الذكرى الثالثة لتكليف الكاظمي.. حِقبة مُطرّزة بالفشل ونكبة كبرى سيُخلّدها التاريخ بصفحته السوداء
انفوبلس..
في مثل هذا اليوم من عام 2020، وبعد موجة عارمة من الفوضى التي اجتاحت عموم البلاد والعملية الساسية، أدى مصطفى الكاظمي اليمين الدستورية رئيساً لوزراء العراق خلفاً لسلفه عادل عبد المهدي الذي استقال من منصبه نتيجة لتظاهرات شعبية في محافظات وسط وجنوب العراق.
الفترة المحصورة بين استقالة عبد المهدي وتسلّم الكاظمي زمام السلطة شهدت أحداثاً متسارعة ومتخبّطة على المستويين الشعبي والسياسي، حيث أقدم رئيس الجمهورية السابق برهم صالح على تكليف شخصيّتين لتشكيل الحكومة انتهى بهما المطاف بالاعتذار عن التكليف بسبب رفض ساحات الاحتجاج وعدم الحصول على التوافق السياسي، وهما محمد توفيق علاوي وعدنان الزرفي.
تكليف غامض
مصطفى الكاظمي، الشخصية غير المعروفة بشكل مطلق بالنسبة للشارع العراقي، والذي لم يمتلك قبل لحظة تكليفه برئاسة الوزراء سوى صورة واحدة على شبكة الإنترنت وبعض المقالات والأخبار من هنا وهناك المذكور فيها اسمه بشكل هامشي، فجأةً أصبح المكلّف الأوفر حظاً بتشكيل الحكومة، الأمر الذي مرّ بطريقة غريبة على العراقيين المنقسمين في حينها إلى عدة توجّهات بسبب ما أنتجته الاحتجاجات وارتداداتها وأجنداتها الخفيّة.
طُرِح اسم الكاظمي لأول مرّة رفقة عضو مجلس النواب السابق فائق الشيخ علي، والقاضي رحيم العكيلي، كمرشحَيْنِ يدعمهما زعيم التيار الصدري السيد مقتدى الصدر لتولي رئاسة الوزراء وذلك في نهاية عام 2019، وذلك بعد دعم غير مسبوق قدّمه الصدر للمكلّف محمد توفيق علاوي، وبيانات "شعبية" تلاها جمهور التيار الصدري في ساحات الاحتجاج مؤيّدةً تكليفه، انتهت بتراجعه عن التكليف وبراءة الصدر من دعمه وتحويل وجهة الدعم ومساره تجاه مدير جهاز المخابرات مصطفى الكاظمي.
احتاجات تشرين
بعد انطلاقها بفترة وجيزة، ورغم صورتها العامة بوصفها احتاجات شعبية عابرة للمكونات والتوجهات والانتماءات السياسية، انقسمت احتجاجات تشرين واعتصاماته إلى عدة أقسام رئيسية، فكان القسم الأول والأكبر من حصة التيار الصدري، والذي تغلغل في التظاهرات مرّة باسمه وصورته الرسمية، ومرّة أخرى عبر ناشطين تابعين له بصورة غير مُعلنة، وكان التيار يعمل على توجيه دفّة الاحتجاجات بالشكل الذي يخدم مصلحته ورؤاه وتوجّهاته.
القسم الثاني من التظاهرات كان من نصيب عدة أحزاب سياسية زجّت بعناصر تابعة لها في الساحات لتمرير أجندات خاصة وساعدها بذلك بعض قيادات الاحتجاج البارزين، فضلا عن قيام شخصيات حكومية باستغلال مناصبها للدخول إلى الساحات والاستفادة منها، كما فعل الكاظمي الذي أشرك 800 عنصر من جهاز المخابرات في التظاهرات بصورة غير رسمية، كما تضمن هذا القسم العديد من خيم الاعتصام المدعومة من جهات مشبوهة وجهات خارجية كانت تسعى لإدامة زخم فوضى التظاهرات ومنع أية محاولات لتنظيمها.
أما القسم الثالث فقد كان للمتظاهرين العفويين الراغبين بإحداث تغييرات وإصلاحات حقيقية بالنظام السياسي العراقي، وهو القسم الذي بدأ قويا وكبيرا، لكنه سرعان ما اضمحلّ وجوده وتلاشى دوره بطريقة الموت البطيء، دون شعور اتباعه بذلك بسبب السيطرة على مفاصل ساحات الاحتجاج من قبل القسمين الأول والثاني، والاستمرار برفع الشعارات ذاتها مع تفريغها بشكل كلّي من أهدافها الحقيقية.
