قبل وبعد 2003.. رفع العقوبات الدولية يقود إلى تصفير الأزمات وتحرير الاقتصاد
انفوبلس/..
قادت التصرفات الرعناء التي قام بها رئيس النظام السابق صدام حسين، العراق إلى نفق مظلم أدخلته في أزمات واعتلالات لا زالت البلاد تعاني منها، حيث فُقِدت السيادة ودُمّر الاقتصاد وانحدر القطاع الصحي ووصل التعليم إلى أدنى مستوياته إضافة إلى المستوى العسكري حيث دمّر الجيش بالكامل وأصبح الوضع الأمني أخطر من الخطر نفسه.
سنوات كثيرة مضت والبلاد في عُزلة دولية، إزاء العقوبات التي فُرِضت من قبل مجلس الأمن الدولي، عقب قرار صدام حسين بدخول الكويت ثم احتلالها، ليصبح حال البلاد بعدها من أكثر دول المنطقة تأخراً وخاصة بعد السنوات التي تلت حرب الخليج الثانية، حيث دُمِّرت بنيته التحتية من مصانع ومصافٍ ومحطات توليد ومحطات المياه والمجاري، والتي عاد بها إلى حقبة "ما قبل الصناعة" كما قال جيمس بيكر وزير الخارجية الأمريكي الأسبق.
*العقوبات
أصدر مجلس الأمن الدولي، 53 قراراً خاصاً بالعراق بين عامي 1990 و2000، وأبرزها قرار (660) في 2 أغسطس/ آب 1990، الذي طالب بخروج القوات العراقية من الكويت، أو إخراجها بالقوة والعودة إلى حدود ما قبل الغزو.
ثم جاء قرار (661) في الـ 6 من الشهر ذاته، والذي أقرّ بفرض عقوبات اقتصادية وحصار شامل، حيث طالب المجلس جميع الدول بالامتناع عن أي تبادلات تجارية مع العراق، إلا أن القرار الأشد إيلاماً كان في 3 أبريل/ نيسان 1991، والذي حمل رقم (687) الذي وضع العراق تحت البند السابع، وألزمه بإزالة أسلحة الدمار الشامل، ودخول المفتشين الدوليين.
ومع تدهور الوضع الإنساني، أصدر مجلس الأمن القرار (986) في 14 أبريل/ نيسان 1995 المعروف بـ(النفط مقابل الغذاء والدواء)، الذي مكّن العراق من بيع النفط الخام بمبلغ لا يتجاوز مليار دولار أمريكي لكل 90 يوماً، واستخدام العائدات لشراء الإمدادات الإنسانية.
وأدناه استعراض لأهم القرارات التي فرضها مجلس الأمن ضد العراق:
-القرار 660: صدر في 2 أغسطس/ آب 1990، ويُدين الاحتلال العراقي للكويت، ويطلب من الجيش العراقي الانسحاب الفوري غير المشروط إلى مواقعه قبل الأول من أغسطس/ آب 1990. كما طلب من الطرفين البدء بحوار مباشر لحل الاختلافات بينهما، بدعم من جامعة الدول العربية.
-القرار 661: صدر في 6 أغسطس/ آب 1990، وفرض بموجبه حظر اقتصادي على العراق، فقد طالب فيه مجلس الأمن جميع الدول بالامتناع عن أي تبادلات تجارية مع العراق، باستثناء الإمدادات الطبية والغذائية.
-القرار 687: صدر في 3 أبريل/ نيسان 1991، وطالب بترسيم الحدود بين العراق والكويت من خلال لجنة خاصة بذلك، كما طالب العراق بالكشف عن أسلحة الدمار الشامل كافة التي يملكها وقبول تدميرها، وحظر توريد أي أسلحة أو مواد لها صفة عسكرية للعراق. وشُكِّلت لجنة تفتيش خاصة بأسلحة العراق، وعينت وحدة لمراقبة الموقف بين البلدين.
-القرار 887: صدر في 2 أكتوبر/ تشرين الأول 1992، ويُدين فيه مجلس الأمن عدم التزام العراق بالقرارات الصادرة عن المجلس، ويؤكد قلقه من تدهور الحالة الصحية والغذائية للسكان المدنيين العراقيين، كما يطلب من العراق أن يعيد جميع الممتلكات الكويتية التي استولى عليها.
-القرار 1284: صدر في 17 ديسمبر/ كانون الأول 1999، ويشير إلى عدم التزام العراق بإعادة جميع الكويتيين ورعايا البلدان الأخرى ممن كانوا في العراق في 2 أغسطس/ آب 1990 أو بعد ذلك إلى أوطانهم.
