مبادرة "نبض بغداد".. أعمال "متواصلة" لتحويله إلى وجهة سياحية جاذبة.. "انفوبلس" تتتبع عملية تأهيل شارع الرشيد

انفوبلس/ تقرير
تُولي حكومة محمد شياع السوداني، اهتماما كبيرا بتأهيل وتطوير شارع الرشيد ضمن مبادرة "نبض بغداد"، وذلك ضمن رؤية شاملة لإحياء مركز بغداد التاريخي، وتحويله إلى وجهة سياحية جاذبة، بعدما كان شاهدا على تاريخ بغداد السياسي والثقافي، فأين وصلت علمية التأهيل؟ وماذا تعرف عن مبادرة "نبض بغداد"؟
شارع الرشيد معلَم بغدادي عريق تأسس في عام 1916 خلال الحكم العثماني بأمر من خليل باشا، وكان الهدف منه تسهيل حركة الجيش وقد عُرف في البداية باسم مؤسسه، ثم تغير اسمه مرات عدة أثناء الاحتلال البريطاني قبل أن يستقر على اسم الرشيد تيمناً بالخليفة العباسي هارون الرشيد بتوصية من المؤرخ مصطفى جواد.
وقد كان الشارع يوما ما مركزا تجاريا وثقافيا حيويا يضم متاجر لأشهر العلامات التجارية العالمية ومقاهي ومسارح ودور سينما، كما كان يضم مساجد تاريخية لكنه مع مرور الوقت تعرض للإهمال نتيجة للظروف السياسية والاقتصادية التي مرت بها البلاد مما أدى إلى تدهوره.
*مبادرة "نبض بغداد"
في شهر تموز من العام 2023، تم إطلاق مبادرة نبض بغداد لإعادة تأهيل المدينة القديمة برعاية رئيس الوزراء محمد شياع السوداني. وقال بيان صادر عن رابطة المصارف الخاصة العراقية وقتها أن "المبادرة تُنفذ بإشراف أمانة بغداد ورابطة المصارف الخاصة العراقية ومشاركة الهيئة الوطنية للاستثمار والهيئة العامة للآثار والتراث، ومحافظة بغداد وعدد من الوزارات والمؤسسات المساندة الاخرى، وبتمويل وتنفيذ من قبل صندوق المبادرات المجتمعية "تمكين" الممول من المصارف الخاصة العراقية وبدعم من البنك المركزي العراقي".
بحسب حديث وزير الثقافة والسياحة والآثار العراقي الشهر الماضي، أحمد فكاك البدراني، فإن كل مدينة في العالم لها ما يسمى قلب المدينة التجاري أو "الداون تاون"، وهو المصطلح الذي يطلق على مركز المدينة الأصيل أو القديم. وفي بغداد، يمثل شارع الرشيد هذا القلب النابض بالحياة، حيث يجمع بين أصالة المدينة ومركز تجارتها.
وأضاف: "بدأت مراحل التأهيل بشارع المتنبي، وهو أحد أشهر الشوارع في بغداد، ويُعد مركزا ثقافيا هاما، حيث يشتهر بكونه مكانا مثاليا لمحبي الكتب والمطالعة، أما المرحلة الثانية، فقد شملت تأهيل شارع سراي الحكومة، وهو مجموعة من القصور التراثية التي كانت تحكم بغداد في الماضي، منها قصر الوالي العثماني وقصر الملك وقصور أخرى مترابطة".
وتهدف المرحلة الثالثة من مبادرة "نبض بغداد" إلى إعادة تأهيل شارع الرشيد، وإحياء طابعه المعماري الفريد، وتحسين بنيته التحتية، وتفعيل دوره كمركز اقتصادي وثقافي نابض بالحياة، بحسب البدراني.
وأكد، أن هذه الجهود تهدف إلى تنشيط السياحة التراثية، خاصة بعد اختيار بغداد عاصمة للسياحة العربية لعام 2025، وجذب الاستثمارات، وتوفير بيئة حضرية تعكس الهوية التاريخية لبغداد، لافتا الى ان المصارف الخاصة العراقية لعبت دورا محوريا في دعم هذا المشروع، بالمساهمة الفاعلة في تمويل عمليات التأهيل وإعادة الإعمار، منوها إلى أن الجهات المشاركة، فهي تشمل مكتب رئيس مجلس الوزراء، ورابطة المصارف الخاصة العراقية، وأمانة بغداد، ووزارة الثقافة، وتمثل هذه الجهات شراكة بين القطاعين العام والخاص، حيث تساهم المصارف الخاصة العراقية في التمويل، بينما تتولى الجهات الحكومية التنفيذ والإشراف.
وفي العاشر من شباط الماضي، أعلن مكتب رئيس الوزراء عن إطلاق المرحلة الثالثة من مبادرة "نبض بغداد"، لتأهيل شارع الرشيد، كما وجه بإعادة إعماره في وقت قياسي وفقاً للمواصفات والشروط المحددة.
