متحف الموصل بالذكرى التاسعة لتخريبه.. قوى الظلام تُدمر وكردستان تسوّق وأميركا تنهب.. كيف بيعت القطع الأثرية للمتحف؟ وما دور الإقليم بذلك؟
انفوبلس/ تقارير
"أُم الثغور التي ناغى ملاعبها.. زاد الضُحى إذ رُبوع الشرق في الطفل، يا موصل العرق من شرقٍ تمد به.. للغرب حبلاً بعِرقٍ منهُ متصلُ"، لم يكن يعلم الجواهري عندما تغنّى بالموصل بهذه الأبيات، أن الدهر سيتكالب عليها وتتعرض معالمها للنهب والخراب، فمتحفها الذي تمر اليوم تسع سنوات على تخريبه من قبل قوى الظلام، لا زالت طريقة بيع قطعه الأثرية مبهمة ولا زال دور إقليم كردستان بنقل تلك القطع وتسويقها وصولاً إلى المتاحف العالمية غير مسلَّط عليه الضوء. فكيف خُرِّب ثاني أكبر وأقدم متحف في العراق؟ وكيف بيعت قِطَعه الأثرية؟ وما دور الإقليم الخفي بذلك؟
*تخريب عام 2015
في 26 فبراير/ شباط عام 2015 بثّت عصابات داعش الإرهابية تسجيلا مصورا يظهر فيه اقتحام مسلحيها لمتحف الموصل بمشهد وصفته حينها منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلم والثقافة "يونسكو" (UNESCO)، بـ"المأساة الثقافية" وهم يحطّمون الآثار القديمة داخله، والتي منها تماثيل لآلهة تعود إلى حضارات بلاد الرافدين، والثيران الآشورية المجنحة، وذلك بعد أن تعرض للنهب والتدمير قبل ذلك عام 2003 عقب الغزو الأميركي للبلاد.
وقال مدير متحف الموصل آنذاك زيد العبيدي، إن التدمير الذي حصل كان غطاءً لجريمة لا يمكن غض البصر عنها وهي سرقة الآثار النفيسة من المتحف وبقية المواقع الأثرية الأخرى مثل النمرود وتل النبي يونس ومنارة الحدباء وإضاعة ملامح تلك السرقة بعمليات التدمير التي جاءت بعدها.
*كيف تم بيع قطع المتحف الأثرية؟
تعرض متحف الموصل لعمليات نهب وسرقة واسعة النطاق على مدار التاريخ، بدءاً من الغزو الأمريكي للعراق عام 2003 ووصولاً إلى احتلال تنظيم داعش للمدينة عام 2014.
ففي عام 2003، تعرض المتحف لعملية نهب منظمة بعد سقوط نظام الطاغية صدام، حيث تمت سرقة ما يقارب 15 ألف قطعة أثرية من قاعاته.
بعد ذلك، تم تهريب بعض القطع المسروقة إلى الخارج وبيعها في السوق السوداء، بينما تم إتلاف البعض الآخر.
أما في عام 2014، فقد سيطر تنظيم داعش الإرهابي على مدينة الموصل ونهب متحفها بشكل ممنهج، حيث قام التنظيم بتحطيم العديد من القطع الأثرية، بينما قام ببيع البعض الآخر لتمويل عملياته.
بعد ذلك، هرّب التنظيم بعض القطع المسروقة من المتحف إلى خارج العراق، ثم أقدم على بيعها في السوق السوداء وبمبالغ أقل بكثير من قيمتها.
تمكنت السلطات العراقية من استعادة بعض القطع المسروقة خلال السنوات التالية، لكن لا تزال كمية كبيرة منها مفقودة.
أما عن طرق بيع القطع الأثرية، فقد تم بيع بعض القطع المسروقة من متحف الموصل في السوق السوداء، حيث يتم عرضها للبيع على الإنترنت أو من خلال شبكات سرية من التجار.
وتم بيع بعض القطع المسروقة أيضاً في مزادات علنية، حيث تم إخفاء مصدرها الحقيقي من خلال تزوير الوثائق أو شهادات المنشأ.
وكذلك تم بيع بعض القطع المسروقة إلى المتاحف والمجموعات الخاصة، حيث عمد التنظيم الإرهابي على إخفاء مصدرها الحقيقي من خلال عمليات التزوير.
