أزمة رواتب الحشد الشعبي.. صراع خفي بين السياسة والتمويل والضغوط الخارجية.. تأخير غامض وتحركات مريبة

انفوبلس..
في سابقة تثير القلق، توقفت رواتب منتسبي الحشد الشعبي بعد يومين من إطلاقها، وسط تضارب في الروايات بين "خلل فني" وتحذيرات من تدخلات سياسية وخارجية. وبينما تتواصل الاتصالات الرسمية لتطويق الأزمة، تلوح في الأفق تداعيات شعبية وسياسية قد تعيد فتح ملف قانون الحشد ومصيره المعلّق.
خلل فني
مصادر مطلعة كشفت عن توقف صرف رواتب هيئة الحشد الشعبي بعد يومين من إطلاقها، لأسباب مجهولة، وفيما عزا مصدر في الهيئة، الإشكال إلى خلل فني، أشار آخر إلى أن هذا التوقف يحصل لـ"أول مرة"، ما أثار قلقاً في أوساط المنتسبين.
لكن بحسب مصدر من داخل هيئة الحشد "هناك خللاً فنياً وراء التوقف، ويجري العمل على حله".
بينما أكد آخر، أن "وقف بطاقات صرف رواتب الحشد الشعبي تحصل لأول مرة، وسط مخاوف من تدخل سياسي وخلافات تتصاعد تنعكس على هذا الملف".
وأكدت المصادر، أن "قادة الإطار التنسيقي وكذلك قيادات هيئة الحشد يجرون اتصالات مع وزيرة المالية ورئيس الوزراء من أجل حل هذه الأزمة قبل تفاقمها ويكون لها تداعيات على الشارع من قبل جمهور مقاتلي الحشد الشعبي".
بدورها، قالت المديرية العامة للإدارة والمالية في هيئة الحشد الشعبي، في بيان إن "رواتب مجاهدي الحشد الشعبي مؤمنة بالكامل ولا توجد أية إشكالات مالية بشأنها، وسيتم صرفها في وقت قريب بعد استكمال الإجراءات الإدارية المعتادة".
الحشد والسياسة
ويأتي تأخير صرف رواتب الحشد الشعبي بعدما كشف النائب المستقل في البرلمان العراقي، سعد التوبي، في أيار/ مايو الماضي، بأن "هناك تحركاً داخل مجلس النواب لتحويل هيئة الحشد الشعبي إلى وزارة، على اعتبار أن كافة الموارد متوفرة، بالإضافة إلى أن عدد المنتسبين في الحشد أكثر من 300 ألف".
وعن تعطيل قانون الحشد الشعبي، أوضح النائب المستقل هيثم الفهد، في وقت سابق أن هناك قراراً حكومياً خفياً يقف وراء تعطيل جلسات مجلس النواب، وهذا التعطيل من أجل عدم إحراج الحكومة، حتى لا يمرر قانون الحشد الشعبي، وحتى لا يسبب إحراجاً مع أمريكا والوضع العام.
وقد أتم البرلمان العراقي في شهر آذار/ مارس الماضي، القراءة الأولى لمشروع قانون هيئة الحشد الشعبي المتعلق بالهيكلية الإدارية من مديريات وألوية وغيرها، وذلك بعد سحب القانون الخاص بالخدمة والتقاعد لمنتسبي الحشد من البرلمان وإعادته لمجلس الوزراء، نظراً الى اللغط الذي أثير حوله.
واعتبر عضو اللجنة القانونية النيابية، رائد المالكي، في نيسان/ أبريل الماضي، أن تشريع قانون هيئة الحشد الشعبي سيغلق الباب أمام الفصائل والجهات التي تعمل خارج هذه المؤسسة العسكرية الرسمية.
وكان معهد واشنطن لسياسات الشرق الأدنى، قد حث الإدارة الأمريكية، برئاسة دونالد ترامب، على توجيه رسالة "هادئة وحازمة" إلى الحكومة العراقية، بشأن المخاطر المترتبة على تمرير قانون جديد يتعلق بـ "الحشد الشعبي"، محذراً من أن هذا التشريع من شأنه تحويل الحشد إلى كيان شبيه بـ "الحرس الثوري الإيراني".