يبرز ضعف دور القسم الثالث جليّاً بمراجعة مواقف ساحات الاحتجاج التي كان من أبرز مطالبها هو تبديل الوجوه، وعدم تقبّل أية شخصية لرئاسة الوزراء تسنّمت منصبا تنفيذيا سابقا، وهو الأمر الذي تم تطبيقه عند رفض شخصيات مرفوضة أصلا من قبل القسمين الأوليين ولكن طُرِحت أسماؤها لكسب الوقت وحرق الأوراق، كمحافظ البصرة أسعد العيداني، والوزير الأسبق محمد توفيق علاوي، ومحافظ النجف الأسبق عدنان الزرفي، ولكنه ظهر خجولا جداً عند تكليف الكاظمي (وهو شخص لا تنطبق عليه مواصفات الساحات كونه صاحب منصب حكومي)، فاكتفى بعض المتظاهرين حينها بالتعبير عن رفضهم لتكليفه عبر منشورات عابرة على فيسبوك.
عندها تم تمرير الكاظمي بوصفه رئيس وزراء "مرشح ساحات الاحتجاج" وبدأ مهامه بمغازلة المحتجين والتهليل لشعارات تشرين.
جريمة المطار
قبل تكليفه بأربعة أشهر، وفي فجّر الثالث من شهر كانون الثاني/ يناير من عام 2020، انتهكت سماء العاصمة بغداد طائرة أمريكية مسيّرة، حلّقت بتوجيه مباشر من الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب لتنفيذ عملية اغتيال غادرة استهدفت قائد فيلق القدس التابع لحرس الثورة الإسلامية في إيران الجنرال قاسم سليماني، ونائب رئيس هيئة الحشد الشعبي العراقية أبو مهدي المهندس ورفاقهما عند خروجهما من مطار بغداد.
الجريمية الأمريكية قلبت جميع الموازين وألهبت الشارع العراقي وجدّدت الرفض والكراهية العراقية تجاه الأمريكان ووجّهت الأنظار نحو وطن مُنتهَك لا يملك سيادة على أرضه أو سمائه، وأصبح مرتعاً للرغبات الأمريكية لتنفيذ أجنداتها وقتما تشاء.
بعد تلك اللحظة الفاصلة والحاسمة بتاريخ العراق، وبعد ردود فعل عراقية وإيرانية كبيرة كان أبرزها قصف قاعدة عين الأسد الأمريكية بمحافظة الأنبار، بدأت عمليات التحقيق بتلك الجريمة والتي كانت تهدف بالدرجة الأساس لكشف المتورطين والمتواطئين مع الجانب الأمريكي لتنفيذها.
المقاومة الإسلامية كتائب حزب الله، كشفت بعد جريمة المطار بشهرين، وقبل تكليف الكاظمي معلومات تُطرح لأول مرّة حول تلك الجريمة والمتورّطين فيها، حيث ذكرت في بيان، "إذا كان هناك شك في ضلوع مصطفى الكاظمي باغتيال قادة النصر فالمعلومات المتوافرة لدى أحد القادة الأمنيين تؤكد تورّطه بالجريمة".
وأضافت، أن "تلك الجريمة التاريخية قد تمّت بعلم إحدى الرئاسات الثلاثة التي سهّلت هذا العمل الجبان". مردفةً بالقول، "نحن مستعدون لتقديم ما لدينا من معلومات عن هذا الموضوع لشخص عادل عبد المهدي حصراً".
جاء ذلك بعد نشر المسؤول الأمني للكتائب، أبو علي العسكري تغريدة على تويتر جاء فيها: إن "البعض يتداول ترشيح الكاظمي لمنصب رئيس الوزراء، وهو أحد المتهمين بمساعدة العدو الأمريكي لتنفيذ جريمة اغتيال قادة النصر سليماني ورفيقه المهندس".
واعتبر العسكري ترشيح الكاظمي لرئاسة الحكومة بمثابة "إعلان حرب على الشعب العراقي، وسيُحرِق ما تبقى من أمن البلاد".
سرقة القرن
في أواخر عام 2022، كشف كتاب رسمي صادر عن هيئة الضرائب أن مبلغ 2,5 مليار دولار، جرى سحبه بين سبتمبر 2021 وأغسطس 2022 من مصرف الرافدين الحكومي، عبر 247 صكّاً مالياً، حُرِّر إلى خمس شركات، قامت بصرفها نقدا وبشكل مباشر.
هيئة النزاهة الاتحادية أعلنت حينها تنفيذ مذكرة إلقاء القبض الصادرة بحق المتهم الرئيسي في قضية الأمانات الضريبية المودَعة في فروع مصرف الرافدين.
جاء ذلك بعد إصدار القضاء العراقي أوامر "قبض ومنع سفر أصدرها بحق متهمين في قضية الأمانات الضريبية"، ومنهم المتهم نور زهير جاسم.
