بعد استقبال ساكو من قبل بارزاني.. هل كانت كردستان مكانا آمنا للمسيحيين يوما ما؟
انفوبلس/ تقرير
رحب رئيس حكومة إقليم كوردستان، مسرور بارزاني، اليوم السبت 22 تموز/يوليو 2023، ببطريرك الكنيسة الكلدانية في العراق والعالم، الكاردينال لويس ساكو في أربيل، معبّراً عن إدانته الشديدة لسحب المرسوم الجمهوري الخاص بتعيينه، في وقت طرح مختصون تساؤلات ما إذا كانت كردستان مكانا آمنا للمسيحيين يوما ما.
وقال مسرور بارزاني في تغريدة على تويتر تابعتها "انفوبلس": "نرحب ترحيباً حاراً بالبطريرك لويس ساكو في أربيل، عاصمة التعايش السلمي بين جميع الأديان والقوميات". وأضاف: "ستستمر أربيل بدعمها للمسيحيين. وندين بشدة السلوك غير اللائق الذي بدر تجاه البطريرك".
وتابع: "نأمل أن يحل القبول والسلام والاستقرار محل الكراهية والعنصرية، لكي تتمكن جميع الأمم من ممارسة دياناتهم والعيش براحة واستقرار في العراق".
ومساء أمس الجمعة، وصل بطريرك الكنيسة الكلدانية في العراق والعالم، إلى مطار أربيل وسط استقبال رسمي، وفيما أكد أنه لن يعود إلى بغداد إلا بتحقيق شروط وضمانات معينة، أشار إلى أن حفاوة استقباله في إقليم كردستان تمثل "رداً للاعتبار وقوة ودعماً كبيراً له".
ووجه رسالة للمسيحيين قائلاً: "لا تقلقوا ولا تخافوا من هذه القرارات التي لن تدوم، فالحق أقوى والحقيقة ستظهر، فأنا لن أستسلم لأي ضغوط أو قانون مبني على أكاذيب بابليون ونفاقها"، مبيناً: "أجدد شكري وامتناني للرئيس مسعود بارزاني ورئيس الإقليم ورئيس الحكومة والوزراء وكل رجال الدين، فما قدموه لنا تعزية ودعما كبيرا".
واختتم قائلاً: "الكنيسة مستهدفة ونحن نواجه إهانة وعنفاً، فرئيس الجمهورية غير قادر على إصدار قرار مماثل بحق المرجعية السيد السيستاني أو المجمع الفقهي، لكن ما حصل ضدنا كان لأن المسيحيين حلقة ضعيفة وباتوا سلعة بيد هذه الميلشيا أو تلك، لذا صدر هذا القرار السياسي والكيدي".
*هل كانت كردستان مكانا آمنا للمسيحيين يوما ما؟ وماذا عن تاريخ اضطهاد الآشوريين هناك؟
بعد ترحيب الكرد ببطريرك الكنيسة الكلدانية في العراق والعالم، الكاردينال لويس ساكو في أربيل، تناول أبناء (القومية الآشورية)، ما حصل لهم في إقليم كردستان سابقاً من مجازر راح ضحيتها نصف مليون آشوري (سرياني - كلداني) وهاجر مثلهم.
وقال سليمان يوسف يوسف، سوري الجنسية من أبناء (القومية الآشورية)، إن "الكثير من الإخوة الكرد يتساءل، ممتعضاً: لماذا السريان الآشوريين، بخلاف الأرمن، يدرجون الأكراد كشركاء في جريمة الهولوكوست "الأرمني - الآشوري لعام 1915"؟.
وذكر يوسف، "جوابنا: إن "اللجنة المركزية لجمعية الاتحاد والترقي" - الحاكم الفعلي في السنوات الأخيرة من عمر الإمبراطورية العثمانية - في 24 نيسان من عام 1915، اتخذت قرار "إبادة الأرمن بهدف إنهاء وتصفية القضية الأرمنية". لم يرد في قرار الإبادة، ذكر باقي الشعوب والأقوام المسيحية الخاضعة للسيطرة العثمانية. لكن آغاوات وملالي الأكراد في ولايتي (ديار بكر- آمد وماردين) ومناطق أخرى، بالتعاون والتنسيق مع الولاة والسلطات العسكرية العثمانية المحلية، أعلنوها (حرباً إسلامية مقدسة – جهاداً) على جميع مسيحيي السلطنة. هكذا الإسلاميون الأكراد، وسّعوا عمليات (التطهير العرقي والديني)، لتشمل، الآشوريين المسيحيين (سريان- كلدان)، طمعاً بممتلكاتهم ونسائهم وبناتهم ولمحو وجودهم والسيطرة على مناطقهم، وهذا ما حصل بالفعل في معظم التجمعات والمناطق التاريخية للآشوريين.