استهداف ممنهج
إلى ذلك، علق الإطار التنسيقي، بشأن إيقاف صرف رواتب منتسبي الحشد الشعبي، حيث "لم يستبعد وجود ضغوطات خارجية لوقف صرف رواتب منتسبي الحشد في إطار استهداف الهيئة".
وقال النائب عن الاطار ثائر الجبوري إن "هناك خللاً فنياً حسب الادعاء من قبل الجهات المختصة، تسبّب بوقف صرف رواتب مقاتلي الحشد الشعبي. هيئة الحشد والجهات المسؤولة في المالية والحكومة مطالبة وبشكل عاجل توضيح ذلك الخلل، والعمل على معالجته دون أي تأخير".
وبيّن الجبوري، أنه "من غير المستبعد أن تكون هناك ضغوطات خارجية أو حتى داخلية من أطراف سياسية، لوقف صرف رواتب الحشد الشعبي أو تأخيرها؛ كجزء من استهداف الهيئة والمقاتلين فيها، وهذا الأمر يجب التصدي له ويجب أن يكون هناك توضيح رسمي ومنطقي وعاجل لكشف الحقائق أمام الرأي العام وأمام مقاتلي الحشد وعوائلهم".
وتابع النائب عن الإطار التنسيقي، قائلاً: "في حال تأخير صرف رواتب مقاتلي الحشد الشعبي وبشكل غامض، سيكون لنا موقف حازم في مجلس النواب وعموم العمل السياسي، فلا يمكن السكوت والتهاون مع هذا الأمر الذي يمسّ قوت الآلاف من المقاتلين وعوائلهم".
وفي وقت سابق، كشف عضو مجلس النواب العراقي مصطفى سند، عما وصفه بـ"تدخل خارجي"، تسبّب بإيقاف تفعيل بطاقات الدفع الإلكتروني الخاصة بمنتسبي هيئة الحشد الشعبي.
وقال سند إن "هيئة الحشد الشعبي أطلقت رواتب منتسبيها، وتم تحميلها ببطاقات الدفع الإلكتروني، لكن تدخلاً خارجياً أوقف تفعيل البطاقات".
وأضاف، "تجري الدائرة الإدارية والمالية إجراءات بديلة لحلّ المشكلة خلال يومين بقوة الله، إذا لم يحصل طارئ جديد".
أزمة بطاقات الدفع
وكان مصدر مصرفي قد كشف في شهر نيسان الماضي، عن توجيه للبنك المركزي العراقي للمصارف المحلية بتعليق العمل ببطاقات الماستر كارد في التعاملات الخارجية.
وقال المصدر، إن "التعاملات المالية الخارجية ستكون حصراً عبر بطاقة (سويج) من تاريخ 1 حزيران 2025، حيث وجّه البنك المركزي العراقي المصارف المحلية بتعليق العمل ببطاقات الماستر كارد في التعاملات المالية الخارجية".
وبحسب المصدر، فإن "العمل ببطاقة (سويج) الأميركية، سيمنح البنك المركزي إمكانية مراقبة عملها وتحركاتها المالية".
من جانبه، علق المختص في الشأن المصرفي مصطفى أكرم حنتوش بشأن المسألة، وقتها، وقال إنه "سيكون عمل بطاقات ماستر كارد مقتصرا فقط للمصارف الأجنبية العاملة في العراق وكذلك شركة كي كارد، والمصارف المحلية التي لديها بطاقات دفع إلكتروني عليها أن تتفق مع المصارف الأجنبية العاملة في العراق لاستمرار عمل بطاقات الماستر كارد خارجياً، أو أن تتفق مع مصارف أجنبية دولية خارجية".
خلل فني أم تصفية حسابات سياسية؟
تجاوزت مسألة تأخر صرف رواتب منتسبي هيئة الحشد الشعبي مجرد "خلل فني"، كما وصفه بعض المسؤولين، إلى كونه مؤشراً على تعقيدات سياسية وأمنية واقتصادية تتقاطع فيها خيوط الداخل العراقي بتدخلات الخارج، ما يجعل هذه الأزمة مرشحة للتصعيد ما لم يتم احتواؤها سريعاً بشفافية وحلول حاسمة.
