سباق بين السوداني وزيدان.. مجلس الوزراء يحاول تعديل قانون المحكمة الاتحادية ومجلس القضاء يريد ضمها تحت سلطته.. تعرّف على تفاصيل الصراع الخفي
انفوبلس..
يتصارع رئيسا مجلس الوزراء ومجلس القضاء الأعلى بشكل خفي على تغيير شكل المحكمة الاتحادية وعائديتها الدستورية واختصاصاتها حيث يسعى الأول لتعديل قانونها وإرسال مسودته إلى مجلس النواب وتمريره فيما يحاول الثاني ضمها لمجلس القضاء عبر تعديل قانوني، ويُعد أي تعديل على المحكمة الاتحادية بالغ الحساسية والخطورة في الوقت ذاته كونها ذات السلطة الأعلى في العراق وتمثل صمام الأمان القانوني للدستور والشعب والنظام السياسي.
رئيس مجلس الوزراء محمد شياع السوداني أعلن، أمس الأربعاء، أن لجنةً تم تشكيلها في وقت سابق لإعادة النظر بقانون المحكمة الاتحادية قد أعدَّت "مسودة جديدة" لمشروع القانون، مؤكدا عزم حكومته التداول مع جميع القوى السياسية بشأن المسوّدة الجديدة لمشروع القانون.
وقال مكتبه الإعلامي في بيان، إنه "التزاماً بالمنهاج الوزاري للحكومة الذي تضمن التأكيد على استكمال بناء المؤسسات الدستورية وتدعيمها، فقد كلّف رئيس مجلس الوزراء محمد شياع السوداني، مستشاره للشؤون الدستورية حسن الياسري بتأليف لجنة تضم ممثلين عن رئاسة الجمهورية ومجلس الدولة والأمانة العامة لمجلس الوزراء، لإعادة النظر في مشروع قانون المحكمة الاتحادية العليا الذي سبق وأعدَّته الحكومة في عام 2015 وقامت بإحالته إلى مجلس النواب، ولكن لم يتم إقراره حتى الآن".
وأضاف البيان، إن "اللجنة أكملت عملها ووضعت مسوّدة المشروع وقام رئيسها بإجراء سلسلة من المباحثات والتداول بشأن المبادئ الرئيسية الواردة فيه مع السلطات ذات الاختصاص، المتمثلة بكلٍّ من رئيس الجمهورية ورئيس مجلس القضاء الأعلى ورئيس المحكمة الاتحادية العليا".
وتابع، إن "الحكومة سعت، من خلال مسوّدة مشروع القانون، لإعادة النظر ببعض المسائل والنصوص التي كانت محلّ اعتراض على مشروع القانون في الدورات البرلمانية السابقة، وتم تحسينه من الناحيتين الشكلية والموضوعية، وصولاً لإزالة أسباب الخلاف السابقة، وتأكيداً على دعم الحكومة لاستقلالية السلطة القضائية، والتزاماً بالدستور الذي منح المزيد من الاختصاصات للمحكمة الاتحادية العليا أكثر مما تتمتع به الآن بمقتضى قانونها الحالي رقم 30 لسنة 2005 المعدل".
ولفت البيان إلى، أن "الحكومة عازمة على التداول مع جميع القوى السياسية الوطنية بشأن المسوّدة الجديدة لمشروع القانون، بما يضمن استكمال بناء المؤسسات الدستورية".
أما مجلس القضاء الأعلى فقد أقرَّ، يوم الأحد الماضي (24 كانون الأول الجاري)، المبادئ الأساسية لمشروع تعديل قانون المحكمة الاتحادية، مشيراً إلى إقرار المبادئ الأساسية للمشروع وإعادة دراسة المواد المدرجة فيه لمناقشتها في الجلسة القادمة.
وعلى الرغم من عدم وجود موقف صريح لرئيس مجلس القضاء الأعلى فائق زيدان لضم المحكمة الاتحادية إلى المجلس، لكن وفقاً لمحللين وخبراء قانون فإن خطواته تدل على ذلك بشكل كبير.
