عندما أعدم النظام البعثي "قبضة الهدى".. عارف البصري ورفاقه بالذكرى الـ 49 لاستشهادهم.. تعرّف على رحلتهم السياسية والنضالية وصولاً إلى الاعتقال ثم التصفية
انفوبلس/ تقارير
في الخامس من شهر كانون الأول عام 1974 أقدمت السلطة البعثية المجرمة على ارتكاب جريمة هزّت مشاعر كل الشرفاء، وذلك بإعدام شهداء قبضة الهدى، وهم كوكبة من رجال الحركة الإسلامية في العراق، الشهيد السعيد الشيخ المجاهد عارف البصري، والشهيد السعيد السيد حسين جلوخان، والشهيد السعيد السيد عز الدين القبانجي، والشهيد السعيد السيد عماد الدين التبريزي، والشهيد السعيد السيد نوري طعمة. انفوبلس حرصت على استذكار البصري ورفاقه، وستفصّل لكم رحلتهم السياسية والنضالية وصولاً إلى الاعتقال ومن ثم التصفية.
1- الشهيد عارف البصري
*ولادته ودراسته
عارف عبد الحسين البصري، متزوج وله ستة أبناء، ولد في مدينة البصرة ونشأ فيها وكان منذ طفولته يتمتع بحسّ علمي ويحب مجالس العلماء، وبعد إنهائه الدراسة الابتدائية ودخوله للإعدادية بدأ بنشاطاته الإسلامية.
العلامة البصري كان يتمتع بشخصية قوية ومرموقة بين الأصدقاء، وكان محترماً من قبل مختلف طبقات المجتمع منذ البداية.. وبعد إنهائه للمرحلة الإعدادية سافر إلى مدينة النجف الأشرف ودخل كلية الفقه وكان من الطلبة الممتازين فيها.
*نشاطه
بعد تخرجه من الكلية بتفوق وبتشخيص المرجعية الدينية آنذاك، سافر إلى بغداد وبدأ بنشاطه الديني وقام بدور التعليم والتربية، ونتيجة لذلك أصبح مورد اعتماد المؤمنين يحل مشاكلهم ويشاركهم أفراحهم وأحزانهم، وكان له دور فعال في تشكيل جميعة الصندوق الخيري الإسلامي، وقد أصبح لهذه الجمعية بعد توسع نشاطها دور أساسي في تنمية الوضع الاقتصادي للمستضعفين، كما أنشأ مجلة المجتمع الإسلامي التي كانت تصدر عن جميعة الصندوق الخيري. هذا وكان العلامة البصري أحد أعضاء جماعة علماء بغداد والكاظمية الفاعلين في منطقته في الكرادة الشرقية ــ الزوية ــ ومن قادة حزب الدعوة الاسلامية، وقد التزم التدريس في مدرسة الإمام الجواد (ع). بعد ذلك انتقل إلى كلية أصول الدين حيث التزم تدريس العقيدة والنظام الإسلامي فيها.
كما قام بتأسيس مؤسسات اجتماعية مختلفة منها.. مراكز طبية، ومؤسسة العون للفقراء، ومؤسسة الأرامل والأيتام، وجمعية تكريم الطلبة المتفوقين، وتأسيس مكتبات في مناطق مختلفة… هذه المشاريع والنشاطات أدت إلى اعتماد المرجعية الدينية في النجف الأشرف عليه أكثر فأكثر، كما أدت في المقابل إلى تخوّف الحكومة البعثية الصهيونية منه، فأخذت تكيد له الفتن لتحول دون هذه النشاطات.
*رحلته الدينية
أرسله الشهيد السيد محمد باقر الصدر (قدس سره) عالماً دينياً الى منطقة الكرادة ببغداد، بعدها عُيّن أستاذا للدراسات الاسلامية في كلية أصول الدين ببغداد. كان الشهيد البصري من الأعضاء البارزين في رابطة علماء بغداد والكاظمية، عمل الشهيد في حقول النشاط الاسلامي المتعددة محاضرا وواعظا ومؤلفا ومربّيا وإمام مسجد وصاحب مدرسة في التوجيه والتوعية الاسلامية والاهتمام بشؤون الناس .
