حديث متكرر عن "المدينة الإدارية" لجمع الدوائر والوزارات.. متى يتم الإعلان وما التحديات؟

انفوبلس/ تقرير
تعتزم الحكومية العراقية، إنشاء مدينة أو عاصمة إدارية تهدف إلى تخفيف الضغط السكاني والاختناقات المرورية في بغداد، إلى جانب تحديث نظم المؤسسات والوزارات الرسمية وتحسين الخدمات المقدمة للمواطنين، ويسلط تقرير شبكة "انفوبلس"، الضوء على تفاصيل وخفايا هذا المشروع من حيث الموقع والتكلفة والتحديات الاجتماعية والسياسية والمالية.
هذا المشروع يأتي بالتزامن مع إحصاءات مديرية المرور التي تشير إلى أن 40% من الحركة المرورية الصباحية في المناطق المركزية بالعاصمة بغداد سببها تنقل الموظفين والمراجعين للمباني الحكومية. كما تُقدِّر الحكومة أن ما لا يقل عن نصف مليون عراقي يتوافدون يوميًا إلى بغداد لإنجاز معاملاتهم الرسمية، مما يشكل عبئًا هائلًا على العاصمة من مختلف النواحي.
*مشروع العاصمة الإدارية الجديدة
يُقدَّم مشروع العاصمة الإدارية الجديدة في بغداد على أنه خطوة حضرية طموحة تسعى إلى تحديث البنية التحتية وإعادة تشكيل المشهد العمراني للعاصمة العراقية، من خلال تخصيص مساحات متكاملة لكل وزارة وفق بنية تحتية حديثة، في وقت يخوض الموظفون والمراجعون معركة يومية ضد الزمن والزحام أمام مبانٍ حكومية شيّدت بعشوائية.
ويشير المواطن أحمد كاظم إلى الصعوبات الجمّة التي يواجهها أثناء تنقله بين الوزارات لإنجاز معاملاته الرسمية، قائلاً: "كل زيارة لدائرة حكومية تتحول إلى رحلة مرهقة تستنزف الوقت والجهد بسبب الزحام المروري الخانق الذي تعيشه شوارع بغداد"، متسائلاً: "لماذا لا نلجأ إلى حلول مجربة مثل إنشاء مجمع وزاري موحد يختصر كل هذه المعاناة؟".
كما أيد الموظف الحكومي سلام جعفر هذا التوجه، مشيراً خلال حديثه إلى أن "إنشاء مدينة إدارية متكاملة للوزارات، أصبح ضرورة ملحة لتجاوز العراقيل اليومية التي تواجه الموظفين والمراجعين على حد سواء".
*قيد الدراسة
وفي تشرين الثاني الماضي، أعلنت لجنة الاستثمار والتنمية النيابية في عن مشروع طموح لإنشاء المدينة الإدارية، والذي من المتوقع أن يضم الدوائر والوزارات كافة. اذ قال رئيس لجنة الاستثمار والتنمية النيابية النائب حسن قاسم الخفاجي أن "هناك خطة حكومية للإعلان عن العاصمة الإدارية الجديدة خلال الفترة المقبلة"، مشيراً إلى أن الموقع المحدد للمشروع سيكون "جنوب بغداد باتجاه منطقة علوة الرشيد وضمن مساحة كبيرة".
واليوم الخميس، يكشف المتحدث الرسمي باسم وزارة الإعمار والإسكان نبيل الصفار أن مقترح إنشاء مجمع إداري موحد للوزارات ما زال قيد الدراسة، مع الإشارة إلى وجود خطة بديلة تركز حالياً على إنشاء مدن سكنية حضرية.
ويقول الصفار إلى أن "المقترح الحالي يتضمن تخصيص 50 دونماً لكل وزارة لإنشاء مبانٍ خاصة بها ضمن مدينة النهروان"، لكنه أضاف أن "الأولوية الحالية هي لإنشاء المدن السكنية، التي ستضم جميع المرافق الحكومية والخدمية".
وتشمل هذه المدن الجديدة - حسب الصفار - مرافق تعليمية من مدارس وجامعات، ومنشآت صحية، وهي مستشفيات ومراكز طبية، إضافة الى بنية تحتية متكاملة، ومساحات خضراء ومرافق ترفيهية، لافتا الى أن "نقل الوزارات خارج بغداد يتطلب تخصيصات مالية كبيرة"، مشيراً إلى أن "التحول الكامل للمؤسسات الحكومية قد يتم لاحقاً بعد اكتمال إنشاء هذه المدن العصرية".
من جانبه، يؤكد مستشار وزارة البيئة الدكتور عمار العطا، أن مشروع إقامة مجمع إداري موحد للوزارات سيحقق جملة من الفوائد المتعددة، تشمل الجوانب الإدارية والاقتصادية والبيئية، فضلًا عن تعزيز الجانب الأمني، مشيرًا إلى أن العديد من الدول العربية والعالمية اعتمدت هذا النموذج لما له من أثر ملموس في رفع كفاءة الأداء الحكومي.
