البرلمان يفشل بعقد جلساته في أوقاتها المحددة.. النصاب تُخلخله المزاجات وتكمّله التوافقات
لا التزام بالمواعيد
البرلمان يفشل بعقد جلساته في أوقاتها المحددة.. النصاب تُخلخله المزاجات وتكمّله التوافقات
انفوبلس/..
"مجلس النواب يؤجل جلسته نصف ساعة لعدم اكتمال النصاب القانوني".. هذا هو بيان مقتضب دأبت الدائرة الإعلامية للبرلمان العراقي على نشره كل جلسة للمجلس، فموضوع عقد الجلسات في وقتها المحددة بات أمرا شبه مستحيل.
حتى المحررون العاملون في وسائل إعلام مختلفة، بات خبرهم جاهزاً عن تأجيل الجلسة لـ"نصف ساعة" في البداية، لكن هذه النصف ساعة تتمدد لتصل أحياناً إلى 3 ساعات أو أكثر، وللإنصاف أقل بقليل في بعض الأحيان.
وكان موضوع تأجيل انعقاد جلسات مجلس النواب العراقي لساعات أو أيام في بادئ الأمر يقتصر على الجلسات التي تتضمن جدول أعمالها فقرات حاسمة ومصيرية مثل إقرار قانون الموازنة الاتحادية العامة أو انتخاب رئيس جديد للمجلس أو ما يخص مواضيع الانتخابات وما إلى ذلك من الفقرات المهمة، لكن المفارقة تتمثل في أن حالات التأجيل هذه صارت ملازمة وتحدث حتى لو تضمن الجدول فقرة واحدة قليلة الأهمية.
*النصاب
ويعتمد عقد جلسات البرلمان على مصطلحات الأغلبية المطلقة والاغلبية البسيطة والنسبية لاتخاذ قرارات مجلس النواب وفق جدول اعماله.
ويقصد بالنصاب القانوني: هو حضور العدد اللازم من اعضاء مجلس النواب قاعة انعقاد المجلس وفقا لما نص عليه الدستور لكي يعتبر انعقاد المجلس صحيحا، ويتمكن من اتخاذ القرارات المنظورة من قبله لابد من أن يتم حضور العدد اللازم لانعقاده وفق القانون بالأغلبية المطلقة لعدد اعضاء مجلس النواب كما نص عليه الدستور حتى يكون انعقاده موافقا للقانون وصحيحا ومن ثم الشروع في اتخاذ الاجراءات اللازمة للنظر في مواضيع جدول اعمال المجلس النيابي.
إن النصاب القانوني يتحقق لمجلس النواب بحضور الاغلبية المطلقة لعدد اعضائه، اذ نصت الفقرة اولا- من المادة (59) من الدستور على (يتحقق نصاب انعقاد جلسات مجلس النواب بحضور الاغلبية المطلقة لعدد أعضائه). بينما نصت الفقرة ثانيا - من المادة المذكورة - على (تتخذ القرارات في جلسات مجلس النواب بالأغلبية البسيطة، بعد تحقق النصاب، ما لم ينص على خلاف ذلك).
اذ يتضح ان الدستور العراقي قد فرق شأنه شأن دساتير الدول الأخرى بين تحقق النصاب القانوني لانعقاد البرلمان (مجلس النواب) وبين اتخاذ القرارات، فالنصاب القانوني يتحقق بحضور الاغلبية المطلقة لعدد اعضاء المجلس أي لا بد من حضور 165 نائباً من نواب المجلس (50 زائد واحد) حتى يتحقق النصاب القانوني (وهذه هي الاغلبية المطلقة).
في حين انه يكفي لاتخاذ القرارات ان تحصل على الاغلبية البسيطة أي (50+1) من الاعضاء الحاضرين الذين يكتمل النصاب القانوني بحضورهم وليس من العدد الكلي لأعضاء مجلس النواب.
وقد اشترط الدستور تحقق النصاب القانوني حتى يعتبر انعقاد المجلس صحيحا، فان لم يتحقق النصاب القانوني فلا يجوز انعقاد الجلسة، وتتخذ هذه النسب المنصوص عليها في الدستور العراقي حسب اهمية القرارات في موضوعات مشاريع القوانين المنظورة من قبل مجلس النواب للمصادقة عليها.
*ماذا يقول القانون؟
تنص المادة 23 من قانون النظام الداخلي لمجلس النواب، على انه: يتحقق نصاب انعقاد المجلس بحضور الأغلبية المطلقة لعدد أعضائه وتتخذ قراراتُه بالأغلبية البسيطة لعدد الأعضاء الحاضرين ما لم ينص الدستور على غير ذلك، وعند تساوي الأصوات يرجح الجانب الذي صوت معه الرئيس.
أما المادة 24، فتؤكد على انه: "لا يجوز افتتاح الجلسة إلا بحصول النصاب القانوني للحضور المنصوص عليه في المادة (23) من هذا النظام، وإذا تبين أن النصاب القانوني لم يكتمل أَجَّلَ الرئيس افتتاحها لمدة لا تقل عن نصف ساعة، فإذا لم يكتمل أيضاً يعلن الرئيس تأجيل الجلسة ويعين موعداً آخر لانعقادها".
*مزاجات الساسة تُخلخل النصاب وتكمّله
تتحقق عملية اكتمال النصاب القانوني، وفق المزاج السياسي لقادة الكتل فمتى ما أرادوا ذلك تحقق النصاب، ومتى ما أرادوا خلخلته تخلخل وأرجأت الجلسة لموعد لاحق.
أما التأجيلات "المؤقتة" التي ترافق الجلسات الحالية فهي نابعة من عدم حضور أعضاء مجلس النواب أي "الغياب" واقتصار حضور الكثير منهم على الجلسات المهمة فقط، بل ويحضر آخرون وفق مزاجهم.
