النظام السابق كان طائفياً.. أبرز ما جاء على لسان رئيس الوزراء في حوار تلفزيوني مع الجزيرة
انفوبلس..
تحدث رئيس مجلس الوزراء محمد شياع السوداني في لقاء متلفز عن جملة من الملفات التي يمكن من خلالها معرفة رسالة حكومته وبرنامجها والطريق الذي تسلكه منذ بداية تكلفيها، حيث تكلم عن قضية سرقة القرن والعلاقات الدولية والاقتصاد وقطاع الطاقة والإصلاح والقضاء على الفساد والسيادة ودور العراق في المنطقة وغيرها من الملفات المهمة.
جاء ذلك خلال لقاء متلفز عرضته قناة الجزيرة بجزأين، وتعهّد السوداني لبرنامج "المقابلة" بمحاسبة أسماء كبرى من المتورطين في قضية "سرقة القرن"، وقال إن التحدي الذي يواجه الدولة العراقية اليوم هو الفساد، وإن "الجزء الأكبر من الفساد محمي من الواجهات السياسية أو الرسمية"، ولم تكن هناك إرادة حقيقية لمكافحته في الفترة السابقة، في حين أن جزءا من الفساد هو مجتمعي بسبب غياب المحاسبة.
وأضاف السوداني، إن "سرقة القرن ــ وهي ضمانات ضريبية سُرِقت بمقدار 3 تريليونات و7 مليارات دينار ــ فيها حماية وغطاء رسمي حكومي، والقضاء يتحدث عن وجود شبكة من كبار المسؤولين في الحكومة السابقة أسهموا بالتغطية وتقديم التسهيلات لشبكة من السُرّاق استولت على هذه الأموال".
وحول طريقة تعامله مع المسؤولين الذين يؤكد تورطهم في "سرقة القرن"، قال رئيس الوزراء العراقي: "هذه القضية بالتحديد إذا لم تكن فيها محاسبة واسترداد للمال العام فأي حديث عن مكافحة سيكون عبثا وضحكا على الذقون".
وأكد، إنه كان واضحا وصريحا منذ اليوم الأول للرأي العام ومع مجلس القضاء الذي أخبره: "أيا كان المتورط في القضية مهما كان موقعه أو صفته أو قربه من هذه الجهة أو تلك، أنتم بحكم القانون تقومون بإصدار أمر القبض وأنا المعني بجلبه سواء داخل العراق أو خارجه".
وردّاً على سؤال حول ما إذا كان يتوقع شيئا قريبا ضد أسماء كبرى، أجاب قائلا: "نعم.. ضد أسماء كبرى في هذه السرقة الكبيرة.. ويجب أن يحاسبوا لأنه لا وجود لخطوط حمراء".
وفي أكتوبر/ تشرين الأول الماضي، تم الكشف لأول مرّة عن قضية "سرقة القرن" التي تورط فيها مسؤولون سابقون كبار ورجال أعمال، وأثارت سخطا شديدا في العراق الذي شهد في السنوات الماضية احتجاجات واسعة تطالب بوضع حد للفساد.
ورفض السوداني توجيه التهم لجميع الطبقة السياسية بالفساد، متحدثا عن خلط مقصود بهدف إصابة الجميع باليأس وترك الساحة لطبقة محددة.
وعن التحديات التي تواجهه داخل الإطار التنسيقي الذي يعبر عن القوى الشيعية في العراق، قال السوداني إنه قبل تكليفه بتشكيل الحكومة كان هناك نقاش بينه وبين قيادات قوى الإطار، واستعرض أمامهم التحديات وكيفية مواجهتها، وقال إنهم تناولوا كل القضايا الحساسة وخاصة إشكالية الفصائل المسلحة ووجود التحالف الدولي، وكشف أنهم منحوه تفويضا بأنه وحكومته مَن تفاوض وتحدد شكّل العلاقة مع التحالف الدولي بهدف الخروج باتفاق واضح المعالم.
وأضاف، إنه في حال الاتفاق سينتهي دور السلاح عند أي جهة، وقال إن حكومته بدأت خوض الحوار مع التحالف الدولي وهناك أفكار تُفضي إلى اتفاق "ولن يكون هناك مبرر لوجود أي سلاح غير سلاح الدولة".
وبشأن الوجود الأميركي في العراق، أشار إلى أن داعش انتهى اليوم وأن القوات الأمنية العراقية قادرة وعلى درجة من الجهوزية لتوفير الأمن في كل العراق، وما يحتاجه البلد من الأميركيين ليس وجودا قتاليا وإنما هو علاقات أمنية وتدريب وهذا يُراد لها سياق جديد.
