الذراع الأمريكية لعصر الدول.. القصة الكاملة لنظام "سويفت"
انفوبلس/..
في أي أزمة تدخل بها أي دولة في هذا العالم الكبير مع الولايات المتحدة الأمريكية، تلجأ الأخيرة لكل ما من شأنه أن يضر تلك الدولة، فهناك عدة أساليب تستخدمها واشنطن لضرب معاديها، واحدة من هذه الأساليب هو نظام "سويفت" المالي العالمي.
ودائماً ما تستغل الإدارة الأمريكية هذا النظام، لحصار وفرض العقوبات، أو حتى في تهديد الدول، من أجل تحقيق مصالحها، مثلما يحصل الآن مع روسيا، فيما يتعلق بأزمة أوكرانيا، وكذلك الحال مع الجمهورية الإسلامية في إيران.
*معنى سويفت
"سويفت SWIFT" هي كلمة اختصار للتسمية: Society for worldwide interbank financial telecommunication، أو ما يعني باللغة العربية "جمعية الاتصالات المالية العالمية بين البنوك".
ولكن سويفت هو ليس البنك العادي الذي تقابله في أي شارع، بل عبارة عن شركة دولية مقرّها في Hulpe بالقرب من بروكسل ببلجيكا، ويتألف مجلس إدارتها من 25 عضواً كلهم من مجتمع مصرفي دولي، وكل واحد منهم حامل لصوت غير مباشر لبلده.
*ما هو نظام سويفت؟
هذه الشركة هدفها لا يتمثل في تحقيق الأرباح بل في تأمين عمل سير شبكة دولية للاتصالات الإلكترونية ما بين ممثلي الأسواق المالية، وتوفير وسيلة مضمونة آلياً لتسوية المدفوعات، وذلك بإدخال مقاييس موحّدة في العلاقات المصرفية الدولية.
تم تشكل سويفت عام 1973 بواسطة 239 بنكاً موزّعة على 15 بلداً، ثم أُسِّست هذه الشركة شبكة للتحويلات المالية تحت الاسم ذاته سويفت عام 1977 واستُخدِمت تقنيات حديثة في التحويلات المصرفية عوضاً عن التِلِكس الذي لم يكن آمناً، وحتى عام 2010 يستخدم الشبكة نحو 9 آلاف بنك في 208 دول والرقم ارتفع بعد ذلك.
وبحسب آخر إحصائية صادرة عن منظمة "سويفت"، فقد تجاوز عدد المؤسسات المالية والبنوك المشاركة فيها إلى 11507 مشتركين، حتى نهاية شهر آذار 2020، موزَّعين على أكثر من 200 دولة حول العالم.
وبناءً على هذا النمو الكبير، قامت المنظمة بإجراء تخفيض على أسعار الرسائل المتبادلة عبر المشاركين بأكثر من 70% وذلك خلال السنوات العشرة الأخيرة.
وبلغ عدد الرسائل المتبادلة عبر شبكة "سويفت"، حتى نهاية شهر آذار 2020، ما يزيد على 2.4 مليارات رسالة، وبنسبة نمو قُدِّرت بـ 16.6% مقارنة بنفس الفترة من عام 2019، ووصلت ذروة تبادل الرسائل إلى ما يزيد على 43 مليون رسالة في يوم 28 شباط 2020.
*المهام
أول مهمة للشبكة هي أن تضمن عدم نكران معاملة التبادل non répudiation، بمعنى أنه لا أحد من المتعاملين يستطيع نفي وجود صفقة قد تمت، فسويفت بمثابة فعل توثيقي في مجموع المعاملات المُنجَزة مهما كان المبلغ وهذا لحماية المساهمين، فإن قام بنك بدفع مبلغ لبنك آخر فالبنك الدافع يطالب بضمان استلام لهذا الّدفع.
*من يملك النظام ويتحكم فيه؟
أُنشِئ نظام سويفت من قبل بنوك أمريكية وأوروبية، كانت ترغب في ألّا تسيطر مؤسسة واحدة على النظام المالي وتطبّق الاحتكار، لكن الشبكة الآن مملوكة بشكل مشترك لأكثر من 2000 بنك ومؤسسة مالية، ويُشرف عليها البنك الوطني البلجيكي، بالشراكة مع البنوك المركزية الكبرى في جميع أنحاء العالم، بما في ذلك البنك الاحتياطي الفيدرالي الأمريكي وبنك إنجلترا.
