ملوحة شط العرب تزيد معاناة البصرة.. توقعات بصيف صعب وتحذير من فقدان الماء الصالح للشرب والزراعة
انفوبلس/..
تواصل الملوحة في شط العرب بمحافظة البصرة أقصى جنوبي العراق، ارتفاعها تاركةً آثاراً سلبياً على الحياة برمتها هناك، بدءاً من تأثيراتها على الإنسان حيث عدم وجود مياه صالحة للشرب، وصولاً إلى الضرر بالزراعة والثروة الحيوانية.
تعيش البصرة على مياه شط العرب بنسبة كبيرة جدًا، وتعتبره المورد الرئيسي لها، لكنّ مختصين بدأوا يستشعرون الخطر خلال السنوات القليلة الماضية بفقدان الرئة المائية للمحافظة بعد اكتساح الملوحة للمياه التي تتجه نحو القضاء على حياة الكائنات فيه، ومن المعروف أنّ شط العرب، أو ما يسمى بـ"دجلة العوراء"، يتكون من التقاء نهري دجلة والفرات، حيث يلتقي نهر دجلة مع المجرى الأعلى للفرات بمدينة القرنة، فيما يلتقي دجلة والفرات الأسفل في قضاء كرمة علي.
ووفقًا لمعايير منظمة الصحة العالمية، فيجب ألا تزيد نسبة الملوحة في مياه الشرب 500 درجة من مقياس TDS، في حين تتعدّى الملوحة في البصرة أضعاف هذا الرقم، بحسب المراقبين والمختصين.
*نسبة مرتفعة
قبل نحو 10 أيام، حذرت الإدارة المحلية في قضاء الدير شمالي البصرة، من استمرار ارتفاع نسبة التراكيز الملحية بمياه شط العرب في تلك المنطقة، وناحيتي الشافي والنشوة، فيما أرجعت السبب إلى المياه المتدفقة من نهر الشافي، واستعرضت مقترحاً بإنشاء بوابات تتحكم بحركة المياه.
ويُعد نهر الشافي هو أحد الأنهار المتفرعة من شط العرب فضلاً عن كونه المغذي الرئيسي لهور الشافي شمالي البصرة.
وبحسب قائمقام قضاء الدير عدنان حسين، فإن "نسبة التراكيز الملحية في مياه شط العرب التي تعتبر المغذي الرئيسي لمياه شبكات الإسالة بالقضاء ارتفعت مؤخراً إلى 3500 TDS، في حين أن المقياس العالمي للملوحة يعتبر درجة فوق 1200، مياهاً غير صالحة للاستخدام"، مبيناً أنه "في حال استمرار ارتفاع هذه النسبة فإن الخطر سيهدد المحاصيل الزراعية في القضاء".
بعد تشكيل لجنة من الجهات الحكومية من موارد مائية وزراعة للبحث عن أسباب ارتفاع التراكيز الملحية في شط العرب تبين أنها المياه التي تصله من نهر الشافي الفرعي، وفق حسين، الذي أشار إلى أنه هناك تحركا حكوميا لزيادة الإطلاقات المائية باتجاه البصرة فضلاً عن وجود نية لإنشاء بوابات تتحكم في المياه الداخلة والخارجة من نهر الشافي.
*كارثة قادمة
علاء البدران، وهو متخصّص بشؤون المياه في محافظة البصرة، يقول إنّ "ظاهرة المد الملحي تتكرّر في كل عام نتيجة لقلة التصاريف المائية الواردة إلى شط العرب، وتذبذبها بسبب التجاوزات على حصة المحافظة من قبل مزارعي ميسان، فضلًا عن تجاوزات الشركات النفطية التي تستخدم كميات كبيرة من المياه لأغراض الحقن".
حاليًا، سجلت معدلات الملوحة في شط العرب أرقامًا كبيرة حيث إن اللسان الملحي تعدى منطقة الهارثة ويتجه شمالًا بسبب ضعف الإطلاقات، بحسب البدران.