ويختلف الخبراء اختلافاً جوهرياً حول نتيجة ضم المحكمة الاتحادية لمجلس القضاء الأعلى، فيرى بعضهم إنها خطوة جيدة تخدم الدستور، فيما يرى البعض الآخر إنها خطوة إلى الوراء تخفض استقلالية القرار القضائي وتضعف الدستور.
سيرة فائق زيدان
يُعرَف القاضي فائق زيدان، بشخصيته الهادئة والمتزنة، وله علاقات جيدة مع الشخصيات والكتل السياسية العراقية كافة، تولى رئاسة مجلس القضاء الأعلى في 15 كانون الثاني 2017، خلفاً لمدحت المحمود الذي يترأس المحكمة الاتحادية العليا.
فائق زيدان خلف الشيخ فرحان العبودي، وُلِد في 9 آذار عام 1967 بمدينة بغداد، وينحدر أصلاً من قضاء الشطرة في محافظة ذي قار جنوب العراق، وهو متزوج ولديه 6 أبناء.
أكمل دارسته الابتدائية والثانوية في العاصمة بغداد، ليكمل دراسته الجامعية بكلية القانون والسياسية في جامعة بغداد، حاصل على الدبلوم العالي في العلوم القضائية من المعهد القضائي ببغداد، وعلى الماجستير في القانون الدولي من الجامعة الإسلامية في بيروت، ليحصل بعدها على الدكتوراه في القانون العام.
عمل زيدان في مهنة المحاماة من 1991 لغاية 1997، ثم عُيِّن قاضياً في محافظة بغداد عام 1999، بعدما درس في المعهد القضائي ببغداد لسنتَين، وعمل في المحاكم المدنية والمحاكم الجنائية في بغداد من 1999 حتى 2005.
في عام 2005 عُيِّن رئيساً لمحكمة التحقيق المركزية المختصة بمكافحة الإرهاب والجرائم المهمة لغاية 2012، وفي 2012، عُين عضوا في محكمة التمييز الاتحادية، ليصبح نائب رئيس محكمة التمييز الاتحادية سنة 2014، ورئيساً لمحكمة التمييز الاتحادية في 2016.
تولى زيدان منصب رئيس مجلس القضاء الأعلى سنة 2017 بعد صدور قانون مجلس القضاء الأعلى رقم (45) لعام 2017 الذي نص على أن يتولى رئيس محكمة التمييز، منصب رئيس مجلس القضاء الأعلى.
للقاضي العديد من البحوث والدراسات، منها: سلطة المحكمة الجزائية في تقدير اعتراف المتهم، بصمة الإبهام كدليل في الإثبات، تطبيق القانون من حيث الزمان، المحكمة الاتحادية العليا في العراق - رسالة ماجستير، رقابة القضاء الدستوري على الحدود الدستورية بين السلطات - أطروحة دكتوراه.
زيدان عُرف بابتعاده عن وسائل الإعلام، وعدم حديثه كثيرا في العلن، فهو لا يعطي رأيه إلا بعد تفكير عميق، ويؤمن بأن رأي القاضي يختلف عن رأي السياسي.
وفي إحدى المقابلات التلفزيونية في نيسان 2021، وصف القاضي المخضرم في مقابلة تلفزيونية مسيرته في القضاء بأنها "معقدة جدا ومهلكة، ومرت بالكثير من المشاكل"، مضيفاً أن "حرية التعبير عن الرأي في العراق بعد 2003 وصلت إلى مرحلة الإساءة، ونرى أن بعض الناس لا يقيّمون ما نقدمه".
وأعلنت السلطة القضائية الاتحادية، في 15 كانون الثاني 2017، عن تولي رئيس محكمة التمييز الاتحادية القاضي فائق زيدان رئاسة مجلس القضاء خلفاً لمدحت المحمود الذي يترأس المحكمة الاتحادية العليا.
