تركيا تساوم العراق: القتال والاستثمار مقابل الماء.. شروط تركيّة مجحفة لزيادة الإطلاقات المائية.. المفاوضات تتعقد وزيارة أردوغان قد تتأجل
انفوبلس..
مع اقتراب فصل صيف، ومن المتوقع له أن يكون شديد الحرارة والجفاف، بدأت تركيا بمساومة العراق بمطالب مجحفة وصعبة التحقيق لزيادة الإطلاقات المائية مقابل أن يقاتل العراق حزب العمال الكردستاني المعارض لتركيا، فضلا عن طلبها بالاستحواذ على طريق التنمية، الأمر الذي عقّد المفاوضات بشكل كبير وقد يؤجل زيارة أردوغان المرتقبة لبغداد في الشهر المقبل.
وتواجه الحكومة العراقية صعوبات في إقناع نظيرتها التركية بالتوصّل إلى اتّفاق ثنائي بشأن تقاسم مياه نهري دجلة والفرات بشكل يضمن للعراق الحصول على حصّة مجزية تحسّن وضعه المائي الآخذ في التدهور بشكل سريع.
وقالت مصادر عراقية، إنّ محادثات مكثّفة جرت مؤخّرا بين الطرفين أثناء الزيارات الكثيرة التي تبادلها مسؤولون من البلدين لم تُفضِ إلى أي نتائج ملموسة بسبب التشدّد التركي بشأن ملف المياه وحرص أنقرة على اتّخاذه وسيلة لمساومة بغداد على مسائل أخرى أمنية واقتصادية غير ذات صلة بالملف.
وأوضحت المصادر ذاتها أن بعض الاشتراطات والمطالب التي طرحتها حكومة الرئيس التركي رجب طيب أردوغان كمقابل لمجرّد الموافقة على زيادة بسيطة في الإطلاقات المائية من النهرين صوب الأراضي العراقية بدت مجحفة وغير مقبولة.
ومن ضمن تلك المطالب انخراط القوات العراقية بشكل مباشر في قتال عناصر حزب العمال الكردستاني المعارض للنظام التركي المتواجدين على أراضي العراق، وجعل الشركات التركية صاحبة الامتياز الأول في إنجاز مشروع طريق التنمية المشترك مع الجانب العراقي، وفي استثماره لاحقا.
واتفق رئيس مجلس النواب العراقي بالنيابة محسن المندلاوي ورئيس مجلس الأمّة التركي نعمان قورتولموش مؤخّرا على تفعيل عمل اللجان المشتركة المعنية بالمياه والأمن.
وقال المندلاوي إنّ العراق يسعى إلى زيادة حصّته المائية “لتكون عادلة وكافية تغطي حاجته الفعلية، فضلا عن بحث ملفات الأمن وضبط الحدود وتنشيط الاستثمار، إضافة إلى مناقشة مشروع طريق التنمية، والإنجازات المتحققة فيه، وأهميته للبلدين كونه يمثل همزة وصل بين الشرق والغرب”.
وأكّد في المقابل رفض بلاده “الاعتداءات المتكررة على الأراضي العراقية، وتأثيرها في مستقبل العلاقات التي تربط البلدين والشعبين الجارين”، في إشارة إلى تزايد النشاط العسكري التركي الذي يجري على أرض العراق من دون تنسيق مع سلطاته.
ورغم بلوغ الوضع المائي في العراق مرحلة حرجة ومؤثرة بشكل مباشر على اقتصاد البلاد وأوضاع السكان في عدد من المناطق، يبدو البلد بعيدا عن تحقيق أهدافه من خلال التفاوض مع تركيا التي توجّهت خلال السنوات الأخيرة بشكل متزايد نحو احتجاز مياه نهري دجلة والفرات في سدود عملاقة يبلغ عددها اثنين وعشرين سدا أقيمت ضمن مشروع جنوب شرق الأناضول بهدف تلبية الحاجة المتزايدة للمياه في قطاعي الزراعة والصناعة المتناميين بشكل ملحوظ.
