هل الصحافة في العراق حرة؟ تعرّف على أسباب التناقض بين المؤشرات العالمية لحرية الصحافة وبين الواقع العراقي.. كردستان أحدها
انفوبلس..
خلال عام 2024، جاء العراق في المرتبة 169 بمؤشر الحريات الصحفية في قائمة تضم 180 دولة، ويوم أمس افتخر رئيس مجلس الوزراء محمد شياع السوداني بخلو العراق من سجين رأي واحد خلال كلمته في عيد الصحافة العراقية، ومن خلال هذين المؤشرين المتناقضين، فأين تكمن الحقيقة؟ وما هو واقع الصحافة في العراق؟ وما دور كردستان في تذيّل العراق لقائمة تلك الدول؟
لا يخفى على أحد حجم البطش والتهديد والتشريد والمضايقات التي تعرّض لها صحفيو العراق بفترات متفاوتة منذ تأسيس الدولة حتى الآن، وبمناسبة عيد الصحافة العراقية، تنشر "انفوبلس" رؤية حول واقع الصحافة العراقية اليوم وتحليل لطريقة وأدوات ومعايير التصنيف.
إيضاحات مهمة
في البدء يجب إيضاح بعض النقاط التي تعتمد عليها المنظمات الدولية كمنظمة "مراسلون بلا حدود" في منح التصنيف، حيث تتعامل المنظمة بهذا الشأن مع العراق كوحدة واحدة من شماله إلى جنوبه، دون إعارة أي اهتمام للاختلافات الجذرية بين حكومتي بغداد وأربيل، وعلى الرغم من أن كردستان إقليم تابع للعراق، إلا أنه واقعاً يعمل بشكل منفصل في العديد من الجوانب ومنها الخاصة بملاحقة الصحفيين المخالفين لحكومة أربيل، الأمر الذي يتسبب في كل مرة بوجود العراق ضمن الدول المتأخرة في مجال الحريات الصحفية.
أما النقطة الثانية التي يجب توضحيها فهي أن معايير تقييم المخاطر والتهديدات التي يتعرض لها الصحفيون في مكان ما تشمل الجوانب السياسية والأمنية والاجتماعية وحتى الاقتصادية، وهذا يعني أن التقييم المنخفض لا يعني بالضرورة وجود استهداف ممنهج من قبل الدولة تجاه الصحفيين، وهو ما يجري بشكل دقيق في العراق.
فمثلاً إذا نشر صحفي منشوراً على صفحته في أحد مواقع التواصل الاجتماعي تهجم فيه على فئة أو عشيرة معينة وجاء أحد أبناء تلك العشيرة وهدده، وإذا تشاجر صحفي في الشارع مع أحد المارة وتعرض للاعتداء، وإذا تجاوز الصحفي القانون بحق موظف أو مسؤول حكومي وتعرض للمساءلة القانونية، وإذا تعرض صحفي لحادث مريب خارج إطار عمله، وإذا تعرض صحفي للفصل من العمل أو تخفيض الراتب أو زيادة في ساعات العمل، فإن كل ذلك سيسبب في انخفاض تصنيف حرية الصحافة.
مؤشر المنظمة لتصنيف الدول يرى أن دولاً مثل: الكويت، قطر، السعودية، الأمارات، اليمن، الصومال، عمان، اليمن، جزر القمر، جيبوتي، الأردن، فلسطين، لبنان، ليبيا، السودان، الجزائر، تونس، المغرب، وموريتانيا، جميعها تتفوق على العراق في التصنيف، بينما يعلم الجميع أن العديد من تلك الدول تقبع تحت حكم أنظمة ديكتاتورية خانقة تستخدم صحافتها كأداة حكومية كما كان يحدث في عهد النظام العراقي البائد، كما تعاني العديد من الدول الأخرى من أوضاع غير مستقرة وحروب أهلية وانقسامات كبيرة على عكس الاستقرار النسبي الذي يمر به العراق.
ومن خلال تلك الأسباب والمؤشرات وغيرها يتبين أن التصنيف الذي جاء به العراق غير دقيق، أو على أقل تقدير فإنه لا يعكس الواقع الحقيقي للصحافة العراقية عموماً، ولو كان ذلك التصنيف لا يشمل إقليم كردستان فإن موقع العراق في التصنيف سيتغير بشكل كبير.
واقع الصحافة في كردستان
في مطلع شهر أيار الماضي، قالت منظمة العفو الدولية قُبيل اليوم العالمي لحرية الصحافة، إنه يجب على سلطات إقليم كردستان العراق أن تضع حدًا لاعتدائها على الحق في حرية التعبير وحرية الصحافة، بما في ذلك الاعتقال التعسفي والضرب والمحاكمات فادحة الجور للصحفيين.