*اعتقاله وإعدامه
في تموز عام 1974م شنّت السلطة حملة اعتقالات واسعة جداً بدأت من الحوزة العلمية في النجف الاشرف وطالت رموز وكوادر أبناء الحركة الإسلامية في عموم محافظات العراق، وتحولت مديرية أمن الديوانية إلى مركز تحقيق كبير للدُّعاة من قبل المجرم فاضل الزركاني.
لقد خاطب الشيخ الشهيد رئيس المحكمة العفلقية بالقول: (أبالموت تهدّدُنا؟ إن الطغاة سيموتون أيضا وسيجمع الله بيننا وبينكم).
ثم جاءت ملحمة مسك الختام ساعة التنفيذ عندما أمرهم الجلاد بأن يتقدموا لحبل المشنقة الواحد تلو الآخر.. فتسابق الدعاة للفوز بالجنة والرضوان، وقطع النزاع الشيخ الشهيد وكان أكبرهم سنّاً بأن أخذ يرشح الإخوة بنفسه قائلا: تقدَّم يا فلان وتقدم يا فلان حتى ختم الملحمة بنفسه وأوقدت هذه الثُلّة بشهادتها شعلةً وضّاءةً ليس في تاريخ الحركة الاسلامية فحسب بل في تاريخ العراق السياسي الحديث. وتم تنفيذ حكم الإعدام في 25/12/1974م ، ليلة 21/ذي القعدة/1394ه.
2- الشهيد السيد عز الدين القبانچي
ولد الشهيد السيد عز الدين القبانچي عام 1950م، والده العلامة السيد حسن القبانچي أحد العلماء البارزين والكتّاب الإسلاميين في النجف الأشرف.
*نشاطه ونضاله ودراسته
للسيد القبانچي جهاد عريق ضد الحكومات المتسلطة في العراق أيام الحكم الملكي ثم الحكم العارفي ثم حكومة نظام صدام، واعتُقل أكثر من مرة وحُكم عليه بالتبعيد من مدينة النجف إلى مدينة راوه في شمال العراق أيام حكومة عبد السلام عارف، أكمل شهيدنا السعيد دراسته الجامعية الأكاديمية في مدارس منتدى النشر ثم كلية الفقه في النجف كما أنه التحق منذ نعومة أظفاره بركب الدراسة الدينية في حوزة النجف الأشرف، حتى التحق بدراسة البحث الخارج على يد أستاذه آية الله الشهيد الصدر وآية الله السيد الخوئي، كما مارس التدريس في حوزة النجف الأشرف.
ونتيجة لنشاط الشهيد القبانچي وإخلاصه وتوجهاته الفكرية والسياسية فقد كان يعتبر من حواريي الشهيد الصدر وأقرب المقربين إليه، وقد اعتمده الشهيد الصدر في مجال الحوزة العلمية كما اعتمده في مجال التبليغ الديني في مدن العراق.
*مؤلفاته
وللشهيد القبانچي مؤلف صغير بعنوان أضواء على حياة الإمام الصادق (ع)، كما وأن له ردّاً وتعليقاً على كتاب الأستاذ محمد المبارك في الاقتصاد كلفه بتدوينه أستاذه الشهيد الصدر. وله تقارير لأبحاث آية الله الشهيد الصدر (قده) في علم الأصول.
*اعتقاله
اعتُقل السيد القبانچي عام 1974م في حملة الاعتقالات التي قامت بها السلطة الصدامية على علماء وطلاب العلوم الدينية، وحُكم عليه بالإعدام في مجموعة الشهداء الخمسة مع خاله العلامة السيد عماد الدين الطباطبائي.