وبحسب الخبير المائي، فإنّ قراءات التراكيز الملحية لهذا الأسبوع في الهارثة بلغت حوالي 4500 على مقياس tds، وهي أرقام كبيرة؛ إذ إنّ المعدل المسموح به هو أقل من 1000. تجدر الإشارة إلى أن هذه النسبة هي لسنة 2022 وتحديداً في الشهر الثامن منها.
وتقع مدينة الهارثة شمال شرق محافظة البصرة على الضفة الشرقية لنهر الفرات، يحدها من الشمال قضاء القرنة وجنوبًا مركز محافظة البصرة، وهي تبعد عن البحر 130 كم.
وفي شمال المحافظة يستخدم البصريون، مياه ملوحتها 2000 على مقياس tds، لأغراض الغسل والزراعة، وفقًا للخبير المائي، الذي قال أيضًا إنّ "الأملاح بلغت أكثر من 28000 على مقياس tds، وهي مقاربة لملوحة مياه البحر والتي تبلغ 30000".
*أرقام وإحصائيات رسمية
وأصبح ملف ملوحة شط العرب حديث الشارع البصري كونه يصب في صميم الحياة في المحافظة، إذ يقول زهير جواد مدير ماء البصرة، إنّ "هناك العديد من الأسباب وراء ارتفاع الأملاح في شط العرب أبرزها تراجع الإطلاقات من ناظم قلعة صالح في محافظة ميسان؛ وكذلك غلق جريان نهر الكارون من الجانب الإيراني"، وفق قوله.
وأضاف جواد، إن "تراجع الإطلاقات المائية أسفر عن دخول المد الملحي من الخليج العربي إلى شط العرب".
وتحدّث المسؤول الحكومي، عن نسب الملوحة، حيث أكد أنّ "الارتفاع وصل إلى نسبة تتراوح بين الثلث إلى النصف من الأرقام الأعلى التي سجلها العراق خلال العام 2018".
وفي 2018، بلغت نسبة الملوحة بمياه شط العرب بمركز البصرة الى 7500 tds فيما بلغت نسبة ملوحة المياه بناحية الكرمة 4 آلاف tds.
من جهته، حذر النائب عن محافظة البصرة، أحمد طه الربيعي، من ارتفاع تركيز ملوحة المياه المستمر بدءاً من جنوب المحافظة وصولا إلى شمالها، فيما أشار إلى أن هذا الأمر يهدد الثروة السمكية والحيوانية وقطاع الزراعة.
وقال الربيعي إن “تركيز الملوحة مازالت في ارتفاع مستمر، بسبب انخفاض مناسيب المياه المتدفقة من دجلة والفرات نحو شط العرب، وهذا الأمر يؤثر على الثروة السمكية والحيوانية وقطاع الزراعة بالمحافظة”.
وأضاف، إن “هناك العديد من المشاريع المتلكئة بسبب الحكومة المركزية ووزاراتها، مما أثر على محافظة البصرة، التي توفر 90 في المائة من واردات الموازنة العامة للعراق في كل عام”.
وطالب الربيعي، حكومة البصرة، بـ”أخذ الحقوق دون انتظار أن يُعطى إليها الفتات فقط”، واصفاً دور الحكومة المحلية باستحصال حقوق البصرة بأنه “دون مستوى الطموح”.
وأوضح، إن “البصرة تمتلك مشروع الناظم على شط العرب، والذي يتحكم بتدفق المياه من وإلى شط العرب باتجاه البحر، بالإضافة إلى مشروع الأنبوب الناقل لمياه البدعة، والذي حصل على قرار مجلس الوزراء إلا أنه لم يشهد أي تطبيق على أرض الواقع، فضلاً عن مشروع ماء البصرة الكبير والذي لو نُفذ، لغذّى مناطق كثيرة من المحافظة”.
ويهدد استمرار ارتفاع اللسان الملحي، الحياة بشكل عام، فالمياه الصالحة للشرب قد لا تكون متوفرة، كما أن الزراعة وحتى الثروة الحيوانية تتأثران بشكل مباشر جراء هذا الارتفاع الملحي.