وكان للمضايقات والترهيب والهجمات ضد الصحفيين تأثير مخيف على الحق في حرية التعبير وحرية الصحافة في إقليم كردستان العراق، حيث أُجبر العديد من الصحفيين على الفرار أو الاختباء أو التخلي عن ممارسة الصحافة تمامًا، بينما لا يزال العديد من نظرائهم يقبعون في السجون.
وقالت بيسان فقيه، مسؤولة حملات معنية بالعراق في منظمة العفو الدولية: “تتباهى سلطات إقليم كردستان العراق بأن الإقليم هو “منارة لحرية الصحافة”، ولكنه ليس سوى ادعاء مثير للسخرية بالنظر إلى قمعها لحرية الصحافة ومضايقة الصحفيين وترهيبهم ومحاكمتهم، وخاصة أولئك الذين كتبوا عن مزاعم الفساد، وانتقدوا تعامل السلطات مع القضايا الاجتماعية. وقد خلق اعتداء السلطات على حريات الصحافة ثقافة خوف صُمّمت لخنق المعارضة السلمية وإدامة الإفلات من العقاب”.
في 2023، سجّل مركز ميترو، وهو منظمة تعمل على حماية حقوق الصحفيين في إقليم كردستان العراق، 37 حالة اعتقال للصحفيين و27 حادثة تعرّض فيها صحفيون للاعتداءات والتهديدات والإهانات. ووفقًا لتوثيق منظمة العفو الدولية، احتجزت سلطات إقليم كردستان العراق أو استدعت في الأشهر الثلاثة الأولى من عام 2024 ما لا يقل عن 10 صحفيين بسبب عملهم الصحفي. ويقضي آخرون بالفعل أحكامًا بالسجن بعد خضوعهم لمحاكمات فادحة الجور.
وتحدثت منظمة العفو الدولية إلى ثمانية صحفيين، وذوي صحفيين محتجزين ومحاميهم، واطّلعت على وثائق المحكمة المتعلقة بأربع قضايا ضد صحفيين محتجزين في إقليم كردستان العراق، وتحدثوا جميعًا عن العقبات التي تعترض حرية الصحافة في إقليم كردستان العراق.
يقضي الصحفي قهرمان شكري حاليًا حكمًا بالسجن لمدة سبع سنوات بعد خضوعه لمحاكمة سرية فادحة الجور. وكان قبل اعتقاله ينتقد تعامل السلطات الكردية مع الضربات الجوية التركية في إقليم كردستان العراق.
وقال شقيقه، زرافان شكري، لمنظمة العفو الدولية، إنه في يناير/كانون الثاني 2021، اعتقلت قوات الأسايش، وكالة الأمن والاستخبارات الرئيسية التابعة لحكومة إقليم كردستان العراق، قهرمان بعنف خلال مداهمة كسروا خلالها الباب الرئيسي لمنزله في محافظة دهوك وجرّوه من سريره.
واختفى قهرمان شكري قسريًا لمدة أربعة أشهر، إلى أن تلقّت عائلته مكالمة هاتفية من أحد عناصر قوات الأسايش يبلغهم بأنه محتجز في سجن زركا في مدينة دهوك. وعندما زارته عائلته لأول مرة في مايو/ أيار 2021، أخبرهم قهرمان أن قوات الأمن ضربته بشكل مبرح حتى اعترف بجرائم لم يرتكبها. وقال شقيقه: “كان خائفًا وأراد أن يتوقف الضرب”. كما أخبرهم قهرمان أنه لم يكن لديه تمثيل قانوني أثناء استجوابه. وقالت العائلة أيضًا إنها لم تعرف أن قهرمان قد اتُهم وحوكم إلا بعد صدور الحكم، عندما سُمح لهم بزيارته.
وكشفت وثائق المحكمة التي اطّلعت عليها منظمة العفو الدولية أنَّ محكمة جنايات دهوك أدانته بـ “الانضمام لحزب العمال الكردستاني والضلوع في أنشطة تجسس لصالحه وتبادل معلومات معهم”. ولم يُسمح له بالاستعانة بمحامٍ من اختياره يمثله أثناء المحاكمة، ولم يُمنح الوقت الكافي لإعداد دفاعه. وأخبر قهرمان شقيقه أنه لم يكن على علم بالمحاكمة حتى نُقل فجأة في سيارة أمنية إلى محكمة جنايات دهوك.
في 12 أكتوبر/ تشرين الأول 2023، أيّدت محكمة التمييز إدانته والحكم عليه، حتى بعد أن أخبر قهرمان القضاة أن “اعترافاته” انتُزعت بالإكراه.
