الحرب الأهلية الكردية: خفايا وأسرار.. كيف استنجد بارزاني بصدام ضد قوات طالباني؟
انفوبلس/ تقرير
بعد انتهاء حرب الخليج عام 1991، فرض مجلس الأمن الدولي منطقتي حظر جوي شمال وجنوب العراق لحماية الأكراد والشيعة، ومنعت القوات العراقية في عهد النظام البائد من دخولهما، وبذلك نال الأكراد نوعا من الاستقلالية، بما يشبه الدولة داخل الدولة، لكن السِّلم الأهلي بينهم لم يستمر طويلا.
وعقد الأكراد أول انتخابات برلمانية في مدن الإقليم عام 1992، كما عُقِدت أولى جلسات البرلمان في مدينة أربيل، حيث تقاسم الحزبان الرئيسيان الاتحاد الوطني الكردستاني بزعامة جلال الطالباني والحزب الديمقراطي الكردستاني بزعامة مسعود البارزاني مقاعد البرلمان بالتساوي.
*بداية الحرب
بعد الانتخابات البرلمانية، سرعان ما نشب الخلاف بين القطبين الكرديين بسبب الصراع على تقاسم النفوذ والسيطرة على الموارد، حيث بدأت الحرب الأهلية في كردستان في مايو/أيار 1994، واستمرت حتى سبتمبر/أيلول 1998 حين وقَّع الحزبان اتفاقية سلام برعاية الولايات المتحدة وبضغط منها.
الحرب الأهلية في كردستان العراق، هو صراع عسكري وقع بين الفصائل الكردية المتناحرة بالإقليم في أواسط التسعينيات، وكان أبرز فصيلين هما الاتحاد الوطني الكردستاني (PUK) والحزب الديمقراطي الكردستاني (PDK). وعلى مدار الصراع تدخلت الفصائل الكردية من إيران وتركيا وتدخلت كذلك في الصراع القوات الإيرانية والعراقية والتركية، مع التدخل الإضافي للقوات الأمريكية، وعلى مدار ثلاث سنوات من الحرب لقي ما يتراوح بين 3000 إلى 5000 مقاتل ومدني حتفهم.
*ذروة الصراع
بلغت ذروة الصراع المسلح بين الطرفين في 31 أغسطس/آب 1996، حين طلب البارزاني من صدام حسين دعما عسكريا للتصدي لقوات الاتحاد الوطني الكردستاني بزعامة الطالباني، التي سيطرت على محافظة أربيل مركز الإقليم.
استجاب صدام لطلب البارزاني، وكسرت القوات العراقية مناطق الحظر الجوي التي فرضها التحالف الدولي على البلاد شمال وجنوب البلاد بعد حرب الخليج عام 1991، حيث دخل نحو 30 ألف جندي من قوات الحرس الجمهوري المدرعة أربيل بعد 5 سنوات على خروجهم منها، وكانت فرصة لصدام حسين في إعادة السيطرة على مناطق شمال البلاد، ودحر قوات الطالباني.
استطاع البارزاني استعادة السيطرة على مدينة أربيل، ورافق ذلك سقوط ما يقرب من 5 آلاف قتيل وآلاف الجرحى، بعدها اضطرت القوات العراقية للانسحاب تحت وقع العملية العسكرية التي شنتها الولايات المتحدة، والتي عُرفت بثعلب الصحراء، ليعود الحزبان إلى مواقعهما الرئيسية، فالديمقراطي الكردستاني يتحكم في محافظتي دهوك وأربيل، في حين سيطر الاتحاد الوطني على السليمانية.
*مهاجمة صدام 1995
في شهر يناير من عام 1995 سافر ضابط المخابرات المركزية الأمريكية روبرت بايير إلى شمالي العراق مع فريق من خمسة رجال لإنشاء مركز للمخابرات المركزية الأمريكية، واتصل بالقادة الأكراد وتمكن من التفاوض على هدنة بين بارزاني وطالباني.
