تصريحات فائق زيدان عن الأقاليم تستفز قوى سياسية ومطلوبين للقضاء.. هل خالف الدستور؟ انفوبلس تكشف الآراء القانونية ونص المادة 119
انفوبلس/ تقرير
رفض رئيس مجلس القضاء الأعلى في العراق، القاضي فائق زيدان، ما سماها "فكرة إنشاء أقاليم أخرى (عدا إقليم كردستان) في العراق"، حيث استفز بعض القوى السياسية والمطلوبين قضائياً مثل هوشيار زيباري ومثال الآلوسي، معتبرين ذلك مخالفةً صريحةً للمادة 119 من دستور العراق الدائم الذي أُقِرَّ باستفتاء شعبي عام 2005.
يسلط تقرير شبكة "انفوبلس"، على ما جاء في كلمة القاضي فائق زيدان وأبرز ردود الفعل عليها وكذلك ما تضمنته المادة 119 من الدستور العراقي
أبدى رئيس القضاء فائق زيدان، ومحافظ الأنبار الجديد، محمد نوري، رفضهما لفكرة إنشاء أقاليم أخرى في أي منطقة من العراق، واتفقا على ذلك خلال اجتماع جمعهما ورئيس مجلس الأنبار عمر دبوس في العاصمة بغداد يوم الأحد الماضي.
وطبقاً لبيان صادر عن مجلس القضاء الأعلى ورد لـ"انفوبلس"، فإن "رئيس مجلس القضاء الأعلى القاضي فائق زيدان استقبل الأحد الموافق 18 / 2/ 2024 محافظ الانبار محمد نوري الكربولي ورئيس مجلس المحافظة عمر مشعان دبوس، وقدم رئيس المجلس التهاني الى المحافظ ورئيس مجلس المحافظة بمناسبة تسنمهم مناصبهم، وبحث معهم التعاون المستقبلي بين القضاء وإدارة المحافظة لتعزيز الامن والاستقرار المجتمعي وضرورة الإسراع في إكمال إجراءات التحقيق ومحاكمة من ارتكب جرائم الفساد الإداري أيّاً كان موقعه الوظيفي".
من جانبهم أبدى المحافظ ورئيس مجلس المحافظة، استعدادهم للتعاون مع القضاء في كافة المجالات، كما تم التأكيد على حرص أبناء المحافظة على وحدة العراق ورفض الأفكار التي تمس وحدة العراق التي يروّج لها البعض لغايات سياسية بحتة بعيدة عن واقع وقناعات أبناء المحافظة.
فكرة إنشاء أقاليم أخرى في أي منطقة في العراق "مرفوضة" لأنها تهدد وحدة العراق وأمنه
وبهذا الخصوص، أوضح رئيس مجلس القضاء الأعلى أن الواقع الجغرافي والقومي لإقليم كردستان موجود قبل نفاد دستور جمهورية العراق سنة 2005 وتحديداً سنة 1991 إثر غزو الكويت وما نتج عنه من آثار سلبية بسبب السياسات الفاشلة للنظام السابق، وإقليم كردستان له وضع خاص معترف به من جميع أبناء الشعب العراقي وأن الدستور تضمن الأحكام الخاصة بتنظيم الأقاليم إلا أن ظروف صياغة الدستور في حينه تغيرت الآن ومعظم من كانت لديه القناعة بهذه الاحكام مقتنع الآن بضرورة تغييرها قدر تعلق الأمر ببقية المحافظات عدا إقليم كردستان بحكم وضعه الخاص، لذا فإن فكرة إنشاء أقاليم أخرى في أي منطقة في العراق مرفوضة لأنها تهدد وحدة العراق وأمنه، مؤكدا على دعم إدارة المحافظة الجديدة في الوقوف ضد أي أفكار تهدد وحدة وسلامة أمن العراق.
وترى المصادر المقربة من الحلبوسي، أن "إنشاء الإقليم مطابق لنصوص الدستور، ولا يعني تقسيم البلاد مثلما يروّج لذلك بعض الخصوم السياسيين".
*على ماذا تنص المادة 119 من الدستور العراقي؟
تنص المادة 119 من الدستور العراقي على الآتي حرفياً: "يحق لكل محافظة أو أكثر تكوين إقليم، بناءً على طلب بالاستفتاء عليه، يُقدَّم بإحدى طريقتين، أولاً: طلب من ثلث الأعضاء في كل مجلس من مجالس المحافظات التي تروم تكوين الإقليم. ثانياً: طلب من عُشر الناخبين في كل محافظة من المحافظات التي تروم تكوين الإقليم".
*حق دستوري
في المقابل، أكد المتخصص في الشأن القانوني علي التميمي، أنه يمكن لمحافظة أو أكثر تكوين إقليم بناءً على طلب يُقدَّم عبر استفتاء من ثلث أعضاء مجلس كل محافظة أو محافظة واحدة تسعى إلى التشكيل أو طلب من عُشر الناخبين على أن يقدم الطلب إلى مجلس الوزراء الذي يكلف المفوضية خلال 15 يوماً باتخاذ ما يلزم ويكون الاستفتاء ناجحاً إذا صوَّت نصف عدد المستفتيين زائد واحد من كل محافظة مشتركة.