ولقد عُرف عنه صبره وصموده وهو يتعرض للتعذيب الوحشي في سجون بغداد، وخاطب الحاكم الذي قرأ حكم إعدامه قائلاً: سيكون خصمك جدّنا رسول الله يوم القيامة.. كما كان يستقبل أهله وزواره في قاعة سجن أبو غريب - قسم الأحكام الثقيلة - قائلاً لهم: هنِّئونا بالشهادة. وجدير بالذكر أن للعلامة الشهيد أخوَين قد استُشهدا، وهما السيد صادق القبانچي والسيد علي القبانچي.
3- الشهيد السيد نوري طعمة
الشهيد السيد نوري بن محمد حسين بن مصطفى آل طعمة، المولود في كربلاء المقدسة سنة 1945م، اتصف الفقيد بدماثة الخلق وقوة المواجهة، تخرج من المعهد الفني في الديوانية، بعدها درس أصول الدين في كلية الفقه، كان رحمه الله أديباً واسع الاطلاع، صدرت له عدة مؤلفات: المشكلة الاجتماعية المعاصرة، نقاط وحروف، مواكب الجامعة، صور من العقيدة. السيد الشهيد نوري طعمة هو واحد من قيادات تنظيم الدعوة المباركة وواحد من الشهداء الخمسة الذين أعدمهم نظام الطاغية صدام في بغداد.
*اعتقاله
اعتُقل رحمه الله في مدينة البصرة و هو في زيارة لأحد الأصدقاء، تم تقديمه الى محكمة الثورة في عام 1974 وحكمت عليه بالإعدام ونُفذ الحكم بتاريخ 5/12/1974 وتم دفن جثمانه في مقبرة السادة آل طعمة في الصحن الحسيني الشريف ..
وقد قدّمت عائلة السيد نوري طعمة 25 شهيداً وهم :-
السيد نوري محمد حسين آل طعمة، كاتب ومفكر إسلامي وأديب
ـ السيد عارف محمد جواد الشروفي آل طعمة، خادم في الروضة الحسينية
ـ السيد صادق محمد رضا آل طعمة
ـ السيد ضياء السيد صادق محمد رضا آل طعمة
ـ السيد مرتضى السيد صادق محمد رضا آل طعمة
ـ السيد علي السيد صادق محمد رضا آل طعمة
ـ السيد محمد جواد رضا الشروفي آل طعمة
ـ السيد عبد الرضا السيد محمد جواد رضا الشروفي آل طعمة
ـ السيد سعيد السيد محمد جواد رضا الشروفي آل طعمة
ـ السيد هاشم مصطفى محمد آل طعمة
ـ السيد صلاح علس أحمد آل طعمة
ـ السيد هاشم محمد علي فتح الله آل طعمة، خادم في الروضة الحسينية
ـ السيد عبد الرسول جواد آل طعمة، خادم في الروضة الحسينية
ـ السيد محمد جواد عبد الرسول آل طعمة
ـ السيد عبد الوهاب محمد علي آل طعمة، خادم في الروضة الحسينية
ـ السيد عبد الوهاب عبد الحميد آل طعمة
ـ السيد مهند عبد الحميد آل طعمة
ـ السيد ضياء عبد العزيز رزوق آل طعمة، ويُعرف بالسيد خليل، خادم في الروضة الحسينية
ـ السيد عبد الرزاق عبد الأمير رزوق آل طعمة
ـ السيد عبد الأمير أحمد حسين آل طعمة، خادم في الروضة الحسينية
ـ السيد هادي مجيد محمد علي آل طعمة، خادم في الروضة الحسينية
ـ السيد جمال الدين أحمد محمد رضا آل طعمة، خادم في الروضة الحسينية
ـ السيد محمد علي محمد رضا آل طعمة، الموظف في تعليب كربلاء
ـ السيد عب الرحمن صادق الشروفي آل طعمة
ـ السيد علاء محمد علي سلمان الشروفي آل طعمة.
