سايكس بيكو 2025.. تصاعد توترات ترقية قضاء الزبير إلى محافظة.. مطالب عفوية أم رسم جديد للخريطة؟

انفوبلس..
بالتزامن مع تجدد خلافات وصراعات خور عبد الله بين العراق والكويت، ظهرت مطالب نيابية بترقية قضاء الزبير البصري إلى محافظة مستقلة، الطلب الذي جوبه بالكثير من التشكيك في النوايا من وراءه لدرجة الاعتقاد بأنها خطوة أولى تمهد لخطوة أخرى يتم فيها تحويله إلى "دولة" كما حصل مع الكويت خلال رسم حدود المنطقة خلال فترة الاحتلال البريطاني.
الخبير الاقتصادي والدكتور البصري نبيل المرسومي ألمح لهذه الأمر بمنشور له على فيسبوك كتب فيه: "سايكس بيكو جديد يروج له في البصرة"، فأيده الدكتور عصام خيون بتعليق قال فيه: "الحديث عن سايكس بيكو جديد في البصرة يثير القلق فعلاً، خصوصاً مع الدعوات لفصل الزبير كمحافظة، والتغاضي عن حقوق العراق التاريخية في خور عبد الله وبعض الأراضي التي دخلت ضمن حدود الكويت بدون سند واضح. نحن نحتاج إلى صحوة للتعامل مع هذه المواضيع بحذر ومسؤولية، لأن التقسيم يبدأ بخطاب، ويتم بتنازلات، وينتهي بخسارة وطن".
وعلق أحد المتابعين وقال: "للأسف نعم أنها نفس الفكرة التي مزقت الوطن العربي. الترويج لفصل الزبير وتحويلها إلى محافظة مستقلة يُعد طرحًا خطيرًا ينبع من جهل بالتاريخ والجغرافيا الاجتماعية للبصرة، ويمثّل امتدادًا ذهنيًا لاتفاقيات تقسيم كتلك التي شهدها العالم العربي في سايكس بيكو. البصرة مدينة واحدة، بجغرافيتها وتاريخها وتركيبتها السكانية، وأي محاولة لتقطيع أوصالها إنما هي عبث بوحدة نسيجها العريق".
تاريخ الزبير
وفي ظل الحراك المتصاعد لتحويل الزبير إلى محافظة مستقلة، تعود الأنظار إلى تاريخ هذه المدينة العريقة التي جمعت بين النسيج النجدي والجذور العراقية الجنوبية، الزبير لم تكن مجرد نقطة عبور تاريخية، بل شكلت عبر قرون مركزاً دينياً وتجارياً وعلمياً، انعكست فيه تحولات الهوية الاجتماعية والسياسية للعراق الحديث، ومن رحم هذه التحولات، تتهيأ الزبير اليوم لكتابة فصل جديد من تاريخها، لكن هناك العديد من المراقبين يتحدثون عن "مخاطر" للأمر، تتعلق بأمور سياسية واقتصادية وإدارية.
ونشأت الزبير عام 979هـ (1571م) حول قبر نُسب للصحابي الزبير بن العوام، مما شكّل نقطة جذب اجتماعي وديني تحولت لاحقاً إلى مجتمع متماسك، وفق الكاتب والباحث سعد الشريف.
ويقول الشريف، "كانت موجات الهجرة من نجد في أوائل القرن الحادي عشر الهجري العامل الرئيس في تأسيس النواة السكانية الأولى، إذ أسس النجديون محلاتهم وأسوارهم، محتفظين بطابعهم العمراني والاجتماعي ومع مرور الوقت، تحولت الزبير إلى مركز علمي وديني بارز، تميز بمدارسه وجوامعه التي احتضنت آلاف الطلاب".
وأضاف: "ورغم التغيرات السياسية التي مرت بها المدينة، من العهد العثماني إلى الاحتلال البريطاني، ظل المجتمع الزبيري متمسكاً بهويته حتى منتصف القرن العشرين، حين بدأت التحولات الديموغرافية مع تصاعد الهجرات من الجنوب العراقي".
وبيَّن: "اليوم، ومع امتلاكها موارد اقتصادية ضخمة أبرزها النفط والموانئ، تبدو الزبير مهيأة لكتابة فصل جديد من تاريخها، مستندة إلى إرثها الطويل في مواجهة التحديات، وسعيها للارتقاء إلى مصاف المحافظات العراقية الكبرى".