ويقول العطا، إن "تجميع الدوائر الوزارية في موقع واحد يسهّل التنسيق بين الجهات الحكومية، ويقلل من البيروقراطية، ويوفر الوقت والجهد على المواطنين، من خلال تقليص الحاجة إلى التنقل بين أماكن متفرقة لمراجعة الدوائر المختلفة". ويضيف أن هذه الخطوة ستعزز الحوكمة والرقابة الإدارية، من خلال إنهاء تشتيت مواقع العمل وتوحيد الجهود تحت مظلة إدارية واحدة.
وأشار إلى أن المجمع الموحد سيحقق وفورات مالية كبيرة، تتمثل في تقليص تكاليف الإيجارات، والصيانة، وخدمات الأمن والنقل، مؤكدًا أن وجود منظومة أمنية مركزية وسيطرة واحدة سيسهم في تعزيز الاستقرار وضبط الأداء.
ويلفت مستشار وزارة البيئة إلى جانب آخر بالغ الأهمية، يتمثل في البُعد البيئي للمشروع، موضحًا أن "المجمع سيُشيَّد وفق معايير الأبنية الحديثة، بما يضمن تحسين كفاءة استهلاك الطاقة وإدارة المياه والنفايات"، مبينًا أن التجارب العالمية في هذا المجال عديدة، مثل المدينة الإدارية في مصر، ومجمع الوزارات في الرياض، وكذلك نماذج مماثلة في ماليزيا وألمانيا.
ويشدّد العطا على أهمية دمج الاعتبارات البيئية في مرحلة التخطيط، والالتزام بالمعايير الدولية المعتمدة في الأبنية، مثل معيار "LEED" الأميركي و"BREEAM" البريطاني، داعيًا إلى اعتماد النقل الجماعي كجزء من الحلول الذكية، من خلال توفير خطوط نقل سريعة ومباشرة تربط المجمع الإداري الجديد بالمناطق الحيوية، بما يسهل الوصول إليه ويقلل من البصمة الكربونية.
ويمكن أن تشكّل الخبرات المصرية رافدًا مهمًا لمشروع العاصمة الإدارية الجديدة في بغداد، غير أن نجاح التجربة في العراق يتطلب معالجة العقبات الإدارية والسياسية والمالية، لضمان تنفيذ المشروع وفق رؤية واضحة، بعيدًا عن التحديات التي قد تعرقل الاستفادة الكاملة من التجربة المصرية.
وفي شهر شباط الماضي، أعلنت وزارة الإعمار والإسكان العراقية، أن أربع شركات مصرية رائدة في مجال الإنشاءات تقدمت بطلبات لتنفيذ مشروع العاصمة الإدارية الجديدة في بغداد. اذ قال رئيس هيئة المدن الجديدة في وزارة الإعمار والإسكان العراقية، حامد عبد حمد، إن "أربع شركات مصرية كبرى ذات خبرة في إنشاء المدن الجديدة والعواصم الإدارية تقدمت بطلباتها لتنفيذ المشروع، ومن بينها شركات تعمل حاليًا على تنفيذ مشاريع مدن جديدة في بغداد ومحافظات أخرى، إلى جانب مشاريع مماثلة في مصر".
كما يكشف المهندس الدكتور محمد السيد، مدير عام دائرة التنمية الإقليمية والمحلية في وزارة التخطيط، عن وجود مقترحات ودراسات متقدمة لإنشاء مدينة إدارية خارج العاصمة بغداد، بهدف تخفيف الضغط السكاني والمروري والاقتصادي المتزايد الذي تعاني منه المدينة، مشيرًا إلى أن هذا المشروع خضع لمراحل من البحث والتقديم أمام الحكومات المتعاقبة منذ عام 2016.
ويبين السيد إن "استقرار أغلب الفعاليات والمؤسسات الاقتصادية والمجتمعية في بغداد، من مصانع وأسواق ومقار وزارات، أسهم في تضخم عدد السكان، مضيفًا أن "توفر فرص العمل في تلك المؤسسات ساعد على استمرار الزحف السكاني، في ظل تحسن الوضع المعيشي وزيادة امتلاك السيارات، ما تسبب باختناقات مرورية وضغط كبير على البنية التحتية والخدمات العامة، رغم أن مساحة العاصمة لا تتجاوز 880 كيلومترًا مربعًا".
ويوضح أن الدائرة اقترحت في دراسات رسمية رفعت إلى رئاسة الوزراء، إنشاء مركز حضري جديد يتضمن نقل الوزارات من المناطق المكتظة في وسط العاصمة، مثل المنطقة الممتدة بين نصب الشهيد والجندي المجهول، إلى خارج المدينة ضمن مشروع "مدينة إدارية" متكاملة، تحتفظ بغداد بموقعها كعاصمة وطنية، فيما تتولى المدينة الجديدة المهام الإدارية والمؤسساتية.