الاتحادية ومجلس القضاء دستوريا
بعد أحداث عام 2003 حصل تطور كبير في المنظومة القانونية العراقية بتفعيل مبدأ الفصل بين السلطات، إذ تم استحداث المحكمة الاتحادية العليا في العراق بموجب نص المادة 44 من قانون إدارة الدولة العراقية للمرحلة الانتقالية عام 2004 الملغى، وهو الدستور المؤقت خلال المرحلة الانتقالية الممتدة من تاريخ صدوره ولغاية صدور دستور 2005، ويُعد قانون إدارة الدولة العراقية بمثابة الدستور الذي ينظم أعمال سلطات الدولة الأساسية خلال الفترة الانتقالية التي تلَت انتهاء أعمال سلطات الدولة الأساسية خلال الفترة الانتقالية التي تلت انتهاء أعمال سلطة الائتلاف المؤقتة ولغاية صدور دستور 2005، وتضمن إشارة واضحة إلى الرقابة الدستورية على القوانين، بينما تضمن وجوب تشكيل محكمة اتحادية عليا، فقد نص قانون إدارة الدولة العراقية للمرحلة الانتقالية لعام 2004 على تشكيل المحكمة الاتحادية العُليا حيث جاء فيه:
«تتكوّن المحكمة العليا الاتحادية من تسعة أعضاء، ويقوم مجلس القضاء الأعلى أولياً وبالتشاور مع المجالس القضائية للأقاليم بترشيح ما لا يقلّ عن ثمانية عشر إلى سبعة وعشرين فرداً لغرض ملء الشواغر في المحكمة المذكورة، ويقوم بالطريقة نفسها فيما بعد بترشيح ثلاثة أعضاء لكلّ شاغر لاحق يحصل بسبب الوفاة أو الاستقالة أو العزل، ويقوم مجلس الرئاسة بتعيين أعضاء هذه المحكمة وتسمية أحدهم رئيساً لها. وفي حالة رفض أيّ تعيين يرشح مجلس القضاء الأعلى مجموعةً جديدةً من ثلاثة مرشّحين».
وأما التصويت على القرارات داخل المحكمة فأنه بشكل عام يتخذ بالأغلبية البسيطة باستثناء القرارات المتعلقة بالاختصاص الحصري والأصيل للمحكمة في الدعاوي بين الحكومة العراقية الانتقالية وحكومات الأقاليم وإدارات المحافظات والبلديات والإدارات التي يجب أن تكون بأغلبية الثلثين. كما أعطى نص المادة أعلاه للمحكمة سلطة مطلقة في تنفيذ قراراتها بما في ذلك صلاحية إصدار القرار بازدراء المحكمة وما يترتب عليها من إجراءات. ونص قانون إدارة الدولة العراقية للمرحلة الانتقالية لعام 2004 على.. أـ تتشكل المحكمة من تسعة أعضاء بما فيها رئيس المحكمة يرشحهم مجلس القضاء الأعلى وبالتشاور مع المجالس القضائية للأقاليم ويعينهم مجلس الرئاسة وتُرك لقانون المحكمة تفاصيل الشروط الواجب توفرها في أعضائها وحقوقهم. ويُعد قرار تشكيل أعضاء المحكمة التسعة بما في ذلك تسمية الرئيس فيتم من قبل الرئاسة دون مجلس القضاء الأعلى الذي يقتصر دوره على الترشيح فحسب، وهذا يُعد مخالفاً لمبدأ الفصل بين السلطات مما يعني أن بإمكان مجلس الرئاسة رفض المرشحين حسب المادة 44 فقرة (هـ) حيث أعطى لمجلس الرئاسة حق الرفض وعلى مجلس القضاء ترشيح مجموعة جديدة.
المحكمة الاتحادية العليا في القانون رقم 30 لسنة 2005
شرع قانون رقم 30 لسنة 2005 في 17 مارس، 2005، لغرض إنشاء المؤسسات الدستورية في العراق، ويُعد هذا القانون تكملةً للمؤسسات الدستورية في العراق التي تهدف إلى حماية حقوق الإنسان وضمان سيادة القانون وتحقيق التوازن بين السلطات. وحسب المادة 2 من قانون رقم 30 لسنة 2005 تكون المحكمة الاتحادية العليا مستقلة مالياً وإدارياً، وتنص المادة 3:
«تتكون المحكمة الاتحادية العليا من رئيس وثمانية أعضاء يجري تعيينهم من مجلس الرئاسة بناءً على ترشيح من مجلس القضاء الأعلى بالتشاور مع المجالس القضائية للأقاليم وفق ما هو منصوص عليه في الفقرة (هـــ) من المادة (الرابعة والأربعين) من قانون إدارة الدولة العراقية للمرحلة الانتقالية».
