غرق أُسر كردية في البحر المتوسط خلال رحلة الهروب من كردستان نحو دول أوروبا هرباً من واقع الإقليم المتردي
مأساة كردية ترويها أمواج البحر
انفوبلس/..
في حادثة متكررة، ومأساة ليست جديدة، رفع سكان من إقليم كردستان راية الحزن، بعد وفاة أقارب لهم، إثر غرق مركب هاجروا فيه، قبالة سواحل إيطاليا كان يُقل مجموعة من المهاجرين الذين جازفوا بحياتهم في البحر الأبيض المتوسط أملاً بالوصول إلى أوروبا، وهرباً من حياة هُدرت فيها كراماتهم وسط فشل حكومة الإقليم وفساد ينخر مؤسساته تحت هيمنة الأحزاب الحاكمة.
وأمضت "مجدة" وشقيقتها "هيرو" وعائلتاهما 5 أشهر في تركيا على أمل العبور إلى أوروبا، لكن من أصل 11 فردا من العائلتين، نجا 3 فقط، على ما أكد أقاربهم في أربيل.
هذه المأساة تكررت مرات عديدة، ففي السنوات الأخيرة، سلك آلاف الأكراد طرق الهجرة مجازفين بعبور البحر للوصول إلى دول أوروبا، أو المشي عبر الغابات في بيلاروسيا للوصول إلى الاتحاد الأوروبي.
الضحايا والناجين
ومطلع الأسبوع الماضي، غرق قارب قبالة سواحل جزيرة روتشيلا الإيطالية وعلى متنه حوالي ثمانون مهاجرا، معظمهم من الأكراد العراقيين، ولم ينجُ منهم سوى اثني عشر شخصا، فيما تمّ العثور إلى حدود مساء الجمعة، على عشرين من جثث مَن كانوا في المركب.
وبحسب بعض الناجين فقد انطلق المركب يوم 13 حزيران من مدينة بودروم التركية الواقعة على ساحل البحر المتوسط في محافظة موغلاً بجنوب غرب تركيا.
وتتضمّن مغامرة العبور من كردستان العراق نحو أوروبا، مشاق كبيرة تبدأ من جمع الأموال اللازمة لتغطية تكاليف الرحلة، بما في ذلك الدفع لسلسلة من المهربين الذين يؤمّنون عبور الأراضي التركية، قبل الوصول إلى ضفة المتوسط وبدء المغامرة الأخطر للعبور إلى الضفة الأخرى.
وكثيرا ما تأخذ محاولات الهجرة السرية من إقليم كردستان طابعا عائليا جماعيا، يعكس رغبة في الهروب النهائي من البلد، وقطع الصلة معه، ويفسّر ذلك وجود الكثير من الأطفال والنساء على متن قوارب الموت، ما يجعل حوادث الغرق تتحوّل بدورها إلى مآسٍ عالية كما هو الحال بالنسبة لحادثة الغرق الأخيرة.
هاجروا بعد 5 أشهر في تركيا
وتقول (مجدة) الناجية من المركب الذي غرق قبل أيام، إنها قضت وشقيقتها (هيرو) وعائلاتهما خمسة أشهر في تركيا، على أمل العبور إلى أوروبا، لكن من أصل أحد عشر فردا من العائلتين نجا ثلاثة فقط، على ما أكد أقاربهم في أربيل مركز إقليم كردستان العراق لوكالة فرانس برس.
وعلى جدار متهالك عند مدخل منزل العائلة، ملصق يعلن عن موعد مجلس عزاء لاستقبال الأقارب والأصدقاء، وتظهر صورتان عائليتان للضحايا وهم يرتدون أجمل ملابسهم، وفي الصور تظهر مجدة مع زوجها عبد القادر سائق التاكسي وهيرو وزوجها ريبوار الحداد، وكان الأربعة مع أطفالهم على متن المركب الشراعي الذي غرق هذا الأسبوع قبالة ساحل كالابريا في إيطاليا.
وتقول خديجة حسين قريبة العائلة "تأكدنا من بقاء مجدة على قيد الحياة وتحدثنا معها عبر الهاتف"، وتضيف أنّ أحد أبناء مجدة نجا أيضا وكذلك أحد أبناء هيرو، موضحة “لكن لا نعرف تفاصيل أخرى عنهم”. لكن العائلة فقدت الأمل في أن يكون البقية على قيد الحياة.