وعن الوضع العراقي، أشار رئيس الوزراء إلى أن العراق خرج من عنق الزجاجة وحقق نصرا على الإرهاب، والعملية السياسية تشهد بناءات إيجابية، لكن هناك اليوم مشكلة البطالة والفساد والخدمات، مؤكدا ضرورة الإصلاحات الاقتصادية مثل تفعيل القطاعات والاستفادة من الثروات الطبيعية، فالعراق ليس بلدا نفطيا فقط يمكن أن يكون بلدا زراعيا وصناعيا، ويجب أن تقوم العملية على رؤية وفلسفة جديدة وليس على رؤية النظام الاشتراكي.
وعن العلاقات العراقية الإيرانية، وصف السوداني إيران بأنها دولة جارة دعمت العملية السياسية بعد 2003 وعلاقاتها طيبة مع كل المكونات العراقية، ونفى وجود أي تدخل أو وصاية من طرف الإيرانيين في مراحل تشكيل الحكومة ومفاوضاتها العسيرة، معتبرا في نفس السياق أن مسألة التدخل الإيراني مرفوضة، وأن العراق لا يريد أن يكون ساحة لتصفية الحسابات.
وبينما أشاد رئيس وزراء العراق بعلاقات بلاده بالسعودية والكويت وتركيا، قال إن الاتفاق السعودي الإيراني مهم جدا بين دولتين مهمتين في المنطقة وسيُسهم في تحقيق الاستقرار والتنمية.
ومن جهة أخرى، أكد أنه لا بد من عودة سوريا إلى جامعة الدول العربية، وأن يتم التعامل مع النظام الرسمي فيها، قائلا إن سوريا تتعرض لمشاكل حقيقية خاصة بعد الزلزال الأخير.
وأضاف، عايشنا صوراً مؤلمة من الحروب العبثية والقتل والتهجير قبل 2003، بعدها استبشرنا خيراً بدستور جديد ثبّت الحقوق والواجبات، لكن بدأ فصل آخر هو الإرهاب والقتل الطائفي الممنهج، وكنا يومياً نواجه مواقف أليمة في الشوارع والأسواق، وهو ما ترك أثره وصولاً إلى حلقة داعش، التي سيطرت على مساحات كبيرة من العراق، لافتاً إلى أنه خلال تلك المدة تم إنجاز الكثير، لكن المتوقع كان أن يجري إنجاز أكثر مما حصل، وكان هناك تراجع في الاقتصاد والتعليم والخدمات. وكان من المفروض تقديم ما هو أفضل. ونقرّ بوجود سوء في الإدارة، واستفحال لظاهرة الفساد.
وتابع: في انتخابات عام 2018، كان هناك عزوف وفي عام 2019، حدثت تظاهرات تشرين، وفي عام 2021، أيضاً شهدنا عزوفاً عن المشاركة في الانتخابات، وهذه رسائل استلمناها، مشيراً إلى أن هناك من تسبب في الفساد وتواجد في السلطة واستخدم المنصب لأغراض حزبية وشخصية، لكن حين نتحدث عن بلد مرّ بهذه الهزّات العنيفة فإن الظروف ليست مثالية، وهناك من وقف موقفاً وطنياً وحافظ على المال العام، وبالأرقام تحقق الكثير في كل قرية ومحافظة ومدينة، وتغيّر الوضع.
ولفت إلى أن يكون رئيس الوزراء من عراقيي الداخل يفهمها الناس بأنه قريب من عندهم وعاش معهم سنوات المحنة، وهذا لا يعني أن الإخوة الذين قدِموا من الخارج كانوا بعيدين عن المواطن، إنما بحُكم طبيعة الحياة والأوضاع ربما لم يوفَّقوا في ترتيب الأولويات، أعرف طبيعة المواطن العراقي، كنتُ موظفاً في مديرية زراعة ميسان منذ 1997، ولغاية 2003 ثم تدرّجت بالعمل في مجلس المحافظة ومحافظاً بعد ذلك.
وحول سيرة حياته وتاريخه، كشف السوداني: كنتُ في العاشرة من العمر واستذكر المجموعة التي كانت مع والدي، كانوا ذوو إيمان بمنهج الدعوة، وكانت مهمتهم إسلامية أكثر من كونها سياسية أو معادية للنظام، وعملوا على التبليغ الإسلامي ومساعدة العوائل التي تعرّضت للسجن، وجرى إمساك الحلقة وانتزاع الاعترافات، ووالدي كان في فرنسا للعلاج، وأُعيد دون إجراء عملية جراحية، وكان يعاني من قدمه، وجُلِب بسيارة إسعاف، وأُعدِم وهو على هذه الحالة، وتُرِكَت عائلتي بلا مصدر للدخل بعد إعدام والدي، واضطررنا للعمل في الظرف الأصعب وهي سنوات الحصار من أجل إعالة أسرتي وفي مختلف الأعمال.