وعلى ضوء ذلك، رشح مجلس القضاء الأعلى 27 مرشحاً لرئاسة وعضوية المحكمة، أي ثلاث أضعاف عدد أعضاء المحكمة وتم اختيار أعضاء المحكمة التسعة من خلال عملية اقتراع سرّية بموجب محاضر رسمية رُفعت إلى مجلس الرئاسة، ويذكر أن مجلس القضاء الأعلى بجلسته المنعقدة بتاريخ 21 يوليو/ تموز، 2004 قد تولى تقديم أسماء المرشحين إلى مجلس الرئاسة وطال التدقيق سبعة أشهر اختير بعدها رئيس وأعضاء المحكمة الاتحادية العليا بموجب المرسوم الجمهوري رقم 398 في 3 مايو/ أيار 2005. وأما آلية انعقاد المحكمة، فهي تنعقد بدعوة من رئيس المحكمة لأعضائها وقبل الموعد المحدد بوقت كافٍ يقدره رئيس المحكمة مع كتاب الدعوة وجدول الأعمال والوثائق المرقمة لإبداء الرأي عند الحضور للجلسة. ولكي يكون الانعقاد صحيحاً لابد من حضور جميع الأعضاء أما إذا تخلّف أحدهم فلا تنعقد المحكمة لانعدام النصاب وإذا ما انعقدت فانعقادها غير صحيح. تُعد المحكمة الاتحادية محكمة دستورية وكذلك هيئة تمييزية بالنسبة لأحكام محكمة القضاء الإداري، عضوية العمل في المحكمة الاتحادية هي مدى الحياة. تم إلغاء المادة رقم (3) من قانون المحكمة الاتحادية العليا رقم (30) لسنة 2005، بموجب قرار المحكمة الاتحادية العليا رقم 38/اتحادية/2019 الصادر في 12 مايو/ أيار، 2019. الذي ورد فيه:
«إن ترشيح رئيس وأعضاء المحكمة الاتحادية العليا أصبح خارج اختصاص مجلس القضاء الأعلى اعتباراً من صدور دستور جمهورية العراق ونفاذه عام 2005».
مهام المحكمة الاتحادية واختصاصاتها
1.الرقابة على دستورية القوانين والأنظمة النافذة.
2.تفسير نصوص الدستور.
3.الفصل في القضايا التي تنشأ عن تطبيق القوانين الاتحادية، والقرارات والأنظمة والتعليمات والإجراءات الصادرة عن السلطة الاتحادية، ويكفل القانون لكل من مجلس الوزراء، وذوي الشأن من الأفراد وغيرهم، حق الطعن المباشر لدى المحكمة.
4.الفصل في المنازعات التي تحصل بين الحكومة الاتحادية وحكومات الأقاليم والمحافظات والبلديات والإدارات المحلية.
5.الفصل في المنازعات التي تحصل بين حكومات الأقاليم أو المحافظات.
6.الفصل في الاتهامات الموجهة إلى رئيس الجمهورية ورئيس مجلس الوزراء والوزراء.
7.التصديق على النتائج النهائية للانتخابات العامة لعضوية مجلس النواب.
8.الفصل في تنازع الاختصاص بين القضاء الاتحادي والهيئات القضائية للأقاليم والمحافظات غير المنتظمة في إقليم.
9.الفصل في تنازع الاختصاص في ما بين الهيئات القضائية للأقاليم أو المحافظات غير المنتظمة في إقليم.
10.النظر بالطعن في قرار مجلس النواب الصادر، وذلك خلال 30 يوما من تاريخ صدوره.