اتفاقية الإطار الاستراتيجي وجدلية الإقرار والتطبيق.. تختلف عن "SOFA" وكانت "مجرد عنوان".. ما حجة التواجد الأميركي إذاً؟
انفوبلس/ تقارير
ثمةَ لبسٌ يجب إيضاحه، فستةَ عشرَ عاما من توقيعها لم تكن كفيلةً بحسم الجدلية حولها، يخلط البعض بينها وبين اتفاقية (SOFA) رغم أنهما مختلفتين تماما، فالمعلومات تقول إن اتفاقية الإطار الاستراتيجي غير مُقَرَّة برلمانياً وغير مطبّقة وأن الاحتلال الأميركي موجود اليوم في العراق بناءً على طلب تقدَّم به نوري المالكي عام 2014 إلى مجلس الأمن برغم تقديم طلب آخر يُلغيها عام 2020، لكن الواقع والسائد هو غير ذلك. في سلسلة جديدة أعدَّتها انفوبلس بعنوان "سلسلة مفاهيم خاطئة" ستوضح لكم ما هي اتفاقية الإطار الاستراتيجي؟ ولماذا لم يؤخَذ بقرار البرلمان القاضي بإلغائها؟ وأيضا مَن وقعها أهو المالكي أم العبادي؟ وكذلك ستوضح هذه السلسلة الفرق بين هذه الاتفاقية واتفاقية "صوفا" مع الأخذ بنظر الاعتبار الرأي القانوني بها وبإمكانية إلغائها.
*ما هي اتفاقية الإطار الاستراتيجي؟
تتعلق هذه الاتفاقية بالصداقة والتعاون بين العراق والولايات المتحدة، وقد جاءت تماشياً مع إعلان مبادئ علاقة التعاون والصداقة طويلة الأمد بين العراق والولايات المتحدة.
ومن بين المبادئ الواردة في هذا الإعلان، الذي تم توقيعه في 26 تشرين الثاني/ نوفمبر 2007، التعاون في المجال الدفاعي والأمني، وقد جاء في ستة أسطر فقط، ونصّت المادة على ما يلي: "يواصل الطرفان العمل على تنمية علاقات التعاون الوثيق بينهما، في ما يتعلق بالترتيبات الدفاعية والأمنية، من دون الإجحاف بسيادة العراق على أرضه ومياهه وأجوائه. ويتم هذا التعاون في مجالَي الأمن والدفاع، وفقاً للاتفاق بين الولايات المتحدة وجمهورية العراق بشأن انسحاب قوات الولايات المتحدة من العراق، وتنظيم أنشطتها خلال وجودها المؤقت فيه".
وكما هو واضح، فإن الاتفاقية لم تحدد آليات هذا التعاون، كما أنها ربطت بينه وبين الاتفاقية الأولى (اتفاقية sofa). وهكذا ليس ثمة إطار لهذا التعاون بعد انسحاب القوات الأميركية من العراق مع نهاية نفاذ تلك الاتفاقية في عام 2011.
*أهم بنود الاتفاقية
ولعل من أبرز بنود اتفاقية الإطار الاستراتيجي هو انسحاب القوات العسكرية، حيث نصت على أن تنسحب جميع قوات الولايات المتحدة من جميع الأراضي العراقية في موعد لا يتعدى 31 ديسمبر/ كانون الأول عام 2011 ميلادي، وكما الآتي:
ــ تنسحب جميع قوات الولايات المتحدة المقاتلة من المدن والقرى العراقية في موعد لا يتعدى تاريخ تولي قوات الأمن العراقية كامل المسؤولية عن الأمن في أي محافظة عراقية، على أن يكتمل انسحاب قوات الولايات المتحدة من الأماكن المذكورة أعلاه في موعد لا يتعدى 30 يونيو/ حزيران عام 2009 ميلادي.
ــ تتمركز قوات الولايات المتحدة المقاتلة المنسحبة في المنشآت والمساحات المتفق عليها التي تقع خارج المدن والقرى والقصبات والتي سوف تحددها اللجنة المشتركة لتنسيق العمليات العسكرية.
ــ تعترف الولايات المتحدة بالحق السيادي لحكومة العراق في أن تطلب خروج قوات الولايات المتحدة من العراق في أي وقت. وتعترف حكومة العراق بالحق السيادي للولايات المتحدة في سحب قواتها من العراق في أي وقت.
ــ يتفق الطرفان على وضع آليات وترتيبات لتقليص عدد قوات الولايات المتحدة خلال المدد الزمنية المحددة، ويجب أن يتفقا على المواقع التي ستستقر فيها هذه القوات.
*اتفاقيتان عام 2008 وليست واحدة.. لبس لابد من توضيحه
ثمة العديد من التساؤلات حول الإطار القانوني لوجود قوات أميركية في العراق، لاسيما وأن القانون الأميركي لا يسمح بخضوع أي قوات عسكرية أميركية لقيادة غير أميركية. وبالرجوع إلى أصل الموضوع، فإن العراق والولايات المتحدة الأميركية قد وقَّعا اتفاقيتَين في عام 2008 وليست اتفاقية واحدة وهو ما لا يعلمه الكثير أو يتعمدون جهله.