كما قرر أن يسمح العراق للجنة التفتيش بالوصول فوراً ودون شروط إلى المناطق والمرافق والمعدات والسجلات ووسائل النقل التي تودّ اللجنة تفتيشها، وإلى جميع المسؤولين والعاملين الذين تود اللجنة مقابلتهم، ويتحمل العراق تكاليف لجنة التفتيش والوكالة الدولية للطاقة الذرية كافة في كل ما يتصل بعملها. ويشجع هذا القرار الدول والمنظمات الدولية على تقديم المساعدات ذات الطابع التعليمي للعراق.
-قرار النفط مقابل الغذاء ومتعلقاته:
اتخذ مجلس الأمن الدولي 17 قراراً متعلقاً ببرنامج "النفط مقابل الغذاء"، بدأ أولها في 14 أبريل/ نيسان 1995 وهو القرار رقم (986)، وتلت ذلك عدة قرارات تتابع تطبيق هذا القرار وتمدد فترته كل ستة أشهر.
وهذه القرارات هي ذات الأرقام الآتية: (1051)، (1111)، (1129)، (1143)، (1153)، (1158)، (1175)، (1210)، (1242)، (1266)، (1275)، (1280)، (1281)، (1284)، (1293)، (1302).
ومن أهم القرارات المتعلقة ببرنامج النفط مقابل الغذاء:
-القرار 986: صدر في 14 أبريل/ نيسان 1995، ويمكّن العراق من بيع النفط الخام بمبلغ لا يتجاوز مجموعه مليار دولار أميركي كل تسعين يوما، واستخدام العائدات النفطية لشراء الإمدادات الإنسانية.
-القرار 1051: صدر في 27 مارس/ آذار 1996، يطلب فيه من جميع الدول إخطار الوحدة المشتركة بالبيانات والمعلومات الخاصة كافة بأية محاولة بيع أو إمداد معتزم القيام بها من أراضيها مع العراق، ويطلب من هذه الوحدة التبليغ عن أية محاولة للتهريب إلى العراق أو تزويده بأية مواد محظورة.
-القرار 1111: صدر في 9 يونيو/ حزيران 1997، يقرر فيه مجلس الأمن تمديد أحكام قراره رقم 986 عدا الفقرات 4 و11 و12، كما يقرر إجراء استعراض شامل لجميع جوانب تطبيق قرار النفط مقابل الغذاء، وما إذا كفل العراق توزيعا منصفا للأدوية واللوازم الصحية والمواد الغذائية والإمدادات اللازمة لتلبية الاحتياجات المدنية الأساسية.
-القرار 1129: صدر في 12 سبتمبر/ أيلول 1997، يعبّر فيه مجلس الأمن عن قلقه من قرار الحكومة العراقية الامتناع عن بيع النفط والمنتجات النفطية المسموح بها، وما يسببه ذلك من عواقب إنسانية ومشاق على الشعب العراقي.
-القرار 1143: صدر في 4 ديسمبر/ كانون الأول 1997، يقرر فيه تمديد أحكام القرار 986 لفترة أخرى مدتها 180 يوما, كما يقرر استمرار سريان خطة توزيع المواد الغذائية والصحية لحين موافقة الأمين العام على خطة جديدة تقدمها الحكومة العراقية.
-القرار 1175: صدر في 19 يونيو/ حزيران 1998، ويشير إلى تقرير فريق الخبراء الذي شكلته الأمم المتحدة، ويذكر أن العراق لا يستطيع في ظل الظروف القائمة أن يصدّر من النفط أو المنتجات النفطية ما يكفي لتوفير 5.256 مليارات دولار. ويقرر فيه السماح للدول بتصدير قطع الغيار والمعدات اللازمة لزيادة صادرات النفط والمنتجات النفطية العراقية بكميات تكفي لتحقيق المبلغ المذكور أعلاه.
-القرار 1281: صدر في 10 ديسمبر/ كانون الأول 1999، مدّد هذا القرار برنامج النفط مقابل الغذاء لفترة جديدة مدتها 180 يوما، تبدأ في 12 ديسمبر/ كانون الأول 1999.
-القرار 1284: صدر في 17 ديسمبر/ كانون الأول 1999، منع مجلس الأمن بموجب هذا القرار الشراء المحلي وتدفق النقد من عائدات النفط العراقي المحتجز في الخارج منعا باتا.
-القرار 1302: صدر في 8 يونيو/ حزيران 2000، مدّد برنامج النفط مقابل الغذاء لفترة جديدة مدتها 180 يوما تبدأ في 9 يونيو/ حزيران 2000 وتنتهي في 5 ديسمبر/ كانون الأول 2000.
*حظر الطيران
تضمنت العقوبات قراراً ينص على حظر الطيران في مناطق العراق الجنوبية والشمالية ومنع الطائرات من التواصل بين بغداد ومدن العالم الخارجي، وتم كسر هذا الحظر في سنة 2002 عندما بدأت طائرات عربية وروسية بالوصول لمطار بغداد الدولي، حيث استؤنفت بعدها الرحلات الجوية من بغداد وبعض العواصم المجاورة.
