فشل وزارة الخارجية بلا حدود.. ضعف "واضح" في تمثيل مصالح العراق و"فضائح" متكررة للسفراء
انفوبلس/ تقرير
يبقى ملف وزارة الخارجية العراقية من أكبر الملفات التي ما زالت خفية على الرأي العام العراقي لعدم علمه بما يدور في ممثليات بلاده في الخارج والفشل "الذريع" في الدفاع عن المصالح العراقية الخارجية وما يجري الآن من استغلال وسرقة الكويت لحقل غاز الدرة العراقي واستيلاء السعودية على ميناء المعجز العراقي، كذلك التدخل العسكري التركي والمياه.
وفي هذا الصدد، ذكر النائب حسن سالم في تغريدة تابعتها "انفوبلس"، حيث قال "وجهنا سؤالا برلمانيا إلى وزارة الخارجية حول استغلال وسرقة الكويت لحقل غاز الدرة العراقي واستيلاء السعودية على ميناء المعجز العراقي، أمام صمت الخارجية ولجنتي الأمر الديواني (110 و123) الخاصة بترسيم الحدود والتي تخلو من المختصين والوطنيين وطرد أي شخصية متخصصة ولديها الحرص على هذا البلد".
ورد على تغريدة النائب، ذكرت المدونة زينب الحسيني، "الكويت اقتطعت أراضي عراقية وتصر على استثمار والاستحواذ على حقول نفطية عراقية حدودية تم اقتطاعها وفق قرار 834 ولم تكتفِ بل تصر على ترسيم الحدود البحرية بعد العلامة 162 بهدف تحويل العراق الى بلد مغلق بحريا حيث زار الوفد العراقي الكويت قبل أيام".
وبحسب مختصين وسياسيين، فإنه لا يوجد دور حقيقي لوزارة الخارجية العراقية في الدفاع عن المصالح العراقية الخارجية، في القضايا المصيرية والتي تفيد العراق اقتصاديا وسياسياً وأمنيا كحقل غاز الدرة العراقي وميناء المعجز العراقي والتدخل التركي في كردستان وملف المياه وغيرها من الملفات.
في المقابل، يشير موقع وزارة الخارجية العراقية إلى أن العراق لديه 88 سفارة وقنصلية وبعثة دبلوماسية حول العالم، ولا يعد هذا غريبًا في التمثيل الدبلوماسي لأي دولة، لكن ما يثير الدهشة أن العراق لديه تمثيل دبلوماسي وسفارة في بلدان قلّما تجد فيها عراقيين كما في كينيا والفاتيكان.
*حوادث متكررة لسفراء العراق
قررت السلطات العراقية في بغداد شهر آذار الماضي، إعادة القائم بالأعمال العراقي في المنامة مؤيد عمر عبد الرحمن، إلى "مقر الوزارة"، وذلك بعد ساعات من بيان للخارجية البحرينية أعلنت فيه تسليم السفير العراقي لديها مذكرة احتجاج بسبب ما قالت إنه "قام بتصرف غير مقبول"، و"يتعارض مع مهامه الدبلوماسية".
لكن إعادة بغداد للقائم بالأعمال العراقي في البحرين إلى العراق وإنهاء عمله في المنامة، لم يكن الإجراء الأول من نوعه، إذ سبقته عدة إجراءات مماثلة لسفراء ودبلوماسيين عراقيين في دول عدة تسبّب بعضهم بإحراج بالغ لبغداد. كان آخر هؤلاء السفير العراقي في لبنان، حيدر البرّاك، الذي ظهر العام الماضي، وهو يستخدم قاذفة محمولة على الكتف، في منطقة البقاع اللبنانية خلال رحلة صيد له، ما دفع بغداد إلى إصدار بيان بإعادة السفير إلى بغداد.
على الرغم من تندّر الشارع العراقي على كثير من الحوادث التي تسبّب بها سفراء عراقيون في الخارج خلال السنوات الأخيرة، إلا أنها مثّلت إحراجاً واسعاً للعراق، اضطر لتدخّل رؤساء حكومات ووزراء لمعالجة بعض من تلك المشاكل.
وكان أبرز تلك الحوادث اتهام نجلي السفير العراقي في البرتغال، سعد محمد رضا، في 2016، بالاعتداء على فتى برتغالي، ما تسبّب بدخوله في غيبوبة، ومحاولة السفير التستر على الجريمة. وانتهت القضية بنقل بغداد للسفير وعائلته من البرتغال إلى دمشق بعد أشهر، مع دفع تعويض مالي لعائلة الفتى المُعتدى عليه.