أما الاتفاقية الأولى، فكانت اتفاقية وضع القوات Status of Forces Agreement، التي تُعرف اختصاراً باتفاقية SOFA، وقد وقّعها، في 17 تشرين الثاني/ نوفمبر 2008، هوشيار زيباري وزير الخارجية العراقي، وريان كروكر السفير الأميركي في العراق. وفي هذه الاتفاقية، تم تحديد الأحكام والمتطلبات الرئيسية التي تنظّم الوجود المؤقت للقوات الأميركية في العراق الذي يبدأ من تاريخ دخول هذه الاتفاقية حيز التنفيذ في 1 كانون الثاني/ يناير 2009، ويتواصل ثلاثة أعوام (المادة 30/ 1). وليس هناك أي مادة في هذه الاتفاقية تتيح تمديدها، وهذا يعني أن هذه الاتفاقية انتهت مع الانسحاب الكامل للقوات الأميركية من جميع الأراضي والمياه والأجواء العراقية، وهو الأمر الذي تحدد بتاريخ لا يتعدى 31 كانون الأول/ ديسمبر 2011 (المادة 24).
وأما الاتفاقية الثانية، فهي اتفاقية الإطار الاستراتيجي Strategic Framework Agreement التي تُعرف اختصاراً بـ SFA، وهي تتعلق بالصداقة والتعاون بين العراق والولايات المتحدة، وقد جاءت تماشياً مع إعلان مبادئ علاقة التعاون والصداقة الطويلة الأمد بين العراق والولايات المتحدة. وكما تم شرحها أعلاه.
*غير مُقَرَّة وغير مطبّقة
يؤكد سياسيون عراقيون، أن اتفاقية الإطار الاستراتيجي لم تكن أكثر من غطاء لقرار الانسحاب الأميركي من العراق، في وقت كانت الفوضى والانفلات الأمني يعمّان البلاد، وأن العلاقات بين بغداد وواشنطن ظلت رهن تغيير الحكومات في العراق والرئاسات الأميركية الثلاث الأخيرة (جورج بوش الابن، باراك أوباما، دونالد ترامب)، بينما يرى آخرون عكس ذلك تماماً، وأنها كُتبت بنفَس أميركي ولم تكن في صالح العراق.
وقال مسؤول عراقي رفيع المستوى في وزارة الخارجية ببغداد، إن "السنوات الماضية أثبتت أن الاتفاقية الأمنية مجرد عنوان، إذ كانت التوافقات والمزاج الأميركي وتبدل الإدارات الأميركية الحاكم في العلاقة بين العراق والولايات المتحدة".
وأضاف المسؤول، إن "الولايات المتحدة كانت تحتاج لتسويق خطوة انسحابها السريع، وغير المحسوب، من العراق لشيء تتعكز عليه، وهو ما حصل في الاتفاقية الأمنية".
وتابع: "بمراجعة بسيطة نجد أن إدارة ترامب تجاوزت أبرز بنودها بشأن مساعدة القوات العراقية في الحرب على الإرهاب، وصارت تساوم التسليح بمواقف سياسية. كما أنها تستّرت على اختراق طيران الكيان الصهيوني للأجواء العراقية أكثر من مرة، وقصفت أهدافاً تابعة لفصائل مسلحة".
ورأى، أن "العراق يحتاج إلى تفاهم مع الولايات المتحدة، بعيداً عن اتفاقية كُتبت قبل 16 عاماً، شهد فيها العراق والمنطقة تبدلات كبيرة ولم تشهد تطبيقا على أرض الواقع".
*الاحتلال موجود بطلب عراقي عام 2014
وعقب الانسحاب الأميركي النهائي من العراق، في ديسمبر/ كانون الأول عام 2011، لم يبقَ في المدن العراقية أي تواجد أميركي، باستثناء فرق التدريب والتطوير التي كانت تعمل مع وزارتي الدفاع والداخلية، ولا يتجاوز عددها بضع مئات. إلا أن اقتحام تنظيم "داعش" الإرهابي مدن شمال وغربي العراق عام 2014، وانهيار القوات العراقية في الأشهر الأخيرة من الحكومة الثانية لنوري المالكي، دفع الأخير إلى العودة مرة أخرى إلى واشنطن، وطلب من مجلس الأمن المساعدة العاجلة، الجوية واللوجستية، لمواجهة التنظيم وحماية بغداد.
وقد انتظرت الولايات المتحدة شهرين تقريبًا، ليعلن الرئيس حينها باراك أوباما، أوّل مرة، في 7 آب/ أغسطس عن تدخل القوات الأميركية بشكل مباشر في العمليات العسكرية بعد الطلب العراقي، عبر ضربات جوية أميركية محدودة ضد داعش؛ وذلك بعد مهاجمة الأخير لقوات البيشمركة في مخمور، وقد فُسِّر هذا الأمر بأنه محاولة للدخول إلى أربيل.
