الحكومة العراقية توجّه بتصوير التحقيقات في مراكز الاحتجاز لضمان حقوق المتهمين

توثيق التحقيقات بالفيديو
انفوبلس/..
في خطوة تهدف إلى تعزيز الشفافية وتحقيق العدالة، أصدرت حكومة رئيس الوزراء محمد شياع السوداني توجيهًا بتصوير جلسات التحقيق مع المتهمين في مراكز الشرطة وأماكن الاحتجاز كافة.
وتأتي هذه المبادرة في ظل سعي الدولة لتطبيق معايير جديدة تهدف إلى توثيق الإجراءات الرسمية داخل الأجهزة الأمنية، حيث يُنظر إليها كأداة لتعزيز المساءلة والحد من التجاوزات المحتملة خلال عمليات الاستجواب والتحقيق.
واعتبر مراقبون وحقوقيون، أن "خطوة تصوير جلسات التحقيق خطوة استراتيجية لتمكين الجهات الرقابية والقانونية من رصد سير العملية القضائية بشكل دقيق، فضلاً عن كونه وسيلة لضمان احترام حقوق المتهمين أثناء إجراء التحقيقات".
ويبرز هذا القرار في ظل الضغوط الداخلية والخارجية التي تطالب بمزيد من الوضوح والشفافية في آليات التعامل مع المتهمين، خاصةً في سياق المطالب الدولية والمحلية بحماية حقوق الإنسان وضمان العدالة في كافة مراحل الإجراءات القانونية.
توثيق إجراءات التحقيق
مكتب رئيس الحكومة، محمد شياع السوداني، إلى الأجهزة الأمنية كافة، يأمر فيها توثيق إجراءات التحقيق مع المتهمين في مراكز الشرطة ودوائر التحقيق كافة
ووجهت حكومة رئيس الوزراء محمد شياع السوداني، بتصوير جلسات التحقيق مع المتهمين في مراكز الشرطة والاحتجاز كافة، بعد أسبوع من وفاة معتقل تعرض للتعذيب والضرب داخل مركز للشرطة ببغداد، وتعهدت حكومة السوداني بمحاسبة المسؤولين عن ذلك، ولاقت هذه الخطوة، ترحيباً واسعاً من الأوساط الحقوقية العراقية.
ووفقاً لوثيقة نشرها أعضاء في البرلمان العراقي، موجهة من مكتب رئيس الحكومة، محمد شياع السوداني، إلى الأجهزة الأمنية كافة، يأمر فيها توثيق إجراءات التحقيق مع المتهمين في مراكز الشرطة ودوائر التحقيق كافة.
وجاء في الوثيقة: "رئيس الوزراء يوجه وزارتي الدفاع، والداخلية، وجهاز المخابرات، وجهاز الأمن الوطني، بتوثيق إجراءات التحقيق مع المتهمين في مراكز الشرطة ودوائر التحقيق كافة عبر الكاميرات الفيديوية، وتكون مرتبطة لدى مدير التشكيل والجهات الرقابية لضمان مراقبة الإجراءات".
هل تحمي حقوق المتهمين؟
والاثنين الماضي، توفي مهندس عراقي يُدعى بشير خالد داخل مستشفى الكرخ العام في العاصمة بغداد، متأثراً بإصابته الشديدة، بعد فقدانه الوعي نتيجة لتعرضه للضرب المبرح عقب احتجازه في مركز شرطة.
ووفقاً لمسؤول أمني عراقي في وزارة الداخلية، فإن التوجيه جاء بعد توصية من لجنة وزارية أكدت غياب الشفافية وتضارب شهادات الضباط وعناصر الشرطة بشأن ما حصل للضحية بشير خالد في مركز الشرطة، وتعرضه للضرب، مضيفاً أن "هناك إجراءات تنظيمية أخرى سيتم اتخاذها تمنع إخضاع المتهم للتحقيق خارج غرف التحقيق الخاصة، بما يضمن عدم ضربه أو تعذيبه"، وفقاً لقوله، واصفاً ملف التعذيب والانتهاكات بأنه "تركة ثقيلة"، تعمل الحكومة العراقية على معالجتها.
وقال النائب في البرلمان العراقي، حسين عرب، في تدوينة له، تعليقاً على القرار: "التصوير الفيديوي أساس التحقيق في كل المراكز الأمنية منعاً لأي خطأ وحفظاً لحقوق المواطنين.. هكذا تبني الدولة خطوات المراقبة واتخاذ الإجراءات بحق المذنبين، ثمرة جهود صوتكم الحق".
بالمقابل، شكك آخرون من فاعلية هذه الخطوة وإمكانية أن تضع حداً لجرائم التعذيب بالسجون، وقال المحامي أمير الدعمي: "غرف المراكز كثيرة، والكهرباء أحياناً تطفى وتطفى معها الكاميرات والزنازين الانفرادية في غياهب الجبّ لا كاميرا توصلها ولا شمس". مضيفاً: "بدلاً من قرار كهذا لا يُغني عن التعذيب، يجب أن يكون منهاج الدولة تفكيك الجريمة بعلمية التحقيق، لا أن تُلبسها بعجزها للأبرياء".
تحديات القرار
أكدت الجهات المعنية، أن هذه الخطوة لا تأتي لتعريض أمن الدولة للخطر، بل هي جزء من إصلاح شامل يستهدف تحديث أساليب عمل الأجهزة الأمنية وربطها بمبادئ الحكم الرشيد والإدارة الرشيدة للمؤسسات العامة.