يساعد نظام سويفت في جعل التجارة الدولية الآمنة ممكنة لأعضائها، وليس من المفترض أن تنحاز إلى أي طرف في النزاعات، ففي بيان صادر في 2014، قالت منظمة سويفت إنها "جمعية تعاونية عالمية محايدة، وأن أي قرار بفرض عقوبات على الدول والكيانات يقع على عاتق الهيئات الحكومية المختصّة والمشرِّعين المعنيين".
*سويفت ذراع واشنطن
في عام 2006، كشفت الولايات المتحدة الأمريكية أنها بمساعدة سويفت تجسّست بشكل غير قانوني على التّعاملات المالية الّدولية بهدف تعقّب الأشخاص المشتبه في صلتهم بتبييض الأموال، في إطار المكافحة ضد هذه الأعمال منذ هجمات ١١ سبتمبر/ أيلول وزوَّدت سويفت سرياً على مدار سنوات وكالة المخابرات الأمريكية بمعلومات عن ملايين الصفقات، وقد أحدث هذا الأمر جدلاً كبيراً.
*السيطرة الأمريكية
على الرغم من أن هذه المنظمة مستقلة من الناحية النظرية، ولا يقع مقرّها في أمريكا، إلا إن الإدارة الأمريكية تسيطر عليها من خلال نوافذ خلفية تقنية، ومن خلال هيمنة الدولار على التجارة العالمية.
وعندما تفرض أمريكا عقوباتها على أي دولة، ترفض أن تقوم المنظمة بأي عملية استثناء، فارضةً سيطرتها على "سويفت" لكي توقف جميع التعاملات المالية مع الدولة المعاقَبة (أي الدول المحاصَرة)، تحت تهديد مواجهة العقوبات الأمريكية، بما في ذلك تجميد موجوداتها هناك، وبالتالي ستكون هذه المنظمة مُجبَرة على التقيَّد بالحظر الأمريكي، حتى تحافظ على عمليات التحويلات والتسوية المالية بالدولار، ولكي تُفلت من الحظر أيضاً.
*إقصاء "الأعداء"
أقصت أمريكا ودول الاتحاد الأوروبي أعداءهم من هذا النظام، في دليل دامغ على عدم استقلاليته، ففي أعقاب الحرب بين روسيا مع أوكرانيا سارعت تلك الدول إلى استبعاد مصارف روسيّة من "سويفت" سعياً لشلّ قطاع المصارف والعملة الوطنية.
وفي تشرين الثاني/ نوفمبر 2019، تم تعليق نفاذ مصارف إيرانية إلى منظومة "سويفت"، وذلك في أعقاب إعلان الولايات المتحدة إعادة فرض عقوبات على طهران وتحذيرات وزير الخزانة آنذاك ستيفن منوتشين من أن "سويفت" قد تتعرض لعقوبات ما لم تلتزم بما حددته واشنطن.
وكانت إيران قد فُصِلت عن منظومة "سويفت" اعتباراً من 2012 مع فرض عقوبات أميركية عليها، حتى 2016 حين تم رفع العقوبات بعد إبرام الاتفاق النووي بين طهران والقوى الكبرى.
*سويفت والعراق والدولار
يعيش العراق في الفترة الأخيرة أزمة ارتفاع أسعار الدولار مقابل الدينار المحلي، وفيما يقول مستشار رئيس الوزراء للشؤون المالية مظهر محمد صالح لفرانس برس إن "السبب الجوهري والأساسي" لهذا التراجع "هو قيد خارجي". ويؤكد بعض السياسيين العراقيين أن الولايات المتحدة تقف خلف هذا التقلّب، فيما يربط خبراء اقتصاد تقلّب الدينار ببدء امتثال العراق لبعض معايير نظام التحويلات الدولي (سويفت) الذي بات ينبغي على المصارف العراقية تطبيقه منذ منتصف تشرين الثاني/ نوفمبر الماضي للوصول إلى احتياطات بلاد الرافدين من الدولار الموجودة في الولايات المتحدة.