البيت السني بلا جدار سياسي موحد.. صراع رئاسة البرلمان قد يتكرر مع تفاقم التشتت وغياب المشروع الجامع
انفوبلس/..
مع اقتراب موعد الانتخابات النيابية العراقية المقررة في 11 تشرين الثاني/نوفمبر المقبل، تتصاعد مؤشرات الانقسام داخل البيت السني، لتعيد إلى الأذهان سيناريو الأزمة العنيفة التي عصفت برئاسة مجلس النواب في الدورة الحالية عقب إقالة محمد الحلبوسي، والتي استمرت أشهر وأحدثت شللًا واضحًا في الأداء التشريعي.
ويبدو أن هذا السيناريو قابل للتكرار مرة أخرى، وربما بصورة أكثر حدة، في ظل غياب مشروع سياسي سني موحد، وانقسام القوى التقليدية، وتنافس القوى الجديدة الصاعدة على تمثيل المكون، في وقت يُعد فيه منصب رئاسة البرلمان بالنسبة للسنّة “العنوان الأهم” في النظام السياسي الحالي.
ففي حين قرر حزب “تقدم” بزعامة الحلبوسي خوض الانتخابات المقبلة منفردًا، تصرّ قوى أخرى منضوية في “العزم” أو خارجه على تقديم نفسها كبديل سياسي يحظى بقبول وطني وسني، ما يعني أن مشهد ما بعد الانتخابات قد يكون محفوفًا بصراع سياسي معقّد على من يتصدر المشهد ويحتفظ بمنصب رئاسة البرلمان، وسط غياب أي ضمانات حقيقية بعدم تكرار مأزق الدورة الخامسة.
*أزمة الدورة الحالية: جرس إنذار لم يُسمع
عند العودة إلى الدورة النيابية الخامسة، يتّضح كيف أسهمت الانقسامات داخل القوى السنية في إطالة أزمة اختيار رئيس للبرلمان بعد إقالة الحلبوسي، وكيف انعكست تلك الأزمة على تعطيل الجلسات التشريعية، وإضعاف دور البرلمان أمام السلطات الأخرى، بل وتحول المنصب إلى ساحة صراع بين معسكرات سنية متخاصمة، لا مشروعًا سياسيًا موحدًا يُعبّر عن تطلعات الشارع السني.
وبعد شدٍّ وجذب وصراع نفوذ، جرى انتخاب النائب محمود المشهداني رئيسًا للبرلمان، لكنه جاء بدعم مباشر من قوى الإطار التنسيقي الشيعي، وهو ما اعتبره البعض دليلًا إضافيًا على عجز السنة عن حسم ملفاتهم المصيرية داخل البيت الداخلي، دون الحاجة إلى تدخل أطراف خارج المكون.
هذا الواقع، بدلاً من أن يدفع القوى السنية إلى التكاتف والتحضير بوعي للدورة المقبلة، دفعها إلى مزيد من التمزق، حيث لا تزال حالة التشظي قائمة، وربما أكثر وضوحًا مما كانت عليه قبل سنوات.
*حلبة تنافس مبكر
رغم الانتقادات التي طالت أداء الحلبوسي واتهامه من خصومه بالاستفراد بالقرار واحتكار التمثيل، يستعد تقدم لخوض الانتخابات المقبلة بقائمة منفردة، كما صرّح القيادي في الحزب عمار الجميلي، مؤكدًا أن الحزب “يعتمد على قواعده الشعبية في كافة المحافظات العراقية”، دون الحاجة إلى التحالف مع أي طرف آخر قبل الانتخابات.
لكن هذه الثقة لا تعني أن الطريق أمام الحلبوسي معبّدة. فهناك قوى وشخصيات سياسية، بعضها انشقّ سابقًا من تحت عباءته، بدأت تعدّ العدّة للظهور كـ”البديل المقبول” الذي يقدّم رؤية جديدة للمكون السني، ويتعهد بإعادة بناء التمثيل السياسي على أسس أوسع من الشخصنة والمصالح الضيقة.
هذا التنافس المبكر يُنذر بأن البرلمان المقبل لن يكون ميدانًا لتقاسم المناصب فحسب، بل ميدانًا لصراع على “من يُمثل السنة”، لا سيما أن القوى المنافسة للحلبوسي تدرك جيدًا أن خوض الانتخابات بقوائم مشتتة يضمن فقط انقسام الصوت السني ويدفع ثمنه الجميع.
*تحالف العزم: رهان على وحدة غير متحققة
في هذا السياق، يبرز تحالف “العزم” بوصفه الكيان السني الآخر الأكثر حضورًا، ويضم عددًا من الشخصيات البارزة من محافظات نينوى وصلاح الدين والأنبار. ورغم تراجع تأثيره في الدورة الحالية، إلا أنه يحاول ترتيب أوراقه والاستعداد لخوض الانتخابات بمشروع مختلف.
عضو التحالف عزام الحمداني، يرى أن الأزمة تكمن أساسًا في غياب القرار الموحد داخل المكون، ويقول إن “اختيار رئيس البرلمان ليس معقدًا بحد ذاته، بل يتوقف على وجود قرار سني موحد غير خاضع لمزاجات القوى المتنافرة”.
ويضيف أن “إنهاء حالة التمزق في الصف السني، وتقديم موقف تفاوضي موحد مع باقي أطراف المعادلة السياسية، سيعجّل في بناء الدولة على أساس مكونات متوازنة”، محذرًا من أن “استمرار الانقسامات سيضعف من موقع السنة التفاوضي، ويجعلهم عرضة للتهميش أو فرض خيارات لا تنسجم مع مصالح جمهورهم”.
لكن ما لم يقله الحمداني بوضوح، أن تحالف العزم نفسه لا يزال مفتقدًا لقيادة موحدة، وأنه يعاني من انقسامات داخلية لم تُحسم حتى الآن، ما يجعله طرفًا في المشكلة أكثر من كونه جزءًا من الحل.
*غياب الكتلة الجامعة: عنوان للفوضى المقبلة
على عكس الكتل الشيعية التي تمتلك مرجعية موحدة إلى حد ما، أو الكرد الذين غالبًا ما يلتزمون بالتمثيل الحزبي المحدد في المناصب السيادية، يفتقر المكون السني إلى كتلة جامعة تُمثل كل طيفه وتستطيع فرض مرشح توافقي لرئاسة البرلمان دون الدخول في صراعات مدمّرة.
حتى اللحظة، لا توجد أي مبادرة واضحة من قادة السنة لتشكيل تحالف موحد أو وثيقة سياسية تنظم العلاقة داخل المكون، رغم أن التوقيت حرج والاستحقاق قريب.
وفي ظل هذا الغياب، تبقى الاحتمالات مفتوحة على سيناريوهات معقدة:
1. السيناريو الأول: دخول البرلمان المقبل بنفس الانقسام القائم، وهو ما يعني فتح جولة جديدة من الصراع على رئاسة البرلمان، قد تمتد لأشهر كما حصل بعد إقالة الحلبوسي.
2. السيناريو الثاني: محاولة اللحظة الأخيرة لتشكيل تحالف طارئ يطرح مرشحًا توافقيًا، لكن هذا السيناريو يصطدم بعدم وجود شخصية تمتلك مقبولية شاملة داخل المكون.
3. السيناريو الثالث: في حال اشتد التنافس وتعذر الاتفاق، قد تُمنح رئاسة البرلمان إلى طرف يحظى بدعم خارج المكون السني، كما حصل سابقًا.