تكررت حوادث تسبب بها سفراء عراقيون في الخارج ومثّلت إحراجاً للعراق
وفي العام ذاته، نشر الموقع الرسمي لـ"هيئة الإذاعة والتلفزيون السويسرية"، أن "اثنين من موظفي البعثة الدبلوماسية العراقية في جنيف تورطا في عملية تهريب سجائر مستغلين صفتهما الدبلوماسية، وبلغت قيمة السجائر 2.4 مليون فرنك، من دون ذكر اسمي الدبلوماسيين العراقيين اللذين تبيّن لاحقاً إعادة أحدهما إلى بغداد وإقالة الثاني.
أعقب ذلك مشكلة تورط القنصل العراقي في مدينة مشهد الإيرانية، ياسين شريف، في عام 2018، بأعمال تجارية، كان آخرها الظهور في فيديو ترويجي لصالح مركز لزراعة الشعر وتبييض الأسنان، وهو ما دفع وزارة الخارجية العراقية إلى استدعائه وإنهاء عمله لاحقاً.
وفي العام 2018 أيضاً، ظهر السفير العراقي لدى طهران راجح الموسوي وهو يوجّه إهانات لعدد من العراقيين من أبناء الجالية الموجودة في إيران خلال تجمّع بمناسبة دينية بعد حديث بعضهم عن سوء خدمات السفارة، ما أدى لاستدعائه إلى بغداد ومن ثم صدور بيان إقالته من منصبه.
وفي يوليو/ تموز 2019، استدعت وزارة الخارجية العراقية سفيرها في واشنطن فريد ياسين، بعد تصريحات تحدث فيها عما زعم أنها "أسباب موضوعية قد تدعو إلى تطوير العلاقة مع إسرائيل". وبرر ذلك يومها بوجود جالية عراقية هناك، في إشارة إلى اليهود من أصول عراقية داخل الأراضي الفلسطينية المحتلة.
وأصدرت الخارجية العراقية بياناً أكدت فيه أن تصريحات السفير "غير مناسبة". وجددت "التأكيد أن موقف العراق إزاء القضية الفلسطينية هو نفسه الموقف المبدئي والتاريخي برفض الاحتلال الإسرائيلي واغتصابه لأرض عربية، وإننا لا نقيم أي علاقات مع دولة الاحتلال، وملتزمون بمبدأ المقاطعة".
وفي أكتوبر/ تشرين الأول 2020، ظهر القائم بالأعمال العراقي في موريتانيا حميد القدو، بملابس نوم غير لائقة مع مطربة محلية داخل صالة فندق، وأثارت القضية جدلاً واسعاً في العراق، دفع وزارة الخارجية إلى إعادته لمقر الوزارة في بغداد لاحقاً.
أما في أغسطس/ آب 2022، فأصدرت بغداد قراراً مماثلاً بإنهاء عمل سفيرها في الأردن، حيدر العذاري وإعادته إلى بغداد، إثر صور وُصِفت بـ"غير لائقة" للسفير وزوجته مع المطرب اللبناني راغب علامة.
وفي سبتمبر/ أيلول 2022، أعلنت وزارة الخارجية في بغداد، عن قرار بإعادة دبلوماسي معتمد لديها في الأمم المتحدة، بعد التقاط الصحافيين صوراً له وهو يشاهد مباراة بكرة القدم عبر جهازه المحمول، خلال اجتماع للجمعية العمومية للأمم المتحدة كانت تتعلق بالملف العراقي.
وفي يوليو من العام ذاته، تسبب تقرير في محطة تلفزيون أميركية ظهر فيه مندوب العراق السابق في الأمم المتحدة حامد البياتي، بصفته تاجر عقارات في نيويورك، بجدل واسع في البلاد، قاد خلالها ناشطون حملة تطالب بفتح ملفات الفساد في وزارة الخارجية.
وفي فبراير/ شباط العام الحالي، أعلنت وزارة الخارجية تشكيل لجنة تحقيق في أزمة جوازات السفر الدبلوماسية التي فجرها نواب في البرلمان، بعد اتضاح حصول شخصيات غير حكومية عليها، من بينهم عارضات أزياء ومشاهير على منصات التواصل الاجتماعي، مؤكدة أن اللجنة ستتولى مهمة التدقيق في حاملي الجوازات الدبلوماسية.
وعلى الرغم من أن الدستور العراقي النافذ منذ عام 2005، لم ينص على توزيع المناصب في إطار طائفي أو حزبي، لكن العُرف السياسي المعمول به منذ الغزو الأميركي عام 2003، درج على المحاصصة، بما فيها ما بات يُعرف بـ"الدرجات الخاصة"، والتي من بينها منصب السفير.
