ما هو قانون الأمن الغذائي ولماذا تتمسك به الحكومة رغم "عدم فائدته"؟
أنفوبلس - تقرير
اثار مشروع قانون الدعم الطارئ للامن الغذائي الذي طرح من قبل مجلس الوزراء لغطا كبيرا داخل قبة البرلمان في وقت استغرب مراقبون من قيام الحكومة بتقديم مشروع الامن الغذائي واهمال قانون الموازنة.
صراع جديد بدأ فتيله يشتعل داخل مجلس النواب سببه مشروع قانون الدعم الطارئ للأمن الغذائي والتنمية.. لاسيما أنه جاء من حكومة مهمتها تصريف الأعمال فقط ليكشف قانونيون ان الامر يعد خرقا واضحا وصريحا من قبل مجلس الوزراء.
ما هو قانون الدعم الطارئ للأمن الغذائي؟
تنص المادة (11) من قانون الادارة المالية رقم (6) لسنة 2019 على مناقشة مشروع قانون الموازنة العامة الاتحادية واقراره وتقديمه الى مجلس النواب قبل منتصف شهر تشرين الاول من كل سنة. الا ان حل مجلس النواب العراقي السابق مطلع شهر تشرين الاول من العام الماضي وتحول مجلس الوزراء الى حكومة تصريف اعمال حال دون تقديم الموازنة في التوقيت المذكور. وحتى في الاحوال الاعتيادية لم تنجز وتقر الموازنات العامة ضمن التوقيتات المحددة نتيجة للصراع السياسي بين الكتل والاحزاب السياسية على مغانم ومكاسب الموازنة العامة من عقود ومشاريع وامتيازات خاصة. ويعيق تأخر تشكيل الحكومة بعد اكثر من ستة اشهر على الانتخابات النيابية امكانية اقرار الموازنة العامة قريبا، خصوصا مع الانسداد السياسي واتساع فجوة التوافق والثقة بين الكتل والاحزاب السياسية في العراق. في هذا الوقت دفعت حكومة تصريف الاعمال بمشروع قانون الدعم الطارئ للأمن الغذائي والتنمية الى مجلس النواب الجديد بحجة تأمين الامن الغذائي ودعم التنمية. وقد اجتهد مجلس النواب في قراءة مشروع القانون قراءة اولى وثانية خلال ايام في محاولة لتعجيل اقراره سريعا وبشكل يثير الغرابة والقلق، خاصة مع وجود العديد من التحفظات القانونية والاقتصادية التي تثار حول مشروع القانون المذكور لعل اهمها:
-سهولة الطعن بقانون الدعم الطارئ للأمن الغذائي والتنمية في المحكمة الاتحادية، نظرا لعدم جواز تشريع القوانين من قبل حكومة تصريف الاعمال الى حين انتخاب حكومة جديدة بصلاحيات كاملة، كما لا يستطيع البرلمان تقديم مقترحات قوانين فيها جنبة مالية بحسب قرار المحكمة الاتحادية.
-لا توجد موجبات ملحة لإقرار القانون المذكور نظرا لعدم خطورة الامن الغذائي بالشكل الذي تم تصويره سياسيا واعلاميا لتمرير القانون. كما ان الصرف جاري ومؤمن بنسبة (1/12) من المصروفات الفعلية للنفقات الجارية مما يُمكن الحكومة من تامين احتياجات البلد من القمح وبعض المواد الغذائية لسنوات قادمة بشكل مريح.
-تنص المادة (2) من قانون الدعم الطارئ للأمن الغذائي والتنمية على انشاء حساب بمقدار (25 ترليون دينار) ومنح صلاحية الاقتراض الحكومي بمقدار (10 ترليون دينار) لدعم الحساب. وبذلك يكون اجمالي رصيد الحساب قرابة (35 ترليون دينار). ووفقا للمادة (3/اولا) من القانون تخصص نسبة (35%) من الحساب المزمع انشاءه لتمويل البطاقة التموينية وشراء محصولي الحنطة والشلب من الفلاحين. أي اكثر من (10 ترليون دينار)، وهو مبلغ يعادل (5) اضعاف تخصيصات البطاقة التموينية ومستحقات الفلاحين في الموازنات السابقة.
-تشير المادة (2/ثالثا) الى امكانية تمويل حساب دعم الامن الغذائي والتنمية والتحوط المالي وتخفيف الفقر عن طريق القروض الداخلية والخارجية وبما لا يزيد عن (10) ترليون دينار باقتراح من وزير المالية وموافقة مجلس النواب. في حين يفترض ان توجه الوفرة المالية المتحققة نتيجة تحسن الاسعار والايرادات النفطية في تسديد الدين العام الداخلي المقارب لـ (70) ترليون دينار والدين العام الخارجي المقارب لـ (26) مليار دولار، خصوصا مع استمرار تحسن الايرادات النفطية بما يفوق مصروفات الحكومة وفق قاعدة (1/12) من إجمالي المصروفات الفعلية للنفقات المالية للسنة السابقة.
