقامة دعوى في حال قطعه وعدم وصوله إليه. وذكر حنون، أن "ضعف خدمة الإنترنت يتمثل بمشاكل إدارية وفنية"، مبينا أن "الضوابط الدستورية تؤكد أن من حق المشترك اللجوء الى القضاء عند قطع الإنترنت لتقديم دعوى بحق المتسبب بقطعه".
وأشار الى أن "الفرق بين العراق وغيره من الدول هائل جداً من حيث السرعة والجودة، بسبب البنى التحتية".
وفيما يخص عملية تهريب الإنترنت، أوضح مستشار الأمن السيبراني، أن "ضعف البنى التحتية إحدى أسباب تهريب سعات الإنترنت وتسببه بخسارة الكثير من الأموال".
ويشكو كثير من العراقيين من سوء خدمة الإنترنت وارتفاع أسعارها في عموم المحافظات، على الرغم من إعلان وزارة الاتصالات حزمة من القرارات الهادفة إلى تحسين الخدمات والحد من ارتفاع أسعارها.
وتبدأ أسعار الاشتراكات الشهرية للإنترنت التي تقدمها الشركات الأهلية في العراق من 35 ألف دينار عراقي، وتصل أحيانًا إلى 180 ألف دينار، مقابل خدمة رديئة تمثل مثارًا دائمًا للسخط وانتقادات المواطنين.
وفي يناير/ كانون الثاني الماضي، أعلنت وزيرة الاتصالات هيام الياسري عن إطلاق خدمة الاشتراك المدعوم للإنترنت في عموم العراق، وإمكانية حصول كل مشترك على كامل الحزمة التي يختارها من دون نقص أو ضعف، بواقع 15 ألف دينار (11.5 دولاراً وفق السعر الرسمي) لكلّ 100 غيغا بايت، و30 ألف دينار لكلّ 200 غيغا بايت، و45 ألف دينار لكلّ 300 غيغا. وأشارت إلى منح 10 غيغا بايت مجانية للعائلات الفقيرة للاستفادة منها، وفي حال نفادها، يمكنهم الاشتراك بمبلغ 15 ألف دينار للحصول على 100 غيغا.
وعلى الرغم من وعود وزارة الاتصالات بتحسين الخدمة، فإنّها لا زالت سيئة ولم تصل إلى مراحل الجودة المعتمدة، وفق مشتركين وخبراء اتصالات، لافتين إلى أن خدمة الإنترنت المدعوم التي أعلنت عنها الوزارة لم تغير من واقع الخدمة المتاحة، لأنّ مصدر الإنترنت لا زال هو ذاته. وجاء العراق في المرتبة 113 عالمياً في جودة خدمات الإنترنت، وفق مركز الإعلام الرقمي العراقي (منظمة غير حكومية).
ويخسر العراق –وفقاً لتقديرات- أربعين مليون دولار يوميا نتيجة ضعف خدمة الإنترنت أو انقطاعها، بسبب توقف الأعمال لبعض الشركات منها المصارف ووسائل الإعلام وغيرها، حيث تنقطع خدمة الإنترنت بشكل مستمر.
كما أنه بين الحين والآخر تظهر دعوات لتحسين قطاع خدمات الاتصالات عامة في العراق، بما يتناسب مع التطور الحاصل حول العالم، وبما يلبّي طموح ملايين المستخدمين العراقيين، فيما يبين المختصون أن تطوير قطاع الاتصالات والتكنلوجيا سينعكس إيجابيا على الاقتصاد العراقي العالم والإلكتروني.