*خطة لإعادة النظر بسفراء العراق
وقال مقرر لجنة العلاقات الخارجية في البرلمان العراقي عامر الفايز، إن "هناك سفراء مضى على عملهم سنين طويلة ببعض الدول، وهذا ما يتطلب تغييراً، ولهذا نحن في لجنة العلاقات الخارجية سيكون لنا تحرك خلال الفترة المقبلة من أجل إجراء تغييرات في السفراء والدبلوماسيين في دول العالم، وسنعمل على إجراء تقييم مهني بالعمل والأداء بعيدا عن المجاملات والضغوطات السياسية".
لجنة العلاقات الخارجية في البرلمان لديها خطة لإعادة تقييم عمل السفراء والدبلوماسيين
وأكد، إن "لجنة العلاقات الخارجية، ترصد منذ فترة طويلة أخطاء بعض سفراء العراق في عدد من الدول، وضعفا في الأداء، ولهذا وزارة الخارجية تجري بين فترة وأخرى عملية سحب بعض السفراء بسبب هذه الأخطاء الدبلوماسية".
تحكُّم المحاصصة بالمناصب
بدوره، قال النائب في البرلمان العراقي أمير المعموري، إن "الأخطاء المتكررة لسفراء العراق سببها المحاصصة والمحسوبية التي جاءت بهؤلاء الأشخاص إلى مناصب مهمة تمثل العراق وشعبه أمام دول العالم، فهذا الملف خاضع للمحاصصة والتوافق، واختيار الأشخاص لا يتم من خلال الكفاءة والخبرة بالعمل الدبلوماسي".
وأضاف المعموري، إن "مناصب سفراء العراق في بعض الدول أصبحت مناصب لعوائل بعض الزعامات السياسية والأخرى دخلت ضمن المحاصصة السياسية والطائفية، ويتم تقسيمها كحال المناصب الأخرى في الدولة العراقية، وهذا سبب رئيسي في فشل الدبلوماسية العراقية في الكثير من الدول".
المعموري: الأخطاء المتكررة لسفراء العراق سببها المحاصصة والمحسوبية التي جاءت بهؤلاء الأشخاص
وأكد النائب المستقل "أننا سنعمل على فتح ملف سفراء العراق في دول العالم، لوجود الكثير من الأخطاء والإخفاق في عمل الكثير من السفراء، الذين جاءت بهم المحاصصة إلى مناصب، يفترض أن يكون فيها شخصيات دبلوماسية قادرة على تمثيل العراق أمام الدول".
من جهته، اعتبر الخبير في الشأن السياسي العراقي، إياد الدليمي، أنه "بعد الغزو الأميركي للعراق عام 2003 لم يكتفِ الحاكم الأميركي بول بريمر بحل الجيش العراقي والمؤسسات الأمنية بل أصدر قوانين عديدة أسهمت في طرد وإبعاد خبرات عراقية وكفاءات مهمة من مختلف الوزارات بما فيها الخارجية، ومنها ملاحقة الكثير من الشخصيات العراقية العاملة في المجال الدبلوماسي.
وأضاف: "بدأت بعدها مرحلة جديدة من تأسيس نمط غريب على مفهوم الدبلوماسية في العراق، وهو ما يمكن تسميته بالمحاصصة الدبلوماسية، والتي قادت إلى وصول أشخاص غير مؤهلين إلى أعلى رأس الهرم الدبلوماسي في العراق وصولاً إلى أدناه".
وأشار الدليمي، إلى ما وصفه بـ"التحاصص السياسي في مختلف مؤسسات الدولة، والذي دفعت ثمنه كل المفاصل الحكومية ومنها الدبلوماسية التي كانت واحدة من ضحايا هذه المحاصصة". وتابع: "هناك اليوم سفراء للعراق في الخارج يحملون شهادات مشكوكا في صحتها، ودبلوماسيون يعملون في دول أجنبية لا يتقنون اللغة الإنكليزية، وآخرون لا يحملون حتى ثقافة التعامل مع الغير كونهم لم يتأسسوا وفقاً للأعراف الدبلوماسية المعمول بها".
ووصف هذا الملف بأنه "كارثي ويجب فتحه، وتحديداً ما يتعلق بمعايير اختيار الدبلوماسيين العراقيين، فقد أسهمت المحاصصة الحزبية والطائفية بأن يكون مظهر الدبلوماسية العراقية بهذا الشكل الفضائحي الذي بات يلاحقها من وقت لآخر".