وتابع، "فلولا مشاركة الكرد في المذابح ما كان سيُقتل ويُذبح أكثر من نصف مليون آشوري (سرياني - كلداني) ويُهجّر مثلهم، ولكان تعداد الآشوريين اليوم بالملايين في الجزء الخاضع لسيطرة الأتراك العثمانيين من بلاد ما بين النهرين، موطن الآشوريين. وبسبب المذابح باتت معظم مناطق الآشوريين ذات غالبية كردية. هذه حقيقة يؤكدها ناجون من المذابح، كذلك تؤكدها العديد من المصادر والوثائق التاريخية، منها كتاب (ماردين – دراسة تحليلية للإبادة 1915) للمؤرخ والباحث الفرنسي (إف ترنون). يقول ترنون في كتابه ص19"لا يمكننا اتهام هيئة الاتحاد والترقي بوضع منهاج إزالة المسيحيين من الإمبراطورية. فالأتراك أرادوا تصفية المسألة الأرمنية نهائياً، والأكراد دُعوا للاشتراك بالغنيمة، فانتهزوا العرض (الفرصة) ووسعوه إلى مسيحيين آخرين، كما فعل إسلاميو بعض المذاهب الأخرى من أتراك وعرب مثلاً.."... حتى العديد من الكُتّاب والباحثين الأكراد يُقرّون بهذه الحقيقية وبالمسؤولية الكردية عن الإبادة (الآشورية - الأرمنية)، منهم الكاتب (نزار آغري) وقد كتب مقالاً بعنوان (الجانب غير اللائق من التاريخ الكردي) نُشر في جريدة (الحياة) الدولية، جاء فيه، "لو تصفح واحدنا كراسات التاريخ الكردي التي دونها القوميون الكرد سيجد أسماء كبدرخان ومير محمد كور ويزدان شير وسواهم، وصولاً إلى سمكو، تحتل مكانة بارزة منقوشة بآيات التبجيل والتقدير، بوصفهم أبطالاً قوميين، فيما هم كانوا قتلة سفاحين أهلكوا عشائر وقبائل معادية وجماعات مغايرة".
وبين، "إقليم كردستان ليس ملكية الكرد وحدهم. كان، في الأصل، موطن السريان والآشوريين الذين لم يتقلص حجم حضورهم ومدى وجودهم إلا لأنهم تعرضوا للمهالك والمجازر، في أورمية وسلماس ونوهدرا وأربيل وزاخو، هذا من دون أن نعرّج على الدور المرعب للعشائر الكردية في الفتك بالأرمن في حملات الإبادة التي شنتها عليهم الدولة التركية في كل الولايات التي يشكل الكرد الآن غالبيتها. كانت قارص وموش وديار بكر وألازغ وأورفة نصيبين وطور عابدين ومناطق هكاري، وسواها، موطن الأرمن والسريان."... طبعاً، مستحيل إعادة عقارب ساعة التاريخ الى الوراء، لكن ما هو غير مستحيل، لا بل ما يجب أن يفعله أكراد اليوم، تفهّم الجرح الآشوري الكبير الذي تسبب به أجدادهم.
وأوضح، "قد حظيت الإبادة الأرمنية، حتى الآن باعتراف أكثر من عشرين دولة. تبقى المسؤولية الكردية في هذه "القضية الإنسانية" مسؤولية أخلاقية. الأكراد مطالبون بالتصالح مع تاريخهم والاعتراف بمسؤوليتهم الأخلاقية عن الإبادة الآشورية والاعتذار للشعب الآشوري (سرياناً وكلداناً)، إذا ما ارادوا تنقية العلاقة (الكردية – الآشورية) من رواسب الماضي وتطويرها لما فيه خير ومصلحة الشعبين. فيما يخص حقوق الآشوريين (أحفاد الضحايا والناجون من الإبادة) بممتلكاتهم التي استولى عليها الأكراد والاتراك. هذه القضية مكانها "محاكم الدولة التركية".