يضاف إلى ذلك أن التدخل العسكري الأميركي في العراق كان من خلال تقديم مساعدات عبر الجو للايزيديين المحاصرين في جبل سنجار. ولكن أوباما كان واضحًا بشأن هذه العمليات العسكرية، فهي في نظره “لا ترقى إلى مستوى المشاركة الكاملة في العراق”، وأكد ذلك بقوله: “بوصفي قائدًا عامًّا، لن أسمح للولايات المتحدة بأن تنجر إلى حرب أخرى في العراق”. ولكن الولايات المتحدة بدَت أكثر انخراطًا في الحرب بعد ذلك؛ من خلال إعلان أوباما في 10 أيلول/ سبتمبر 2014 عن تشكيل التحالف الدولي لهزيمة داعش، مع تحميل الحرب طابعًا دوليًا: “ليست معركتنا وحدنا”.
وفعلًا، بدأت عمليات دول التحالف الأخرى في العراق؛ ففي 19 أيلول/ سبتمبر 2014، انطلقت طائرات فرنسية من قواعدها في الإمارات العربية المتحدة، وقامت بأول عملية قصف جوي استهدفت داعش في الموصل.
*طلب برلماني لإلغاء الاتفاقية عام 2020.. وأسباب تجاهله
شهدت الأشهر التي تلت اغتيال قادة النصر بغارة أميركية غادرة قرب مطار بغداد الدولي مطلع عام 2020، تصعيداً من القوى السياسية ضد الاتفاقية. وبدا لافتاً أن كتلة المالكي، الذي وقّع على الاتفاقية، كانت من الداعين إلى إلغاء هذه الاتفاقية، مستندة على أنها تعطي الغطاء للقوات الأميركية بوجودها في العراق. ليصوت البرلمان العراقي، في يناير/ كانون الثاني من نفس العام، على قانون إخراج القوات الأجنبية، وإلغاء الاتفاقية الأمنية بأغلبية بسيطة، مع غياب أغلب الكتل السنية وجميع كتل الأكراد والتركمان والأقليات.
*"ليس قراراً مُلزِماً"
وعقب التصويت بإلغاء الاتفاقية، قال الخبير القانوني حيدر الصوفي إن مجلس النواب ليس من صلاحياته أن يصدر قرارات سياسية وإنما مهمته إصدار التشريعات والقوانين، ولذا فإن القرار الصادر هو في حكم التوصية أو الاقتراح.
وأضاف الصوفي، أن الحكومة الحالية – حكومة عادل عبد المهدي - هي حكومة تصريف أعمال أي إن مهمتها تسيير الأمور اليومية للبلد وليس اتخاذ قرارات بإلغاء الاتفاقية الأمنية مع الولايات المتحدة الأميركية".
من جانبها، لفت الخبير القانوني الراحل طارق حرب إلى أن قرار البرلمان ليس له أي أثر قانوني لأنه لم يقيد تنفيذه بزمن وترك الأمر للحكومة، وهو أمر أشبه بمسرحية هزلية من أجل امتصاص الغضب، وفق قوله.
وأضاف حرب، أن "رئيس البرلمان لم يوضح عدد المصوتين وعدد مَن قالوا نعم وعدد مَن قالوا لا، كما أنه كان يجب إصدار قانون وليس قرار".
*حكومة المالكي كانت أيضا تصريف أعمال.. لماذا عادت القوات الأميركية إذاً؟
لقد رفضت الولايات المتحدة وبعض القوى السياسية العراقية، مجرد النظر إلى قرار البرلمان القاضي بإخراج القوات الامريكية من البلاد وإلغاء اتفاقية الاطار الاستراتيجي بزعم أن الحكومة كانت بوقتها حكومة تصريف أعمال وأن قرارات البرلمان غير باتة وغير ملزمة، لكن بالعودة إلى الوراء قليلا نرى أن حكومة المالكي في أيامها الأخيرة كانت أيضا حكومة تصريف أعمال، فلماذا تمت الاستجابة من قبل أميركا لتشكيل التحالف الدولي والعودة للعراق؟ يتساءل مراقبون عن سبب كيل الولايات المتحدة بمكيالين لقاء تمرير مصالحها في العراق.
ويؤكد مختصون، أن الولايات المتحدة اتخذت من الاتفاقية غطاءً لبقاء قواتها في العراق، فاتفاقية الإطار الاستراتيجي لم تُقَر برلمانيا ولم تطبَّق على أرض الواقع ولا زال الاحتلال موجوداً في البلاد بطلب موجَّه الى مجلس الأمن عام 2014، في حين لازالت الولايات المتحدة تعصب عينيها عن قرار البرلمان عام 2020 للسبب أعلاه.