وشرح، أن المرحلة الثانية تتم من خلال مصادقة المحكمة الاتحادية على الاستفتاء ثم يصدر قرار من رئيس مجلس الوزراء خلال 15 يوماً من وصول المصادقة بإعلان الإقليم ويتم إنشاء مجلس تشريعي للإقليم والتصويت على دستور الإقليم. ونوَّه، في حالة فشل الاستفتاء يمكن إعادته بعد سنِّه من ذلك، وفي حالة الرفض غير المبرر من مجلس الوزراء يمكن الطعن أمام المحكمة الاتحادية بذلك.
إنشاء أقاليم أخرى في أي منطقة من العراق ليس مجرّد فكرة بل حق دستوري مُثبَّت في دستور البلاد
وأصدر مجلس حماية المصالح العليا للاتحاد الوطني الكردستاني بياناً جاء فيه، إنّه "ينبغي لكتلة الاتحاد في مجلس النواب العراقي والكتل الكردستانية الأخرى التوقف عند تصريحات فائق زيدان حول نشوء إقليم كردستان وإنشاء أقاليم اتحادية جديدة في العراق". واعتبر البيان أنّه كان يتعيّن على زيدان ذكر إقليم كردستان ككيان "دستوري اتحادي استنادا إلى المادة 11 أولا من الدستور العراقي الدائم".
كما رفض، "التشكيك في الأوضاع التي رافقت صياغة مبادئ الدستور العراقي الدائم" والقول إنّها "تغيرت الآن ومعظم من كانت لديهم القناعة بهذه الأحكام مقتنعون الآن بضرورة تغييرها"، مذكّرا رئيس مجلس القضاء بأنّ الأكراد شاركوا في صياغة تلك المبادئ الدستورية ولم يعلنوا في أي وقت التراجع عنها. كما أكّد البيان أنّ إنشاء أقاليم أخرى في أي منطقة من العراق ليس مجرّد فكرة بل حق دستوري مثبت في دستور البلاد ومحدّد بضوابط وإجراءات واضحة.
في المقابل، وجه السياسي العراقي مثال الآلوسي، عضو البرلمان سابقا ومؤسس حزب الأمة، "المطلوب قضائياً" رسالة الى القاضي فائق زيدان. وقال الآلوسي في تغريدة تابعتها "انفوبلس"، رئيس مجلس القضاء الأعلى عرفنا فيك الذكاء ومعرفة من أين يؤكل الكتف!.. فنصيحة ابتعد عن الدستور وحقوق الإنسان ولتعلم أن حق الأقاليم أكبر من المناصب والتصريحات المبطنة وأقول إبعاد القضاء عن دائرة الاتهامات! ذلك خير، إن كنتم تعقلون".
كما أعرب وزير الخارجية العراقي السابق هوشيار زيباري "المطلوب قضائياً"، في الوقت نفسه، عن قلقه بسبب التدخلات وسياسات الاستئثار ومشاعر التهميش ومحاولات تقويض إقليم كردستان، الذي وُلِد استناداً إلى الدستور الحالي.
الدعوات الحالية لإقامة أقاليم ما هي إلا دعوات الغرض منها سياسي للتفرد بالحكم المحلي والاستحواذ عليه
ويرى مراقبون في الشأن العراقي، أن "هناك كثيراً من الشكوك حول نيّة الأطراف السياسية جميعاً في احترام ثوابت الفيدرالية الدستورية والثقافية"، مضيفين "نجد أن كثيراً من نصوص الدستور في حاجة إلى مراجعة لتلافي الثغرات والعقبات والمشكلات الواردة فيه".
وأشاروا إلى، أن المخاوف من إقامة الأقاليم تكمن أن تكون سبباً في تعزيز الانشقاق العِرقي والمذهبي وتفكيك البلد. موضحين، أن إقامة أقاليم متعددة غير مستندة على المذهبية والعِرقية فرصة نحو تكوين إدارات جغرافية ناجحة.
وشددوا على أن الدعوات الحالية لإقامة أقاليم ما هي إلا دعوات الغرض منها سياسي للتفرد بالحكم المحلي والاستحواذ عليه، لافتين إلى أنه يتطلب تحقيق الفوائد الاقتصادية للأقاليم في العراق التوازن بين تعزيز الحكم المحلي والمرونة الإدارية والحفاظ على وحدة البلد وتعزيز الشمولية الوطنية.
وخلال العقدين الماضيين، دعا بعض القوى السياسية إلى إنشاء إقليم السُنة، الذي يضم (نينوى والأنبار وصلاح الدين وديالى، فضلاً عن مناطق حزام بغداد) إلا أن تلك المحاولات يراها مراقبون للشأن العراقي بأنها لا تخلو من تحقيق غايات سياسية ومنافع ومكاسب انتخابية وبعيدة كل الواقع عن طموح المواطنين.
والأمر نفسه في مشروع إقليم البصرة (عاصمة العراق الاقتصادية) الذي أخفق في عامي 2008 و2013، التي تمتلك ميناء العراق الوحيد وطريقه التجاري الأبرز، ونحو 80 في المئة من احتياط النفط في البلاد.