وغير بعيد عن هذا السياق قال عضو مجلس النواب العراقي ثائر الجبوري إن تركيا تساوم بغداد بشأن ملف المياه، وأوضح لموقع بغداد اليوم الإخباري المحلي أن أزمة المياه مع تركيا لا تزال قائمة، وأنّ أنقرة تحمل في جعبتها مطالب عدة تريد من خلالها مساومة بغداد خاصة حيال خلق شراكة اقتصادية ودفع شركاتها ليكون لها حيز كبير في المشاريع وخاصة طريق التنمية الذي سينطلق قريبا بمشاركة شركات عالمية معروفة.
كما أكّد قيام الجانب التركي فعليا بتقليل الحصة المائية للعراق من أجل أهداف اقتصادية، لافتا إلى أنّ “الدبلوماسية هي خيار بغداد الذي سيأخذ مجالا أوسع خاصة إذا ما تشكل المجلس الأعلى للمياه والذي بات مطلبا ضروريا من أجل وضع خارطة طريق شاملة لحل الإشكالية ليس مع تركيا، فحسب بل دول أخرى”، في إشارة إلى إيران التي تقوم بدورها بحبس مياه روافد مهمّة كانت توفّر للمناطق العراقية كميات معتبرة من المياه.
كما لفت الجبوري إلى أن “أزمة العراق في ملف المياه لا تنحصر في تركيا بل الملف يزداد تعقيدا مع قطع قوات سوريا الديمقراطية الكميات القادمة عبر نهر الفرات باتجاه المناطق الغربية العراقية”.
وتساهم تغيرات الطقس وظاهرة الاحترار في تعميق الأزمة المائية في العراق الذي بات يعاني من انخفاض حاد في كمية التساقطات المطرية وما نجم عن ذلك من اختلال خطير في الدورة الاقتصادية لبعض المناطق المعتمدة بشكل كبير على الزراعة.
ورغم صعوبة التفاوض مع الجانب التركي المعروف بتشدّده في جميع المفاوضات مع مختلف الدول وحول مختلف القضايا والمواضيع وسعيه الدائم لتحصيل أقصى ما يمكن من المكاسب خصوصا إذا كان في وضع قوة إزاء الطرف المقابل، فإن العراق لا يمتلك سوى خيار الدبلوماسية لحل أزمة المياه أو على الأقل للتخفيف من حدّتها. وعلى هذه الخلفية يقوم وفد عراقي رسمي برئاسة وزير الموارد المائية عون ذياب قريبا بزيارة كل من إيران وسوريا وتركيا لمناقشة ملف المياه.
وقال الوزير في بيان إنّ خسائر البلاد من مياه نهر الفرات وصلت خلال عامين عشرة مليارات متر مكعب، بينما وصل إجمالي معدل استهلاك العراق السنوي للمياه لجميع الاحتياجات نحو سبعين مليار متر مكعب.
وأوضح أن المباحثات التي سيجريها الوفد خلال زيارته الوشيكة إلى تركيا ستتركز حول محدودية الواردات القادمة منها إلى سد الطبقة السوري والحاجة إلى إطلاق كميات مستدامة إلى العراق لا سيما في أشهر يوليو وأغسطس وأيلول وهي الأشهر الحرجة بسبب ارتفاع درجات الحرارة وزيادة نسب التبخر.
وفي يوم الخميس الماضي، أعلنت وزارة الداخلية مسك قوات حرس الحدود نقاطاً حدودية على الحدود العراقية التركية.