4- الشهيد عماد الدين التبريزي
كان السيد عماد الدين التبريزي جميل الطلعة، له هيبة وجُرأة، فالشجاعة فطرةٌ في تكوينه، والكرم سجيّة في طباعه، لا يعبأ في المخاطر، ولا يهاب التحديات، وهو مولع بالشعائر الحسينية، له نفس كبيرة، ومشاعر إنسانية، يحب الفقراء، مثابر في العمل، مجد في التحصيل العلمي وكان ركناً من أركان العمل الإسلامي في النجف الأشرف.
*ولادته ودراسته
ولد الشهيد في مدينة النجف الأشرف عام 1948م وهو نجل المرحوم آية الله السيد محمد جواد الطباطبائي التبريزي من مشاهير علماء النجف الأشرف. التحق بالحوزة العلمية لدراسة العلوم الدينية سنة 1970م بفضل توجيه ابن أخته العلامة السيد عز الدين القبانچي وقد سهر في طلب العلم بكل جدّية حتى أضحى في فترة قصيرة من عمره الدراسي من الأساتذة المرموقين للدراسات الدينية في مرحلة المقدمات في النجف.. درس المقدمات على يد مجموعة من الأساتذة منهم أخيه العلامة السيد محمد تقي الطباطبائي والعلامة الشهيد عز الدين القبانچي، كما درس السطوح العليا على يد مجموعة أساتذة منهم آية الله الشيخ محمد تقي الجواهري وآية الله السيد محمد حسين الحكيم.. هذا وقد حضر أخيراً أبحاث آية الله العظمى السيد الخوئي.
*نشاطه السياسي والجهادي
برز الشهيد السعيد وسط طلاب الحوزة العلمية في النجف الأشرف والشباب المثقف، وكانت حركته مكثّفة في توعية الشباب وبناء جيل واعٍ من طلاب العلوم الدينية. لقد كان يعتبر من أنصار مرجعية الشهيد الصدر وحوارييه، وقد كان الشهيد الصدر قد اعتمده وكيلاً ومبلّغاً في مدينة القرنة إحدى توابع محافظة البصرة.
*اعتقاله وشهادته
برز الشهيد بسعة تحرُّكه الجماهيري والحوزوي معاً، ومن هنا فقد كانت شخصيته شوكة في عيون البعث الحاقد، اعتقل مرّات عديدة بسبب نشاطه الاجتماعي وتأثيره في تعبئة الشباب ضد النظام، وكانت آخر مرّة اعتُقل فيها عام (1974م) واقتيد إلى السجن.
هذا وقد شهدت له غرف التعذيب في سجون العراق صموداً منقطع النظير وكان موضع هيبة أعدائه وجلاديه لعظمة صبره، وقوة شخصيته، وبطولته الجسدية، ولم يُترك مطلق اليدين خوفاً منه طوال عمليات التحقيق التي استغرقت أسابيع، فقد كان يؤتى به مقيّداً مُعصب العينين ومحاطاً بالجلادين! ومورِست معه أشد أنواع التعذيب.. وأبى أن يتنازل للجلادين، أو يعطيهم أية إدانة، وقد طلبوا منه التعاون مع أجهزة النظام لينقذ حياته لكنّه أجابهم بحزم وشجاعة: “لو كان إصبعي بعثياً لقطعته”. وأخيراً حكم عليه المجرمون بالإعدام مع ثلّة من المؤمنين المجاهدين من بينهم ابن أُخته السيد الشهيد عزالدين القبانچي وقد نال وسام الشهادة، تغمّده الله برحمته الواسعة.
5- الشهيد حسين جلوخان
كان الشهيد حسين جلوخان شاباً صلْب الإرادة، خفيف الحركة، قوي الإيمان، متوقّد الذكاء، شديد الحماس، عقله أكبر من عمره، والتواضع سِمة في شخصيته، والشجاعة نهج في حياته، القضية عنده قبل الذات، والدعوة همٌّ دائم في حياته، كثير القراءة والتأمُّل، أصيل في ثقافته، موسوعي في معلوماته، لا يضيع وقته، ولا يكشف أسراره، يتحمل المسؤوليات الكبيرة، ويضحّي من أجل الآخرين.