مخاطر المشروع
اقتصادياً، يؤكد الخبير الاقتصادي نبيل المرسومي، أن "مشروع تحويل قضاء الزبير إلى محافظة يحمل الكثير من المخاطر الاقتصادية والإدارية، مشيرًا إلى أن الزبير تُعد "قلب البصرة النابض ورئتها الاقتصادية"، وأن أي محاولة لفصلها عن البصرة يشبه "بتر القلب عن الجسد"، ما لا يصب في مصلحة أي من الطرفين.
وأوضح المرسومي أن "البصرة الحقيقية تتمثل في الزبير والمدينة وشط العرب"، معتبراً أن "مشاريع إنشاء محافظات جديدة مثل الزبير أو تلعفر أو حلبجة تحمل طابعاً عبثياً، ولا تستند إلى دراسة دقيقة".
وأضاف، أن "الحديث عن تحسن حال الزبير بعد تحويلها إلى محافظة أمر مبالغ فيه، نظراً لما يتطلبه ذلك من تكاليف اقتصادية هائلة، تشمل إنشاء هياكل إدارية وأمنية جديدة، وزيادة المصاريف التشغيلية والاستثمارية، إلى جانب احتمال نشوء مشكلات حدودية مع المحافظات المجاورة".
ولفت إلى أن "الزبير تمتلك ثروات نفطية وموانئ وزراعات كبرى، لكنها في الوقت نفسه منطقة حيوية ترتبط بمصالح اقتصادية كبرى، وأن فصلها قد يؤدي إلى إرباك إداري واستثماري"، مضيفاً أن "وجود مقاومات اقتصادية لقضاء معين لا يعني بالضرورة استحقاقه للتحول إلى محافظة مستقلة"، مبيناً أن "الاتجاه العالمي اليوم هو نحو التكتلات الاقتصادية الكبرى، وليس نحو التقسيمات الإدارية الصغيرة".
وانتقد المرسومي توقيت طرح هذه المشاريع، معتبراً أن "الحديث عنها في سنة انتخابية يحمل أبعاداً سياسية تهدف إلى دغدغة مشاعر المواطنين، بعيداً عن حسابات المصلحة العامة".
وختم المرسومي بالقول إن "هذا المشروع خطير ومن المستبعد أن يحظى بموافقة مجلس الوزراء أو مجلس النواب، خاصة مع مؤشرات الأزمة المالية والاقتصادية التي يمر بها العراق حالياً، ومع احتمالات تغيير الحكومة بعد الانتخابات القادمة".
مخاوف من صراعات داخلية
وتناول الكاتب والباحث عادل علي عبيد قرار تحويل الزبير إلى محافظة، مشيراً إلى أن "هذا القرار يحمل في طياته أبعاداً متعددة، تبدأ من التحديات الاجتماعية والتاريخية وصولًا إلى الاعتبارات الاقتصادية والسياسية".
وقال عبيد، إن "الزبير، تاريخياً، كانت بمثابة نقطة التقاء للعديد من الهويات الاجتماعية والثقافية، حيث شكلت مزيجاً فريداً من سكانها الأصليين والوافدين من مختلف المناطق، مما أوجد نسيجاً اجتماعياً معقداً يغلب عليه الطابع النجدي الممزوج بتقاليد الجنوب العراقي".
وتحدث عبيد عن "قلقه من تأثير هذا القرار على النسيج المجتمعي المحلي"، محذراً من أن "الانفصال الإداري قد يؤدي إلى صراعات داخلية قد تكون غير متوقعة، نتيجة اختلافات في الانتماءات الاجتماعية والاقتصادية".
وفيما يخص الجانب الاقتصادي، بين أن "الزبير تمتلك مقومات قوية، خاصة في قطاع النفط والموانئ، إلا أن فصلها عن البصرة قد يتسبب في تقليص فرص التعاون التنموي والاقتصادي المشترك بين المدينة وأجزاء أخرى من المحافظة".
وأكد عبيد في ختام حديثه أن "تحويل الزبير إلى محافظة يجب أن يكون مدروساً بعناية فائقة، مع الأخذ في الاعتبار جميع الجوانب الاجتماعية والاقتصادية والثقافية التي قد تؤثر في استقرار المدينة ورفاهيتها".
إمكانيات ومقومات تاريخية
ورأى أمام جامع في الزبير وأحد وجهاء القضاء الشيخ سالم الشمري أن "النسيج المجتمعي في الزبير كان دوماً مصدر قوتها، حيث أُسست المدينة على قيم التعاون والترابط بين العائلات المختلفة إلا أن التحول إلى محافظة سيمكن المدينة من تطوير بنيتها الإدارية والاقتصادية، مما سيساعد على حل المشكلات التنموية ويعزز من قوة المدينة وسط تحديات العصر الحديث".