وقالت بيسان فقيه: “منذ لحظة القبض عليه، انتُهكت حقوق قهرمان شكري الأساسية انتهاكًا صارخًا، بما فيها حقه في محاكمة عادلة، فقد تعرّض للضرب، وأُجبر على الاعتراف، وحُرم من الاستعانة بمحام”.
وقال شقيق قهرمان، وهو صحفي أيضًا، لمنظمة العفو الدولية إنه تلقّى تهديدات متعددة تأمره “بإبقاء فمه مغلقًا” بسبب سعيه ومناداته بإطلاق سراح شقيقه. وأضاف: “غادرتُ [كردستان] لحماية عائلتي لأنهم عاشوا في خوف دائم من أن أتعرّض للاعتقال أيضًا”.
أما شيروان شيرواني، صحفي آخر ركز عمله على حقوق الإنسان وحرية التعبير وقضايا الفساد، فقد اعتُقل في 7 أكتوبر/ تشرين الأول 2021، واتُهم بعد أربعة أشهر مع أربعة صحفيين ونشطاء آخرين بتُهم زائفة بالتجسس وتبادل المعلومات مع حزب العمال الكردستاني. وشابت المحاكمة انتهاكات خطيرة للحق في المحاكمة العادلة، بما في ذلك مزاعم بالتعذيب وغيره من ضروب المعاملة السيئة التي لم يجرِ التحقيق فيها، والاعتماد على اعترافات انتُزعت تحت التعذيب، ورفض السماح لمحامي الدفاع بالاطلاع على ملفات القضية في الوقت المناسب.
وكان من المقرر إطلاق سراح شيروان شيرواني في 9 سبتمبر/أيلول 2023، لكن محكمة جنايات أربيل وجهت إليه في 20 يوليو/تموز 2023 تُهمًا إضافية لا أساس لها من الصحة تهدف إلى إبقائه خلف القضبان. وحُكم عليه بالسجن لمدة أربع سنوات أخرى. وقد علمت منظمة العفو الدولية أن تُهمًا زائفة أخرى قد وُجهت إلى شيروان شيرواني الذي ينتظر حاليًا المحاكمة بسببها.
في حين حوكم عدد من الصحفيين وحكم عليهم بالسجن لمدد طويلة، فقد عرّضت السلطات الصحفيين في معظم الحالات للمضايقة والترهيب، ما أدى إلى إسكات الأصوات الناقدة. وتعلم منظمة العفو الدولية بوجود ما لا يقل عن ثمانية صحفيين فرّوا من إقليم كردستان العراق في السنوات الأربع الماضية خوفًا على سلامتهم. عمل العديد منهم في وسائل إعلامية كان يُنظر إليها على أنها تنتقد السلطات وتتناول قضايا الفساد المزعومة في حكومة إقليم كردستان.
وقال أحد الصحفيين الذين تعاونوا مع شيروان شيرواني في قضايا فساد وأخرى اجتماعية، لمنظمة العفو الدولية إنَّ قوات “الأسايش” وقوات الباراستين، وحدة الاستخبارات في الحزب الديمقراطي الكردستاني وهو الحزب الحاكم في إقليم كردستان العراق، اعتقلته 11 مرة قبل فراره في 2020. وقال الصحفي إنه لم يرَ قط مذكرة اعتقال صادرة بحقه.
واختمت بيسان فقيه حديثها: “لا ينبغي لأحد أن يواجه المضايقة والترهيب لمجرد أدائه عمله الصحفي. يجب على حكومة إقليم كردستان العراق الإفراج فورًا ودون قيد أو شرط عن جميع المحتجزين لمجرد ممارستهم عملهم الصحفي. وينبغي للسلطات دعم حقوق الإنسان وحرية الصحافة، واتخاذ خطوات ذات مصداقية لخلق بيئة مواتية تمكّن الصحفيين من ممارسة عملهم بأمان وتسمح للناس بالتعبير عن آرائهم الانتقادية بحرية”.
كلمة السوداني
أكد رئيس الوزراء محمد شياع السوداني، اليوم الأحد، أن الحكومة عملت على توفير بيئة آمنة تكفل للصحفيين تأدية دورهم من دون مضايقات أو تعسف، فيما أشار الى المضي بإصرار لإكمال متطلبات مشروع قانون حق الحصول على المعلومة، بعد أن صوّت عليه مجلس الوزراء.
وذكر المكتب الإعلامي لرئيس مجلس الوزراء في بيان، أن "رئيس مجلس الوزراء محمد شياع السوداني، حضر الاحتفالية المركزية التي أقامتها نقابة الصحفيين العراقيين بمناسبة عيد الصحافة العراقية الـ 155"، مبيناً أن "رئيس الوزراء رحَّب، خلال كلمة ألقاها، بالحضور الصحفي العراقي والعربي، وبارك ذكرى تأسيس الصحافة العراقية".
