إرسال مشروع تعديل قانون العفو العام لرئاسة البرلمان.. هل سيخرج الإرهابيون وماذا عن قضايا "المُخبِر السرّي"؟
انفوبلس/ تقرير
لم يأخذ مشروع قانون العفو العام في العراق لغاية الآن طريقه نحو التشريع داخل البرلمان العراقي، بعد قرابة الشهرين من موافقة مجلس الوزراء عليه وإرساله إلى مجلس النواب، لكن اللجنة القانونية النيابية، أعلنت أمس يوم السبت 9 أيلول/ سبتمبر 2023، أنها قررت إرسال مشروع قانون التعديل الثاني لقانون العفو العام إلى رئاسة مجلس النواب، وسط جدلية حول المستفيدين منه وقضايا المُخبِر السرّي.
اللجنة القانونية النيابية تقرر إرسال مشروع تعديل قانون العفو العام إلى رئاسة مجلس النواب
وعقدت اللجنة القانونية وفق بيان للدائرة الإعلامية لمجلس النواب اطلعت عليه "انفوبلس"، عقدت اجتماعًا برئاسة ريبوار هادي رئيس اللجنة وحضور أعضائها لمناقشة مشروعات القوانين المدرجة على جدول أعمالها.
وبحثت اللجنة بحسب البيان "مشروع قانون التعديل الثاني لقانون العفو العام رقم 27 لسنة 2016 وقررت إرساله لرئاسة المجلس لإدراجه على جدول أعمال المجلس للقراءة الأولى".
وناقشت اللجنة "مشروع قانون التعديل الثاني لقانون التأمين على المسؤولية الشخصية لموظفي دوائر الدولة والقطاع العام رقم 47 لسنة 1990"، وفق البيان "وقررت اللجنة استضافة الجهات التنفيذية ذات العلاقة لإنضاج الأفكار والمقترحات بشأن القانون".
اللجنة قررت أيضًا "استمرار مناقشة مشروع قانون معالجة مدة تسلم الطلبات المنصوص عليها في قانون رقم 13 لسنة 2016 التعديل الأول لقانون عائدية الوثائق التي تحمل الأسماء المستعارة للمهجَّرين والمهاجرين رقم 79 لسنة 2012 واستضافة الجهات المعنية لإنضاج القانون".
وبحثت اللجنة في اجتماعها "مشروعي قانوني التعديل الأول لقانون حجز ومصادرة الأموال المنقولة وغير المنقولة العائدة الى أركان النظام السابق رقم 72 لسنة 2017"، وكذلك "التعديل الأول لقانون الأوسمة والأنواط رقم 15 لسنة 2012 وإعداد تقريرها بشأن القانونين لإدراجهما للقراءة الثانية في جلسات المجلس القادمة".
الكشف عن فحوى مشروع التعديل الثاني لقانون العفو العام المرسل من الحكومة
وبعد ذلك، كشف رئيس اللجنة القانونية في مجلس النواب، النائب ريبوار هادي، عن فحوى مشروع التعديل الثاني لقانون العفو العام المرسل من الحكومة، لافتاً إلى أن الغرض منه تحديد المقصود بجريمة الانتماء إلى التنظيمات الإرهابية.
وقال هادي في بيان ورد لـ "انفوبلس"، إن "اللجنة القانونية قررت إحالة مشروع قانون التعديل الثاني لقانون العفو العام إلى رئاسة مجلس النواب من أجل إدراجه على جدول أعمال المجلس للقراءة الاولى".
وتابع، إن "التعديل يتضمن فقرة واحدة فقط، بإضافة إلى عجز البند ثانياً من المادة (4) من قانون العفو العام رقم (27) لسنة 2016، ما نصّه (ويقصد بجريمة الانتماء إلى التنظيمات الارهابية كل مَن عمل في التنظيمات الارهابية أو قام بتجنيد العناصر لها أو قام بأعمال إجرامية أو ساعد بأي شكل من الأشكال على تنفيذ عمل إرهابي أو وُجِد اسمه في سجلات التنظيمات الإرهابية".
وأشار، إلى أن "الأسباب الموجبة بحسب ما جاء في المشروع الحكومي هي لغرض تحديد المقصود بجريمة الانتماء للتنظيمات الارهابية وبناءً على ما جاء في المنهاج الوزاري الذي أقره مجلس النواب".