في غضون بضعة أيام اتصل بايير بلواء عراقي كان يخطط لاغتيال صدام حسين، وكانت خطته تقوم على استخدام كتيبة عراقية من 100 مارق لاغتيال صدام أثناء مروره من فوق أحد الجسور بالقرب من تكريت، أبرق بايير الخطة إلى واشنطن ولكنه لم يتلقَّ أي رد، وبعد مرور ثلاثة أسابيع تم تعديل الخطة بحيث تقوم بالهجوم القوات الكردية في شمال العراق بينما تهدم الكتيبة العراقية المتمردة أحد منازل صدام باستخدام مدافع الدبابات لقتله، أبرق بايير الخطة أيضًا إلى واشنطن ولكنه لم يتلقَّ أية إجابة، وفي الوقت نفسه وفي يوم 28 من فبراير وُضِع الجيش العراقي في حالة الاستعداد القصوى، وردًا على ذلك تم وضع الجيشين الإيراني والتركي أيضًا في حالة استعداد عالية، واستلم بايير رسالة من مستشار الأمن القومي توني ليك مباشرةً يخبره فيها بأنه قد تم كشف عمليته، ولقد تم إعلام الحلفاء الكرديين والعراقيين بهذا التحذير، وبناءً على تلك المعلومة انسحب بارزاني من الهجوم المخطط تاركًا قوات الاتحاد الوطني الكردستاني بقيادة طالباني تنفذ الهجوم بمفردها.
تم الكشف عن شخصية ضباط الجيش العراقي الذين كانوا يخططون لاغتيال صدام حسين باستخدام مدافع الدبابات وتم إلقاء القبض عليهم وإعدامهم قبل أن يتمكنوا من تنفييذ عمليتهم، ولكن بدأ هجوم الاتحاد الوطني الكردستاني حسب الخطة الموضوعة، وفي غضون أيام قليلة تمكنت القوات الكردية من تدمير ثلاث فرق عراقية وأسر 5 آلاف سجين، ورغم مطالبة بايير بالحصول على دعم أمريكي للهجوم، فإنه لم يحصل على أي دعم وأُجبرت القوات الكردية على الانسحاب، وعلى الفور تم استدعاء بايير من العراق وأجريت معه بعض التحقيقات القصيرة لمحاولة اغتيال صدام حسين، ولقد تمت تبرئة ساحته بعد ذلك.
*تركيا تدخل الحرب 1997
استمر القتال على مدار فصل الشتاء بين قوات الحزب الديمقراطي الكردستاني والاتحاد الوطني الكردستاني، ومما زاد الأمور تعقيدًا أن حزب العمال الكردستاني المناهض لتركيا كان موجودًا في العراق، وبموجب اتفاق ودِّي مع الاتحاد الوطني الكردستاني، قام حزب العمال الكردستاني بمهاجمة الآشوريين والمدنيين المؤيدين للحزب الديمقراطي الكردستاني، وردّاً على ذلك قامت القوات التركية بشن عملية هامر في شهر مايو في محاولة لنزع جذور حزب العمال الكردستاني من شمالي العراق، وتسببت هذه العملية في سقوط عدد من القتلى من جانب حزب العمال الكردستاني، ورغم ذلك استمر الحزب في العمل في شمالي العراق.
في يوم 25 سبتمبر قامت القوات التركية بإعادة الدخول شمالي العراق، ولكنها كانت متحالفة هذه المرّة مع الحزب الديمقراطي الكردستاني وهاجمت مواقع الاتحاد الوطني الكردستاني وحزب العمال الكردستاني في محاولة لفرض حالة وقف إطلاق النار بين الفصائل، وخلّفت هذه العملية مرة أخرى ضحايا كُثُر في جانب حزب العمال الكردستاني، وتم التفاوض على وقف إطلاق النار بين الحزب الديمقراطي الكردستاني والاتحاد الوطني الكردستاني.
رغم اتفاق وقف إطلاق النار، اندلع القتال مرة أخرة على طول خط الهدنة بين الحزب والاتحاد في شهري أكتوبر ونوفمبر، ولقد لقي 1200 مقاتل من الجانبين حتفهم في هذه الجولة من الصراع وفرّ 10 آلاف مدني من منازلهم، وفي يوم 24 من نوفمبر من عام 1997أعلن الحزب الديمقراطي الكردستاني عن وقف إطلاق النار من جانب واحد، ورغم أن الاتحاد لم يعلن رسميًا عن وقف إطلاق النار، فإنه أعلن أن جماعته تحترم الهدنة رغم زعمه أن الحزب قد انتهك الهدنة بمهاجمة مواقع الاتحاد في 25 نوفمبر.