-تفصح حسابات وزارة المالية النهائية للمصروفات الفعلية عن صرف قرابة (12) ترليون دينار فقط من التخصيصات الاستثمارية البالغة (29) ترليون دينار في موازنة 2021. مما يعني ضعف قدرة المحافظات والمؤسسات الحكومية على تنفيذ الخطط والمشاريع الاستثمارية رغم توفر التخصيصات المالية اللازمة خلال العام 2021. في حين يخصص مشروع الدعم الطارئ للأمن الغذائي والتنمية نسبة (35%) من رصيد الحساب المزمع اقراره، أي ما يقارب (10 ترليون دينار) لدعم المشروعات المتلكئة، وهو مبلغ ضخم لا حاجة له في ظل استمرار عمل المشروعات الحكومية وفقا المادة (13/ ثانيا) من قانون الادارة المالية رقم (6) لعام 2019 والموضح في الفقرة اللاحقة.
-لا داعي لتشريع قانون بديل للموازنة الاتحادية نظرا لما تنظمه المادة (13) من قانون الادارة المالية رقم (6) لسنة 2019 من عمليات صرف في حال تأخر اقرار الموازنة والتي تشير الى اتخاذ الاجراءات الاتية:
اولا: الصرف بنسبة (1/12) فما دون من إجمالي المصروفات الفعلية للنفقات الجارية للسنة المالية السابقة بعد استبعاد المصروفات غير المتكررة، على أساس شهري ولحين المصادقة على الموازنة العامة الاتحادية.
ثانياً: الصرف من إجمالي التخصيص السنوي للمشاريع الاستثمارية المستمرة والمدرجة تخصيصاتها خلال السنة المالية السابقة واللاحقةً حسب الذرعات المنجزة او التجهيز الفعلي للمشروع .
ثالثاً: في حال عدم اقرار مشروع قانون الموازنة العامة الاتحادية لسنة مالية معينة تُعد البيانات المالية النهائية للسنة السابقة اساسا للبيانات المالية لهذه السنة وتقدم الى مجلس النواب لغرض اقرارها.
يعرقل هذا القانون فرص استغلال الفائض المالي المتوقع في انشاء صندوق سيادي متعدد الاهداف (استقرار ، استثمار، اجيال، اطفاء ديون). بدلا من ذلك، يراد تبديد الفائض المتوقع تحققه نتيجة تحسن الايرادات النفطية ضمن قنوات صرف جديدة خارج اطر الرقابة والتدقيق التي ينظمها قانون الموازنة وقانون الادارة المالية رقم (6) لعام 2019، مما يزيد من مخاطر الهدر والفساد للمال العام، خاصة في ظل اضطراب عمل مجلس النواب والحكومة ودخول البلد في فراغ دستوري ومستقبل مجهول.
يرجح ان يكون اقرار قانون الامن الغذائي والتنمية بديلا مقصودا لمشروع الموازنة الاتحادية 2022، مما يعطل المصالح الاقتصادية والمالية للدولة والجمهور ويبطء من حركة البناء والاعمار وتنفيذ الخطط الاستثمارية الكبرى.
ردود الفعل*
الخلافات السياسية بشأن قانون الامن الغذائي مستمرة، هذا ما يؤكد النائب عن ائتلاف دولة القانون محمد الرميثي.
ويقول الرميثي في تصريح ورد لشبكة أنفوبلس، إن "قانون الامن الغذائي يواجه اعتراضات كبيرة من قبل قوى الاطار التنسيقي "، مضيفا أن "القانون لا يتضمن اي اشارة الى نسبة الفقر".
ويؤكد أن "غالبية القوى السياسية قدمت اعتراضات كبيرة في مقدمتها ان حكومة تصريف الاعمال لا يحق لها ارسال القوانين الى مجلس النواب".
إلى ذلك، كشف النائب عارف عبد الجليل، الغاية من إضافة فقرة التنمية والمشاريع لقانون الدعم الطارئ للأمن الغذائي، فيما أستغرب من إرسال حكومة الكاظمي المنتهية ولايته هذا القانون بدلاً من إرسال الموازنة.
وقال عبد الجليل، إن "قانون الأمن الغذائي المضاف له فقرة التنمية والمشاريع والفقرات الخاطئة الأخرى لأجل تمرير شبهات الفساد والصفقات السياسية"، مؤكدًا "وجود تحرك نيابي لتعديل القانون الأخير والكشف عن شبهات الفساد التي تلاحقه، وتعديله قبل إقراره داخل قبة البرلمان".