وفي وقت سابق من شهر تموز الماضي صدر بيان عن مكتب رئيس الحكومة العراقية محمد شياع السوداني، أكد فيه "إجراء مراجعة قانونية للقانون، بهدف تعريف جريمة الانتماء للتنظيمات الإرهابية، لتشمل كل من ثبت أنه (عمل في التنظيمات الإرهابية أو قام بتجنيد العناصر لها أو قام بأعمال إجرامية أو ساعد بأي شكل من الأشكال على تنفيذ عمل إرهابي أو وُجد اسمه في سجلات التنظيمات الإرهابية)".
وصوّت مجلس الوزراء العراقي، منتصف شهر آب/ أغسطس الماضي، على مشروع تعديل قانون العفو العام وإحالته على مجلس النواب.
وبحسب عضو اللجنة القانونية في البرلمان العراقي محمد عنوز فإن هناك اتفاقات سياسية جرت بين أطراف سياسية مع رئيس الحكومة، قبل تكليفه، وكان من أبرز الاتفاقات هو قانون العفو العام، بعد إجراء مراجعة قانونية للقانون، مبيناً أن "القانون يمثل مطلباً شعبياً واجتماعياً وسياسيا أيضاً، عدا عن أنه يسهم في رفع الظلم ويدفع باتجاه تحقيق العدالة، لاسيما وأن هناك وثائق كثيرة تشير إلى أن نسبة كبيرة من السجناء في بعض المحافظات أُدينوا قضائياً نتيجة ما سُمّي بـ"المُخبِر السرّي".
وتؤكد تصريحات السياسيين وخصوصا في البيت الشيعي على رفض تمرير قانون العفو العام في حال تضمينه فقرات تعمل على تحرير الإرهابيين والقتلة من السجون لخدمة مصالح سياسية وانتخابية خصوصا مع قرب إجراء انتخابات مجالس المحافظات مع نهاية العام الجاري.
وتوالت التأكيدات من البرلمان بعدم قبول المكون الأكبر لمثل هذا القانون في حال جاء من أجل خدمة مصالح شخصية او تحقيق غرض انتخابي على حساب دماء الأبرياء ممن أُزهقت أرواحهم على يد المجاميع الإرهابية والقتلة والمجرمين.
ووزارة العدل هي المعنية مع مجلس الوزراء في تقديم مشروع قانون العفو العام إلى مجلس النواب، بحسب النواب الذين بيّنوا أنّ "وزارة العدل تشير إلى وجود اكتظاظ في السجون بالنزلاء وتجد في قانون العفو حلًا في التخفيف من العبء الذي تشهده السجون".
وفعلاً، أعلنت وزارة العدل في وقت سابق، وجود أكثر من 60 ألف سجين، مع حديث لمنظمات معنية بحقوق الإنسان عن وجود حالات تعذيب فيها، فيما يعلَن بين الحين والآخر عن وفيات لمحكومين في السجون لاسيما في سجن الحوت المركزي بمحافظة ذي قار نتيجة الإصابة بأمراض انتقالية أو مزمنة.
الحاجة لإقرار القانون
بدوره، رأى الخبير القانوني علي التميمي أن "هناك حاجة فعلية لإقرار قانون العفو العام، بسبب اكتظاظ السجون وانتشار الأمراض فيها، ناهيك عن وجود أعداد كبيرة من السجناء، قد سُجنوا ظلماً". وأضاف، "تبدو الرغبة الشعبية واضحة في المطالبة بإقرار قانون للعفو العام يُنصف فئات كبيرة ويُسهم في تعزيز السلم المجتمعي ويزيد ثقة المواطن بالحكومة"، معتبراً أن "من واجب البرلمان العراقي الاستعجال في إقرار القانون، خصوصاً بعد أن استكمل مجلس الوزراء ملاحظاته بخصوص مسودة القانون".
وذكر، أن التعديل في قانون العفو العام سيركز على مجموعة من النقاط أهمها إعادة التحقيق في بعض القضايا "وسنكون أمام محاكم تحقيق متخصصة تنشأ بموجب هذا القانون وتراجع الملفات وتنظر إلى الإفادات والتقارير الطبية وربما فحص جديد للتعذيب قد تكون آثاره باقية".
وقال، "إنه إذا ثبت وجود التعذيب فسنكون أمام مساءلة للأشخاص الذين قاموا بالتعذيب وفق المادة 333 من قانون العقوبات وسوف تتم مساءلتهم، وسنكون أمام تعديل لتعريف معنى الانتماء، إذ يوجد قرار سابق لمحكمة التمييز بأن الذي لم يقُم بجريمة أو بفعل أو لم يشترك لا يُسأل قانونياً ويُشمل بالعفو".