*سبب الخلاف
يقول الكاتب الصحفي سامان نوح، إن الخلافات بين الحزبين الرئيسيين في كردستان بدأت منذ مطلع تسعينيات القرن الماضي، وكل منهما حاول السيطرة على الجزء الأكبر من السلطة، بما فيها السلطات الأمنية والاقتصادية والموارد.
ورغم مشاركة الحزبين في قيادة الإقليم منذ عام 1991، فإنهما -وحسب نوح- تصارعا على الفوز بأكبر قدر من النفوذ، ونتيجة لذلك وبسبب عدم إيمان الحزبين الرئيسيين بالديمقراطية وصناديق الاقتراع في وقتها، فضلا عن دعم الجهات الإقليمية مثل إيران للاتحاد الوطني وتركيا للديمقراطي الكردستاني؛ كل هذه العوامل أدّت إلى اقتتال كردي داخلي استمر 4 سنوات، وذهب ضحيته آلاف الأبرياء.
أما المحلل السياسي الكردي محمد زنكنة فيرى من جانبه أن الخلافات بين الحزبين الرئيسيين قديمة، وتعود إلى فترة الستينيات، خاصة بعد الانشقاق الذي حصل في المكتب السياسي للحزب الديمقراطي الكردستاني بين عامي 1964 و1966، والذي أدى في حينها إلى الانشقاق الذي وصفه "بالوحيد"، وبالتالي نشأة حزب الاتحاد الوطني الكردستاني بعد 4 سنوات على ذلك.
وعن الاقتتال الداخلي في الإقليم بين عامي 1994 و1998 واحتمالية تجدده، يرى زنكنة، أن معطيات العقود الأربعة من الستينيات وحتى التسعينيات تختلف كليا عن الواقع اليوم، إذ إن اتفاقية السلام بين الحزبين التي عُرِفت باتفاقية واشنطن عام 1998 أنهت الصراع المسلح بين الحزبين.
*الواقع الحالي
بعد أكثر من 24 عاما على الأحداث الدموية في الإقليم، تحتدم الخلافات السياسية مرة أخرى بين الكتل السياسية في مدينة السليمانية وبين الحزب الديمقراطي الكردستاني في أربيل، فحزب الاتحاد من جانبه -وعلى لسان سمير هوراني المتحدث الرسمي باسم نائب رئيس حكومة الإقليم- يعزو تلك المشكلات إلى أن مدينة السليمانية تضم المقرات الرئيسية للأحزاب الكردية المعارضة لحكومة الإقليم، وبعضها يؤيد الارتباط بالحكومة الاتحادية في بغداد.
*خلافات كبيرة
أظهرت بيانات رسمية أن الاستفتاء الشعبي على استقلال الإقليم الذي جرى عام 2017 أظهر حقيقة الخلاف بين قطبي كردستان، ففي الوقت الذي أيّد نحو 90% من سكان أربيل ودهوك -معقلي الحزب الديمقراطي الكردستاني- الانفصال عن العراق، أبدى 55% فقط من سكان السليمانية -معقل الاتحاد الوطني الكردستاني- رغبتهم في الانفصال.
ويؤكد سامان نوح أن الصراع بين الحزبين لا يزال مستمرا، مشيرا إلى أن موجة الاستياء الشعبي من الفقر والبطالة وانقطاع الرواتب أدت بالحزبين إلى اتهام بعضهما البعض بالتسبب في الأزمة.
ويبرهن على الانقسام الداخلي المستمر بأنه لا يوجد جيش أو جهاز أمني موحّد بين أربيل والسليمانية، فضلا عن أنه وفي كثير من الأحيان، فإن القرارات الإدارية التي تصدر من أربيل لا تُنفّذ في السليمانية والعكس صحيح، بما يعني أن هناك إدارتين منفصلتين، من دون وجود حكومة موحّدة بالشكل الذي يتم تصويره، حسب نوح.
واختتم نوح حديثه بتأكيد أن ما يضمن عدم عودة الحزبين للاقتتال الداخلي هو تقاسم السلطة والامتيازات، ولكل قطاعات الحياة الاقتصادية والأمنية وإبعاد جميع المستقلين عن الوظائف المهمة، معتبرا أن أي خطأ في عدم تقاسم النفوذ يمكن أن يعيد الاقتتال الداخلي، على اعتبار أن كلا الحزبين الرئيسيين -اعتماداً على ما يملكانه داخليا وعلاقاتهما الإقليميةـ مستعدان لتحريك الأطراف المتحالفة تجاه الآخر.