واختتم بالقول، "يمكن للآشوريين رفع الدعاوى للمحاكم والمنظمات الأوروبية والدولية المعنية، إذا ما بقي بحوزتهم وثائق ومستندات تثبت ملكيتهم للعقارات والأراضي المستولى عليها. لأن معظم المستندات تم حرقها وتلفها من قبل الجُناة، إلا ما لم يقع تحت أيدهم.
وعن إن كانت كردستان مكانا آمنا للمسيحيين يوما ما، قالت منظمة هيومن رايتس ووتش عام 2016، نقلا عن مسيحيين عراقيين إن بعض السكان الأكراد استحوذوا على أراضٍ مملوكة لمسيحيين في وادي نهلة ومناطق أخرى تقطنها أعداد كبيرة من الآشوريين وغيرهم من المسيحيين شمالي العراق.
وأضافت، إن الضحايا يحملون سندات ملكية، لكن اللجوء إلى المحاكم والمسؤولين لم يُساعد في إزالة المباني التي شيدها جيرانهم الأكراد على أراضيهم. وذكرت أن الشرطة السياسية لحكومة إقليم كردستان العراق (أسايش) وضعت نقاط تفتيش وحواجز خارج وادي نهلة، لمنع المسيحيين من الوصول إلى مدينة أربيل (مركز الإقليم).
وأثار قرار الرئيس العراقي عبد اللطيف رشيد مؤخراً، بسحب مرسوم تكليف بطريرك الكلدان الكاثوليك في العراق الكاردينال لويس روفائيل ساكو، غضب الكنيسة الكاثوليكية في العراق، التي اعتبرته "قراراً سياسياً وكيدياً ضد المقام البطريركي العريق في العراق والعالم".
لكن رئاسة الجمهورية أكدت، أن "سحب المرسوم الجمهوري ليس من شأنه المساس بالوضع الديني أو القانوني للكاردينال لويس ساكو، كونه معيّناً من قبل الكرسي البابوي بطريركاً للكنيسة الكلدانية في العراق والعالم، بل جاء لتصحيح وضع دستوري، إذ صدر المرسوم رقم (147) لسنة 2013 دون سند دستوري أو قانوني، فضلاً عن مطالبة رؤساء كنائس وطوائف أخرى بإصدار مراسيم جمهورية مماثلة ودون سند دستوري".
وأشارت الرئاسة العراقية، في بيان منفصل، إلى أن "البطريرك لويس ساكو يحظى باحترام وتقدير رئاسة الجمهورية باعتباره بطريرك الكنيسة الكلدانية في العراق والعالم".
ساكو اعتُمِد رسميا من قبل الحكومة العراقية كممثل عن الطائفة الكلدانية في العراق من خلال القرار الجمهوري المرقم 147 الصادر عام 2013 من قبل رئيس الجمهورية الأسبق جلال طالباني، الذي أُلغي الآن بحسب القرار الجمهوري المرقم 31 الصادر عن الرئيس الحالي عبد اللطيف رشيد.
كما أصدر مجلس القضاء العراقي، في وقت سابق، أمراً يقضي بحضور بطريرك الكلدان الكاثوليك في العراق والعالم لويس روفائيل ساكو.
وكانت السلطة القضائية العراقية، قد أصدرت مؤخراً، أمراً يقضي باستقدام روفائيل ساكو. وبحسب كتاب رسمي صادر من رئاسة محكمة استئناف بغداد، صدر قرار من قاضي محكمة تحقيق الكرخ المختصة في قضايا النشر والإعلام بتبليغ "المتهم لويس روفائيل موشي" والساكن في منطقة المنصور ببغداد بالمثول أمام المحكمة.
وفي غضون ذلك، علمت "انفوبلس"، أن أمر الاستقدام جاء على خلفية شكوى تقدم بها ريان الكلداني.
كما تظاهر مئات المسيحيين، مؤخراً، في مدينة عينكاوا بمحافظة أربيل، عاصمة إقليم كردستان، مطالبين رئيس الجمهورية عبد اللطيف رشيد بالعدول عن المرسوم الجمهوري الذي ألغى بموجبه مرسوماً سابقاً صدر في عهد الرئيس الراحل جلال الطالباني عام 2013، منح البطريرك مار لويس ساكو حق تولي الأوقاف المسيحية.