أُجبِرت شركة الخطوط الجوية العراقية على تراجع المخطط البياني التطوري لها وتحديداً في حرب عام 1990 وما رافق ذلك من حصار اقتصادي أدى الى توقف رحلاتها بصورة شاملة. كان هذا هو الحظر الأول الذي طال النورس الأخضر فوق أوروبا وباقي دول العالم واستمر حتى عام 2009 عندما بدأت الشركة تعيد نشاطها من خلال امتلاكها للطائرات الجديدة ومحاولة إعادة كوادرها للعمل عليها برغم قلة الأعداد وعدم التحضير لإعداد كوادر جديدة. بالفعل أعاد الطائر الأخضر نشاطه لمدة عام وخلالها ظهرت مشكلة الكويت مع الخطوط ووقفت رحلاتها لفترة أخرى تم حلّها بالأموال.
باشرت بعدها الخطوط الجوية العراقية تسيير رحلاتها إلى أوروبا عام 2013 وطلبت الوكالة الأوروبية لسلامة الطيران (اياتا) من الخطوط الجوية العراقية في حينها توفير معايير السلامة والأمان الأوروبية في طائراتها كما في شركات الطيران الأوروبية الأخرى من خلال تطبيق اتفاقية البلد الثالث TCO من أجل تسيير رحلاتها إلى أوروبا، أي إن الخطوط الجوية العراقية يجب أن تهبط في بلد أوروبي ثالث للتأكد من معايير السلامة والأمان في الطائرة قبل السماح بهبوطها في لندن مثلاً، وحينها وقع الاختيار على مدينة مالمو جنوبي السويد، وكانت المفاجئة عندما طلبت وكالة سلامة الطيران الأوروبية عام 2014 منع طيران العراقية بشكل مؤقت لمخالفته شروط ومعايير السلامة في أحد رحلات الشركة إلى لندن لحين حل هذه المخالفات، ثم شخّصت لجنة سلامة الطيران الأوروبية SAFA حالات خرق جديدة لرحلات أخرى للشركة ما أدى إلى حظر الطائر الأخضر من الطيران فوق أوروبا رسميا منذ عام 2015 وحتى يومنا هذا.
لكن سلطة الطيران المدني، تؤكد خروج العراق من العقوبات الدولية سيكون قريباً.
وقال المتحدث باسم السلطة، جهاد الديوان، إن "العراق من ضمن خمس دول لم تجتَز برنامج الإيكاو العالمي لتدقيق مراقبة السلامة بما يُعرف باسم USOAP". مبينا، إن "سلطة الطيران المدني تعمل على اجتياز الاختبار الذي يكون على مراحل عدة". مشيراً إلى، أنه "خلال عام 2019 وصل العراق إلى نسبة اجتياز حوالي 75% من الاختبار والتدقيق". مؤكداً، إن "العراق سيجتاز النسبة المتبقية خلال المستقبل القريب للخروج من العقوبات الدولية".
*عقوبات السفر
أثّرت العقوبات التي فُرِضت على العراق آنذاك على سفر المواطنين، فأغلقت دول العالم (باستثناء نحو ثلاث أو أربع دول) أبوابها بوجه العراقيين الراغبين بالسفر هرباً من الواقع المُزري الذي كانوا يعيشونه في ذلك الوقت.
فيما يُسمح الآن لحامل الجواز العراقي بالسفر من دون تأشيرة إلى27 دولة، كما أنه يمكن للعراقي السفر إلى أي دولة بعد منحه تأشيرة دخول. وأقصى ما يحتاج المسافر هو تقديم مستندات داعمة للطلب كالمستندات المطلوبة لإثبات توفر الأموال اللازمة لتغطية نفقات السفر، وكذلك توفر تذكرة السفر للعودة.
*نادي باريس
إن السياسات الخاطئة للنظام السابق والحروب الخاسرة التي خاضها طوال العقدين السابقين حمّلت الاقتصاد العراقي عبئاً ثقيلاً جداً ربما أقلّها وطأة الديون الخارجية التي سيتحمل تبعاتها ليس الجيل الحالي فقط وإنما الأجيال القادمة، التي اختلفت تقديراتها من جهة لأخرى، فقد قدّرها مركز الدراسات الدولية والاستراتيجية في واشنطن بـ(62،2) مليار دولار، بينما يقدّرها البنك الدولي بـ(127،7) مليار دولار، وتقدّرها شركة اكزوتكس المتخصصة في تجارة ديون الأسواق الناشئة التي مقرّها لندن بين (103,4) مليار دولار و(129,4) مليار دولار، وتشكل هذه الديون أصل الديون والفوائد المتأخرة عنها.