وقال رئيس الوزراء، خلال الاحتفالية المركزية التي أقامتها نقابة الصحفيين العراقيين بمناسبة عيد الصحافة العراقية الـ 155، إن "الصحافة العراقية أسهمت في نشر الثقافة، واحتضنت صفحاتها سجالات ثقافية مهمة، أثرت في البنية الثقافية العربية"، لافتاً إلى أن "الشعر الحر ولد في صفحات الصحف العراقية، بالإضافة إلى المحطات الإبداعية الأخرى من مسرح وسينما وتشكيل، حيث أسهمت الصحافة في الارتقاء بها وتجديدها".
وأضاف، أن "التأثير الأهمّ للصحافة، يتمثل بدورها في الأوضاع والأحداث السياسية التي شهدها تاريخ العراق"، مشيراً إلى أن "الصحافة أثبتت بأنها أقرب لهموم الناس وعامل حاسم ومؤثر في توعية الرأي العام أمام محاولات تدجينه أو السطو على حريته وتفكيره".
ولفت إلى أن "النظام الدكتاتوري أعدم وغيب واعتقل العديد من الصحفيين، واضطر الكثير منهم للهجرة"، موضحاً أنه "مع تحرر العراق من الدكتاتورية، أصبحت صحافتنا مساهماً أساسياً في بناء العراق الحر التعددي الذي يتمتع فيه الجميع بالحرية والكرامة واحترام حقوق الإنسان".
وذكر أن "للصحافة دوراً في الدفاع عن العراق الجديد، وفضح الإرهاب، وكذلك دورها خلال المعارك الكبرى التي خاضتها قواتنا الأمنية ضد الإرهاب"، موضحا أن "الصحافة قدمت منذ 2003 حتى يومنا هذا قوافل من الشهداء والجرحى الذين استرخصوا أرواحهم من أجل العراق".
وشدد على أن "حكومتنا حرصت على توفير جميع إمكانيات النجاح للصحافة الوطنية المهنية، إيماناً منها بقيمة العمل الصحفي، ودورها الوطني، كما عملت الحكومة على توفير بيئة آمنة تكفل للصحفيين تأدية دورهم من دون مضايقات أو تعسف"، مؤكداً "المضي بإصرار لإكمال متطلبات مشروع قانون حق الحصول على المعلومة، بعد أن صوّت عليه مجلس الوزراء".
وتابع: "نفخر اليوم بعدم وجود معتقل أو سجين رأي صحفي"، منوهاً بأن "هناك منصات تسيء إلى مهنية الصحافة، وتعمل على تسميم الأجواء وتضليل الرأي العام، مستغلةً فضاء الحرية، ومُلحقةً الضرر بالصحافة الحرّة المسؤولة، قبل ضررها على الدولة ومؤسساتها".
واختتم بالقول: إن "الصحافة المهنية الوطنية شريكنا الأساس في بناء الدولة، نستكشف من خلالها مكامن الخلل والفساد وسوء الإدارة، وتنقل هموم الناس".
الحماية القانونية للصحفيين
ويكشف الخبير القانوني علي التميمي، تفاصيل مواد قانون حقوق الصحفيين رقم 21 لسنة 2011، فيما يبين أنه لا يجوز مساءلة الصحفي أو إلقاء القبض عليه إلا بقرار قضائي.
ويقول التميمي، إنه في المادة 8 من قانون حقوق الصحفيين جاء أنه لا يجوز مساءلة الصحفي عما يُبديه من آراء أو معلومات صحفية أو الإضرار به بسببها"، لافتا الى أن مَن يعتدي على الصحفي كمن يعتدي على الموظف أثناء الواجب وفق المادة 229 من قانون العقوبات تصل إلى الحبس 3 سنوات كما قالت المادة 9 من هذا القانون.
ويتابع، أنه لا يجوز مساءلة الصحفي أو إلقاء القبض عليه إلا بقرار قضائي وأوجبت المادة 10 من القانون أعلاه إشعار نقابة الصحفيين والجهة التي يعمل بها الصحفي عن أي شكوى مرتبطة بعمله ويجوز لنقيب الصحفيين أو رئيس المؤسسة التي يعمل بها الصحفي حضور الاستجواب تحقيقا ومحاكمة، مشيرا الى أن الدستور ضمن حرية التعبير عن الرأي في مادة 38 منه وكذلك الإعلان العالمي لحقوق الإنسان وميثاق العهد الدولي في المواد 19 و21 على التوالي.