ويضيف: "هذا المشروع سيؤدي تدريجيًا إلى انتقال عدد كبير من الموظفين والعاملين في الوزارات إلى المدينة الجديدة، مما يخفف العبء السكاني عن بغداد، ويعيد التوازن في توزيع السكان والخدمات". ويشير السيد إلى أن هناك عدداً من المواقع المقترحة لإنشاء المدينة الإدارية، منها قضاء المدائن ضمن محيط العاصمة، فيما تُدرس أيضًا مقترحات أخرى أكثر طموحًا لإنشاء المدينة على بعد يتراوح بين 200 إلى 300 كيلومتر عن بغداد، وفقًا للتجارب الدولية، بهدف ضمان استقلالية المدينة الجديدة وعدم تحولها إلى امتداد عمراني للعاصمة.
ويلفت إلى أن من بين المقترحات الاستراتيجية أن يتم إنشاء المدينة على امتداد طريق المرور السريع بين بغداد والبصرة، مما يتيح مرونة في توزيع الخدمات والربط مع المحافظات الجنوبية، وتخفيف الضغط عن اتجاه واحد فقط من العاصمة.
وفي ما يتعلق بالتمويل، يؤكد السيد أن "تكلفة المشروع تقدر بنحو 50 مليار دولار، وقد تكون أكثر أو أقل، وهي أرقام تعتمد على حجم البنى التحتية المطلوبة، ونقل المؤسسات، ومستوى البناء المعتمد"، مشيرًا إلى إمكانية تنفيذ المشروع بالشراكة بين القطاع العام والخاص، أو عبر الاستثمار، مع التأكيد على أهمية وجود توافق مجتمعي واسع قبل الشروع في تنفيذ المشروع، وتحديد الموقع الأنسب وفقًا لمتطلبات التنمية والتخطيط الإقليمي.
كما يحذّر مراقبون من أن توقيت الإعلان، الذي يتزامن مع قرب الانتخابات، يطرح فرضية استغلاله لكسب تأييد القوى السياسية وضمان توافقها على المشروع مقابل مكاسب معينة.
من جانبه، أوضح عضو غرفة تجارة بغداد، عمر القيسي في شهر شباط الماضي، أن "العاصمة الإدارية الجديدة تهدف بالدرجة الأولى إلى توسيع الحدود الحالية لبغداد، ومعالجة عدد من الأزمات القائمة، مثل أزمة السكن والازدحام المروري، إضافة إلى تحسين خدمات المؤسسات والدوائر الحكومية".
وأضاف القيسي، أن "العراق يرى في التجربة المصرية لإنشاء العاصمة الإدارية الجديدة في ضواحي القاهرة نموذجًا ناجحًا، ويسعى إلى تكراره، لكن بشكل عملي وبعيد عن البذخ، حيث ستتضمن المدينة الجديدة مباني وأبراجًا خدمية تابعة للوزارات والمؤسسات الحكومية، إلى جانب الشركات العامة والخاصة". وأشار إلى أن فكرة المشروع تعود إلى عام 2020، لكنها تأجلت بسبب جائحة كورونا والأزمات المالية، مضيفًا أن "العراق يرى في الشركات المصرية جهة مثالية لتنفيذ هذا المشروع".
أكد القيسي أن تكلفة المرحلة الأولى من المشروع قد تصل إلى 8 مليارات دولار، وتشمل تطوير مساحة تبلغ 25 كيلومترًا مربعًا. ومن المتوقع أن تضم المدينة، إلى جانب الوزارات والمؤسسات الحكومية، مجمعات سكنية تستوعب مئات الآلاف من المواطنين.
لا شكّ أنّ مشروع العاصمة الإدارية الجديدة يعدّ خطوة جريئة نحو إعادة رسم المشهد الحضري للعراق، لكن نجاحه سيعتمد على مدى قدرته على معالجة التحديات الحقيقية التي يواجهها المواطنون، وضمان أن يكون جزءًا من رؤية شاملة للتنمية المستدامة، وليس مجرد مشروع رمزي يضيف عبئًا جديدًا على كاهل البلاد.
ويواجه مشروع العاصمة المتلكئ منذ سنوات، مجموعة من العقبات التي قد تحول دون تنفيذه على أرض الواقع، حيث تتداخل عدة عوامل تؤثر بشكل مباشر على سير العمل فيه، من نقص في البنية التحتية اللازمة إلى تحديات مالية وتنظيمية، فضلًا عن تعقيدات سياسية وأمنية قد تخلق بيئة غير مستقرة.
وتمثل التحديات المالية عقبة رئيسية أمام المشروع، فمع قرب انتهاء ولاية الحكومة الحالية، تبرز مشكلة تأمين السيولة المالية اللازمة للمشروع، ويبدو أن هناك مخاوف من أن يلقى المشروع مصير العديد من المشاريع المتعثرة التي توقفت بسبب تغير الحكومات وعدم التزام الإدارات الجديدة بها، كما أن أي تأخير في التمويل قد يخلق نزاعات قانونية مع الشركات المنفذة، مما يهدد استمرارية العمل ويؤدي إلى تعطيله.