وفي رسالة حكومة العراق الموقّعة من قبل وزير المالية ومحافظ البنك المركزي العراقي إلى مدير الاعتماد المالي العالمي قُدِّرت بـ (125) مليار دولار أمريكي، (42) مليار دولار تعود إلى دائني نادي باريس و(67.3) مليار دولار إلى غير نادي باريس ونصف مليار دولار إلى المؤسسات الاقتصادية الدولية و(15) مليار دولار إلى دائني القطاع الخاص.
وفي 26 شباط الماضي، قال المستشار المالي لرئيس الوزراء مظهر محمد صالح، إن "ديون العراق في نادي باريس والتي كانت تعود لفترة التسعينيات من القرن الماضي كان معروضا بأرقام مختلفة ما بين 128 إلى 148 مليار دولار وهي أرقام أولية وبها مبالغات لبعض البلدان التي أضافت فوائد تأخيرية وهي غير موجودة".
وتابع، إن "نادي باريس قام بخصم وبموجب اتفاقية مع العراق في تشرين الثاني 2004 هذه الديون السيادية والتجارية إلى 80% أو أكثر، ووصل الإلغاء لبعض الدول إلى 100% ومنها الولايات المتحدة والجزائر وقبرص ومالطا وسلوفينيا"، مبيناً أن "البقية البالغة 20% تمت جدولتها لمدة 20 عاماً ومن المقرر أن تنتهي في 2028 والمتبقي منها حوالي 5 مليارات دولار بما فيها الديون التجارية التي صدرت بشكل سندات باسم العراق".
وأشار إلى، أن "العراق اقترض أيضاً من جديد في أيام الحرب على داعش من البنك الدولي وصندوق النقد الدولي مع إصدار سندين جديدة بمبلغ ملياري دولار أحدهما يُعرف بـ(دجلة) والآخر (فرات)، وبالتالي فإنه بتقديري أنّ مجموع الديون التي ستُسدد من الآن خلال السبع أو الثماني سنوات المقبلة هي بحدود 20 مليار دولار وهي مجموع ديون العراق الخارجية".
و نادي باريس الاقتصادي هو مجموعة غير رسمية من المموّلين من 19 دولة من أغنى بلدان العالم، التي تقدم الخدمات المالية مثل إعادة جدولة الديون وتخفيف عبء الديون، وإلغاء الديون علي البلدان المدينة والدائنة ويقوم صندوق النقد الدولي بتحديد أسماء تلك الدول بعد أن تكون حلول بديلة قد فشلت.
*معاناة
عانى العراقيون الأمرّين من العقوبات التي حرمتهم من الغذاء والدواء، فضلاً عن كل وسائل التقدم والتكنولوجيا التي وصل إليها العالم في حقبة التسعينيات من القرن الماضي، مما أدى إلى وفاة مليون ونصف مليون طفل نتيجة الجوع ونقص الدواء الحاد وافتقادهم إلى أبسط وسائل الحياة.
كما اضطرت هذه العقوبات بالكثير من العراقيين للهجرة إلى دول الجوار والمهجر بحثاً عن الأمان والحياة والتطور.
*رفع العقوبات
بدأت البلاد تتنفس الصعداء شيئا فشيئا عقب قرار مجلس الأمن الصادر في 15 ديسمبر/ كانون الأول 2010، القاضي برفع مجموعة من العقوبات المفروضة على العراق، والتي بدأت عقب غزو للكويت عام 1990، واستمرت إلى ما بعد الغزو الأمريكي للعراق بـ7 سنوات.
لكن مجلس الأمن الدولي ترك ملف التعويضات العراقية للكويت مفتوحاً، حيث أُحيل الأمر إلى المفاوضات المباشرة بين الجانبين لتسوية الملف.
وبعد تسديد بغداد 52.4 مليار دولار إلى الكويت، أنهى مجلس الأمن في (شباط 2022) قرار تفويض لجنة الأمم المتحدة الخاصة بالتعويضات عن الأضرار الناجمة عن غزو العراق للكويت عام 1990، ليسمح للاقتصاد العراقي بالانطلاق بحرية.
*تحرير الاقتصاد
نجاح العراق في طيّ الصفحة الأخيرة من قرارات مجلس الأمن الدولي الخاصة بغزو الكويت في أغسطس (آب) 1990 والمتمثلة في غلق ملف التعويضات ورفعه من البند السابع من ميثاق الأمم المتحدة مثّل خطوة مهمة لعودة الملف العراقي إلى السيادة العراقية من جديد بعدما خضع للأمم المتحدة والمجتمع الدولي في إدارة إيراداته المالية.
وبعد مرحلة رفع العقوبات بدأ العراق يتجه نحو تصفير أزماته قاد ذلك إلى تحرير اقتصاد البلاد، إثر التخلص من الوصاية الدولية وعودة السيادة الكاملة للعراق على أمواله.