وضمن المرحلة الثالثة من مشروع "تطوير بغداد القديمة"، شرعت أمانة بغداد بتنفيذ المرحلة الأولى من تأهيل شارع الرشيد، بعد إنجاز مشروعي تطوير شارعي المتنبي والسراي، وفق ما أوضحه المتحدث باسم أمانة بغداد عدي الجنديل أمس الاحد.
وأشار الجنديل إلى أن الأعمال بدأت في المقطع الممتد من ساحة الميدان وصولاً إلى تمثال الرصافي، لما يمثله هذا الامتداد من أهمية رمزية وتاريخية، كونه يقع في قلب بغداد القديمة، ويُعد وجهة مفضلة للسياح والزوار من داخل العراق وخارجه.
وأكد أن هذا الجزء من الشارع يشهد "متابعة شبه يومية" من أمين بغداد المهندس عمار موسى كاظم، وقد تم حتى الآن تأهيل ست بنايات تراثية، ثلاث بنايات على كل جانب من الشارع، مع الالتزام بإرجاعها إلى شكلها الأصلي كما كانت يوم إنشائها. وأضاف: "تم الحفاظ على جميع المعالم التراثية والأثرية بالتعاون مع وزارة الثقافة وهيئة تراث بغداد".
ووفقاً للجنديل، فإن المرحلة المقبلة ستشمل إعادة تأهيل تسع بنايات جديدة، بالإضافة إلى المساحة الممتدة من تمثال الرصافي باتجاه ساحة الميدان. كما كشف عن خطة طموحة لإدخال وسيلة نقل تراثية ــ الترام ــ في شارع الرشيد، بحيث يسمح للسائحين بالتنقل ومشاهدة المباني والملامح التاريخية بشكل مريح وجذاب. وقد تمت بالفعل مفاتحة عدد من الشركات العالمية المتخصصة في هذا المجال للاتفاق على المواصفات الفنية اللازمة.
وفي ما يخص البنايات الآيلة للسقوط، أوضح الجنديل أن أمانة بغداد، بالتعاون مع هيئة الآثار ورابطة المصارف والعديد من الجهات الأخرى، ستباشر بتأهيلها وفقاً لمعايير دقيقة تراعي الطابع التراثي، مشيراً إلى تنسيق مشترك بين الأمانة ووزارات الكهرباء، والثقافة، والموارد المائية، إضافة إلى ديوان الوقفين السني والشيعي، ومديرية المرور العامة، لتكامل الجهود في تطوير هذا "المرفق الترفيهي، السياحي، التراثي داخل العاصمة".
الى ذلك، يعد نقيب السياحيين العراقيين الدكتور محمد عودة العبيدي، إعادة تأهيل شارع الرشيد "خطوة مهمة وداعمة" لتنشيط الحركة السياحية والتراثية في العراق. وأوضح " أن هذا الشارع لا يُعد مجرد وجهة تجارية، بل هو "رمز تاريخي عميق"، خاصة أن له تأثيرات كبيرة في السياحة الداخلية والخارجية. وأضاف العبيدي: "الشارع شهد أحداثًا سياسية بارزة في الخمسينيات، حيث كانت تُنظم فيه التظاهرات والفعاليات السياسية والدينية، ما يجعل منه نقطة جذب للسياح الباحثين عن القصص الحية للماضي".
وأشار العبيدي إلى التوجه العالمي نحو السياحة التراثية، قائلاً: "نشهد إقبالًا متزايدًا من السياح الأوروبيين على العراق لزيارة المواقع الأثرية، وشارع الرشيد يعد من أهم هذه الوجهات". وأكد أن "التطور الحاصل في الشارع سيشكل نقطة تحول إيجابية لتنشيط القطاع السياحي والاقتصادي، خاصة أنه يحمل تاريخًا طويلًا يمتزج مع الحياة اليومية لبغداد".
كما شدد العبيدي على ضرورة الحفاظ على الطابع التراثي للشارع أثناء عمليات الترميم والتأهيل. وقال: "من المهم أن يبقى الشارع كما هو، مع تحديثات تتماشى مع جوهره التاريخي، ليكون وجهة سياحية جاذبة دون المساس بهويته".
وأكد أهمية تحسين البنية التحتية ووسائل النقل، مثل توفير "عربات كهربائية صغيرة" لنقل السياح داخل الشارع، ما سيجعل التجربة السياحية أكثر سلاسة. كما دعا إلى إنشاء أسواق تراثية تعرض منتجات تمثل "تاريخ وحضارة العراق"، مثل الأزياء التراثية والمجسمات اليدوية، بالإضافة إلى إبراز المهن والحرف التي كانت جزءًا من هوية الشارع على مر العصور.