وأضاف: حين تولّيت رئاسة هيئة المساءلة والعدالة تعاملت معها بجنبة مهنية صرفة، وطبّقتُ القانون بحذافيره، لم يكن لدي أي نشاط سياسي قبل عام 2003، وبعد ذلك التاريخ بدأت الأحزاب الإسلامية، بما فيها حزب الدعوة الإسلامية تتواجد وتحتضن عوائل الشهداء والسجناء، وكُلِّفتُ بمهام قائممقام مدينة العمارة لعملي وليس لانتماء حزبي، اليوم أعمل 17 ساعة باليوم لأن العراقيين يستحقون الخدمة فقد ضحَّوا بكل شيء من أجل بلدهم.
وتابع: حين نقول إن الأحزاب تجتمع فتشكل حكومة ائتلافية فهذا حق طبيعي، وأما من يأتي برغبة للسيطرة على مفاصل الوزارة فيأتي الوكيل والمستشار والمديرون العامون من نفس الحزب، فهذا خطأ، لا يجب أن نشترط الانتماء لهذا الحزب أو ذاك، وهذا ما نواجهه كسلبية من سلبيات المرحلة السابقة، وأنا متشدد في هذه الجزئية، ففي ظل الأزمات الكبيرة التي مررنا بها، أرى أن الجميع قد استوعب الدرس، في بداية العملية السياسية، وقدرنا كعراقيين، بمختلف مكوناتنا وأطيافنا، أن نعيش معاً في هذا البلد، فلا مجال لإلغاء الآخر.
وبشأن نهاية النظام السابق، قال السوداني: نهاية صدّام درس لكل من يتواجد في الحكم، بأن ينظر إلى مصير الطغيان والقتل والسرقة ويذهب بالبلاد إلى سياسات عبثية وطائفية كما كان النظام البعثي، قبل عام 2003 كانت هناك عصابة تسيطر على مقاليد الأمور، وكان التمايز موجوداً إلّا أنه مسيطر عليه بقوّة النظام، ولم يكن هناك شيء اسمه المشاركة والمكونات وحرية الأديان والشعائر، وبعد 2003، ونتيجة الكبت ومصادرة الحقوق، ذهب الجميع إلى طرح المخاوف بتثبيت الحقوق في الدستور، وهذه من الإشكاليات التي يُشار إليها في الدستور.
ونوه إلى أنه لا يوجد استهداف للمكون السُنّي بذريعة أنه جزء من النظام السابق، فقد تعرّض لظلم ذلك النظام مثل باقي العراقيين، وهناك مجازر ارتكبها النظام ضد عشائر وشخصيات سُنّية، فبعد عام 2003، كان هناك جزء من المكوّن السنّي رافضاً لعملية التغيير ولا يؤمن بالعملية السياسية، ومع مرور الوقت آمن الجميع بأن التغيير يجري من خلال العملية السياسية نفسها.
ولفت السوداني إلى أنه في معظم دول العالم يكون منصب الوزير سياسياً، ويجب أن يترك ما دون الوزير للمهنية، ويفترض بالقوى السياسية أن تُراعى المواطنة وهناك مجالات يجب أن تُترك للمهنية وتُعطى الفرصة للعمل.
وبخصوص وضع العراق اليوم، قال رئيس الوزراء: نعيش اليوم في حرية تعبير وحق التظاهر والتعبير عن الرأي، إذ يمكن انتقاد رئيس الوزراء ورئيس الجمهورية والحكومة ويكون المواطن في مأمن، في كل المشاكل السياسية والأمنية منذ عام 2003، فإن ما هو إيجابي يتمثل في المحافظة على الانتقال السلمي للسلطة دورة بعد أخرى، لافتاً إلى أنه ليس لدينا صلاحيات مطلقة، وهناك فصل بين السلطات، فلدينا سلطات قضائية وأخرى برلمانية، وكل المكونات تشارك في صُنع القرار، وقبل تشكيل حكومتنا كانت هناك تجاذبات سياسية خطيرة، لكن التنافس كان يدور في أروقة المحكمة الاتحادية وفي نصوص الدستور، مشيراً إلى أن التنوع الموجود في العراق هو عامل قوة وليس ضعفاً، ويجب أن نضع مصلحة العراق فوق كل اعتبار وما نتخذه من قرارات إنما يخص كل العراقيين.
وحول المواقف العربية من العراق، أكد السوداني: واحد من الأخطاء الاستراتيجية للعرب أنهم ابتعدوا عن العراق، وتركوه طويلاً واعترفوا بذلك خصوصاً بعد تهديد داعش. مَن وقف أمام عصابات داعش هم العراقيون، وقاتلوا نيابةً عن العالم، وهنا أيقن الجميع بضرورة عودة العرب إلى العراق، وليس عودة العراق إلى العرب، فالعراق كان ولا يزال موجوداً. مشيرا إلى أن خليجي 25، كانت تعبيراً عفوياً عن طبيعة الشخصية العراقية.