ونصت المادة 18 من النظام الداخلي لمجلس النواب، على ما يلي:
أولاً: يُنشر الحضور والغياب في نشرة المجلس الاعتيادية وإحدى الصحف.
ثانياً: لــــ(رئيس المجلس ونائبيه) مجتمِعِينَ في حالة تكرر الغياب من دون عذر مشروع خَمسَ مراتٍ متتالية أو عشرَ مرات غيرَ متتالية خلال الدورة السنوية أن يوجهوا تنبيهاً خطياً إلى العضو الغائب يدعونه إلى الالتزام بالحضور، وفي حالة عدم امتثاله لرئيس المجلس ونائبيه يُعرَضُ الموضوع على المجلس بناءً على طلب منهم.
ثالثاً: تُستقطع من مكافأة عضو مجلس النواب في حالة غيابه نسبة معينة يحددها المجلس.
*توجيه رئاسة البرلمان بشأن الحضور
وفي 1 شباط الماضي، صوّت مجلس النواب العراقي، على قرار يقضي بفرض غرامة مالية مقدارها مليون دينار عراقي عن كل يوم غياب لكل عضو من أعضائه.
وذكرت الدائرة الاعلامية للمجلس في بيان أن رئيس مجلس النواب بالنيابة محسن المندلاوي طلب من اعضاء مجلس النواب التصويت على قرار نيابي يتضمن استقطاع مبلغ ( مليون دينار عراقي) من راتب النائب عن كل يوم غياب بدون اجازة رسمية.
وأضاف البيان أن مجلس النواب صوت على نص القرار أعلاه.
وجاء هذا القرار بعد زيادة نسبة الغياب بين نواب البرلمان مما عرقل الجلسات التي افتقدت للنصاب القانوني التي يتطلبها عقد الجلسة، وهو حضور 165 نائباً أي بمقدار النصف زائداً واحداً.
ويعود سبب غياب أعضاء البرلمان إلى موقف سياسي اعتراضاً على بعض القوانين، وبرز هذا واضحاً في دورة تشكيل الحكومة الحالية.
ويعتقد أستاذ العلوم السياسية في الجامعة المستنصرية عصام الفيلي، أن نائب رئيس البرلمان أراد من فرض عقوبات على النواب المتغيبين تأسيس ثقافة جديدة للحياة البرلمانية.
وأضاف "أن البرلمان طيلة سنواته السابقة لا يُلبّي مستوى الطموح، والغياب المتكرر بدأ يتخذ شكلاً من أشكال القضاء على مفاهيم الحياة النيابية، في وقت يجب أن يتم تشريع الكثير من القوانين. كما أنه بغياب الغرامة النيابية بدا أن بعض النواب لا يكترثون بحضور الجلسات، علماً أنه إذا رجعنا للعهد الملكي نلحظ تشديداً كبيراً في هذا الخصوص، وتظهر محاضر مجلس النواب طلبات تجديد الإجازات حتى لو كانت مرضية".
ولفت إلى أنه من النادر أن يتجاوز عدد النواب الحاضرين الثلثين مما خلق مشكلة في عرقلة عمل اللجان وأعطى انطباعاً أن البرلمانيين غير مكترثين بمسؤولياتهم، مقارنة بما يتمتعون به من حقوق وامتيازات.
*تشديد العقوبة
وقال الفيلي "أتمنى أن تتم مضاعفة الغرامة بتكرار الغياب ويجب أن تكون هناك عقوبات رادعة"، لافتاً إلى أن المبلغ قليل ومعظم النواب قد يفضلون دفع الغرامة باعتبار أنها لا تمثل شيئاً بالنسبة إليهم، وبالتالي إذا تم تشديد العقوبة قد تكون رادعة.
وشدد على ضرورة أن يتم اتباع الأتمتة في موضوع حضور الجلسات عن طريق بصمة الوجه لضمان استمرار وجود النائب وعدم مغادرته الجلسة، وأن يتم اتباع التصويت الإلكتروني.
وعلى الرغم من أن النظام الداخلي لمجلس النواب قد فرض إجراءات عقابية صارمة بحق النائب المتغيب تصل حد إقالته، إلا أن مجلس النواب العراقي لم يطبق هذا الإجراء على مدى خمس دورات متتالية من عمر البرلمان، لا سيما بحق رؤساء الكتل السياسية الذين لم يحضروا جلسات المجلس.
*تحليل قانوني
ويقول الخبير القانوني علي التميمي، إن المادة 18 من النظام الداخلي للمجلس عالج موضوع الغياب المتكرر.
وأضاف، "وفق المادة 18 من النظام الداخلي للبرلمان، ينشر الغياب في موقع البرلمان وإحدى الصحف، ويتم تنبيه المتغيبين عن الحضور من دون عذر، وإذا وصل الغياب لخمس مرات متتالية أو 10 متفرقة في الفصل التشريعي الواحد، بإمكان البرلمان أن يصوت على إقالة الغائب بالغالبية المطلقة لعدد الأعضاء، أي نصف العدد الكلي زائداً واحداً وفقاً لقانون الاستبدال، والبرلمان هو الذي يقرر الإقالة من عدمها وفقاً لقانون الاستبدال رقم 49 لعام 2007".
وأشار التميمي إلى أن الغائب الذي لا يحضر بعد أداء اليمين الدستوري، يخالف المادة 258 من قانون العقوبات، ويمكن لثلث أعضاء البرلمان الطلب من رئاسة البرلمان التصويت على إقالة المتغيبين واستبدالهم. ويسبق إجراءات الاستبدال إنذار إلى المتغيبين من رئاسة البرلمان بضرورة حضور الجلسات من باب "إسقاط الحجة".