*دور كردستان في نقل القطع وتسويقها
بعد استعادة مدينة الموصل من تنظيم داعش عام 2017، لعبت حكومة إقليم كردستان دورًا خفياً في نقل القطع الأثرية المسروقة من متحف الموصل إلى أماكن داخل الإقليم.
بعد ذلك، أقدمت حكومة الإقليم على تسويق بعض من القطع الأثرية إلى خارج العراق ثم إلى المتاحف العالمية، وكان ذلك لقاء مبالغ بملايين الدولارات.
كان الهدف من تسويق القطع الأثرية هو جمع الأموال لإعادة تأهيل متحف الموصل وترميم القطع الأثرية المسروقة منه، وفق ما ادّعته آنذاك كردستان، لكن مصادر كشفت بعد ذلك أن التسويق هو غطاء يتخذه الإقليم لبيع تلك القطع على غرار ما فعله داعش عام 2014.
تعاونت حكومة إقليم كردستان مع بعض المتاحف العالمية لعرض بعض القطع الأثرية المسروقة من متحف الموصل، وواجهت آنذاك الكثير من الانتقادات من قبل بعض الجهات التي اعتبرت أن تسويق القطع الأثرية هو بمثابة بيع للتراث الثقافي العراقي.
دعت هذه الجهات حكومة الإقليم إلى إعادة جميع القطع الأثرية إلى العراق دون مقابل ووعدت الأخيرة بتحقيق ذلك، لكنها نكثت بجميع الوعود واستمرت بالبيع تحت غطاء التسويق لسنوات كثيرة.
*بُعدان تاريخي ومجتمعي
يُعد المتحف، ثاني أكبر وأقدم متاحف العراق، بعد المتحف الوطني ببغداد، وكان قد أُنشئ عام 1952، قبل أن يتم تطوير مبناه عام 1972، ويضم 4 قاعات كبيرة لعرض تحف أثرية يعود تاريخها لعصور وحضارات قديمة كالآشورية، كما يضم آثاراً إسلامية، فضلا عن مكتبة عامة تحوي مخطوطات وكتباً مختلفة لعدد من الأساتذة والباحثين. كما يضم قطعاً أثرية من الحقبة الهيلينية التي سبقت المسيحية بـ3 قرون، فضلا عن قطع صغيرة متنوعة تعود إلى القرن التاسع قبل الميلاد، عُثر عليها في القصور الملكية بمدينة نمرود الأثرية بجنوب شرقي الموصل، والتي تم تدميرها أيضا.
ولم يقتصر دور المتحف على عرض الآثار والمقتنيات القديمة فحسب، بل شهدت قاعاته ومكتبته الغنية عشرات الأنشطة الثقافية والفنية، التي أسهمت بتعزيز الواقع الثقافي للمجتمع في المدينة.
*كم عدد القطع الأثرية التي استعادها العراق؟
يؤكد المدير الإعلامي للهيئة العامة للآثار والتراث في وزارة الثقافة حكيم الشمري، أن جهود استعادة الآثار المسروقة مستمرة حيث تعمل الوزارة على إعادة هذه القطع إلى موطنها الأصلي وفق الاتفاقيات الدولية التي تؤكد ضرورة إعادة الممتلكات الثقافية لأصحابها.
وأضاف الشمري، أن "العراق تمكن في السنوات الأخيرة من استعادة نحو 17 ألف قطعة أثرية من الولايات المتحدة و364 من لبنان"، ويقدر العدد الإجمالي للآثار المنهوبة بالآلاف، مؤكدا أن العمل جار لاستعادة الآثار من دول أخرى.
كما أعلن العراق في وقت سابق، إعادة 9 قطع أثرية مسروقة من الولايات المتحدة، بما في ذلك 7 أختام تعود إلى العصر البابلي، وقطعة من العاج على شكل وجه بشري، ولوح طيني من العصر البابلي الأوسط.
وسبق ذلك استعادة آلاف القطع دفعة واحدة بعد حكم قضائي أميركي في يوليو/ تموز عام 2017 ألزم شركة "هوبي لوبي" بأن تعيد القطع التي تعود إلى حقبة بلاد ما بين النهرين، والتي صُدِّرت إلى الولايات المتحدة بطريقة غير قانونية، ويُقدر عددها بالآلاف.