سبق ذلك استماع القضاء إلى إفادات عدد من المسؤولين في هيئة الضرائب بشأن هذه القضية، كما أصدر مذكرات توقيف بحق مالكي الشركات المُتَّهمة بسحب الأموال.
تقرير لجنة تقصّي الحقائق البرلمانية المُشكّلة لكشف حيثيات هذه القضية، خَلُص إلى أنّ عدداً من أعضاء فريق رئيس الوزراء السابق هم مَن "سهّلوا عملية الاختلاس" بينما كانوا على رأس عملهم وساعدوا في تهريب الأموال المسروقة إلى خارج البلاد.
ثلاثة من أعضاء مكتب الكاظمي هم من بين أبرز الشخصيات المتهمة، وهم: مدير المكتب ورئيس المخابرات رائد جوحي، والسكرتير الخاص أحمد نجاتي، والمستشار السياسي مشرق عباس. وقد ورد اسم وزير المالية السابق علي علاوي. إلا أنهم جميعاً ينفون التُّهم الموجَّهة ضدهم.
القضاء العراقي بدوره، أصدر العديد من مذكّرات القبض والتي وصفها الكاظمي بأنها "انتقائية" و"كيديّة" و"استهداف سياسي"، وتدخل ضمن محاولات تستّر مستمرّة على المجرمين الفعليين.
وكانت أوامر القبض والتحرّي جاءت بحقّ كلّ من مدير مكتب رئيس الوزراء السابق، رائد جوحي، ومستشاره السياسي والإعلامي، مشرق عباس، ووزير المالية في حكومته، علي علاوي، وسكرتيره الشخصي، أحمد نجاتي، بالتوازي مع صدور قرار بحجز أموالهم المنقولة وغير المنقولة، استناداً إلى أحكام "المادة 184 - أ" من قانون أصول المحاكمات الجزائية.
النكبة الكبرى
مثّلت فترة حكومة الكاظمي وتحكُّمه المتخبّط بمقدَّرات العراقيين ومسار العراق حِقبة مُظلِمة بتاريخ البلاد، فقد كانت فترة مضغوطة بالأحداث السلبية على جميع المستويات.
فعلى المستوى السياسي شهدت حِقبة الكاظمي العديد من الأزمات، حيث فشلت حكومته بإجراء انتخابات هادئة بعيدة عن التوترات، فكانت انتخابات 2021 من أكثر الانتخابات توترا في عراق ما بعد 2003، وتسبّبت بخروج أغلب فئات الشعب العراقي ضدها وضد مُخرجاتها وما حام حولها من شكوك بما يخص النزاهة والشفافية والخروقات، كما كانت "حكومة فيسبوك"، بحسب وصف روّاد مواقع التواصل الاجتماعي العراقي، حيث كان تأثيرها الإيجابي صِفراً على العراقيين، بينما كانت بياناتها رنّانة.
وعلى المستوى الاقتصادي، عانى العراقيون وما زالوا يعانون حتى يومنا هذا من خطوات وقرارات حكومة الكاظمي الاقتصادية والتي أنتجت عدم استقرار بسعر صرف الدولار، وابتلعت موازنة عام كامل واستبدلتها بقانون الأمن الغذائي سيئ الصيت.
أما على المستوى الشعبي فقد بدأت فترة الكاظمي وانتهت دون تحقيق أي وعد من الوعود التي قدّمها للمحتجين، وتجدر الإشارة إلى حدث مهم يعكس ما فعله الكاظمي بحق المتظاهرين الذي من المفترض أنه يمثّلهم، حيث أرسل بعض جرحى الاحتجاجات إلى ألمانيا لتلقي العلاج، واشتعلت صفحات جيش الكاظمي الإلكتروني المُموّلة بالترويج لهذا الخبر، وما هي إلا عدة أيام، حتى نشر الجرحى مقاطع فيديو لهم خارج المستشفى الألماني يكشفون فيه تفاجأهم من موقف الحكومة التي كذّبت عليهم وأخبرتهم أن هذه رحلة علاجية شاملة، وتبيّن الأمر عند وصولهم إلى هناك أنها مجرّد رحلة فحوصات، أكملتها المستشفى وأخرجتهم بعد إتمامها وعادوا إلى العراق بجراحهم ذاتها يرافقها خذلان من وعود الحكومة.
مراقبون وصفوا الكاظمي بأنه أسوأ رئيس وزراء مرّ بتاريخ العراق، ووصفوا حِقبته بأنها "نكبة كبرى" على العراقيين، مؤكدين أن سلبيات فترته وأضرارها ستستمر مع أبناء هذا الشعب لعقود مستقبلية، وأن جرائمه وجرائم فريقه ستبقى خالدة في الصفحة السوداء من تاريخ هذا البلد.