ومن جانب آخر، يرى مراقبون، أن "تطبيق هذا الإجراء يطرح تحديات عدة، تتعلق بضمان توازن دقيق بين حفظ سرية المعلومات الحساسة والحماية الكاملة للحقوق الفردية للمشتبه بهم، حيث يتعين على المسؤولين التأكد من عدم استغلال التسجيلات خارج سياقها القانوني وتأمينها من أي تدخل قد يؤثر على نزاهة التحقيقات".
كما أكدت الجهات المعنية، أن هذه الخطوة لا تأتي لتعريض أمن الدولة للخطر، بل هي جزء من إصلاح شامل يستهدف تحديث أساليب عمل الأجهزة الأمنية وربطها بمبادئ الحكم الرشيد والإدارة الرشيدة للمؤسسات العامة.
وقد رحّب عدد من المراقبين بخطوة الحكومة معتبرين إياها مسعى جريئًا نحو الشفافية، بينما دعا آخرون إلى ضرورة وضع آليات رقابية صارمة تراعي خصوصية الإجراءات القانونية وتضمن عدم المساس بسرية المعلومات الحرجة. في النهاية، يمثل هذا القرار مرحلة جديدة في تاريخ العمل القضائي في البلاد، إذ يسعى إلى رسم معالم نظام قانوني أكثر شفافية وعدالة يخدم مصالح الشعب ويعزز الثقة بين السلطات والمواطنين.
دعوات لتعديل القانون الجزائي
وفي سياق متصل، يرى مختصون في القانون أن خطوة تصوير جلسات التحقيق، رغم رمزيتها وأهميتها في تعزيز الشفافية، لا تمثل حلاً جذريًا للأزمة القائمة، بل تُعد إجراءً جزئيًا لا يعالج أصل المشكلة.
وأوضح عدد من القانونيين أن الحل الحقيقي يكمن في إحداث تعديل جوهري في البنية القانونية التي تنظم عمليات التحقيق، وعلى رأسها إلغاء المادة 50 من قانون أصول المحاكمات الجزائية، والتي تُمنح – كاستثناء – لضباط الشرطة صلاحية التحقيق مع المتهمين، وهو ما يرونه السبب الرئيسي في تكرار حالات العنف وسوء المعاملة داخل مراكز الاحتجاز.
ويشير المحامون إلى أن هذا الاستثناء جاء في فترة سبعينيات القرن الماضي، عندما كانت البلاد تعاني من نقص في الكوادر التحقيقية المتخصصة، ما دفع المشرّع حينها إلى تمكين ضباط الشرطة من القيام بمهام التحقيق، إلا أن هذا الاستثناء المؤقت تحوّل مع مرور الوقت إلى ممارسة دائمة، ما جعل أغلب مراكز الشرطة تتعامل مع التحقيق كجزء من عملها الأساسي، دون الفصل بين سلطة الاعتقال وسلطة التحقيق.
ويضيف المحامون، أن بقاء الجهة التي تقوم بالاعتقال هي نفسها الجهة التي تتولى التحقيق يفتح الباب أمام تجاوزات متعددة، إذ قد تُولّد ظروف الاعتقال ضغوطًا نفسية أو شعورًا بالإجهاد لدى عناصر الشرطة، وهو ما قد ينعكس سلبًا على سلوكهم أثناء التحقيق.
كما نبهوا إلى أن بعض الانتهاكات التي يتعرض لها المتهمون لا تحدث داخل غرف التحقيق الرسمية، بل في أماكن احتجاز أخرى لا تشملها الكاميرات، مما يتيح إمكانية التحايل على القرار الحكومي الجديد.
وفي هذا الإطار، دعا المختصون إلى ضرورة قيام الحكومة بمبادرة تشريعية تتضمن تعديل قانون أصول المحاكمات الجزائية، وإلغاء الاستثناءات التي تخول الشرطة إجراء التحقيق، لضمان عدالة إجرائية حقيقية، وتوفير بيئة قانونية تحترم حقوق الإنسان وتكفل الحماية الكاملة للمتهمين.
نقابة المهندسين
ويوم الأربعاء الماضي استنكرت نقابة المهندسين العراقية، في بيان شديد اللهجة، ما تعرض له المهندس بشير خالد من "تعذيب وحشي" أدى إلى تدهور حالته الصحية، ووصفت الحادثة بأنها جريمة صادمة تشكّل تهديداً خطيراً لجميع المهندسين والمواطنين الأبرياء، ولا يمكن السكوت عنها، مطالبة رئيس الوزراء ووزير الداخلية بالتدخل الفوري لفتح تحقيق مستقل ونزيه يكشف جميع ملابسات الحادث، ويقدم الجناة إلى العدالة دون أي تسامح أو تهاون.
فيما قال المتحدث باسم وزارة الداخلية العميد مقداد ميري، إن المهندس بشير خالد تعرض لحادث في بغداد بعد محاولته الدخول إلى مجمع الأيادي السكني بحجة دعوته على سحور، حيث تم منعه من قبل العناصر الأمنية.
وأضاف ميري، إن المهندس حاول تسلق السياج للوصول إلى شقة (مدير رواتب الشرطة الاتحادية اللواء عباس علي التميمي، مما أدى إلى وقوع مشاجرة بينهما، وعلى إثر ذلك، تم احتجاز المهندس بشير، ونقله لاحقاً إلى سجن الجعيفر، حيث تعرض للاعتداء من قبل موقوفين آخرين.