وأوضح، "العفو العام يمكن أن يشمل عديداً من الجرائم، وقد تكون تلك الجرائم جنائية أو جنحاً أو مخالفات إدارية، وتتنوع القوانين بالنسبة إلى مدى تطبيق العفو على مختلف الأنواع من الجرائم وشهادة متهم على متهم آخر محتمل أن تؤخذ في الاعتبار، أي عندما يكون متهمان في جريمة أحدهما يعترف والآخر ينكر فيكون أحدهما شاهداً على الآخر". وبين التميمي "ضحايا المُخبِر السري يمكن أيضاً أن تشملهم قرارات العفو - حال إقرارها - وكذلك شمول القضايا البسيطة كالمشاجرات والسَّب والقذف والجنح البسيطة".
وأنهى حديثه بالتأكيد على أن التعديل هو خطوة بالاتجاه الصحيح في هذه المرحلة، خصوصاً أن البلاد مقبلة على انتخابات مجالس المحافظات وتحاول فتح صفحة جديدة، مقرّاً بأن دعاوى القتل تحتاج إلى تنازل المدعي بالحق الشخصي، وربما تكون هناك تخفيضات لأحكام الشخص الذي أمضى نصف المدة، ليُطلق سراحه.
وسبق أن وجّه رئيس الوزراء العراقي محمد شياع السوداني بفتح ملف انتزاع الاعترافات قسراً خلال التحقيقات القضائية، منتصف نوفمبر/ تشرين الثاني الماضي، داعياً كل من تعرّض لأي صورة من صور التعذيب أو الانتزاع القسري للاعترافات إلى تقديم شكواه إلى مستشار رئيس مجلس الوزراء لحقوق الإنسان، معززةً بالأدلة الثبوتية، كما خصّص بريداً إلكترونياً لاستقبال الشكاوى.
وخلال السنوات الماضية زُجّ بآلاف العراقيين داخل السجون، بناءً على اعترافات انتُزعت منهم تحت التعذيب ومحاكمات غير أصولية، أو بسبب "التهم الكيدية" من قبل من يعملون "مخبرين سرّيين"، إذ اندرجت أغلب تلك القضايا التي أُثيرت ضدهم تحت سقف العداوات الشخصية والتصفيات السياسية.
وأُقرّ نظام "المخبر السرّي" في عهد رئيس الوزراء الأسبق نوري المالكي (2006 ـ 2014)، كأحد أساليب الحصول على معلومات أمنية، وهو ما أسفر عن زجّ آلاف المواطنين في السجون، فيما يطالب ذووهم السلطات بإعادة محاكمتهم، أو السماح لهم باستئناف الأحكام التي صدرت بحقهم بناءً على معلومات "المخبر السرّي".
وكان البرلمان العراقي قد أقرّ قانون العفو العام في نهاية أغسطس/ آب 2016، بعد خلافات سياسية طويلة، لكن كتلاً نيابية اعتبرت أنه أُفرغ من محتواه، بعد حذف عدد من البنود والفقرات المتعلقة بمراجعة ملف المحكومين وظروف محاكمتهم، فيما تمّ التعديل الأول للقانون في مطلع نوفمبر/ تشرين الثاني 2017، بعد طلب تقدمت به قوى سياسية تنضوي حالياً ضمن "الإطار التنسيقي".
وتضمنت أبرز التعديلات شمول الأشخاص المعتقلين من الذين تُجرى تسوية بينهم وبين ذوي الحق الشخصي بالعفو، إضافة إلى شموله مَن يتم تسديد ما في ذمتهم من أموال للمصلحة العامة عن جرائم الفساد.
كما عُدِّلت وقتها فقرة تمنع العفو عن جميع مَن أُدينوا وفقاً لقانون مكافحة الإرهاب المعمول به في البلاد، بعد العاشر من يونيو/ حزيران 2014، وهو تاريخ احتلال تنظيم "داعش" مدينة الموصل، شمالي البلاد، كما عدّلت أيضا الفقرة الخامسة في المادة الثالثة من القانون، والخاصة باستثناء جرائم الخطف والاغتصاب من إجراءات العفو.
كما مُنح وفق التعديل من أمضى ثلث مدة محكوميته بجرائم التزوير إمكانية العفو، مع استبدال ما بقي من فترة سجنه بواقع 50 ألف دينار (نحو 33 دولاراً) عن اليوم الواحد.