وقالت وزارة الداخلية في بيان إنه "بتوجيه من وزير الداخلية ومتابعة قائد قوات الحدود لمسك كامل الحدود العراقية مع دول الجوار، وفي أقصى شمال عراقنا الأشم وفي أقسى الظروف الجوية وأصعب التضاريس، تمكنت قوة من لواء الحدود الاول بإمرة قائد حدود المنطقة الأولى من التقدم باتجاه نقطة الصفر الحدودية ومسك نقاط حدودية ورفع العلم العراقي عليها على الشريط الحدودي العراقي التركي في ناحية شيلدزئ بقضاء العمادية ضمن محافظة دهوك كانت غير ممسوكة سابقاً بإسناد من قوات حرس إقليم كردستان".
وأضافت، أنه "سيجري بناء مخافر مجهزة بالتقنيات الحديثة ضمن سعي وزارة الداخلية ممثلة بقيادة قوات الحدود في مسك الحدود بصورة فعالة؛ لرصد الحالات المشبوهة والتصدي للخارجين عن القانون".
وبعد توتر كان سيد الموقف بين البلدين خلال الأشهر الأخيرة، شدد الرئيس العراقي عبد اللطيف رشيد في لقاء مع وزير الدفاع التركي يشار غولر، مطلع الشهر الجاري، على أن حل الأزمات يكون بالحوار وليس بخرق سيادة الدول وإضرار مواطنيها، في إشارة منه إلى الضربات التركية الأخيرة على مواقع لحزب العمال الكردستاني على الأراضي العراقية والتي استفزت بغداد إلى حد كبير.
وذكرت الرئاسة العراقية في بيان أن رشيد أكد خلال لقائه مع غولر، الذي يزور العراق، على ضرورة حل المشاكل الحدودية والملفات الأمنية بين البلدين عبر التعاون والتشاور والتنسيق المتبادل، وتشكيل لجان أمنية من الجانبين لتحديد المشكلة ووضع الحلول اللازمة لها.
كما أكد الرئيس العراقي على رفض الأحادية في معالجة القضايا العالقة أو تكون أرض العراق منطلقا لتهديد لدول الجوار أو غيرها.
وشدد على وجوب احترام السيادة العراقية ووقف الخروق والانتهاكات العسكرية التي تطال الأراضي العراقية بما فيها مدن الإقليم، وحل المسائل العالقة بين الجانبين عبر الحوار ومواصلة اللقاءات لترسيخ الأمن والاستقرار لشعوب المنطقة.
وأشار البيان إلى أنه جرى خلال اللقاء أيضا بحث سبل تطوير وتعزيز العلاقات الثنائية وآفاق التعاون المشترك خاصة في مجالي الأمن والمعلومات الاستخباراتية وبما يخدم أمن واستقرار البلدين، إضافة إلى ملف المياه والتبادل التجاري وبما يؤمن المصالح المشتركة للشعبين العراقي والتركي.
من جانبه، عبر وزير الدفاع التركي عن دعم بلاده لأمن واستقرار وسيادة العراق والتطلع نحو تعزيز علاقات التعاون والتنسيق المشترك، بحسب البيان.
يذكر أن حالة من التوتر كانت طغت على العلاقات بين العراق وتركيا خلال الأسابيع الماضية، حول ملفات كثيرة أهمها المياه وحزب العمال الكردستاني، ما دفع أنقرة للحديث عن مزيد من العمليات العسكرية داخل أراضي جارتها إذا لزم الأمر.
وحزب العمال الكردستاني، الذي تصنفه تركيا والولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي جماعة إرهابية، كان حمل السلاح ضد الدولة التركية عام 1984 وقتل في الصراع أكثر من 40 ألفاً.
ولطالما تركز الصراع بمناطق ريفية جنوب شرقي تركيا، قبل أن يتحول إلى جبال إقليم كردستان العراق التي يتمتع بحكم شبه ذاتي في شمال العراق بمنطقة لحزب العمال الكردستاني وجود فيها.
فتوغلت تركيا عسكريا أيضاً في شمال سوريا مستهدفة وحدات حماية الشعب التي تعتبرها جناحاً لحزب العمال الكردستاني.