وكادت العائلتان تتخليان عن فكرة السفر الى أوروبا، على ما تضيف ربة المنزل البالغة من العمر أربعة وخمسين عاما، موضحة “أخبروا الأهل بذلك والجميع سعدوا بهذا القرار، لكن في الأسبوع الماضي أقنعهم المهرب بأنه وجد طريقا سهلا وجيدا فقرروا السفر مرة أخرى".
وكان يفترض بالمسافرين الاتصال بالعائلة عند الوصول إلى وجهتهم، وتقول خديجة "لكن مضى وقت ولم يصل منهم أي خبر أو اتصال". أما المهرب فأغلق هاتفه".
دوافع الهجرة من الإقليم
ويعيش سكان إقليم كردستان، في واقع معيشي واقتصادي رديء بفعل مشاكل كثيرة في طريقة إدارة الحكم المحلّي، الذي يهيمن عليه بشكل رئيسي الحزب الديمقراطي الكردستاني بقيادة أفراد أسرة بارزاني، وبدرجة أقل حزب الاتّحاد الوطني.
ويمكن الحديث في الإقليم عن حكم عائلي مقنّع بمسحة ديمقراطية سطحية لا تكفي غالبا لحسم الصراعات الحزبية المؤثرة على وضع الإقليم.
أما اقتصاديا وماليا فقد دخل الإقليم في مشاكل وخلافات كثيرة على حصته من موازنة الدولة العراقية وعلى مسائل أخرى مثل موارد المنافذ الحدودية وتصدير النفط المنتج محليا، وقد تضافر كل ذلك مع ظاهرة الفساد المستشرية ليخلّف آثارا سيئة على الأوضاع الاجتماعية لسكانه يلخّصها التأخر لأشهر متتالية في صرف رواتب الموظفين. التي يرفض مسؤولي الإقليم توطينها.
أما أمنيا فيعاني الإقليم من فوضى السلاح، كما أنّ سكان العديد من مناطقه يعيشون حالة الحرب المستمرة منذ عقود بين حزب العمال الكرستاني والجيش التركي.
وتفسّر جميع تلك الظروف تفاقم ظاهرة الهجرة السرية من الإقليم، ففي السنوات الأخيرة سلك الآلاف من الأكراد طرق الهجرة، مجازفين بعبور البحر للوصول إلى المملكة المتحدة أو المشي عبر الغابات في بيلاروسيا للوصول إلى الاتحاد الأوروبي.
وأظهر استطلاع للرأي أجرته مؤسسة "غالوب" أنه في العام 2022 اعتبر اثنان من كل ثلاثة من سكان كردستان، من الصعب عليهم إيجاد وظيفة، وتفيد المنظمة الدولية للهجرة أن نحو 3155 مهاجرا قضوا أو فقدوا في البحر الأبيض المتوسط العام الماضي.
وفي أربيل، في ساحة مدرسة أُقيم فيها مجلس العزاء، تجلس العشرات من النساء في خيمة يرتدين ملابس الحداد السوداء، وعلامات التعب بادية على وجوههن في صمت يقطعه فقط بكاء الأطفال.
وفي المسجد، يستقبل رجال العائلة العشرات من المعزين فيما تتلى آيات من القرآن. ويؤكد كمال حمد والد ريبوار أنه تحدث مع ابنه يوما واحدا قبل انطلاقه في رحلة الهجرة المميتة.
المنظمة الدولية للهجرة
وسلطت فاجعة غرق المركب الذي كان يقل عددا كبيرا من المهاجرين الأكراد العراقيين، قبالة السواحل الإيطالية، الضوء مجدّدا على تفاقم ظاهرة الهجرة السرّية من إقليم كردستان، الذي تحوّل إلى مكان لا يستطاب فيه العيش بفعل تعقّد مشاكله السياسية والاقتصادية والأمنية، وحتى البيئية، وتناقص فرص العمل فيه للآلاف من الشباب المقبلين على سوق العمل.
ويحاول كل سنة الآلاف من سكان الإقليم العبور نحو أوروبا برّا أو بحرا في رحلات طويلة وشاقة تنطوي على مخاطر تجعل من تلك الرحلات بمثابة مجازفة بالحياة، إذ كثيرا ما تنتهي بمآسٍ مروّعة.
وتفيد المنظمة الدولية للهجرة بأن نحو 3155 مهاجرا قضوا أو فُقدوا في البحر الأبيض المتوسط العام الماضي.
وفي إقليم كردستان، قال رئيس رابطة المهاجرين العائدين من أوروبا، بكر علي، إن المركب الذي غرق قرب السواحل الإيطالية كان يحمل "75 شخصا من نساء وأطفال ورجال، غالبيتهم من أكراد العراق وإيران وعدد من الأفغان" بحسب معلومات أولية.