ورغم محاولة هيئة الحشد طمأنة المقاتلين عبر بيانات رسمية تؤكد "سلامة الوضع المالي"، فإن حجم الارتباك والضبابية المحيطة بملف الرواتب، وما رافقه من تأكيدات نيابية عن "تدخلات خارجية"، يكشف عن بيئة خصبة للتشكيك، خصوصاً في ظل هشاشة العلاقة بين الحكومة وبعض فصائل الحشد، وتزايد الأصوات الداعية لتحجيم نفوذه أو إعادة هيكلته.
البعد السياسي
يرتبط التوتر المالي الحالي بمحاولة أطراف داخل البرلمان تمرير قانون جديد ينظّم عمل الحشد الشعبي وهيكليته الإدارية والمالية، ويمنحه طابعاً مؤسساتياً مماثلاً للوزارات. هذه الخطوة، وإن بدت طبيعية في سياق استيعاب الحشد ضمن المنظومة العسكرية الرسمية، إلا أنها أثارت تحفظات أميركية مبكرة عبّر عنها معهد واشنطن، محذّراً من "تحويل الحشد إلى نسخة عراقية من الحرس الثوري الإيراني".
وتتفق تصريحات نواب من الإطار التنسيقي مع هذا السيناريو، إذ أشار بعضهم إلى وجود قرار "خفيف الظل" من داخل الحكومة لتعطيل تشريع قانون الحشد خشية التصادم مع الولايات المتحدة، ما يفسّر تأجيل الجلسات البرلمانية وتجميد ملفات تشريعية مرتبطة بمصير آلاف المقاتلين.
التدخل الخارجي
ما كشفه النائب مصطفى سند عن "تدخل خارجي" تسبب في تعطيل بطاقات الدفع الإلكتروني لمنتسبي الحشد، يفتح الباب أمام فرضية خطيرة: هل باتت المؤسسات السيادية العراقية عرضة للابتزاز الاقتصادي؟ وهل أصبح ملف الرواتب أداة ضغط بيد أطراف خارجية للتأثير على اتجاهات التشريع والسياسة العامة؟
التحوّل المفاجئ من نظام الماستر كارد إلى بطاقة (سويج) – بحسب ما ذكره مصدر مصرفي – يعكس محاولة لإعادة ضبط السيطرة على حركة الأموال، لكنه في المقابل فتح ثغرات فنية تزامنت بشكل "مريب" مع إطلاق رواتب الحشد، ما أثار تساؤلات عن التوقيت والدوافع.
المخاوف الشعبية
تأخير الرواتب، ولو لأيام، يُعد قضية شديدة الحساسية بالنسبة لشريحة واسعة من العراقيين ترتبط أمنياً وعقائدياً بالحشد الشعبي، وتُعد رواتبهم المصدر الوحيد للعيش في كثير من الأحيان. ومن هنا تأتي التحذيرات المتكررة من القيادات السياسية بشأن تداعيات التأخير، والتي قد تتجاوز الجانب المعيشي لتتحول إلى احتجاجات، وربما انهيار الثقة بالمؤسسات المالية والحكومية.
وفي ظل الاستقطاب الحاد بين القوى السياسية، وتنامي الأصوات المطالبة بإصلاح شامل لمنظومة الرواتب في المؤسسات الأمنية، فإن الأزمة الحالية تشكل فرصة – أو تهديداً – لإعادة النقاش حول مستقبل الحشد: هل سيُدمج كلياً ضمن وزارات الدولة، أم سيظل مؤسسة مستقلة تُدار بتوازنات دقيقة داخل الدولة وخارجها؟
إنذار مبكر لأزمة أعمق
ما جرى ليس مجرد تأخير إداري أو "عطل تقني"، بل يُعد إنذاراً مبكراً لأزمة أعمق، تتعلق بموضع الحشد الشعبي في معادلة الحكم، والعلاقة بينه وبين الأطراف الدولية الفاعلة في العراق. فمع ارتفاع حساسية الملف، وتمدد التدخلات الخارجية، أصبح كل تأخير في الرواتب أو مشروع قانون معلّق يُقرأ باعتباره جزءاً من صراع أكبر على مستقبل العراق وسيادته ومؤسساته الأمنية.
إن معالجة الأزمة الحالية تتطلب ما هو أبعد من وعود صرف الرواتب؛ بل تحتاج إلى مصارحة سياسية، وتوافق وطني شامل على هوية الحشد ودوره، في سياق دولة تسعى لتثبيت الاستقرار واستعادة القرار.