من جهتهم، يرى المختصون في التراث أن ما يجري في شارع الرشيد يتجاوز مجرد مشروع تطويري، بل يمثل محاولة لإنقاذ ذاكرة حضرية تمتد لأكثر من قرن. كما تسهم الحملات العمرانية التي تشرف عليها "نبض بغداد" في جذب أكبر قدر ممكن من السياح من داخل وخارج العراق، وتوفير البيئة الملائمة للمستثمرين العراقيين والعرب والأجانب.
وفي السياق ذاته، عدَّ مدير العلاقات الدولية في وزارة الثقافة، علي ياسين عبد الرضا مشروع تأهيل شارع الرشيد التاريخي خطوة محورية نحو إحياء ذاكرة العاصمة.
وأوضح عبد الرضا أن شارع الرشيد، الذي تأسس قبل أكثر من 125 عامًا، يُعد واحدًا من أهم المعالم التراثية والثقافية التي تحتفظ بها بغداد، ويتميز بوجود مواقع متنوعة تمثل جزءًا كبيرًا من تاريخ المدينة. وأضاف قائلاً: "يُعد هذا الشارع مركزًا تراثيًا وثقافيًا لا مثيل له في العاصمة، وهو يشكل جزءًا من هوية بغداد، حيث يتجلى في طابعه التجاري والحواري الذي جذب الكثير من السياح من مختلف أنحاء العالم".
وشدد عبد الرضا على أن تطوير شارع الرشيد سيُسهم بشكل كبير في تعزيز الحركة السياحية، حيث سيجذب مزيدًا من السياح من داخل العراق وخارجه. وقال: "الشارع يُعد وجهة سياحية رئيسة، ويُعد جزءًا من البرامج السياحية التي تضم زيارة مدينة بغداد القديمة، وهذا ما يجعله نقطة محورية في جذب الزوار، ما سيسهم في تحفيز القطاع السياحي بشكل ملحوظ".
كما أشار إلى أهمية تأثير هذا المشروع في النمو الاجتماعي والاقتصادي للمدينة، موضحًا أن: "تأهيل شارع الرشيد ليس مجرد مشروع تجميلي، بل هو محفز قوي للاقتصاد العراقي بشكل عام، كما أنه يسهم في تحسين جودة الخدمة السياحية المقدمة للسائح، وهو ما سيُسهم في جذب مزيد من الوافدين إلى العراق".
وأكد عبد الرضا أن "المرحلة الثالثة من تطوير هذا الشارع تمثل نقلة نوعية في استراتيجيات الحكومة لجعل القطاع السياحي العراقي أكثر ازدهارًا وتنافسية، على مستوى السياحة الإقليمية والدولية"، مشيرًا إلى أن هذا التطوير يعكس رؤية وزارة الثقافة في الحفاظ على التراث مع مواكبة التطورات الحديثة لضمان استدامة هذا القطاع الحيوي.
وأضاف عبد الرضا أنه مع استكمال أعمال التأهيل، سيكون الشارع بمثابة واجهة ثقافية وسياحية بارزة تمثل "مزيجًا من الأصالة والتطور"، ما يعزز موقع بغداد كأحد أبرز وجهات السياحة التاريخية في المنطقة.
والإهمال لم يطاول فقط شارع الرشيد إنما بالكامل مدينة بغداد القديمة بعد أن تحولت إلى مواقع لتخزين البضائع، حيث تنتهي الحياة هناك عند الثالثة عصراً ثم تتحول إلى مدينة مظلمة خلال فترات الليل. لكن مبادرة "نبض بغداد" التي تتشارك خلالها جهات حكومية وغير حكومية، وتحت إشراف ودعم من قبل رئيس مجلس الوزراء العراقي محمد شياع السوداني تستهدف إحياء المناطق القديمة والحفاظ على معمارها التراثي.
أما الباحث في الشأن التراثي ياسر العبيدي فقد قال، "يُعد مشروع تطوير شارع الرشيد خطوة مثمرة وفعالة لإعادة تأهيله بحلّة جديدة تليق بمكانته التاريخية. وذكر أن الشارع لا يتميز فقط بطابعه التجاري، بل يحتوي على معالم معمارية وتراثية نادرة، من مبانٍ تاريخية إلى سينمات كانت يوماً ما مراكز إشعاع ثقافي. واضاف: "نأمل أن تكون هذه المبادرة بوابة لمشاريع مماثلة تُعيد الحياة إلى مناطق أثرية أخرى في بغداد التي ما زالت تنتظر من يفتح أبواب ذاكرتها المنسية".
ويعكس شارع الرشيد داخل بغداد كونه واحداً من أقدم الشوارع في الشرق الأوسط أهمية تاريخية لأبناء الرافدين، لما شهده الشارع من أحداث ساخنة في تاريخ العراق الحديث، ويتمتع كذلك بأهمية تجارية وثقافية حيث ضم الأسواق والمصارف والمسارح والمقاهي التي كانت ملتقى المثقفين والتجار ومختلف طبقات المجتمع العراقي، لكن الإهمال على مدى العقود الماضية أدى إلى تراجع دوره.