وأضاف، أن "الإشكال الحقيقي كان على إرسال الحكومة الحالية لقانون الدعم الغذائي والذي يمتلئ بالملاحظات والمخالفات"، مبديًا استغرابه من "قيام حكومة تصريف الأعمال بإرسال الأمن الغذائي الذي يسوده الكثير من المخالفات والتجاوزات القانونية بدلا من إرسال قانون الموازنة المالية ".
وأوضح، أن "أعضاء مجلس النواب قد أبدوا الكثير من الملاحظات والمخالفات الدستورية في القانون"، لافتًا إلى أنهم"سيعملون على تعديله وحذف كل المخالفات حفاظا عليه من شبهات الفساد وإقراره بما يخدم الشارع العراقي".
أسباب تشريع القانون*
السياسي المستقل، سعد المطلبي، حدد أهم الأسباب التي دعت التحالف الثلاثي إلى الإسراع بتشريع قانون الأمن الغذائي.
وقال المطلبي في تصريح صحفي، إن "الأموال المخصصة لدعم الأغذية وتوفيرها في القانون أقل من ربع الأموال المخصصة للمشروع برمته"، مبيناً أنه "محاولة لصرف أموال طائلة بعيداً عن الأنظار وتحت غطاء تشريعي".
وأضاف أن "الطرق الملحة لتشريع هذا القانون جاءت لتسريع صرف الأموال او تمويل المشاريع المتعلقة ببعض الاحزاب السياسية".
ويؤكد المطلبي أن "على الكتل التي تسعى لتمرير قانون الدعم أن تتوجه نحو إقرار الموازنة العامة كونها بديلاً مثالياً لتحقيق مطالب الشعب واستقرار الاسواق المحلية".
تفاصيل جديدة عن القانون وسؤال هام للكاظمي*
النائب المستقل باسم خشان، أعتبر أن قانون الدعم الطارئ للأمن الغذائي يثقل كاهل الحكومة الجديدة ويحملها أعباء تتجاوز ربع موازنتها المالية، فيما كشف عن فقرات لا تحمل في طياتها ما يحقق الأمن الغذائي.
وقال خشان في منشور له على الفيسبوك، إن "فقرات عديدة في قانون الامن الغذائي لا تحمل في طياتها أي صيغة للأمن أبرزها: 25 تريليون دينار للمنح والإعانات، و10 تريليون دينار للهبات الدولية والمحلية، بالإضافة إلى مصادر أخرى، والتي تساوي "كومة تريليونات"، حسب وصفه.
وأضاف، أن "الفقرات الحالية تمثل أكثر من ربع الموازنة المالية، بينما يخصص جزء بسيط منه يقارب الـ10٪ لتسديد ديون استهلكها الفساد دون أية منفعة للبلد وفقراء البلد، و5٪ لتسديد كلفة انتاج النفط الخام، وكذلك 5٪ مصروفات طارئة باقتراح الوزير".
وأوضح النائب المستقل أن "الكاظمي المستقيل يقترح قانونا يلقي على كاهل الحكومة الجديدة أعباء مالية تتجاوز ربع موازنتها، ومجلس النواب يقرأ القانون، ويمدد الفصل التشريعي لغرض تشريعه"، متسائلا "إذا كان الكاظمي الذي يدعي إنه حاصل على بكلوريوس في القانون لا يعرف حدود تصريف الأعمال اليومية، فهل يقبل من أعلى سلطة تشريعية أن تهدر وقتها وجهد نوابها في مخالفة دستورية؟"
انتقاد كردي للقانون*
السياسي الكردي آرام جباري، يرى أن قانون الأمن الغذائي يخدم أطراف التحالف الثلاثي فقط وفيه شبهات فساد.
ويؤكد جباري، إنه "لا يمكن منح الحكومة المزيد من المليارات وهي حكومة تصريف أعمال، خاصة وأن رئيس الوزراء هو شريك للتحالف الثلاثي".
وأضاف أن "التحالف الثلاثي يريد استغلال الأوضاع الحالية وأزمة تشكيل الحكومة لتمرير القانون والاستحواذ على الأموال دون وجود رقابة حقيقية أو تبويب حقيقي لصرف الأموال التي سيصوت عليها البرلمان، وهذه سابقة خطيرة، وإذا كان لابد فكان الأجدر تشكيل حكومة وطنية تقر الموازنة".
وترفض قوى سياسية وشعبية قانون الأمن الغذائي وتعده بوابة من بوابات الفساد وسرقة المال العام، فيما لا زالت حكومة تصريف الأعمال تتمسك به لتحقيق مآرب شخصية خاصة على حساب مصلحة البلد.