وأكد أن "الزبير تستحق أن تكون محافظة مستقلة، لما تملكه من إمكانيات ومقومات تاريخية، اجتماعية، واقتصادية تجعلها قادرة على رسم مستقبلها بيد أبنائها بكثافتها السكانية وتنوعها الثقافي، تستحق أن تدار وفقًا لاحتياجاتها الخاصة، بما يتماشى مع تاريخها العريق ومعاصرتها لعصر يعج بالفرص والتحديات على حد سواء".
بداية المحاولات
وفي الخامس والعشرين من آذار الماضي، قدم النائب عن محافظة البصرة رفيق الصالحي طلبا لرئاسة مجلس النواب لترقية قضاء الزبير الى محافظة أسوة بمحافظة حلبجة.
وقال الصالحي في تصريحات صحفية "تم جمع 83 توقيعا من أعضاء مجلس النواب وقد يصل الى 150 نائبا بخصوص طلب تحويل الزبير الى محافظة"، مبينا أن "كل المقومات موجودة في الزبير وتعداد السكان أكثر من محافظتين وأكثر من دولتين".
وعزا النواب الموقعون السبب في تقديم طلبهم هذا الى مطابقة الزبير للمتطلبات الادارية كافة، وكون عدد سكان القضاء قد تجاوز مليون و400 ألف نسمة، ولوجود موارد نفطية وزراعية، ومنافذ حدودية وموانئ، وشركات صناعية، وكبر مساحته، والموقع الجغرافي الذي يتميز به القضاء.
رد المحافظ
جوبهت تلك الدعوة برفض كبير من قبل المحافظ أسعد العيداني وأنصاره، والذي قال في تسجيل صوتي: "شاهدت وثيقة موقعة من النواب يدعون أن يكون قضاء الزوار محافظة"، متسائلاً: "هل يمكن انتزاع البصرة أو اقتطاع البصرة من البصرة؟ لأن المفترض بالموقعين الرجوع الى التاريخ، حيث يجدون البصرة والآن آثار البصرة في مسجد الخطوة للإمام علي (ع) هي تمثل البصرة، لذا لا يمكن استقطاع البصرة من البصرة".
وأضاف: "إذا أردنا الذهاب الى هذا الموضوع، وكل قضاء ممكن يتحول الى محافظة، ولذلك البصرة ستكون ست محافظات"، مردفاً أن "القرنة أقدم بهذا الموضوع، وقضاء المدينة أيضاً، وقضاء شط العرب وأبي الخصيب وممكن قضاء سفوان، لذا ممكن أن تتحول هذه الأقضية إلى محافظات، وبعدها علينا نحن أهل البصرة أن ندعو إلى إقليم، والدستور سمح لنا أن نذهب إلى الأقاليم".
وتحدث العيداني عن محافظة ميسان ضارباً مثلاً حول الموضوع، بالقول: "ممكن أن تكون الكحلاء محافظة، وممكن أن يكون المجر محافظة، وأيضاً تكون عبارة عن إقليم ميسان، لأن ميسان كانت مملكة في يوم من الأيام".
وتابع: "ذي قار التاريخ والحضارة أيضاً. ممكن أن نذهب إلى الدوّاية لتكون محافظة، وسوق الشيوخ تكون محافظة، وأيضا نذهب إلى اقليم ذي قار، لأن عمرها سبعة آلاف سنة، ويجب أن يكون أيضاً لها تاريخ عراقة، وهي عمق العراق والإرث التاريخي للعراق".
محافظ البصرة، أضاف أنه "إذا ذهبنا إلى كل قائمقامية لتكون محافظة علينا أن نذهب وممكن أن نجعل كل محافظة من هذه المحافظات الثلاث إقليماً، أو نذهب إلى ثلاث محافظات لتكون إقليماً، ويكون إقليم آخر في موقع ما أسوة بإقليم كوردستان".
ونبّه الى أن "الدستور سمح لنا بذلك (إنشاء إقاليم)، لكن فكر هؤلاء بالظروف الآن وهل فكروا بتماسك هذه المحافظة؟ أو أنهم مجرد فكروا بأن لديهم النفط والميناء وعندنا 400 ألف نسمة ويجب أن نكوّن محافظة؟".
وبيّن العيداني أن "هذا الموضوع واضح عند الشعب البصري، ورأيت رد فعل الإخوة (النواب)، لذا لم أهتم شخصياً لهذه الدعوة، وأقول إذا سارت وفق القانون من حقها، لكن أيضاً من حقنا أن نرده وفق القانون".